شبكة النبأ: تسربت مؤخرا أنباء عن نية
مجلس النواب بوضع (أربعة فقهاء) من رجال الدين، ليشكلوا سلطة تفوق سلطة
المحكمة الاتحادية، التي تعد صمام الامان في الفصل بين القضايا
المستعصية والبت بها، درءا لمخاطر امتدادها الى صراع اكبر واخطر بين
السياسيين او غيرهم.
الانباء اعلاه أثارت جدلا بين اوساط المثقفة والمعنية بهذا الامر،
وحدث قلق كبير ومخاوف جدية على الديمقراطية العراقية، وتحدث كثيرون عن
دولة الفقيه القادمة الى العراق!!، من خلال سلطة قطعة لاربعة اشخاص،
يمكنهم البت بكل القضايا المصيرية التي تهم العراق وشعبه.
واذا صحّت النية بتكريس هذا الهدف، واختيار اربعة رجال لاغير، لكي
يكونوا المرجع الاخير في البت بالخلافات المستعصية، وقبول القرارات او
رفضها، فإن الامر يبدو في غاية الخطورة فعلا، إذ لافرق بين فرد واحد
واربعة افراد، بمعنى اننا سنعود الى الدكتاتورية الفردية حتما، وهذا ما
لا نريده قطعا ولا نحلم به، بل لانفك ربه البتة، ولا نقبله، والسبب أن
الانسان مهما كان متعلما وحذقا ومحنكا وذا خبرات كبيرة وواسعة، إلا انه
لا يصلح قط كي يكون حاكما فردا أوحد، لأنه قابل للخطأ في اتخاذ القرار،
واذا اصبح مسؤولا لوحده عن دولة وشعبها، فإن مصير هذه الدولة والشعب
سيكون تحت امرته ورؤيته وعقليته وقراره الفردي الشخصي، ولايمكن ان يكون
هناك اختلاف كبير فيما لو كان المرجع الاعلى فردا او اربعة.
إن مجرد التفكير بهذه الخطوة يشعر الناس بالرعب حقا، ففي الوقت الذي
يحلم فيه العراقيون بدولة مدنية، ونظام مؤسساتي ديمقراطي، ينبني ويقوى
مع مرور الوقت، في هذا الوقت تخرج علينا انباء ونوايا لسياسيين
وبرلمانيين، وربما اجندات اخرى تغذي الامر، لتقول للعراقيين سنضع فوقكم
اربعة اشخاص يحسمون الامر في خلافاتكم السياسية وغيرها.
هذا الامر فيما لو صحّ، فانه سيكون بمثابة الخطوة الاولى في مسار
عودة العراقيين الى الدكتاتورية، وسوف تكون دكتاتورية مشرعنة لا احد
يستطيع المساس بها، او رفضها او الوقوف بوجهها، طالما أن مصدرها السلطة
التشريعية للبلاد، أي البرلمان، وهكذا نبدأ بأنفسنا بالقيام بالخطوة
الاخطر لتدمير تجربة عراقية، قدم من اجلها العراقيون ما يصعب احصاؤه من
الارواح والدماء، والممتلكات وفرص التقدم وسوى ذلك من الخسائر المادية
والمعنوية التي تفوق التصوّر، بل وحتى الخيال.
وقد رافقت تحقيق هذا الهدف تصريحات وتبريرات لبعض السياسيين او
المعنيين، حاولت أن تقلل من اهمية هذا الامر (مع فداحته الكبيرة)، بل
حاول بعضهم تسفيه القضية، فيما طالب آخرون بعدم اعطاء هذه الخطوة اكبر
من حجمها!!!.
مع ان الجميع يعي ويفهم خطورة هذه الخطوة، وما ستجلبه من اضرار
كارثية على العراق وشعبه ودولته فيما لو تم تنفيذها فعلا، حيث أعرب
(سياسيون وخبراء قانونيون ونشطاء في مجال حقوق الإنسان، عن تخوفهم من
إقرار قانون المحكمة الاتحادية في شكله الجديد الذي يسمح لأربعة فقهاء
في الشريعة الإسلامية، بحق النقض «الفيتو» ضد أي قرار يرون أنه لا
يتطابق مع الشريعة. وجاءت هذه المخاوف والتوجّسات خلال جلسة حوارية
أقامها المجلس العراقي للسلم والتضامن،ومركز المعلومة للدراسات
والأبحاث وحضرها سياسيون وممثلو أحزاب ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات
سياسية وثقافية).
إن الامر بطبيعة الحال لا يتعلق بمخاوف مزيفة او غير حقيقة، بل هناك
تخوّف حقيقي من فرض دولة الفقيه على التجربة العراقية الراهنة، خاصة ان
الشريعة والفقهاء هو عمل طوعي مسموح له في العراق دون قيود او شروط كما
كان يحدث في ظل الانظمة القمعية التي رحلت دونما رجعة.
إننا كعراقيين نريد ان نستثمر فرصتنا السياسية الراهنة على اكمل
وجه، لهذا نرفض تولية اربعة فقهاء على مصيرنا، لكننا ندعو ونقبل بحرية
العمل الفقهي والديني، وله كامل الحرية في العمل الطوعي البعيد عن
تغذية التجربة العراقية بنظام دولة الفقيه وسلطة الفرد الواحد او
الاربعة. |