سورية... وانفجار بركان شمال لبنان؟

مصطفى قطبي

ما كُشف مؤخراً من خطط أميركية إسرائيلية تركية سعودية قطرية إماراتية جديدة لإسقاط سورية وتسليح الإرهابيين فيها وتحويل الشمال اللبناني إلى ساحة إمداد عسكري لهم، وما صدر من لندن وعدد من العواصم الغربية من تصريحات علنية تحرض فيها المسلحين التكفيريين والسلفيين في سورية على تصعيد إرهابهم وهجماتهم الانتحارية في الداخل السوري، ليس إلا دليلاً على إفلاس المتآمرين وعجزهم أمام شعب لا يرضخ لتهديداتهم أو ينصاع لإملاءاتهم، شعب أقوى من كل إرهابهم وعقوباتهم ومكائدهم، كما أنه يؤكد أن شياطين وأبالسة العرب والغرب الأمينين لمصالح إسرائيل وأوهامها بنسف سورية وإنهاك جيشها وإبادة شعبها دخلوا دائرة الجنون وفقدوا صوابهم حيث أعمتهم أحقادهم وسيطر الشر على أرواحهم ولذلك نراهم لا يتركوا فرصة أو يتوانوا عن ارتكاب أي حماقة للمضي في حربهم القذرة حتى نهايتها حتى وإن كان الإخفاق مآلها.‏

بالأمس، وقفت سورية مع لبنان في محنته عام 1958 في عهد كميل شمعون الرئيس اللبناني آنذاك وأنقذته من مشروع ايزنهاور الذي كان يريد استلاب لبنان من عروبته وزجه في الاتجاه الغربي المعادي بعيداً من توجهاته القومية والعربية وفي عام 1975 دخلت سورية لبنان بإمكانياتها العسكرية والسياسية لوقف نزيف الدم اللبناني وإيقاف الحرب الأهلية المستفحلة على كل الأراضي اللبنانية وقد فتكت بالشعب اللبناني بكل طوائفه ومذاهبه ومنعت تقسيمه، وذلك بناء على طلب وموافقة الغالبية العظمى من اللبنانيين ودولة لبنان وبقرار عربي ومساندة دولية واستطاعت سورية إيقاف الفتنة وإعادة الهيبة إلى الدولة اللبنانية وساهمت في إعادة بناء الجيش الوطني اللبناني، ليكون قادراً على تنفيذ مهامه الوطنية والقومية.

وفي عام 1982 شاركت القوات العربية السورية في التصدي للعدوان الإسرائيلي الذي وصل إلى بيروت. ولكن المقاومة اللبنانية الباسلة والجيش الوطني اللبناني وبدعم عسكري سوري نجحوا في دحر العدوان ومطاردته حتى الحدود الجنوبية للبنان، وقد ضحى الجيش العربي السوري بآلاف الشهداء من جنوده البواسل دفاعاً عن لبنان وشعبه وعروبته. وأثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006 وقفت سورية إلى جانبه حيث أمدت المقاومة اللبنانية المسلحة بكل ما أمكنها من سلاح وعتاد ما أدى إلى صمود المقاومة ثم الانتصار على الجيش الإسرائيلي المتغطرس، وهزمته شر هزيمة لم يتعرض لمثلها في كل الحروب السابقة التي خاضها، وكذلك احتضنت سورية وشعبها مئات الآلاف من المهجرين اللبنانيين الذين تركوا منازلهم أثناء العدوان الجائر، وهذا ما نعتبره واجباً وطنياً وقومياً لا منة لأحد فيه. إذا سورية كانت ومازالت المدافع الأول عن لبنان وشعبه في الشدة، أما في الرخاء فكانت مفتوحة دوماً لاستقبال الأشقاء اللبنانيين وكانت المدن السورية بكل إمكانياتها ورحابة صدرها موئلاً لهم أثناء زياراتهم اليومية للتبضع والتزود والاستمتاع في ربوع الوطن الحبيب.

واليوم تعيش سورية أزمة عالمية وعلى الشقيق والجار المحب أن يقف مع أخيه ويقدم له ما أمكن من المساعدة، لا أن يكون يد غدر ومكر وخداع ولا أن يكون أداة طيعة بيد الأعداء يحركونه كما يشاؤون لإيذاء هذا الشقيق. فعلى المستوى الرسمي، أعلنت الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي سياسة النأي بالنفس تجاه الأحداث الجارية في سورية وكأن سورية لاتهم لبنان من قريب ولا من بعيد، ومع ذلك تقبل الشعب السوري هذه السياسة وتفهم موقفها ولو على مضض، ولكن هل نفذت الحكومة هذه السياسة على أصولها؟ لقد نأت بنفسها عن الوقوف إلى جانب سورية في محنتها ولكنها لم تنأ عن تلك العصابات الإرهابية التي تسللت إلى شمال لبنان من تكفيريين ومن تنظيم القاعدة وما يسمى جيش العهر بل شجعتهم، حتى رفضت الإقرار بوجودهم.

فما هو مفروض على المنطقة بأكملها في ظل سياسة النأي بالنفس التي ثبت فشلها وضربت بعرض الحائط كل الاتفاقيات الموقعة بين البلدين حتى بات إلقاء القبض على شخص مثل شادي مولوي يتطلب تصعيداً خطيراً يعرض السلم الأهلي للخطر والحقيقة الاتهامات لسورية وحزب الله جاهزة على لسان أصحاب الفتنة في لبنان والحقيقة إن ما يجري على الأرض من أحداث تستهدف سورية والمقاومة والقوى الوطنية اللبنانية الأمر الذي سيجعل الفصول القادمة من هذا السيناريو الذي يعد للبنان من الأمور التي تجعل القادم أعظم.

أما رئيس الدولة ونحن نجل ونقدر هذا الرئيس ولكن للأسف لم يكن له قرار حاسم أو موقف جريء تجاه هذه الفوضى التي تجري على الساحتين السورية واللبنانية والتي تؤثر على الجارة الشقيقة وتخالف الدستور اللبناني الذي أقر في أحد مواده (أن لبنان يجب ألا يكون ممراً أو مستقراً لأعداء سورية) فلم نشعر بأن لفخامة الرئيس موقفاً واضحاً وصريحاً وشفافاً تجاه الوضع في سورية، أما الأحزاب والتيارات والشخصيات السياسية المعادية لسورية فحدث ولا حرج فنحن لا نلومها فهي أدوات صغيرة بيد أميركا وإسرائيل تحركها كالدمى وأحجار الشطرنج، وتعشمها بمستقبل باهر تحلم به هذه الفئات العميلة وتعيش من أجله وفي النهاية لن تحصل إلا على الخيبة والخذلان.

ولكن كل ما ذكرناه عن هذه الفئات هو شأنهم ولن نفرض عليهم رأينا وقناعاتنا بما يجري في الشمال اللبناني من تجييش وتحريض وتسليح للعصابات الإرهابية.

فتيار المستقبل بخياره المرتبط مع السعودية والخليج وجوداً وعدماً سواء تطابقت مصالحه مع لبنان أم لم تتطابق فهو رهن بما تقوله السعودية. فقد تحولت مقار الجمعيات الخيرية التي تشرف عليها الجماعات السلفية وتيار ''المستقبل'' في المناطق اللبنانية المتاخمة للحدود السورية إلى أماكن مخصصة لاستقبال وإيواء عناصر إرهابية من تنظيمي القاعدة والإخوان المسلمين، من السوريين وغيرهم، ممن ينطلقون من الأراضي اللبنانية لتنفيذ عملياتهم الإجرامية في سورية، ويفرون عائدين إلى تلك المقار. وتتم معالجة المصابين والجرحى منهم تحت أسماء وهمية في المستشفيات والمستوصفات التابعة لتلك الجماعات، وبتمويل من دول، مثل قطر والسعودية.

هذا التيار قام بتأسيس حزب التحرير السلفي الوهابي في طرابلس من جديد وقدم له دعماً مالياً وعسكرياً وحاول التأسيس لحزب سلفي تكفيري وهابي جديد بنسخة منقحة وأكثر تطرفاً بقيادة السيئ الذكر الشيخ أحمد الأسير في الجنوب، مستعيناً بميلشيات له تحت الإعداد إضافة لما يقوم به حالياً في صيدا جنوب لبنان، وقد تابع تيار المستقبل إدخال عناصر القاعدة بصورة غير مشروعة والمرتزقة إضافة إلى العناصر الإرهابية السورية التي احتضنها من خلال حزب التحرير وأنصاره وأنصار المستقبل في الشمال، وعليه لم تكن سفينة لطف الله 2 التي أوقفتها السلطات اللبنانية قبل فترة وهي محملة بأسلحة مخصصة لإراقة مزيد من الدم السوري مفاجئة للقيادة في سورية رغم الضجيج الإعلامي الكبير الذي رافق اكتشاف السفينة فهناك العديد من هذه السفن وغيرها من وسائل نقل السلاح إلى لبنان حتى وصل الأمر إلى استخدام طائرات خاصة لأشخاص لبنانين وغير لبنانيين وسيارات حكومة لنواب عن تيار المستقبل لنقل هذا السلاح إلى منطقة عكار ووادي خالد طرابلس، أما الخيط الثالث من هذه المؤامرة على لبنان قبل سورية فهو احتضان (اللاجئين) السوريين ورعايتهم وهم ليسوا بلاجئين بل هم بقايا المقاتلين الذين فروا من حمص والقصير أمام ضربات الجيش السوري في القتال.

إن كل هذه الحقائق تصب في اتجاه واحد وهو توريط لبنان في الأزمة السورية من جهة، وجعله ممراً ومقراً لضرب سورية، وخلق منطقة عازلة بشمال لبنان، تكون مرتعاً خصباً لاستهداف سورية عسكرياً، والانطلاق إلى تنفيذ بقية الخطة الأميركية الصهيونية، ألا وهي تقسيم سورية ولبنان إلى دول وطوائف، لذا كانت زيارة ليبرمان وفيلتمان قبل فترة وجيزة إلى الحدود السورية اللبنانية ضمن هذا السياق، ولعل الخط الرابع هي المناورات المتتابعة التي تجريها إسرائيل على الأرض وتحاكي فيها حرباً ضد لبنان تواجه فيها عناصر حزب الله وصواريخه وكيفية مواجهة المقاومة في الجنوب، والحقيقة الخامسة هو خطف الزوار اللبنانيين وتورط تركيا الواضح في ذلك، فلا تركيا بحجمها الإقليمي استطاعت أن تسجل موقفاً يليق بحجمها كدولة ولا تصريحاتها كانت مسؤولة وذات مصداقية. لماذا؟ لأن الأوامر الأميركية كانت استثمار هذا الخطف إلى أبعد الحدود داخل الاستهداف لسورية وحزب الله.

أمين الهيئة القيادية في حركة الناصريين المستقلين المرابطون العميد مصطفى حمدان، أكد أن بندر بن عبد العزيز قد أعطى الأوامر لغلمانه بتوجيه أميركي إلى جعل لبنان حالة فوضوية دموية، وأن بعضاً من مشاهد الإرهاب والتخريب في سورية قد بدأت تظهر على الساحة اللبنانية، فهناك من يحاول أن يجعل من المعركة في سورية امتداداً على الساحة اللبنانية عبر تهريب المخربين والإرهابيين في المناطق المحاذية لسورية أو عبر جعل لبنان قاعدة لوجستية لمدّ المخربين بالسلاح والمال. وفيما يخص تغريدات سعد الحريري عن الواقع السوري، توجه حمدان له بالقول: عوضاً عن أن تذلّ نفسك أنصحك أن تنشق عن ديوانيات بيت سعود، وأن تتخلص من إذلالك وخنوعك في كل ليلة تقضيها مع أمير، وتكف عن كونك غلام الأمراء في السعودية وتأتي إلى مطار دمشق لربما تستعيد بعضاً من رجولتك، ومن ثم تدخل بيروت سيدة العواصم العربية.

المراقبون للحدث اللبناني وتشعباته رأوا في التصعيد المفتعل في بيروت محاولة للتحرش بحزب الله ''المقاومة اللبنانية'' وجرها على طريقة 7 أيار 2008 إلى اقتتال داخلي يجعلها مكشوفة أمام العدو الإسرائيلي، وعلى إثر ذلك يقوم الجيش اللبناني بالانسحاب من طرابلس وأحيائها المتوترة لإطفاء الحرائق في العاصمة، وعندها تقوم المليشيات المسلحة التابعة لتيار المستقبل والتي ظهر أعضاؤها في اشتباكات مسلحة بباب التبانة والطريق الجديدة وحلبا بالسيطرة على عاصمة الشمال ''طرابلس'' وتحويلها إلى ملاذ ومنطقة آمنة وقاعدة لانطلاق المعارضة السورية المسلحة، ومن هناك يتم نقل السلاح والإرهابيين إلى داخل سورية من أجل تأجيج الأوضاع الأمنية.

أجواء الفتنة والتحريض ضد الحكومة والجيش اللبنانيين يعمل عليها مسؤولو تيار المستقبل، وكأنهم تلقوا أمر الساعة من أسيادهم في السعودية لتأجيج الأوضاع في لبنان، على أمل التأثير على مجرى الأحداث في سورية، من منطلق أن لبنان خاصرة سورية الرخوة ويمكن جره بسهولة إلى أتون الحرب الأهلية، وعندها يمكن أن تشتعل المنطقة ومن ضمنها سورية، إلا أن أصحاب المشروع السعودي الأميركي الصهيوني في لبنان أعجز من أن يحققوا مآربهم المريضة، لأن المقاومة اللبنانية التي أفشلت مخططات إسرائيل وحروبها تعي جيداً أهداف هذه المخططات الشيطانية وهي قادرة على إفشالها، وقد أدرك اللبنانيون أهمية تلاحم الجيش والشعب والمقاومة في تحصين لبنان وحمايته مما يحاك ضده في الدوائر العربية والغربية الطامعة.‏

وفي لبنان تعمل إسرائيل على تصعيد التوتر بين الطوائف المسيحية والإسلامية المتعددة، ولبنان هي نقطة الانطلاق لسورية وتقسيمه إلى عدة دول هو طريقة لبلقنة سورية وتحويلها إلى عدة دول صغيرة طائفية. فأهداف خطة ينون هي تقسيم لبنان وسورية إلى عدة دول على أساس الهويات الدينية والطائفية وربما توجد نوايا بإبعاد المسيحيين السوريين أيضاً.‏‏ فالرئيس الجديد للكنيسة المارونية السريانية، وهي الأكبر بين الكنائس الشرقية الكاثوليكية المستقلة، عبر عن مخاوفه من إزالة العرب المسيحيين من المشرق والشرق الأوسط. فالبطريارك مار بشارة بطرس الراعي و الكثير من الزعماء المسيحيين في لبنان وسورية يخشون من سيطرة الإخوان المسلمين على سورية. وكما في العراق، تقوم جماعات غامضة اليوم بمهاجمة الجاليات المسيحية في سورية. وكذلك عبر مسؤولو الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية بما فيهم بطريارك الأرثوذكس الشرقيين في القدس عن قلقهم. و يشارك المسيحيين العرب في مخاوفهم الجاليات المسيحية الآشورية والأرمنية.‏‏

وهكذا يتعرض الراعي اليوم لهجوم سياسي من قبل تحالف 14 آذار بقيادة الحريري بسبب موقفه العقلاني من حزب الله ورفضه دعم إسقاط الحكومة السورية. كما وذكر أن مسؤولين أميركيين ألغوا لقاءات مع البطريارك كإشارة لعدم الرضى عن مواقفه.‏‏

وتحالف 14 آذار بقيادة الحريري، كان يعمل يداً بيد مع الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول العربية والمجموعات التي تستخدم العنف و الإرهاب في سورية، ويوجد تعاون ومحادثات سرية بين الإخوان المسلمين وما يسمى المجموعات السلفية في سورية من جهة والحريري وأحزاب سياسية مسيحية في 14 آذار من جهة أخرى، و لهذا السبب انقلب الحريري وحلفاؤه على الكاردينال الراعي. فالحريري و14 آذار من جلب فتح الإسلام إلى لبنان ويساعد الآن أفراد منه في الهروب و القتال في سورية.‏‏

لقد تم التخطيط لتهجير مسيحيي الشرق الأوسط من قبل واشنطن وتل أبيب وبروكسل. وذكرت الأنباء أن الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي أخبر البطرك الراعي في باريس بإمكانية استقرار الجاليات المسيحية في المشرق والشرق الأوسط في الإتحاد الأوروبي، وهو ليس بالعرض السخي، بل إنه صفعة على الوجه من قبل نفس القوى التي قامت عمداً بخلق الظروف لأجل استئصال المسيحيين من الشرق الأوسط، والهدف هو إعادة استقرار المجموعات المسيحية خارج المنطقة وبذلك توصف الدول العربية بأنها إسلامية حصرياً، وهذا يتوافق تماماً مع خطة ينون الإسرائيلية الإستراتيجية الرامية لضمان تفوق إسرائيل بإعادة تشكيل بيئتها الجيوسياسية عبر بلقنة الشرق الأوسط والدول العربية وتحويلها إلى دول أضعف و أصغر.‏‏

هذه الحقائق السابقة تضع لبنان وتيارات المستقبل بأحزابها ومساراتها على فوهة بركان قد ينفجر بأي وقت يصدر الأمر بذلك وتعطينا فكرة عن مدى ما يقوم به هذا التيار مع حلفائه في 14 آذار من دور هدام في لبنان من خلال المساهمة الفعالة في نشر الفكر الوهابي القادم من مشيخة قطر والسعودية فالشحن المذهبي والطائفي في طرابلس لا يمكن أن يكون وطنياً وإنسانياً وتعاظم هذا الدور الذي سبق لعبه بقذارة في حرب عام 2006 من قبل السلفية التكفيرية الوهابية المتلاحمة مع تيار المستقبل حيث صارت الذراع العسكرية لهذا التيار، كما حدث على الطريق الجديدة ومهاجمة مكاتب حزب التيار العربي وهذا أكبر دليل على تعاظم هذا الدور، فلا الدولة ممثلة برئيسها وحكومتها استطاعت أن تفرض الأمن المطلوب داخلياً بقوة، ولا السياسيون استطاعوا أن يوفروا غطاء للجيش ليقوم بمهامه الوطنية في حفظ السلم الأهلي في هذه الأوقات الصعبة.

إن ما يقلق ويزعج السوريين هو موقف الفئات المقابلة من اللبنانيين الشرفاء الذي يعتبرون أنفسهم أصدقاء سورية وأنهم جزء من هذه المشكلة التي تمر بها سورية. فلا نشك لحظة بصدقية أقوالهم وقناعاتهم بما يعبرون به في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية ونحن واثقون بأنهم يتمنون الخير والانتصار لسورية وشعبها وأن مصيرهم مرتبط بالمصير السوري شاؤوا أم أبوا.

 ولكن وسورية في أوج هذه الأزمة هل تكفي تلك التصريحات والمقالات وهذه المشاعر والعواطف الجياشة؟ ماذا ستقدم أو تؤخر في هذه المعمعة؟ لقد وصلنا إلى مرحلة الفعل ورد الفعل أي إن لتلك القوى أن تجابه وتقاوم بشكل جدي، ما يحصل الآن على الساحة اللبنانية، فعندما كانت الأمور العدوانية على الساحة السورية فقط لم تطلب سورية من أحد أن يقف أو يساعد أو يمد يد العون لشعبها وجيشها فهي ليست بحاجة لأحد. فكان الشعب السوري يسر للمواقف السياسية البحتة وسماع الآراء الداعمة والمشاعر القومية الفياضة، أما اليوم أيها الشرفاء فقد (وصل البل إلى ذقونكم) فقد أصبحت عصابات ما يسمى بجيش العهر والمجموعات التكفيرية وعناصر القاعدة المرتزقة من مشارق الأرض ومغاربها في مدنكم وساحاتكم وشوارعكم وربما غدا في منازلكم، يعيثون فساداً في لبنان.

فهل نكتفي اليوم بالتنديد بتلك العصابات ونكشف عوراتها ونشير إليها؟ هل تصرفتم أو قمتم بأي إجراء فعلي تجاه ما يجري في بلدكم؟ لقد سيطروا على الشمال وتمددوا إلى بيروت ووصلوا إلى صيدا فماذا تنتظرون؟ أإلى أن يسحب البساط من تحت أقدامكم؟!

اليوم لم تعد الكلمة فقط هي التي يؤخذ بها، بل يجب أن تكون موجوداً في الشارع لتمنع عربدة تلك الفئات على الساحة وبخاصة أنه لا توجد دولة بكل معنى الكلمة تستطيع أن تقوم بردع هؤلاء وإيقافهم عن عربدتهم ولم يعط الجيش تلك الصلاحيات الكافية من الجهات السياسية للقيام بواجبه الوطني على أكمل وجه وهذا ما لاحظناه في الآونة الأخيرة عندما سمح لبعض قطاعات الجيش بالانتشار على الحدود الشمالية، فإذاً ما العمل؟

ألم تأخذوا بعين الاعتبار أنه يجب عليكم أن تكونوا جاهزين لحماية ظهر المقاومة الصامدة في وجه العدو الإسرائيلي في الجنوب من عبث المتآمرين والحاقدين في الخلف، الذين يتحينون الفرصة للانقضاض على المقاومة غدراً وخسة ليحققوا ما لم تحققه إسرائيل وأميركا وكل من وقف في صفهم، يا إخوتي اللبنانيين الشرفاء عندما نطرح مثل هذه التساؤلات لا نقصد بها أن تنزلوا إلى الشارع وتحملوا السلاح وتعلنوا حرباً أهلية كما يشتهي البعض ويخطط له، لكن بتنظيم صفوفكم وتوحيد جهودكم وتحضير أنفسكم ومتابعة المتربصين بكم كي لا يأخذوكم غيلة وغدراً.

إن الأحزاب والتيارات السياسية التي يطلق عليها إسم 14 آذار وكل من يتغطى بعباءتها قد انضوت اليوم تحت هدف واحد ورؤية واحدة ألا وهي محاربة سورية وكل من يقف بصفها من اللبنانيين بكل صراحة ووضوح وقد استعدوا لكل طارئ وهم جادون في تنفيذ مخططاتهم العدوانية وقد بدؤوا بتحركاتهم المشبوهة. أما الأحزاب والتيارات الوطنية والعروبية المقاومة فلم نلحظ تشكل أي جبهة موحدة أو تجمع وطني أو توحيد جهود لهذه الأحزاب والتيارات لمجابهة المخطط الأميركي الصهيوني في هذه المنطقة ولم يستعدوا ليوم عاصف ربما يكون لابد منه، باستثناء حزب الله الذي يعمل بصمت دون أن يطلب من الآخرين شيئاً.

فجوكر التطرف التكفيري الوهابي يستخدم اليوم كمتظاهر سلمي مقتول وكمنشق بطل، وثائر بيمناه شعار الحرية على قنوات التضليل وبيسراه سكاكين ورصاص الغدر تحت جنح الظلام، كما يستخدم كطفل بريء يواجه الآلة العسكرية أو امرأة ثكلى، كل ذلك بتدريب وتمويل ورعاية وغطاء عربي ـ خليجي وإقليمي ـ تركي وبطبيعة الحال أميركي ـ أوروبي، والمستفيد الأول وربما الأخير ''إسرائيل''... الخنجر الاستيطاني في قلب الأمة الذي يتهيأ الآن تحت ضجيج هذه الزوابع لإعلان ''يهودية إسرائيل'' وطرد ما تبقى من عرب 1948 ومن ثم عرب الـ67 إلى الأردن... كوطن بديل... هل يعلم قادة العرب ذلك...؟ بالتأكيد يعلمون... وإلا فلم هذا الصراخ ضد سورية... عربياً وإقليمياً ودولياً... وأبسط محلل في هذا العالم يدرك أن هذا المخطط المخيف لا يمكن أن يمر وسورية بكامل قوتها عدة وعديداً... دولة ومجتمعاً وموقفاً.

إن ما يجري الآن في سورية وشمال لبنان من تحركات حاقدة، يضع العالم الحر أمام تفاصيل المؤامرة بشكل شفاف، حيث لم يعد أعداء الأمة يتورعون عن ارتكاب أبشع جرائم الحرب والممارسات اللاإنسانية والسياسات اللاأخلاقية، لوضع المنطقة في عين البركان. ويقيناً أن وعي أبعاد هذه المخططات، سيشكل عقبة كأداء تحول دون وصول المآرب السلطوية والاستغلالية والطائفية إلى غاياتها التدميرية. ولكن... التاريخ يؤكد أن سورية ليست كبادية آل سعود أو واحة حمد أو إمبراطورية أوباما أو مستوطنة نتنياهو، لذلك فإنها قاب قوسين أو أدنى ستنتصر على طواغيت الغدر ''الكبار في فظاعة مجازرهم والصغار في أخلاقهم وإنسانيتهم'' وستمنحهم أكاليل من العار بعد أن يقعوا بشرك مكائدهم التي حاكوها لسورية.‏

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 27/آب/2012 - 8/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م