قمة مكة الوهابية... واستنساخ قرارات الجامعة العربية؟

مصطفى قطبي

أمر مستغرب أن تتحول منظمة التعاون الإسلامي إلى أداة ومطية وغطاء أمام أمريكا والوهابية النفطية والغرب الاستعماري لتمرير مخططات ومشاريع موجهة ضد الشعوب والدول العربية والإسلامية، كما هو حاصل الآن مع سورية، فالمنظمة عقدت اجتماعها بمكة واتخذت قرارها بتعليق عضوية سورية، وذلك بتوجيه وإيعاز من الولايات المتحدة ودول الغرب، ما يوحي وكأن المنظمة الإسلامية أصبحت تنطق ''باللغة العبرية'' بدلاً من العربية، لأن في اجتماعها وقرارها اللاأخلاقي، هو دليل واضح على أن هذه المنظمة، قد تحولت إلى شيطان سياسي يحاول أن يعاقب الشعوب الإسلامية، بدل أن تعمل على خدمة مصالح الدول الأعضاء فيها!

لذلك فإن مهمة القمة اقتصرت على تنفيذ الأجندات العدوانية التي أمليت على الملك السعودي ولاسيما المتعلق فيها بالشأن السوري، وما صدر عن القمة والذي يسمى ميثاق مكة ولاسيما المتعلق بالوضع السوري يخدم مخططات الغرب الاستعمارية وذلك لجهة مواصلة الضغط على سورية من أجل إضعاف موقفها تمهيداً لتقسيمها بما يخدم مصالح الكيان الصهيوني.‏ وهم بذلك يناقضون شعار المؤتمر (قمة التضامن) ليتبين أنها قمة النفاق السياسي والتآمر على دولة إسلامية لأنها تعارض سياسة الغرب الاستعماري.‏

معيب، ومقرف، ومقزّز، ولا أخلاقيّة له، ولا فيه... حين تتكشّف مضمرات الاجتماع الإسلامي وبواطنه الكوامن بأنه يتحرّك كالدمى تأرجحاً في هواه ضاق عليه فساده... فتبدي أنفاسه الحامضيّة، ورغائبه الخارجية، وضغائنه الشائنات، وأعطياته المسمومة... تجليات لخوار مقيت معيب! مفزع، ومخجل، ومؤلم، وغير وطني، ولا إسلامي... أن تبدو القمة الإسلامية اجتماعاً للفرجة على الأذيات والمطاردة والنائبات التي تصيب الجسد العربي والإسلامي طلباً للمزيد من إنهاكه، وتبديده، وتدميره... تماماً كما يريد الوهابيون.

واليوم، يُراد لتلك المشاهد السود التي وقعت في السودان الذي قسّم بسيوف أكثر العرب وأموالهم، أي حلواهم المسمومة، في مشهد مبلول بالقهر والتخاذل العجيبين، مشهدٍ سيظلّ ملعوناً على طول الأزمنة وعرضها، وحدث مثل هذا وبأكثر الأيدي العربية، والأموال العربية، و(الميديا) الخليجية... في ليبيا عمر المختار، في مشهد تقصر عنه مشاهد الذبح في المسالخ العامة، وفرجة أكثر العرب... أكثر من مهزلة، وأكبر من عيب، أن تستعاد المشاهد السود بكل مواجعها، وغصّاتها، وويلاتها... في البلاد العزيزة سورية، يتبدى ذلك من خلال اجتماع قمة مكة واحتشاد الوفود في مشهد الخذلان، والغيرة الكاذبة، والعدوانيّة المفضوحة، والخضوع لإرادة أولياء أمورهم القابعين وراء البحار والمحيطات كيما تصير سورية كما يتشّهى الأغراب والأعراب معاً، يريدون لها أن تكون عراقاً آخر، وليبيا أخرى، وصومالاً مستعاداً، وسوداناً مشابهاً...

لم أكن أريدُ أن أعلق على ما جرى...‏ ولكنَّ منظمة التعاون الإسلامي علقت عضوية سورية..‏. فقرَّرتُ أنْ أعلِّق ضمير هذه المنظمة على زاويةٍ قاتمة من زوايا البيت الأبيض الأمريكيِّ، وأنا هنا لم آتِ بجديد، فلابد أن انتصر للحق ليس بدافع حبِّ سورية، فحبي للعروبة لا يقلُّ عن حبّي لسورية أبداً، وإن كانت العروبة اليوم في أخطرِ محطاتها وأسوأ لحظاتِ استهدافها...‏

لقد تمت تعليق عضوية سورية في منظمة التعاون الإسلامي، وهذا يشكل مخالفة قانونية صريحة لميثاق منظمة التعاون الإسلامي، لأن هكذا قرار يجب أن ينال إجماع الدول وهذا لم يحصل لأن العديد من الدول الصديقة التي تتابع عن كثب حقيقة ما يجري من حراك سياسي غربي وعربي تآمري أكدت رفضها لتعليق العضوية، والقرار قد بني على باطل وما يبنى على باطل فهو باطل، ويدل على أن هناك نيات مبيتة ومخططات عدوانية استدعت عقد هذه ''القمة الإسلامية'' حيث تمت رشوة بعض الحكام والمتمردين والخائنين للموافقة على ما يتخذ من توصيات و قرارات لا سيما ضد سورية.

من المؤكد أنه لم تهتز شعرة أي مواطن سوري مهما كانت اتجاهاته ومواقفه من هذا التعليق، ومر كما مر نظيره في الجامعة العربية، وربما يكون الفارق الوحيد هو التكلفة المالية، حيث يناهز عدد الدول في منظمة التعاون الإسلامي ضعفي أو أكثر عدد الدول المنضوية في الجامعة العربية، مضافاً إليها المسافات البعيدة والزيادات في تكاليف الطيران، وكل ذلك رتب مبالغ مالية باهظة على المملكة المستضيفة التي كان من الأولى بها أن تتبرع بهذه المبالغ المالية لقضية القدس التي أنشئت منظمة التعاون الإسلامي من أجل نصرتها بدلاً من تبذيرها لغايات دعائية وإعلامية تخدم الدول المعادية للإسلام والدول العربية. مع الأسف دعاة الحفاظ على قيم الإسلام ومبادئه انتهكوا حرمة شهر رمضان، وقدموا الرشا المالية والمعنوية والمادية لبعض رؤساء الدول الإسلامية، وأرسلوا لهم الطائرات، والمغريات الأخرى، والهدف هو تعليق عضوية دولة تتعرض لهجمة إرهابية شرسة ومحاولة أميركية إسرائيلية غربية للنيل من دورها وموقعها الجيوسياسي، وكان الأجدى بهذه الدول قبل منظمة التعاون الإسلامي أن تقف إلى جانبها وليس أن تتآمر عليها كما تفعل الآن خدمة لرغبة ساداتها الذين تصفهم معظم شعوب هذه الممالك والمشيخات ''بالكفار''.‏

وقد وصف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي القمة الإسلامية التي انعقدت في مكة المكرمة بقمة الإرهاب على العراق والدول العربية المظلومة. وفي كلمة له خلال حفل إفطار أقامه بحضور قيادات في حزب الدعوة الاسلامية وشخصيات سياسية ودينية أخرى من المجلس الإسلامي الأعلى العراقي، قال المالكي إن ''قمة مكة هي للتآمر على العراق وسورية ولبنان''.

قمة إسلامية في مكة لم ترَ أبداً مأساة شعب البحرين ولا ما يجري في السعودية، ولم تسمع بالأقصى، ولا بيوم الأرض، بل أكاد أجزم أن البعض من الحضور لا يعرف من بنى الأقصى وما مكانته عند العرب مسيحيين ومسلمين... لكنهم يرددون كالببغاءات ما يطلبه السيد الأميركي... فقط أساتذة في توزيع النصائح...

إن صورة الملوك والأمراء ورؤساء بعض دول المنظمة وهم سائرون خلف الملك المستضيف تدل على حال المنظمة الذي يستحق الشفقة ودورها الغائب على الدوام، ووضع الدول الإسلامية التي تحولت بأموال بعض دولها النفطية إلى بؤر للتطرف وحواضن للإرهابيين، بحثاً عن الأفكار الغيبية الغريزية التي غيرت مجرى هدف وغاية الإسلام وهو نشر المحبة والأخوة والتسامح بين الشعوب إلى السباق لنيل ''الشهادة'' ليس دفاعاً عن الإسلام والأوطان والأعراض والقيم بل للفوز بالعدد الأكبر من حوريات الجنة!.

ونشير هنا إلى أن من يطالب بالديمقراطية للشعوب وينصب نفسه مدافعاً عنها ويقدم السلاح والمال للمجموعات الإرهابية يفترض به أن يكون هو مطبقاً هذه الديمقراطية فوق أرضه وعلى شعبه، وما التعتيم الإعلامي على ما يحدث فوق أرض إمارة آل سعود والبحرين وسحب الجنسيات ممن يعلنون رفضهم لحكم حمد كلها دلائل على معايير تطبيق الديمقراطية التي ينصبون أنفسهم مدافعين عنها، طبعاً هم لا يريدون ذلك، إنهم ينفذون مخططاً رسم لهم من قبل أسيادهم في البيت الأبيض خدمة للمصالح الصهيونية في المنطقة، هذا المخطط الذي يهدف لضرب كل القوى الممانعة والمقاومة في المنطقة وعلى رأس هذه القوى سورية بما تمثله من عمق وطني وقومي، وبما يحمله شعبها من إرث على مر العصور هذا الإرث المقاوم للاستعمار بكل أشكاله ومسمياته.‏

وإذا انتقلنا إلى المتباكين في السعودية حيث أسرة واحدة تحكم وتشرع وتهدر الثروات بينما ينتفض الجياع مطالبين بالرغيف. يحق لنا أن نسأل أيضاً، هل توجد لفظة ديمقراطية في كتاب مدرسي يتداوله طلاب مملكة آل سعود؟! المضحك المبكي أنه في بيئة تعيش تصحّراً سياسياً بامتياز يتباكى حراسها وولاة أمرها وقهرها على بؤس الديمقراطية لدى سورية. لا ندري إذا كان أمراء التصحّر السياسي والأخلاقي سيتوقفون على البكاء بعد أن رسم السوريون مسار عبورهم إلى المستقبل، و صاغوا بأيديهم مستقبل الحياة السياسية في وطنهم معبرين عن حيوية راكموها بالممارسة الديمقراطية، فهل تتاح للشعب السعودي تداول كلمة ديمقراطية حتى في حجرات نومهم.

إن من دعا إلى عقد المؤتمر الاستثنائي لمنظمة التعاون الإسلامي ملك السعودية، قمة إسلامية استثنائية ولكن ليس لدعم الفلسطينيين ومواجهة الاحتلال وكسر حصاره الغاشم على غزة وليس لتجنيد التكفيريين والسلفيين وإرسال الإرهابيين والمرتزقة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد تزويدهم بالمال والسلاح ليقتلوا ويفجروا ويشنوا حروبهم ضد قوات الاحتلال وكذلك ليس للمطالبة بتحرك دولي عاجل واستصدار قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع لمعاقبة إسرائيل وتحرير الأراضي الفلسطينية المسلوبة... دعى لهذه القمة لحبك حلقة تآمرية جديدة لسفك دماء المزيد من السوريين! والواقع يؤكد أن آل سعود أعجز وأجبن من أن يدعو إلى عقد قمم استثنائية لمناصرة الشعب الفلسطيني وبأن إرادتهم لا تقوى إلا للتآمر على سورية باعتبارهم عبيداً مطيعين يؤمرون فيستجيبون فينفذون أوامر أسيادهم.‏

فلو تمعنا في أسماء الدول التي تقاطرت وفودها إلى مكة لوجدنا أن أغلبها تكن العداء لسورية منذ سنوات بعيدة، وقد سحبت معها دولاً أخرى مسلوبة السيادة والقرار، للقيام بدور ما في هذه الحملة المسعورة، ولعل أبسط سؤال يمكن أن يخطر على البال هو متى كانت الوهابية السعودية تحسب صديقة لسورية أو متى كانت المشيخات والممالك المتهالكة تكن وداً للمنطقة، وهي المسؤولة عن جميع المآسي التي لحقت بشعوبها وبخاصة الشعب الفلسطيني، وهي نفس الدول التي تقف إلى جانب عدو العرب ''الكيان الصهيوني'' وتمده بكافة أشكال الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي ليبقى حجر عثرة في طريق وحدة العرب وتقدمهم...؟!‏

نحن اليوم أمام فصل جديد من مجالس آل سعود ومؤتمر مشيخات البترودولار في قمة إسلامية مخيّبة، ليس لسماحة الإسلام واعتداله مكانة فيها، إنه مؤتمر سلطات سياسية بامتياز كان الدين فيها مطيّة رخيصة. قمة تطرف حقيقية لا وسطية فيها ولا حوار ولا قبول للآخر، أعدّت مسبقاً وفق تمدد، بل طغيان وهابي معاصر سرعان ما ستلفظه وتندّد به القوى والتيارات الوطنية والإسلامية الحقيقية الملتزمة بمصالح الشعوب العربية والإسلامية، هذه المصالح التي يقوّضها الآن تحالف الرجعية العربية والإسلامية مع الغرب الاستعماري والأيدي الصهيونية الخفيّة والظاهرة بقوة في المرجعيات وفي الخلفية وعلى السطح. فما هي الضربة المسددة بقوة في هذه القمة إلى المشروع الصهيوني؟ أما الضربة الواضحة والتي أصابت مقتلاً من المشروع العربي المقاوم فهي حاضرة وواضحة الأثر.

ففي الذاكرة القريبة للسوريين حصار وعقوبات اقتصادية إجرامية فرضتها هذه الدول على سورية لم تسلم منها عائلة سورية واحدة، وهي التي فرضت مؤخراً عقوبات أحادية ظالمة تركت آثاراً سلبية على الوضع الاقتصادي والمعيشي لجميع السوريين دون استثناء، فهل تنسجم معاقبة الشعب السوري مع ادعاء مساعدته، أم أن القضية مجرد ''عنزة ولو طارت''..؟!‏

ماذا فعلت هذه الأنظمة سوى أنها دفعت فاتورة الاحتلال (بسخاء) عربي مخجل وبنخوة مضمونها العبث والخدمة للمستعمر وطريقها أن يموت العرب كل العرب بما فيهم قضاياهم وحقوقهم وأن يبقى هؤلاء الحكام يتباهون بالمظهر العربي ويعتنقون الحقد على العرب والمسلمين، يومها وبدءاً من احتلال العراق كان المشروع يتضمن فقرات ثلاث تاهت في الزحمة وغابت معالمها في الواقع المأساوي للعرب، وكان دور سورية أن تبقي الحقائق في مسارها وأن تثبت الوميض في الليل المعتم، أما الأولى من هذه الفقرات فهي أن يجهز الغرب والصهيونية على الوطن العربي، أن يتحول إلى أشلاء، إلى طوائف ومذاهب، إلى إثنيات وعرقيات إلى عشائر وعائلات تماماً على الطريقة التي استحدث فيها نظام المشايخ المتصالحة في الجزيرة العربية والخليج، عائلات تحكم وموروثات تفرض حضورها وانتماء للغرب بالسياسة والدور والوظيفة عبر المال والتجارة بالقيم العربية والإسلامية، وكانت ثانية الفقرات أن تنتشر التجزئة العربية ليصبح العرب دولاً أخرى ممزقة ومتكاثرة وليكون ذلك مقدمة كبرى وصغرى لكي يفكر كل مهووس ولكي تفكر كل مجموعة بإنشاء كيان حتى ولو كانت شمعة واحدة تكفي لإضاءة هذا الكيان ومن التطبيقات الخطرة لهذا الاتجاه أوجدوا الحمدين الأمير والوزير في قطر وعلى شاكلتهما ما تبقى من المستعربين والمستفيقين للتو على أنهم يتقنون بناء القصور ونثر الزهور وإدارة القرار السياسي بما يلبي حاجتهم من الطاعة للأجنبي ورغبتهم في تدمير أسس الحياة القومية، وكانت الفقرة الثالثة تشتمل على قائمة من الفتن في الواقع العربي لأن المنطق عندهم لا يحتمل أن تتشكل قواعد المقاومة ويتم التعويض عن الانهيار العربي الرسمي بواحات الوعي والمقاومة وبناء الذات والصحوة على إيقاع العصر، لقد سقط النظام السياسي العربي ونهض نظام المقاومة والبناء وكان من نتائج ذلك المباشرة هزيمة إسرائيل في جنوب لبنان وأزمة الاستعمار الأميركي في العراق.‏

ماذا بعد؟ وماذا تحضرون للسوريين من مكائد أيضاً؟ سؤال برسم منظمة التعاون الإسلامي؟ ولملك السعودية الذي نصب نفسه راعياً للحرية والديمقراطية والكرامة نسأل: أين حقوق الشعب السوري في عقوباتكم التي فرضتموها عليه؟ لماذا لم تتخذوا عقوبات على دول الجوار التي تدعم وتمد العصابات الإرهابية بالمال والسلاح؟ أين ادعاءاتكم بالحرص على السوريين وأنتم تهددونهم بمجلس الأمن وتكرار السيناريو العراقي والليبي من موت وخراب ودمار؟ أين كنتم عندما غزي العراق وقتل وشرد ويتم الملايين من أبنائه؟ أين كنتم عندما قصفت غزة باليورانيوم المنضب وحرقت الضاحية الجنوبية بالأسلحة المحرمة؟ ماذا فعلتم لإسرائيل وهي التي اقترفت أكثر من 96 اعتداء على مقدساتكم الدينية؟

ملك النفط السعودي دعا إلى البدء بحملة وطنية لجمع التبرعات لنصرة الشعب السوري... والمقصود بالشعب السوري من وجهة نظر ''صاحب القلب الكبير'' من يقاتل الجيش العربي السوري، عصابات الإرهاب من تابعيته الذين أرسلهم من ''القاعدة'' والوهابية، والمجرمين الذين أمر بإطلاق سراحهم من سجونه شريطة التوجه إلى ''الجهاد'' في سورية، وماذا تظن المساعدات التي يدعو إليها؟ أدوية... أغذية... لا... المساعدات التي يعنيها ''خادم الحرمين'' بنادق ''إم 16'' رشاشات دوشكا، وإن أمكن صواريخ لاو، لما لا، بخاصة وإن ''الشعب السوري'' ومن مفهوم ''جلالته'' في ورطة، ورطة وضعه فيها صمود الجيش العربي السوري البطل.‏

فلم يعد خافياً على أحد التناغم الواضح بين السعودية واسرائيل من خلال إطلاق مملكة آل سعود حملة تبرعات مالية للشعب السوري والتي هي لم تكن إلا لدعم المجموعات الارهابية المسلحة ولكن هذه المرة بطرق وأساليب مكشوفة لايصالها الى أدوات القتلة والترهيب وسفك الدم السوري بهدف تعويم الإرهاب والارهابيين على الأرض السورية عبر هذه الحملة المشبوهة، ولاسيما بعد الفشل الذريع لكل الأدوات والوسائل والطرق لاسقاط سورية.‏

فالابتكار السعودي الجديد جاء متوافقاً مع دعوة وزير خارجية العدو ليبرمان من أن اسرائيل عرضت مساعدات لدعم المعارضة في قتل الجيش السوري، اذاً ليس المقصود الشعب السوري الذي تأبى كرامته أن يتسول لقمة عيشه من غربان النفط ولا الوقوف الى جانب هذا الشعب في محنته الداخلية، بل المعني ان أموال آل سعود ستوجه الى دعم المجموعات المسلحة الوهابية التي لا هدف لها إلا قتل وذبح السوريين وتقطيع أجسادهم لكنهم تناسوا أن خطة العبث بمصائر السوريين اصطدمت بجدار منيع من اللحمة الوطنية والتماسك الاجتماعي التي رسخته طبيعة المجتمع السوري المتجانس في الوعي والتمدن بالرغم من التنوع الكبير في فئاته.‏

فالدعم العلني للقتلة والمأجورين بات معروف المنبع والمصدر لا سيما بعد تأكيد عرّاب السلاح سعود الفيصل وعلى الملأ من تقديم السلاح للمعارضة السورية بهدف تحويل سورية الى ساحة للصراع، ولكن نؤكد لهم أنهم واهمون لأن الجيش العربي السوري الذي تجاوز كل محاولات التعنت في الداخل ونجح في التحديات الارهابية المسلحة وانتصر على المرتزقة المدعومين عربياً ودولياً، ولكن ما يقض مضجع هؤلاء المتآمرين هو ليس الاعتراف بالهزيمة بقدر ما هو مواجهة تداعيات هذا الفشل.‏

ولكن أو ليس من المعيب والمخزي أن يتحول آل سعود فجأة إلى دعاة للديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأي؟! فهم يطالبون للسوريين بديمقراطية لا يطبقونها وبحقوق لا يعطونها وبحرية يُحَرِمُونَها ولا يمنحونها، وبتوزيع عادل لثروات يحرمون شعوبهم منها، يتهمون الآخرين بالإرهاب وهم يمارسونه في أبشع مظاهره ويتمثلونه في أقبح صوره، يدعون حرصهم على السوريين ويذرفون دموع التماسيح عليهم في الوقت الذي يتسببون فيه بقتلهم سواء عبر تسليح وإيواء وتدريب ودعم الإرهابيين ودفعهم إلى الداخل السوري ليفتكوا بالسوريين أو عبر توسل الغرب واستجدائه ليتدخل عسكرياً في سورية.‏ لقد باتت سورية شغلهم الشاغل وهمهم الأوحد، كيف لا تقض مضاجعهم وهي دولة ذات سيادة؟! كيف لا تؤرقهم وهي دولة مرهوبة الجانب يحسب لها في الموازين الدولية والإقليمية والعربية مليون حساب وحساب؟! كيف لا تثير أحقادهم وهي الند للأميركي والإسرائيلي في المنطقة والسد المنيع لأجندات الغرب الظلامية؟! كيف لا تهز عروشهم وكراسيهم وهي دائماً وأبداً النموذج المناقض لنموذجهم في الانبطاح والتبعية؟!.‏

لقد نصّب (الملك السعودي) نفسه وكيلاً عن الشعب السوري، كما فعل من قبله (الحمدي القطري)، وراح السعودي يستنهض همم المسلمين وحمية العرب ويدعوهم لمساعدة فئة من السوريين الضالين على أخوتهم في الوطنية والإسلام والعروبة. أليس في هذه الدعوة فجور سياسي، ودجل أخلاقي بأبعاده الاجتماعية والإنسانية ؟! ولكن لا غرابة في ذلك طالما أنّه يتمّ في مزاد السمسرة العربية، وفي سوق منظمة التعاون الإسلامي التي تحوّلت إلى سوق لتجار السياسة العربية، بالمال والنفط ورصيد العمالة والتآمر على الأمة العربية، بحاضرها ومستقبلها، بدلاً من أن تكون البيت الحاضن للأسرة الإسلامية، التي تغار على أبنائها وتؤالف بينهم، وتعمل على حلّ مشكلاتهم بالتعاون فيما بينهم، وليس من خلال التفرقة وتأجيج نار العداء والفتن.

إن الوهابيين الذين يتباكون اليوم على السوريين ويذرفون دموع التماسيح لا تعنيهم الدماء السورية بل إنهم يقفون وراء سفك هذه الدماء عندما يقومون بتجنيد المرتزقة ودعم الإرهابيين وتسليح العصابات التكفيرية والسلفية المتطرفة وتمويلها وإرسالها من دول الجوار لتنفث سمومها في سورية.‏

فلو كانت منظمة التعاون الإسلامي تكن الود والصداقة للشعب السوري لسارعت لمساعدته في تجاوز الأزمة الراهنة كما تفعل دول صديقة أخرى مثل الصين وروسيا وإيران... ولكن نواياها باتت مكشوفة، ودعمها للإرهاب والعنف والتخريب الذي تمارسه الجماعات المسلحة داخل سورية صار أمراً واقعًا لا يحتاج إلى دليل، فالجميع بات يدرك أن حل الأزمة في سورية له طريق واحد هو الحوار، وكل مسعى أو جهد يبذل خارج هذا الإطار يعتبر ضرباً من ضروب التدخل الخارجي الذي يعمق الأزمة ولا يحلها!.

إن حالة العداء التي أعلنتها الزمرة الحاكمة في السعودية ضد سورية وتسخير أموال الشعب السعودي من أجل دعم الإرهاب المنظم في سورية وتنفيذ أوامر أسيادهم في واشنطن ودول الاستعمار القديم الجديد لن تثني السوريين عن مواصلة تصديهم للمؤامرة الكونية التي تتعرض لها سورية ولن تزيدهم إلا قوة وإصرار على رد كيد الأعداء إلى نحرهم والتفافهم حول قيادتهم وجيشهم البطل في استئصال الإرهاب من جذوره لاسيما وأن وحدات القوات المسلحة قد سحقت الإرهابيين في مناطق عديدة من سورية و كبدتهم خسائر فادحة لاسيما في الأسابيع الأخيرة حيث تشهد هذه الأيام ملاحقة فلول الإرهابيين وتطهير المناطق التي تواجد فيها هؤلاء المرتزقة والمأجورون الذين روعوا المواطنين فيها وبذلك سيجر المتآمرون والعملاء أذيال الخيبة والعار وسيحصدون على أفعالهم النكراء لعنة الشعب السوري الذي أكد بوعيه الكبير وصموده على تحقيق النصر وبناء سورية المتجددة بسواعد أبنائها دون أي تدخل خارجي.‏

إن القرارات التي اتخذتها الجامعة العربية وقمة مكة الذي عقد ضد سورية و شعبها لا تساوي من حيث القيمة الحبر الذي كتبت به لأنها قرارات مسيسة موضوعة مسبقاً و تنطلق من أحقاد ومؤامرات عدوانية وتتخفى بشعارات براقة لا تطبق في الدول التي تدعو لاتخاذ هكذا قرارات وهي بمجملها مرفوضة من قبل الشعب السوري لأنها تتعارض مع مصلحة الشعب السوري وإرادته في رفض التدخل الخارجي و تمسكه بقرار سورية الوطني المستقل.‏

إن مسير تعليق عضوية سورية ''في الجامعة ومنظمة التعاون الإسلامي'' وصل إلى نهايته بعد أكثر من عام ونيف وبقيت سورية قوية وصامدة ولم تتنازل عن مبادئها وقضت على سياسة ''القطب الواحد'' ولكن الذي يجب قوله: إن ممالك ومشيخات ودول الموز العربية لن يكون متاحاً أمامها هذا المسير فالسقوط سيكون سريعاً ومدوياً.‏

وأخيراً وليس آخر، فذنب السوريين الوحيد أنهم لم يرتضوا أن يكونوا أزلاماً لدى آل سعود و''عبريته'' أو أوباما وصهاينته، ولم يقبلوا أن ينضموا إلى جوقة الخونة والعبيد، ولم ينحنوا لتقبيل الأيادي وغير الأيادي كما فعل ويفعل مشايخ آل سعود وآل ثاني وآل خليفة.‏

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 29/آب/2012 - 10/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م