مرسي والأضواء الدولية: من يبحث عن من!؟

علاء بيومي

لا أعتقد ولا أعرف إذا كان محمد مرسي يبحث عن الأضواء الدولية أم لا! ولكن يبدو لي أن الأضواء الدولية هي من تبحث عن مرسي لأسباب مختلفة بعضها سلبي وبعضها إيجابي مما يمثل فرصة وتحدي كبير لأسباب مختلفة أيضا.

الأضواء الدولية تبحث عن مرسي للأسباب التالية:

أولا: إعلاميا، الثورة المصرية هي الأكبر في العالم العربي والأكثر استحوذا على الأضواء الإعلامية الدولية بالتوازي مع الثورة السورية، وقد أدهشت الثورة المصرية دوائر السياسة والإعلام بقدرتها على جذب الانتباه الدولي لفترة طويلة وبشكل مستمر، بسبب تحولاتها الدرامية إلى حد كبير، مثل أحداث الـ 18 يوم الأولى، والصدام مع العسكر، صعود التيار الديني، حل البرلمان، الانتخابات الرئاسية الصعبة، ثم الإطاحة بالعسكر مؤخرا.

وبهذا نجد أن هناك اهتمام عالمي نما بشكل طبيعي وتدريجي بالشأن المصري بعد الثورة، ورغبة جماهيرية دولية في معرفة إلى أي نهاية ستنتهي الدراما السياسية المصرية المثيرة.

ثانيا: سياسيا، مصر هي الدولة الأكبر سكانيا في الشرق الأوسط، وهي دولة صاحبة ثقل سياسي واقتصادي وعسكري كبير في المنطقة، والقوى الدولية تريد أن تعرف إلى أين ستسير مصر!؟ إلى اليمين نحو أميركا والغرب!؟ أم إلى اليسار نحو الشرق والصين!؟ وما هي علاقة مصر بالقوى الإقليمية كالسعودية وإيران وتركيا وإسرائيل!؟

ثالثا: عدائيا، هناك خصوم لمصر يتطلعون للمواجهة، وهؤلاء ملوا من الانتظار والتعاطف الدولي مع مصر، ويريدون تضخيم خطر مصر من خلال تضخيم قادتها الجدد وتحولاتها السياسية لتبرير مواجهتها في أسرع فرصة وقبل أن يشتد عودها.

رابعا: مرسي يتحرك بشكل درامي أيضا، فهو المرشح الإخواني المفاجأة الذي فاز بالرئاسة في ظروف شديدة الصعوبة والتعقيد، ليفاجئ الجميع بالإطاحة بالعسكر في زمن قياسي وبإرسال جنوده إلى سيناء بشكل غير مسبوق منذ حرب 1973، وبسرعة زياراته الخارجية في فترة وجيزة للغاية، إلى السعودية وإثيوبيا والصين وإيران، وبفلسفته البرجماتية التي تبحث عن مصالح مصر ولا تخلو من أفكار كبرى، فنحن أمام رئيس كثير الحركة غزير الإنتاج بشكل ملفت للنظر.

خامسا: مرسي لا يتوقف عن مفاجأة العالم أو عن طرح أفكار جديدة شديدة الأهمية، فهو يتحدث عن التوازن الدولي ويقدم مبادرة جديدة لحل الأزمة السورية تختلف عما هو مطروح دوليا وتقوم على التواصل الرباعي بين مصر والسعودية وإيران وتركيا.

ويزور إيران كأول رئيس مصري منذ ثلاثين عاما، ويهاجم سوريا بقوة في مؤتمر دولي كبير في عقر الدار الإيرانية، ويتحدث عن أجندة سياسية طموحة تقوم على التوازن الدولي وتطالب بإعادة تشكيل مجلس الأمن وبالعمل على إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، ودعم مساعي الفلسطينيين بالأمم المتحدة للاعتراف بدولة مستقلة لهم بعد إتمام المصالحة الوطنية غير ملتفتين لأحد.

ويبقى السؤال إلى أين تسير هذه المعادلة الصعبة أو الدراما السياسية المثيرة، وما هي تبعات كل هذه الأضواء!؟

التحدي الرئيسي هو أن لكل سياسية دولية موارد تدعمها وتستند عليها، وهنا نلاحظ أن موارد مصر الاقتصادية والعسكرية لم تتغير، ومازالت كما هي ضعيفة نسبيا، فمازالت مصر تعتمد على الخارج بشكل كبير عسكريا واقتصاديا، وهي في حاجة لدعم أميركا العسكري ولدعم دول الخليج والمؤسسات الاقتصادية الدولية المالي، وهذا لا يترك لمصر مساحة كبير من حرية الحركة.

أضف إلى ذلك إلى أن مؤسسات السلطة المصرية لم تكتمل بعد فمازال مرسي يعتمد على نفس المؤسسات الدبلوماسية والسياسية التي ورثها عن العهد السابق، كما أن مصر بلا مجلس للشعب، وفريق عمل مرسي مازال في طور التشكيل ولم تتحدد وظائف وآلياته بعد ولم يتطور مرسي حتى الآن سياسات خارجية معلنة للتعامل مع الأضواء الكثيرة المسلطة عليه، ولذا تأتي مختلف تحركاته مفاجئة لكثيرين وإن لم يكن لغالبية المتابعين في الداخل والخارج.

هذا يعني إننا أمام رئيس يتحرك بمفرده تقريبا مما يحمله ويحمل بلاده عبئ كبير، فوجود برلمان قوي وخارجية قوية وخطط سياسية جديدة ونقاش شعبي لسياسة مرسي الخارجية يعطي السياسات الكبيرة شرعية كبيرة ويحمي الرئيس، وهو شيء يفتقر إليه مرسي في الوقت الراهن، ويسهل من مهمة خصومه في الخارج عزله سياسيا والتحكم في عملية صياغة صورته وصورة سياسته ومصر الجديدة.

يبقى لمصر مرسي مساحة حركة سياسية، بمعنى أنه في ظل الموارد المتاحة أمام مصر يمكن لمرسي التحرك بشكل جديد وفعال لضمان مساحة سياسية أكبر لها، بمعني أنه يمكن له إعادة تموضع مصر في السياسات الإقليمية بالتقرب من الشرق والغرب معا، وضمان موقع وسطي للسياسة المصرية، فيجعلها مفتوحة أمام لاعبين سياسيين أكثر ومحل اهتمام دولي تتسابق عليه القوى المختلفة ويستفيد هو من هذا التوازن في تعظيم مصالح مصر ودورها خاصة إذا نجح في حل بعض مشكلات المنطقة ووثقت فيه قوى دولية مختلفة وحافظ على توازن خطابه وانفتاحه قدر الإمكان.

ففي المسألة السورية مثلا ممكن أن يعد مرسي الصين وإيران بتعويضهم عن فقدان الأسد من خلال الانفتاح على مصر بثقلها السياسي والاقتصادي والعسكري، هذا إذا نجح مرسي في التقارب من الشرق بدون إزعاج الغرب وإثارة مخاوفه.

وهذا يعيدنا للجزء الأول من المقال فدوائر السياسة والإعلام الدولية مهتمة بالدور المصري، والشرق الأوسط في وضع صعب والجميع يبحث عن حلفاء، الإيرانيون رحبوا كثيرا بزيارة مرسي وسلطوا الإعلام عليها لإخراجهم من عزلتهم، والصين ترى في التقارب مع مصر كسرا لعزلتها الشرق أوسطية وإعادة لنفوذها السياسي والاقتصادي بعد مواقفها من الربيع العربي، وأميركا ودول الخليج تريد مصر بجوارها كما كانت، وإسرائيل تتعامل مع مصر بحذر بالغ، ونلاحظ في الأزمة السورية أن الوضع الحالي لا يقود لجديد منذ أشهر والمجتمع الدولي يبحث عن مخرج، وقد يرحب المجتمع الدولي بأي حل جديد للأزمة السورية يخرج العالم من المأزق الحالي.

وهنا يظهر مرسي على الساحة بأفكاره الجديدة وتحركاته النشيطة والأضواء الدولية المسلطة عليه، ولكن أيضا بموارد عسكرية واقتصادية ضعيفة، وليس أمامه سوى حرية حركة سياسية محدودة، فهل ستخدمه الظروف أم سيتركه حلفاءه ويهجرونه وحده بلا دعم يحيط به خصومه تحت الأضواء!؟ هل في جعبته مزيد من المفاجئات التي لا نعرفها!؟ ومن أين أتى أو سيأتي بها!؟ هل ستكتب مبادراته له أم عليه!؟ هل سيستفيد من الضوء الدولي أم سيترك نفسه للأضواء تصوره كيفما تشاء!؟

وهنا نعود للداخل فهو الأساس!؟ ونسأل ماذا أعد مرسي للأضواء والمسرح السياسي الدولي!؟ وما هي إستراتيجيته!؟ وهل خضعت لنقاش كافي!؟ أم ستتحول إلى كلمات تغنى بها الإعلام فترة ثم اختفت واختفت معها الأضواء ليعود مرسي وسياسية مصر إلى حدودها القديمة!؟ ونتمنى له التوفيق، والله أعلم.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/أيلول/2012 - 13/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م