اقتصاد مصر... مهمة أكبر من حكومة مرسي

 

شبكة النبأ: مخاطر كبيرة تواجه الاقتصاد المصري الذي تأثر بشكل سلبي بمجريات الاحداث السياسية المتقلبة التي عقبت ثورة 25يناير كانون الثاني التي اسهمت بأسقاط نظام الرئيس السابق حسني مبارك وما تلاها من احداث، ويرى بعض خبراء الاقتصاد ان سوء الادارة في المؤسسة المصرية وسعي بعض الاحزاب المتنفذة للاستفادة من الفرص اسهم بتفاقم المشكلة وربما سيقود البلاد الى انتكاسة اقتصادية خطيرة يصعب معالجتها او السيطرة عليها، وفي هذا الشأن طلبت مصر من صندوق النقد الدولي قرضا بمبلغ 4,8 مليار دولار اي اكثر من مبلغ ال3,2 مليار الذي كان مطروحا في البداية. كان هذا الملف في صلب زيارة مديرة الصندوق كريستين لاغارد الى القاهرة حيث التقت خصوصا الرئيس الاسلامي محمد مرسي ورئيس وزرائه هشام قنديل. وقال قنديل في مؤتمر صحافي مع لاغارد ان "الشروط الاولية كانت تتعلق بقرض بمبلغ 3,2 مليار دولار (لكننا) تحدثنا عن زيادته الى 4,8 مليار وربما اكثر". واعرب قنديل عن الامل في امكانية توقيع هذا القرض قبل نهاية العام الحالي بفائدة 1,1% على خمس سنوات مع "فترة سماح" من 39 شهرا. كما اعرب عن الامل في ان يكون لهذا القرض تاثير في الحصول على صناديق اضافية من مؤسسات مالية دولية اخرى.

من جانبها ذكرت لاغارد في بيان ان "السلطات اوضحت ان مصر ترغب في ان يقدم الصندوق دعما ماليا لبرنامجها الاقتصادي من اجل مساعدة هذا البلد على النهوض". وقالت ايضا ان "اعادة اقتصاد البلاد الى مساره والارتفاع بمستوى المعيشة لن يكون مهمة سهلة" مشيرة الى ان "صندوق النقد الدولي سيرافق مصر في هذا الطريق المليء بالتحديات". واعربت لاغارد في المؤتمر الصحافي عن "الاعجاب الكبير بالاستراتيجية والطموح اللذين عرضا خلال المباحثات" التي اجرتها مع مرسي وقنديل لكنها لزمت الحذر بشان شروط وقيمة دعم الصندوق.

واكدت "لم ندخل بعد في التفاصيل" المتعلقة بالقرض والبرنامج الاجرائي المرافق الذي يتعين على الحكومة المصرية تنفيذه. وقالت ان "رئيس الوزراء له وجهات نظر كانت بوضوح جزءا من الحوار الذين اجريناه". واوضحت لاغارد ان فريقا تقنيا من الصندوق سيعود الى القاهرة في ايلول/سبتمبر المقبل لمتابعة الاعمال مع السلطات المصرية مشددة في الوقت نفسه على ان دعم الصندوق يجب ان يترافق مع برنامج اجراءات للنهوض بالاقتصاد تضعه الحكومة المصرية ويتطلب تنفيذه "اصرارا". وقالت "هناك بعد ضريبي وبعد نقدي وبعد اصلاح هيكلي" مشيرة الى ان الهدف هو "تحسين الاستقرار واعادة الثقة وتشجيع الاستثمارات وخلق وظائف".

وتشهد مصر منذ سقوط الرئيس حسني مبارك في شباط/فبراير 2011 تدهورا اقتصاديا في الوقت الذي كان الشعب ينتظر فيه الكثير بعد ثورة 25 يناير 2011 وخاصة في مجال العدالة الاجتماعية. ومؤخرا حقق القطاع السياحي، الحيوي بالنسبة لاقتصاد البلاد، بعض التحسن بعد التدهور الشديد الذي شهده العام الماضي وان كان لا يزال بعيدا عن مستوياته السابقة. كما شهدت الاستثمارات الاجنبية انخفاضا كبيرا بسبب عدم وضوح الرؤية على المستوى السياسي. بحسب فرنس برس.

وقد ادى ذلك الى انخفاض احتياطي البنك المركزي من العملات الاجنبية من 36 مليار دولار مطلع 2011 الى نحو 14,4 مليار حاليا ما يثير المخاوف بشان قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها المالية الدولية ومواصلة استيراد ما تحتاجه من مواد اولية مثل القمح. وقد تاجلت المباحثات بشان قرض صندوق النقد الدولي اكثر من مرة منذ عام بسبب وجود خلافات بين القوى السياسية الفاعلة في مصر.

في السياق ذاته قال بيان من رئاسة الجمهورية في مصر ان قطر ستودع ملياري دولار وديعة لدى البنك المركزي المصري في مسعى لدعم اقتصاد مصر المنهك بعد عام ونصف من الاضطرابات السياسية. وبدأ احتياطي مصر من النقد الاجنبي في الهبوط بشكل حاد العام الماضي بعد ان ادت الانتفاضة الشعبية إلى تراجع الاقتصاد ودفعت البنك المركزي إلى البدء في بيع الدولارات لدعم الجنيه المصري.

ويواجه الاقتصاد المصري ازمة وشيكة في ميزان المدفوعات وارتفاع تكاليف الاقتراض الحكومي ويقول خبراء ان هناك حاجة ماسة لمساعدات مالية لتفادي انخفاض لقيمة العملة. وقال بيان رئاسة الجمهورية "قررت دولة قطر إيداع ملياري دولار كوديعة لدى البنك المركزي المصري." وزار أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني القاهرة واجرى محادثات مع الرئيس المصري المنتخب حديثا محمد مرسي. بحسب رويترز.

وهذه اول زيارة لزعيم خليجي منذ تولي مرسي لمنصبه في 30 يونيو حزيران. وسيكون على حكومة مرسي الجديدة ان تقرر هل ستنفذ خطة تقشف جديدة وموجعة للمساعدة في ضبط مالية الحكومة وتأمين مساعدات مالية اجنبية. وعرضت حكومات خليجية بعض المساعدات من بينها إيداع السعودية مليار دولار لدى البنك المركزي المصري في وقت سابق هذا العام.

تحت المراقبة

على صعيد متصل اعلنت وكالة ستاندرد اند بورز للتصنيف الائتماني انها ابقت درجة "بي" لمصر مع "افق سلبي"، لكنها لم تعد تضع هذا البلد "تحت المراقبة". وعزت الوكالة في بيان هذا التحسن الطفيف في تقييمها لمصر الى ان حركة الاخوان المسلمين التي ينتمي اليها الرئيس محمد مرسي والمجلس العسكري "يتجهان (على ما يبدو) نحو شكل من التسوية للعمل معا". واضاف البيان "في راينا ان هذا الامر يمكن ان يسمح للسلطات بالتعامل مع بعض التحديات البنيوية الاكثر الحاحا واحتواء تدهور الارصدة العامة والخارجية".

لكنها تداركت ان "الافق السلبي" يمكن ان يترجم بخفض الدرجة "اذا برزت توترات سياسية واجتماعية مجددا". وتابعت الوكالة ان "شكوكا لا تزال تحوم حول اهداف السلطات السياسية ووضع المؤسسات الرئيسية في الدولة". واعربت عن قلقها من احتمال حدوث توتر لدى صياغة الدستور الجديد او عند اجراء الانتخابات التشريعية المقبلة.

وكانت الوكالة اعلنت في العاشر من شباط/فبراير خفض تصنيف مصر من "بي بلاس" الى "بي" مع "افق سلبي" جراء "التراجع القوي لاحتياطي البلاد من العملات" و"الاضطرابات السياسية". وفي 25 حزيران/يونيو، اعلنت الوكالة وضع هذه الدرجة "تحت المراقبة"، متحدثة عن "انتقال سياسي طويل وربما غير مستقر". بحسب رفنس برس.

ومذذاك، تسلم الرئيس مرسي منصبه في 30 حزيران/يونيو وشكل رئيس الوزراء هشام قنديل حكومة جديدة في بداية اب/اغسطس. وفي منتصف اب/اغسطس، عزز مرسي سلطاته عبر احالة وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي على التقاعد واستعادة السلطة التشريعية التي كان احتكرها المجلس العسكري.

السياسة تتحكم

من جانب اخر يقول وائل عنبة العضو المنتدب لشركة الأوائل لإدارة المحافظ المالية "الكثير من العملاء يتطلعون للأسهم المرتبطة بالشائعات بسبب العائد الكبير. ولكن لا أحد يفكر في ان هذا العائد قد ينهار في لحظة." يعمل عنبة في سوق المال منذ أكثر من 20 عاما ويبرم صفقات ضخمة يبيع ويشتري فيها عشرات الألوف من الأسهم يوميا. وقال "حققت ملايين الجنيهات خلال عملي وخسرت أيضا ملايين. هذه هي طبيعة سوق المال. لا يوجد رابح دائما دون خسارة. أسواق المال لا يمكن ان تخلو من المضاربات والشائعات." ومضى قائلا وهو يتابع ثلاث شاشات لأسعار الاسهم داخل مكتبه "البورصة هي حياتي. لا يمكن أن أنفصل عنها. أعمل 24 ساعة في اليوم. للأسف أنا مقصر جدا في حق بيتي وأسرتي بسبب البورصة." وعنبة أب لثلاثة أبناء.

وقال عنبة "نعمل الآن في السوق وفقا لنظرية (اليوم بيومه). السياسة هي المتحكمة في السوق الآن." وأضاف رئيس مجلس ادارة شركة الاوائل الذي يحاضر في عدد من الجامعات المصرية "لا أعتمد على التحليل الفني في البيع والشراء بسبب عيوب تكوين المؤشر وتحكم ثلاثة أسهم في أدائه. 30 بالمئة من محافظ الشركة استثمار على المدى الطويل و30 بالمئة سيولة و40 بالمئة متاجرة سريعة. ونعتمد على التحليل الأساسي."

وعن أسلوب ادارته للمحافظ المالية يقول عنبة "أدرس ميزانيات الشركات جيدا قبل الشراء في السوق ونحدد دائما أسعارا مستهدفة للأسهم للبيع عليها على المدى الطويل وأسعارا أخرى للمتاجرة السريعة." يتلقى عنبة تقارير كل 15 دقيقة من عمر الجلسة عن أسعار شهادات الايداع الدولية للاسهم المصرية في بورصة لندن وعن تعاملات الاجانب في السوق. ويقول وهو يلقي نظرة سريعة على أحد التقارير "قد أغير قرار الاستثمار في أي وقت في حالة حدوث أي حدث سياسي سلبي."

وخلال عام 2011 الذي شهد الاطاحة بالرئيس حسني مبارك تعرضت البورصة المصرية لتقلبات عنيفة وخسرت الأسهم نحو 194 مليار جنيه (31.9 مليار دولار) من قيمتها السوقية.

وانتعشت سوق الأسهم في مطلع 2012 لتسترد جزءا كبيرا من خسائرها وأخذت منذ ذلك الحين مسارا صاعدا تخللته فترات هبوط قصيرة على وقع التطورات السياسية.

يقول عنبة "السوق المصرية مؤهلة للصعود ولكن الأحداث السياسية تقيد حركتها." وأردف قائلا "بعض العملاء خرجوا بشكل كامل من السوق واغلقوا محافظهم المالية بعد ثورة 25 يناير." وأسفر أكثر من عام ونصف من الاضطرابات في مصر عن اصابة الاقتصاد الهش بالشلل وتخويف السياح ونزوح المستثمرين وتقويض النمو الاقتصادي واشتعال الاحتجاجات العمالية التي أضرت بأنشطة الأعمال بصورة حادة.

ولتوضيح سرعة تأثر المتعاملين بالتطورات السياسية والأمنية قال عنبة "المتعاملون غادروا شركات السمسرة الأحد الماضي (5 أغسطس) وهم في قمة السعادة باستمرار صعود السوق. ولكن مساء نفس اليوم لم يتمكن أحد من النوم بسبب التفكير في تأثير أحداث سيناء على السوق في اليوم التالي." وقتل مسلحون إسلاميون 16 جنديا من قوات حرس الحدود في الخامس من أغسطس ثم اقتحموا الحدود الإسرائيلية قبل أن تقتلهم نيران القوات الاسرائيلية.

وقال عنبة إنه في اليوم التالي "نجح تركيز تعاملات الأجانب علي سهمي أوراسكوم للانشاء وأوراسكوم تليكوم صاحبي الوزن الاكبر في المؤشر الاسبوع الماضي من تخفيف الخسائر رغم تخوف الكثيرين من تأثير أحداث سيناء على السوق." ويرى عنبة الذي لم ينقطع هاتفه عن الرنين ان "الأجانب دائما الأكثير تأثيرا في السوق لشرائهم في الاسهم القيادية بعكس العرب الذين يتجهوا دائما للمضاربات." وقال عنبة "الأجانب يخرجون من السوق المصري بسبب التوتر السياسي والأمني."

وخلال أعطائه أوامر بالبيع على سهم أحد شركات الاتصالات وأحد الشركات بقطاع الكيماويات قال عنبة "لا يمكن ألا نتعامل في أسهم الاتصالات والعقارات بشكل يومي. هذه الأسهم الأكثر نشاطا في السوق." ومع اقتراب جلسة التداول من نهايتها أعطى عنبة أوامر شراء على نفس الأسهم التي قام ببيعها في بداية الجلسة ولكن بأسعار أقل قائلا "الجو غير صحي في السوق الآن ولا يساعد على اتخاذ قرار يتسم بالجرأة." بحسب رويترز.

ومصر الان بها رئيس ورئيس للوزراء لا يتمتع أي منهما بخبرة مالية تذكر في وقت تدهور فيه الاقتصاد. وتحتاج البلاد بشدة لاصلاحات اقتصادية ملموسة تأخذ في اعتبارها الوضع السياسي.

ويزين الاستراحة الخاصة بالعملاء في الشركة عدد من اللوحات تحمل بعض الشعارات من أبرزها "كلما زادت المخاطرة زاد العائد".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 30/آب/2012 - 11/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م