المعارضة برؤية الإمام الشيرازي

احمد جويد/مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

"على الحكومة الإسلامية أن تسمح للمعارضة بأن تعيش في كنف الإسلام، وظلال الحكم الإسلامي، وحقوقها محفوظة ما دام لم تشهر السيف والسلاح ضد المسلمين، وهكذا كان يتعامل رسول الله(ص) وأمير المؤمنين (ع) مع أفراد المعارضة".

 الكلام للمرجع الديني الراحل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في معرض الإجابة بخصوص حقوق المعارضة في استفتاءات حول السياسة الإسلامية، ونحن نعيش ذكرى رحيله الحادية عشر كان لابد لنا أن نبحث في خزائن مؤلفاته ونفائس علومه، فوجدنا من المناسب التطرق إلى حقوق المعارضة برؤية إسلامية معاصرة رسمها لنا لتكون منهج حياة لجميع المعارضين ضمن الضوابط الإسلامية الشرعية.

 فقد كثر الكلام في العقد الأخير حول المعارضة في البلاد الإسلامية رغم أنها لم تكن حديثة العهد إلا أنها اتخذت طابع العنف الذي يسبب سفك الدماء سواء من قبل الحاكم الذي يدافع عن بقاء سلطانه وحكمه بكافة الوسائل المتاحة لديه أم من قبل من يسيء فهم المعارضة ويسعى إلى القتل والخطف والتخريب، وقبل البحث في هذا الكلام لابد لنا من تصنيفها لمعرفة من هي المعارضة التي يقصدها الإمام الراحل في كلامه المتقدم.

 وبشيء من البساطة والإيجاز يمكن أن يكون تصنيف المعارضة لنظام الحكم والسلطة إلى صنفين:

الصنف الأول؛ المعارضة المسلحة:

 وهي التي تؤمن بان التغيير والإصلاح لا يتمان إلا من خلال استخدام العنف، وهذا النوع من المعارضة كثيراً ما يلجأ أصحابه إلى اسلوب حمل السلاح ويكون هدفه الأول الاستحواذ على السلطة والحكم وينتهي بمجازر ومذابح تطال العديد من الأبرياء ممن لم يكونوا طرفاً في المعارضة ولا في السلطة، وهذه المعارضة تنشأ حينما يكون الحاكم مستبداً واسلوب الحكم فردياً، وفردية الحكم أما أن تكون بيد شخص أو جماعة تحتكر السلطة سواء كانت عائلة أو حزب أو عصابة كـ(العسكر) على سبيل المثال- حينما يصل إلى السلطة عن طريق الانقلاب.

 ولا بد هنا من التمييز بين المعارضة المسلحة والتمرد العسكري، فالأول يحصل نتيجة استنفاذ كافة الوسائل السلمية للمطالبة بالإصلاح في منظومة السلطة والحكم وتكون أما عفوية وتحركها أيادي خفية أو منظمة تعمل بشكل سري.

 أما الآخر-التمرد العسكري- والذي يمثل إرادة فرد أو جماعة لديها جناح عسكري نظامي –غالباً ما يكون جزء من جيش الدولة- استغلت منحها مسؤوليات معينة في الدولة مكنتها من استغلال الموارد المادية والبشرية التابعة للدولة وأغرتها طموحاتها الشخصية بالسيطرة على السلطة والحكم فاتبعت اسلوب التمرد العسكري لإضعاف الدولة والوصول إلى مقاصدها، وهذا ما فعله معاوية -على سبيل المثال- في قيادة تمرد عسكري على السلطة الشرعية للإمام علي (ع) مستغلاً إمكانيات الدولة المادية والبشرية التي منحها له الحكام السابقين، وبالتالي يكون خارج عن مفهوم المعارضة بجميع الضوابط التي سار عليها النبي (ص) ومن بعده أمير المؤمنين(ع).

الصنف الثاني المعارضة السلمية:

 وهي المعارضة التي تنشأ ليكون هدفها الإصلاح وليس السلطة وتكون ايجابية في عملها وغير معطلة لمؤسسات الدولة، أما إذا أراد أصحابها الوصول إلى السلطة فيتم ذلك بالوسائل السلمية التي تبتعد عن العنف والتآمر وإراقة الدماء، وهذا النوع من المعارضة هو الذي يجب أن يعيش في كنف الدولة الإسلامية وهو المقصود من الكلام المتقدم للإمام الشيرازي، وغالباً ما ينشأ نتيجة لممارسات الحاكم الاستبدادية أو انحرافه عن النهج الصحيح لإدارة الدولة وابتعاده عن الموازين الشرعية والأخلاقية.

 لقد انتهج الإمام الشيرازي اسلوب المعارضة السلمية لتكون معارضته مبنية على أسس شرعية وأخلاقية هدفها الإصلاح لا الوصول إلى السلطة والزعامة، وكان بإمكانه الحصول على ما يريد لو أنه ساوم ولو للحظة واحد أو بموقف واحد على حساب ما يؤمن به ويعتقد به من سلامة المبدأ ووضوح الرؤية، وكان ذلك النهج معتمداً على خط أمير المؤمنين (ع) في نهجه المعارض لسياسة من سبقوه في السلطة والحكم.

 فالمساس بالشريعة الإسلامية، الاستبداد والظلم من قبل الحاكم، الضعف السياسي والإداري والخيانة المالية وإشاعة الفقر داخل المجتمع، جميعها تقع ضمن ضوابط المعارضة الشرعية عند الإمام علي (عليه السلام) والتي التزم بها الإمام الشيرازي(رحمه الله) وأوصى أن تتخذ جانب السلم وتبتعد قدر ما تستطيع عن العنف.

 يقول(رحمه الله): لقد سمح النبي (ص) والإمام علي (ع) للمعارضة سواء كانوا أفراداً أو جماعات أن يقوموا بدورهم تعليماً للأمة في السماح للمعارضة، وإن كانا هما معصومين، وقد ورد في القرآن الكريم في النبي (ص) : {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى}. وقال (ص) في الإمام علي (ع): علي مع الحق والحق مع علي، ورغم ذلك فانهما أعطيا الحق لأي شخص الاعتراض ضمن الضوابط الشرعية المتقدمة الذكر.

 فالمجدد الراحل(رحمه الله)، قدم نظرية شاملة لم تقتصر على طائفة معينة أو دين معين إنما كانت تستهدف الإنسانية جمعاء، في رؤية إصلاحية متقدمة نابعة من المنظور الإسلامي الحنيف وتعاليمه السمحاء، قادرة على معالجة معظم الإشكاليات الدينية والاجتماعية والسياسية على مستوى العالم والمنطقة وملتزمة بالجانب الشرعي لتكون خالية من التعصب والتطرف اللذان يفسدان حياة الإنسان، ومن الممكن ان تضع لنا تلك المنهجية الكثير من الحلول في وقتنا الراهن وتساهم مساهمة فاعلة بوقف إراقة الدماء التي تسفك اليوم في العديد من البلدان الإسلامية وتضع حداً لجبروت الحكام والجماعات المتشددة والمتطرفة التي تتخذ من معارضتها للحكم الجائر شعاراً تسوغ لنفسها من خلاله استخدام العنف وسفك الدماء.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/أيلول/2012 - 15/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م