استباق الحدث وخرافة الدفاع الأفضل

صالح الطائي

أن تكتشف العلاقة ـ ولو بشكل متأخر جدا ـ بين كتاب وضع في عام 1975 ليتحدث عن الغزو الأمريكي لفيتنام، وفلم عرض عام 1984 ليتحدث عن غزو العراق للكويت فمعنى ذلك انك اكتشفت وجود جدارا من "السر الأعظم" الذي تدار به السياسة الكونية في عصرنا الراهن، وعرفت عددا من الأصابع التي تحرك الدمى وتخصص الأدوار. وأيقنت أن سياسة تحريك الجيوش لغزو هذا البلد أو ذاك باتت من مخلفات الماضي التي لا يلتفت إليها إلا بحدود الحاجة القصوى بعد أن أوكل المشروع الجديد إلى التكنولوجيا مهمة تقويض الأنظمة وتسقيط الحكومات وتغيير المفاهيم.

الكتاب آنف الذكر بعنوان "طرق سهلة وصعبة للخروج" (easy and hard ways out) ألفه الكاتب "روبرت جروسباك" في سنة 1975 ليتحدث عن التورط الأمريكي في جمهورية فيتنام.

والفلم المقصود عنوانه "الدفاع الأفضل" (Best Defence) الذي عرض عام 1984 وهو من إنتاج شركة باراماونت (Paramount) ومن إخراج المخرج اليهودي "ويلارد هويك" وبطولة الممثل الزنجي "إدي مورفي" ومجموعة من الممثلين الإسرائيليين تحديدا وتم تصويره كاملا في "إسرائيل".

تحويل محتوى الكتاب الذي صدر عام 1975 متحدثا عن غزو أمريكا لفيتنام إلى فلم في عام 1984 ليتحدث عن غزو القوات العراقية للكويت الذي لم يقع إلا في عام 1990 يجلب الشك والدهشة والانبهار ولاسيما من حيث متابعة التفاصيل بمنتهى الدقة مثل قيام الجنود العراقيين بسلب ونهب ما موجود في الكويت، وطلب الكويت مساعدة ودعم القوات الأمريكية. فمن المستحيل أن يكون هناك من له قدرة علم الغيب لا بتفاصيله الدقيقة وتفرعاته بل وحتى من حيث عموميته ليرسم هذه الصور الدقيقة للأحداث المثيرة التي رافقت غزو الكويت، فالدراسات المستقبلية وبالرغم من قيامها على قواعد علمية رصينة لم تنجح في الوصول إلى نتائج مضمونة دقيقة بالرغم من كونها علم له مبانيه المعترف بها، وكل ما قدرت عليه أنها وضعت توقعات لبعض الأمور قائمة على ما تم استنتاجه من خلال الدراسة والمتابعة والمقاربة والتخمين والتوقع، وهذه التوقعات قد تنجح بشكل بسيط جدا أو جزئيا محدودا وقد يحدث العكس ويقع الانقلاب الكلي فتأتي النتائج مخيبة للآمال ومخالفة كليا للخطط المرسومة.

 بمعنى أن التفسير المنطقي للأحداث وتداعياتها لا يمكن أن يصل لمثل النتائج التي وصل إليها الفيلم بالمرة، مما يؤكد بأن تأليف الكتاب لم يكن محض مصادفة، وعمل الفيلم لم يكن محض مصادفة، وان كل الأحداث التي تتحكم بحياة شعوبنا مرسومة سلفا بشكل دقيق خال من الإثارة والاحتمال والمجازفة، وأن أحلام الربيع العربي ونكتة انتهاء عصر الدكتاتوريات محض خرافات ووهم أوقعنا فيه المخططون "البنائوون" الماسونيون.

ومع أن الفيلم كان يتحدث عن غزو العراق للكويت، ومخرجه وأبطاله كانوا من اليهود الإسرائيليين الذي من المفروض أن الدول العربية تقاطع أخبارهم ونشاطاتهم إلا أن مجلة "العربي" الكويتية لم تتحرج عن تخصيص حيز لا بأس به في عددها 353 الذي صدر في ابريل/نيسان 1988 لتنشر موضوعا بعنوان "العربي كما تراه هوليود" بقلم ناقد الأفلام الدكتور "جاك شاهين" وهو الآخر أمريكي الجنسية لبناني الأصل مسيحي الديانة يعمل أستاذا بجامعة "إلينوي" الأمريكية يتحدث عن الفلم ويدعي استحالة غزو العراق للكويت الشقيق واستحالة قيام الكويت بطلب المساعدة الأمريكية ضد العراق الشقيق. وهما الأمران اللذان تحدث عنهما الفلم حرفيا ووقعا فعلا على أرض الواقع العربي.

يؤكد صحة رأينا قيامهم بصنع مجموعة أخرى من الأفلام المستقبلية التي تمهد لقتل العرب والمسلمين مثل فيلم "الحصار" The Siege وهو من إنتاج شركة تونتيث سنتشري فوكس (Century Fox) وتمثيل "دينزل واشنطن" وآخرون، حيث تقوم جماعة إرهابية بسلسلة تفجيرات ضد المدنيين في شوارع نيويورك وبعد عجز الأجهزة الأمنية عن إلقاء القبض عليهم يقوم الجيش الأمريكي باحتلال نيويورك، وإعلان الأحكام العرفية فيها، وبعدها يلقي القبض على آلاف العرب الأمريكيين ويحبسهم في معسكرات اعتقال. وقد صور الفيلم في نيويورك أساساً وفي منطقتي بروكلين ومنهاتن. ومنهاتن بالطبع هي مدينة برجي التجارة العالميين اللذين دمرا يوم 11 أيلول. عرض هذا الفيلم في دور السينما في 6 أيلول1998، أي قبل أحداث 11 أيلول بثلاث سنوات تقريباً! فهل من المعقول أن يتم عمل هذا الفيلم وتصويره في مدينة منهاتن تحديدا وعرضه في شهر أيلول تحديدا للحديث عن عمل إرهابي كبير بمحض الصدفة، ام انه واحدا من الأدلة التي تدين أمريكا وتتهمها بتفجير البرجين؟

وعليه أرى انه لا بد للعاقل أن يتساءل: كيف يمكن لأفلام مثل "الدفاع الأفضل" أو "الحصار" أن تقترب في أحداثها التي من المفروض بأنها خيالية إلى هذا القدر من الحدث السياسي. وأي تفسير منطقي ممكن أن يقنعنا بأن ذلك لم يكن بوحا ببعض المخططات السرية الخفية لتعبيد الأرضية وتطويع الناس لقبول القادم المجهول؟ ولماذا لم نجد سياسيا عربيا واحدا حتى من أولئك الذين أوصلهم أتباعهم إلى درجة الربوبية يخرج علينا ليحذرنا من هذه اللعبة السمجة والخطرة التي تتهددنا باستمرار؟ 

إن مجرد معرفتنا بأن قسم المخابرات في وكالة المباحث الفيدرالية FBI ، فرع نيويورك، قام بمساعدة منتجي فيلم "الحصار" ماديا ومعنويا يقتل أي بادرة حسن نية ممكن أن تطرأ على خيال أي منا ويحثنا للتفكير جديا بالنوايا الخفية التي يضمرونها لنا، بل ويدفعنا للبحث عمن يمسك أعنتنا ويقودنا قود النعاج.

فهل أن زمام أمور العرب معقودا بيد أمريكا واليهود يتصرفون بهم كيفما يرغبون أم أن ما حدث ويحدث يبين أن النتف التي تسربت عن خارطة الوجود التي وضعتها قوى الاستكبار منذ سنين طوال لتشكيل العالم تبعا لإرادتها تؤكد وجود هذه الخارطة وهذا المشروع، وتؤكد أن كل ما حدث ويحدث في أوطاننا بدأ من الحروب البينية والغزوات العنترية والخلافات السياسية وصولا إلى ما عرف باسم "الربيع العربي" وثورات الشعوب العربية على حكامها مدعومة بكل الجهد العالمي إنما هو عمل مسيطر عليه وموجه بدقة متناهية ليصل إلى تطبيقات الخارطة السرية وهناك من يشرف على تطبيقه ونتائجه ويتحكم بمساراته وتوجهاته، وسوف يحصد ثمار نتائجه ويستثمرها بعيدا عنا ونطوي نحن على جوعنا وعرينا بل وخذلاننا!

وهل أن الأفلام أصبحت أداة رئيسية من أدوات الاستكبار العالمي لا في تعبئة الرأي العام فحسب، بل في بلورة الاحتمالات المختلفة لردود الفعل أيضا بقصد تعبئة وتحريض الجمهور... وغسل العقول، وأمركة القلوب أم ماذا؟ ماذا يعني هذا الكم الكبير من الأفلام الأمريكية التي تتحدث عن قتل العرب على يد الأمريكيين مثل فيلم "أكاذيب حقيقية" True Lies من إنتاج عام 1994، من إخراج جيمس كاميرون وبطولة آرنولد شوارزنيجر وهو أول مشروع لشركة "لايتستورم إنترتينمنت" بكلفة 120 مليون دولار. وفيلم "قرار تنفيذي" Executive Decision من إنتاج عام 1996، وفيلم "ضربة الحرية" Freedom Strike من إنتاج عام 1998 وفيلم "قواعد الاشتباك" Rules of Engagement، وفيلم "مجموع كل المخاوف" Sum of All Fears؟

ماذا يعني إصرارهم على صنع هذه الأفلام المسيئة؟ وماذا يعني قيام أهم واكبر واخطر المؤسسات والوكالات الأمريكية مثل البنتاغون ووحدات الجيش وقوات المارينز والبحرية والحرس الوطني بتقديم مساعدات تقنية عالية جدا لتلك الأفلام؟

والسؤال الخطير والأخير: ماذا أعددنا لمواجهة هذا الغزو الجديد، ما قوتنا، وما عدد مرابط خيلنا، وما بوادر توحد كلمتنا، وما درجة تقارب مذاهبنا، وما عمق صفاء ونقاء قلوبنا التي لوث جدرانها التكفير والتنفير وتعميق البئر والحث على الذبح والحرق تحت شعار "الله أكبر"؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 29/آب/2012 - 10/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م