القيادة السياسية وأثر السلوك

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: يجهل او يتجاهل معظم القادة السياسيين، التأثير الذي يتركه القائد في شعبه أثر سلوكه العام والخاص، ودور هذا السلوك في التأثير بالشعب سلبا أو نحو الافضل، ولهذا تتسم افكار وافعال القادة لاسيما في الدول الاسلامية والعربية بحالة من اللامبالاة ازاء التأثير في الشعب.

في حين كل التجارب والادلة تؤكد التأثير البالغ للسياسي في شعبه، ونحن هنا نتساءل لماذا لايريد قادة اليوم أن يفهموا ويتعلموا كونهم قدوات لشعوبهم في الكلام والفكر والسلوك ايضا، خاصة ان تاريخنا الاسلامي يحفل بشخصيات سياسية قيادية بنيت على ايديها وحكتها اقوى دولة في العالم ابان صدر الرسالة النبوية الشريفة.

القائد النموذج

اثبتت التجارب من دون ادنى شك، بأن القائد في أي مجال من مجالات الحياة يعتبر النموذج المفضل لرعيته او لمن هم دونه في المسؤوليات وفي المركز الاجتماعي وغيره، فالمعلم وهو قائد التلاميذ نحو العلم يعتبر نموذج هؤلاء التلاميذ في كل شيء، بمعنى ان سلوكه واقواله ستؤثر عليهم سواء نحو الأفضل او الأسوأ، كذلك الحال بالنسبة لرجل الدين الذي سيكون محط أنظار الآخرين الذين يتوجهون إليه بطلب المشورة والسداد في الدين ومجالات الحياة الاخرى.

لذا فسلوك واقوال رجل الدين لابد أن تكون مرآة الناس التي يرون فيها أعمالهم وأفعالهم، لا سيما الخاطئة منها إذ سيصححونها استنادا الى الافعال والاقوال الصادقة لرجل الدين، ولعل القائد السياسي لايُستثنى من هذه القاعدة التي تنطبق على جميع القادة وفي جميع مجالات الحياة كما ذكرنا، لذلك ستكون حياته الشخصية محط مراقبة الشعب حيث سيتأثر به الآخرون من رعيته فيقومون بذات الاعمال التي يقوم بها او يفضلها على غيرها، بمعنى ان الدور الذي يُناط بالقائد السياسي لاينحصر بإدارة البلاد سياسيا بل أخلاقيا ايضا، أو بمعنى أصح أن شخصية القائد وسياسة السلوك العامة التي تبدر منه ستكون ذات تأثير على شعبه، من هنا تأتي أهمية سياسة الشخصية القائدة كونها غالبا ما تكون تحت مجهر انظار الناس، فأما أن تقدم لهم النموذج الذي يستحق أن يُحتذى به، أو العكس، حيث يقدم لنا التأريخ تجارب واسعة ودقيقة في هذا المجال سواء من حياة المسلمين السياسية او في الامم الاخرى.

وفي هذا المجال يقول سماحة المرجع الديني السيد صادق الحسيني الشيرازي في كتابه القيّم (السياسة من واقع الاسلام):

(القائد تكون أعمالُهُ درساً للشعب، ومنهاجاً للأجيال، ولذلك كان القائد متحملاً لما يمارسه الشعب نتيجة تعلمه منه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. والحياة الشخصية للقائد أدق مدرسة للأجيال المتمسّكة بذلك القائد.).

أعمال القائد دروس للشعب

هكذا ينبغي أن ينطر القائد الى اعماله واقواله ومدى تأثيرها في الشعب، إذ تكمن في هذه النقطة تحديدا اهمية سياسة شخصية القائد وطريقته في الحياة سواء على المستوى العام ام العائلي وسواء على مستوى المسؤولية الرسمية او الشخصية، حيث يكون الفنار الذي يسطع ويضيء امام الجمع او ينبغي ان يكون كذلك، فما بالك اذا كان هذا الفنار خافتا؟!! أو ان ضوءه شحيحا لا يرشد الآخرين الى سبل الصواب كما حدثنا التأريخ عن ثلة من الحكام الطغاة وسفاكي دماء الشعوب وآكلي ثروات الشعب من ايتام وأرامل او من عامة الناس لاسيما الفقراء منهم ؟!.

إن المشكلة العصيبة التي تواجه ساسة اليوم لا سيما القادة منهم (في العالم الاسلامي/ والعراق) هي عدم قدرتهم على تحقيق المساواة في توزيع الثروات العامة التي هي ملك لكل فرد من افراد الامة، ويحصل ذلك بسبب دناءة النفس حيث يكتنز القائد اقصى ما يستطيع من هذه الثروات له ولعائلته وبطانته ومن يسنده من المسؤولين وغيرهم، في وقت يتضور ملايين الناس جوعا وقهرا وحرمانا، وقد ذكر لنا سماحة المرجع الشيرازي بعض شواهد التأريخ المشرقة في هذا المجال، حيث تأبى نفس القائد الاسلامي أشد الإباء بالتطاول على المال العام، فيقول سماحته في هذا الصدد في الكتاب نفسه: (كان علي أمير المؤمنين عليه السلام لا يحتكر أموال المسلمين، اقتداءً برسول الله صلی الله عليه و آله، بل يعمد إلى توزيعها فور وصولها إليه. وهكذا يجب أن يكون القائد الإسلامي. وجاء في سيرة أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه كان يقسّم الأموال، ولا يأخذ لنفسه منها شيئاً في حين أنه كان بحاجة إليها).

وهكذا نرى ان الامام علي (ع) وهو القائد الاعلى لامة الاسلام يتصرف بهذا الإباء العالي وهذه الحكمة التي تنم عن سمو روحي واخلاقي عظيم، فكيف تنظر إليه رعيته؟ بل كيف ينظر إليه المسؤولون الآخرون في قيادة الدولة، إنهم حتما سيحاولون محاكاته في هذا السلوك الذي يساوي بين الجميع ويحفظ حقوق الغني والفقير والقوي والضعيف بمستوىً واحد.

تقديم الهدايا للمسؤولين

مما يُعد كظاهرة في عالم اليوم هو إسلوب تقديم الهدايا للمسؤولين من قادة او قضاة او اصحاب نفوذ ومراكز مؤثرة وغيرهم، ولعل المؤسف في هذا الجانب ليس قبول الهدايا فقط من قبل هؤلاء المتنفذين، بل بالمطالبة بها علنا او كشرط لتسهيل هذا الامر او ذاك لهذا الفرد او ذاك ممن يشتركون في جريمة (الرشا) على شكل هدايا ضخمة مقابل خدمات مصلحية ضخمة ايضا، وفي هذا الباب يقول المرجع الشيرازي: (الهدية التي تهدى لأصحاب الحكم كثيراً ما يراد بها استمالة قلب الحاكم لكي يبطل بها الحق، أو يحق الباطل.

ولذا كان التأكيد شديداً في الأحاديث الشريفة على تحاشي الحكّام والقضاة ومن بيدهم الحول والطول، والحل والعقد، من قبول الهدايا. قطعاً لهذه الجذور التي تدع المجتمع غير آمن من الظلم والحيف والإجحاف) .

إن الامام علي (ع) كما جاء في كتاب المرجع الشيرازي: (كان سيّداً في كل الفضائل، لذلك كان لايقبل الهدايا الشخصية لنفسه، كي لا يطمع فيه أحد، ولا يأمل أحد في إمكان استمالته عليه السلام).

فحريّ بمن يتصدّر دفة الحكم الآن في عموم البلاد الاسلامية لاسيما في العراق، حيث تستشري ظواهر الظلم والتجاوز على المال العام بما لايقبل اللبس، حري بهم أن يقتدوا بالعلامات المضيئة في التأريخ الاسلامي، متمثلة بأولئك القادة العظام الذين ترفَّعت نفوسهم العظيمة على السحت والصغائر والظلم وقدموا لنا جميعا أمثلة خالدة في حسن القيادة وضبط سياسة الشخصية للقائد بما يجعلها المثال الأروع والخالد ليس لنا فحسب بل للعالم الانساني أجمع في إحقاق الحق وفرض العدالة والمساوة وردع النفس والغير من الاهل والحاشية وما شابه عن التجاوز على حقوق عامة الناس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 30/آب/2012 - 11/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م