قد سمعنا مؤخراً وكل من ينتمي إلى العملية التربوية بنتائج الدراسات
للمراحل المنتهية وخصوصاً السادس العلمي بالمعدلات العالية جدا....
وبدأ القيل والقال عند الكثير من الناس الذين يعللون هذا الارتفاع
بسهولة الأسئلة أو سرقتها ويضيف آخر بتطور القابليات الذهنية والفكرية
لدى الطلاب ويعلل آخر باستحداث مواد دراسية نوعاً وكماً وتفنن طرق
إلقاؤها من قبل الأساتذة لمواجهة مصير الأسئلة المركزية المجهولة.....
أما رأينا كمختصين ومرشدين في العملية التربوية ننظر من وجهة نظر
أخرى غير التي تشاع في الساحة الشعبية.... إن ارتفاع المعدلات الحالية
للصفوف المنتهية وخصوصاً السادس العلمي في هذا العام الحالي معولة
لأمرين مهمين:-
1- سهولة الأسئلة الوزارية عموماً.
2- ذكاء الطلاب واستغلال مواهبهم ومتابعتهم الدراسية بجد وكذلك
إقامة دورات للتقوية مدعومة وبصورة مكثفة من قبل مديريات التربية في
المحافظات عن طريق أساتذة أكفاء لكافة الدروس ومحاسبة المدرسين الذين
تقل نسب نجاحهم سنوياً مما حدّ من تدهور العملية التربوية وساعدها على
النهوض بقوة.
لذا سوف نتطرق إلى أهم عنصرين يبيّنان مدى اتساع الفكري والمعرفي
عند مختلف قابليات الطلبة الذهنية لدى تقييم المحترفين من المختصين في
العملية التربوية وخصوصا" المختصين في علم النفس وهما:- الذكاء
والموهبة.
الكثير من الناس لا يفرق بين مفهوم المصطلحين بل يغالط بينهما.الأمر
الذي يجدر بنا إلى توضيحه للكثير من الناس الذين تهمهم سير العملية
التربوية ونجاحها.
لنبدأ بالذكاء:-
لابد التعرف على الذكاء والذي يقصد بقدرة الفرد على القيام بنشاطات
تتصف بخصائص مثل الصعوبة والتعقيد والتجريد والتكيف مع الهدف والقيمة
الاجتماعية وظهور السلوك الأصيل والمحافظة على هذه النشاطات تحت ظروف
تتطلب تركيز الجهود ومقاومة القوى الانفعالية وكذلك يعني القدرة على حل
المشكلات والتصرف الهادف والتفكير المتزن والتعامل الناجح مع البيئة.
وتباينت آراء العلماء والمتخصصين والباحثين حول الذكاء ولكن ليس
بالضرورة أن يكون كل ذكي موهوب وان الموهوب يتميز بالحد المناسب من
القدرات العقلية المرتفعة وهذا يؤكد اختبارات الذكاء لا تكشف إلا عن
70% من الموهوبين. فالذكاء المقاس بالاختبارات للكتاب والفنانين وعلماء
الرياضيات وغيرهم يكون فوق المتوسط تقريبا ومع ذلك لا يمكن أن تتنبأ
الذكاء بالإبداعية فرد ما فقد يكون عالم بيولوجي الذي تبلغ نسبة ذكاؤه
130 درجة أكثر إنتاجية إبداعية إلى حد بعيد بالمقارنة بالفرد نسبة
ذكائه تبلغ 180 درجة وبين بعض العلماء التفكير التقاربي (الذكاء) بأنه
النوع من التفكير المحدد والذي لا يحتاج فيه الفرد إلى الانطلاق
بتفكيره بعيدا ولكن يحتاج إلى التفكير البسيط. ليس المهم أن نهتم
بالأذكياء لأن ذكاؤهم ربما يتردى عند حدوث صدمة ما ويقل مستواهم لذا
يجب الاهتمام بالموهوبين لأنهم لا يتأثرون بالمؤثرات الخارجية ولا تقل
نسب إبداعهم.
أما الموهبة:-
فالموهبة هي قدرة الفرد على إنتاج الجديد من الأفكار والحلول غير
الروتينية وذات معنى لذلك تتعدد الأساليب والأدوات المستخدمة في الكشف
عن الأطفال والطلاب الموهوبين وفي التعرف عليهم، وبعض هذه الأساليب
والأدوات تقليدية معروفة منذ القدم وبعضها الآخر يعد حديثاً نسبيا
وتعتمد على أمور معينة لتقدير الموهبة والحكم على الموهوب من لدن
المربيّن والمعلمين والباحثين وتظهر المواهب عادة من خلال ممارسة
الأنشطة والميل الى الهوايات التي يظهرها الأطفال والطلاب سواء في
المدرسة او البيت او النادي وغيرها عند ممارستهم لمختلف الأنشطة
الرياضية او الموسيقية او الفنية او الأدبية والعلمية، غير ان عملية
الاكتشاف تلك تتطلب من القائمين عليها وبخاصة المعلمين ضرورة الإلمام
بالموهبة او العملية الإبداعية وعناصرها وطبيعتها، وهذا لا يأتي الا
بالتدريب والتأهيل وفق برامج خاصة تؤهلهم للتعرف على المواهب واكتشافها
ورصد مؤشراتها منذ سن مبكرة وكيفية العناية بها ورعايتها، حتى لا تطال
تلك المواهب مظاهر الإحباط والتراجع والفشل إذا لم تلق العناية
والتنمية اللازمة، ونقص الغذاء يمكن أن يؤدي إلى خفض القدرة على
التركيز وكذلك العزلة الاجتماعية يمكنها تأخير نمو الفرد.
ومن الأساليب والأدوات المستخدمة في اكتشاف المواهب لدى الأطفال
والطلاب في المدارس والنوادي والمعسكرات في كثير من الدول المتقدمة
تتمثل في إجراء الاختبارات والملاحظات والتقديرات الذاتية للتلاميذ
وإقامة المسابقات، وعلى الرغم من ان معظمها تقليدية، فهي للأسف لم
تتوفر في معظم مدارسنا العربية وخصوصاً العراقية واذا توفرت لم تستثمر
ولم تنمى قدرات الطلبة، فلم تطبق أي نوع من الاختبارات والمقاييس
المقننة في اكتشاف المواهب ولم تكن الملاحظة من قبل المعلمين
والأخصائيين النفسية حاضرة بحضورها الفعلي و التقييمي في المدارس من
قبل وزارة التربية باعتبارها المعنية في صنع مستقبل الدول عن طريق تلك
المواهب، كما ان الاستفتاءات لاستطلاع آراء الأطفال والتلاميذ والطلاب
لم تكن مألوفة او مستخدمة فيها وربما الأداة الوحيدة المعهودة في
المدارس هي إجراء المسابقات وإقامة المعارض في نهاية العام الدراسي
وعند إقامة بعض الأنشطة الرياضية والموسيقية والمسرحية التي غالبا ما
تنتهي بانتهاء العام الدراسي، دونما الاهتمام بأية برامج للرعاية
والتنمية للمواهب التي تبرز في مثل هذه الأنشطة والمسابقات
دور البيئة والوراثة والتربية في خلق الموهبة:-
أثبتت الدراسات ان العوامل البيئية تلعب دورا أهم بكثير من العوامل
الوراثية في تكوين الطفل الموهوب.. فليس المطلوب إن يكون الطفل عبقريا
حتى يكون موهوباً... ولكي يكون الطفل موهوباً فانه يكفي إن يتمتع بقدر
من الذكاء، ومعنى ان الموهبة لا تعتمد على الذكاء وحده بل تعتمد على
الكثير من العادات الذهنية والسمات التي تلعب في الأسرة والمدرسة دورا
أساسيا في تكوينها. ويرى عدد من أساتذة التربية وعلم النفس ان ثمة
علاقة ايجابية بين ثقافة الطفل وقدرته على الموهبة، ويوصون بضرورة
التخلي نهائيا عن نظام مد الطفل بثقافة الحفظ والتلقين والاهتمام
بمتابعة مواهبه وصقل الملكات الإبداعية لدية بوصفها أساسا للتكوين
المعرفي في حياته المستقبلية، فالاعتماد على الممارسة العملية
والميدانية تتيح للأطفال فرصة على النسج من خيالهم، وذلك لان الطفل
يمتلك موهبة الخلق والتعبير وعلى الأسرة والمدرسة دعم وتشجيع مهاراته
بلا قهر أو إجبار وكذلك يمكن للتربية إن تسهم في خلق الشخصية المبدعة
بوساطة ربط الدروس بالحياة النفسية والاجتماعية والمادية للطفل، فليس
هدف التربية الحديثة تلقين التلميذ أو التلميذة مجموعة من الحقائق
الجافة، ومطالبته بحفظها والإجابة على الأسئلة التي ترد عليها في آخر
العام، فيخرج التلميذ إلى المجتمع الخارجي كمواطن غريب، يعيش في مجتمع
لم يسبر أغواره او يلمس طبيعة الحياة وقيمتها.
وأما التربية الحديثة فترى أنّ المدرسة يجب أن تكون صورة حقيقة
لواقع المجتمع الخارجي وينبغي أن تستهدف مواد الدراسة المساعدة في حل
مشاكل المجتمع الخارجية وينبغي ان تستهدف مواد الدراسة المساعدة في حل
مشاكل المجتمع الخارجية، او المشاكل التي تواجه الفرد بعد تخرجه من
المدرسة. ولا يكفي أن تتضمن المناهج حقائق عن طبيعة المجتمع بل لابد من
الاعتماد على الرحلات العلمية والاستكشافية وإشراك الطلاب في الأعمال
التعاونية والتطوعية في خدمة البيئة، ودعوة رجال العلم والاختصاص من
أهل البيئة الإلقاء محاضرات كل في مجال تخصصه.
ومن وسائل تحقيق هذه الغاية الاعتماد على طرق التدريس الجيدة كطريقة
المشروع أو التعين او المشكلات. يجب أن تشبع المدرسة حاجات التلميذ او
اهتماماته وميوله، وتنمي استعداداته وقدرته وذكاءه وتدعم السمات
الشخصية المرغوبة كتحمل المسؤولية والشعور بالواجب والطاعة واحترام
القانون والنظام والاعتماد على النفس والثقة بها، وتكوين العادات
الايجابية كالدقة والموضوعية والنظافة والأمانة والصدق والشجاعة
الأدبية والقدرة على التعبير عن الذات واحترام الغير، وممارسة
الديمقراطية ممارسة سليمة على قدر المستوى الذي يسمح به سن التلميذ
ومكانته كتلميذ في المدرسة وتدريب التلميذ على التفكير في حل المشكلات،
ويبدأ هذا التدريب بالمشكلات الدراسية ثم يتقدم ليشمل المشكلات
الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمهنية والعسكرية. الخ، ويلزم لذلك
عرض المعلومات العلمية في صورة مشكلات تتحدى ذكاء التلاميذ وتحثهم على
التفكير.
الموهبة والتحصيل:-
يخطئ الكثير من التربويين عندما يربطون بين الموهبة والمستوى
الدراسي فيرسمون للموهبة دائرة لا يسير في نطاقها إلا الطلاب الذين
يحصلون على درجات عالية، اعتقادا منهم بان هؤلاء الطلاب هم الوحيدون
القادرون على الموهبة (فالموهبة ليست محصورة على أصحاب الشهادات
العالية) فقد أثبتت الدراسات إن هناك عددا كبيرا من الموهوبين لم
يكونوا موفقين في حياتهم الدراسية، فمثلا" المخترع إديسون لم يقض في
المدرسة سوى 3 أشهر طوال حياته وكذلك العالم اينشتاين لم يكن متفوقا"
في مادة الرياضيات حتى إن مدرس مادة الرياضيات كان يركله بالكرسي الذي
يجلس عليه وعلى رغم من ذلك اخرج للعالم نظريته المشهورة (النظرية
النسبية).
وكذلك أشارت بعض الدراسات إلى وجود علاقة ضعيفة بين الموهبة و
التحصيل الدراسي أو لا توجد علاقة نهائيا (سالبة) وهذا يعني إن الكفاءة
العالية في التحصيل ليست شرطا" أساسيا" لتحقيق الموهبة وهذا قد يفسر
لماذا لم يتوصل كثير من العلماء المبدعين إلى مكانتهم المرموقة في
البيئة المدرسية الشائعة. وفي هذا يقول اينشتاين (إنني لا أكدس ذاكرتي
بالحقائق التي استطيع أن أجدها بسهولة في إحدى الموسوعات) فعليه إن
المدارس والمعلمين لم تكافئ كثيرا" الطلاب الموهوبين. وتؤكد نتائج
البحوث إن معظم الطلاب الموهوبين حصلوا على تقديرات متوسطة أو ضعيفة في
التحصيل الدراسي...
أخيراً وليس آخراً:
كل ما أود قوله هو لابد أن نعتني بالموهوبين هم علماء المستقبل
بإمكانهم أن يخلقوا عراق ذا مستقبل متطور يشار له بالبنان على كافة
الأصعدة والنواحي. لأن الكثير من الحضارات والأمم والشعوب لجديرة أن
تفتخر في أبنائها لصناعتهم تلك الحضارات.
* باحثة ومرشدة التربوية
مديرية تربية بابـــل-مدرسة الفرات
الابتدائية |