الصعود المفاجئ للنازية الجديدة في أوربا

(2)

علي الأسدي

بحسب آخر استطلاع للرأي أجري أخيرا في النمسا أظهر أن الناس الذين استطلعت آرائهم وضعوا الحزب النازي في المرتبة الثانية كقوة سياسية كبرى، فأي أحلام شيطانية دفعت بالمستطلع آراءهم ليرشحوا مجرمين تحت الطلب ليحتلوا المركز الثاني في مجتمع هو من أعلى المجتمعات دخلا، واطولهم عمرا، وأفضلهم صحة وعافية، فما يدفعهم للوقوف الى جانب الحركات النازية التي قاد اسلافهم الهتلريون النمسا وأوربا الى جحيم الحرب والدمار عام 1939؟

وفي المملكة المتحدة التي لم يكن للنازية فيها قاعدة تذكر في الماضي تشهد نموا متزايدا في السنوات الأخيرة تحت اسم الحزب الوطني البريطاني الذي تقتصر العضوية فيه على العنصر الأبيض. كان لهذا الحزب أكثرية في50 مجلسا بلديا في انحاء بريطانيا في عام 2008، لكن العدد انخفض بعد ذلك الى عشرة فقط في 2010، ولا يمكن اعتبار هذا التغيير دليلا على تضاؤل شعبيته، وانما لأن مؤيديه يتنقلون منه بحرية الى حزب المحافظين وبالعكس، ففي حالة احتدام التنافس بين المحافظين وحزب العمال فانهم يدعمون المحافظين، وهذا ما حصل في انتخابات 2010 التي مهدت لحكومة ائتلاف بقيادة المحافظين بمشاركة الأحرار.

ألمانيا مهد النازية التي كانت وراء حربين عالميتين يهيمن الحزب الوطني الألماني ذي الاتجاه النازي على مجلسين محليين، وعدم حصوله على مقاعد في البرلمان لحد الآن لن يستمر طويلا، فهو يتمدد بانضمام أعضاء جدد اليه. وينتشر أكثرية مؤيدي هذا الحزب في ألمانيا الشرقية الديمقراطية السابقة حيث البطالة في صفوق القادرين على العمل تزيد عن 20% أي حوالي ضعف نسبتها في الجزء الألماني الغربي.

 لقد رافق تصاعد التيارات النازية الجديدة مشاعر معاداة السامية تحت علم الاستخبارات الألمانية. فقد سجلت حوادث قتل طالت ثماني مواطنين ألمانا من أصول تركية وآخر من أصول يونانية في الفترة 2000- 2006، ومقتل مواطنة ألمانية تعمل بالشرطة عام 2007. وقد وزع النازيون الجدد قرص DVD عن عملية القتل ادعوا فيه أن عملية القتل جاءت لحماية ألمانيا، وأطلقوا على أنفسهم National Socialist Germany. ويعتبر المتطرفون اليمينيون الألمان انفسهم مناضلين من أجل الحرية وانهم يتدربون على مختلف الأسلحة في بلدان عربية.

 وتذكر السلطات الألمانية الأمنية أن حوالي 180 مواطنا قد قتلوا خلال العشرين عاما الماضية بأيدي المتطرفين اليمينيين الألمان. وأن حركة النازيين الجدد تنتشر بسرعة وتلقى رواجا بين الطلبة والطبقة المتوسطة من أصحاب الكفاءات.(3)

أما في السويد والنرويج فللنازيين الجدد حضورا واضحا في المجتمعين وفي البرلمانين، فحزب التقدم في النرويج له 41 مقعدا في البرلمان من مجموع 169 مقعدا، ويعتبر أكبر حزب معارض في النرويج. أما في السويد، فالحزب الديمقراطي السويدي الذي له 19 نائبا من مجموع 349 نائبا الذي ليس له تأثيرا حازما على التشريع، لكن ونتيجة لمواقفه المعادية للأجانب تمكن من الضغط على الحكومات السويدية لتغيير مواقفها المتساهلة من الهجرة الى السويد.

وما يعزز هذا الاتجاه التغيرات في ميزان القوى السياسية لصالح اليمين المتطرف في الدول الأوربية المجاورة للسويد. ففي الدنمارك مثلا، عزز حزب الشعب الدنماركي وجوده في الحياة السياسية كأكبر ثالث حزب في البلاد، وتمكن من فرض نفوذه على الحكومة الدنماركية باجبارها على اتباع أكثر السياسات تشددا تجاه الهجرة بين الدول الأوربية، وقد صدرت بنتيجة ضغوطه قوانين رجعية متشددة تجاه المهاجرين الأجانب.

الحركة النازية والفاشية الجديدة كما بينا في تصاعد لا تضاؤل، ولهذا فان مواقع الأحزاب اليمينية المتطرفة في البرلمانات القادمة ستتعزز اكثر فأكثر، وهذا ما دلت عليه نتائج الانتخابات الأخيرة في فنلندا، فقد حصل الحزب الوطني الفنلندي على نسبة 19% من أصوات الناخبين، بينما كان قد حصل على 4% فقط في الانتخابات السابقة قبل أربع سنوات. وفي دول أوربا الشرقية الاشتراكية سابقا يحقق اليمين الفاشي مكاسب في الانتخابات البرلمانية في العديد منها. فقد حصل حزب المحافظين الهنغاري " حزب جوبيك " على 17% من أصوات الناخبين في 2010 وهو الآن ثاني أكبر حزبين معارضين في البرلمان، وما علينا غير الانتظار لنرى ما تأتي به الانتخابات القادمة.

ففي أوكرانيا وبولندا وجيكيا وليتفيا وليتوانيا وأستونيا وصربيا تتعزز الاتجاهات المعادية للملونين الأفارقة والمسلمين واليهود، حيث يجري الاعتداء على مراكزهم الدينية، وتنتشر الشعارات الفاشية والنازية على جدران الأبنية التي يؤمها ممثلو الأقليات في تلك الدول. وقد حذرت صحيفة The Telegraph البريطانية في مقال لكاتبها بول هاوارد السلطات البولندية والأوكرانية من مغبة التساهل تجاه التيارات النازية الجديدة التي بدت واضحة خلال المسابقات الرياضية في لعبة كرة القدم التي جرت في البلدين، معيدا للأذهان الحالة التي سادت فيهما في ثلاثينيات القرن الماضي. الاتجاهات اليمينية المتطرفة في أكثر دول أوربا تسعى لاعادة كتابة التاريخ " بطمس معالم الانتصارات العظمى على النازية والفاشية التي حققها حلفاء الحرب العالمية الثانية التي كان للاتحاد السوفييتي السابق وللجيش الأحمر دورا حاسما فيها. وفي الوقت نفسه تبذل الجهود لتحويل مجرمي الحرب العالمية الثانية الى أبطال ".

هذا ما صرح به وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف في كلمة القاها في المؤتمر العالمي بموسكو للاحتفاء بذكرى ضحايا الهولوكوست تحت شعار - لن يتكرر ابدا - " Never Again " قال فيه: (7) تعبر روسيا عن اهتمامها بذكرى الملايين من ضحايا الحرب العالمية الثانية ولا يمكن لها أن تنسى أو تتجاهل تصاعد الاتجاهات اليمينية المتطرفة في بعض دول أوربا. ان بعض محتويات الكتب المدرسية في موضوع التاريخ قد حرفت بحيث تتيح حيزا واسعا للحديث عن مآثر النازية، بينما لاتتيح الا القليل من الحديث عن محاكمات نورينبرغ. بنفس الوقت الذي يبجل الغزاة وتدنس أنصاب النصر. ففي ابريل قامت الحكومة في استونيا بازالة نصب النصر الذي اقيم تخليدا للانتصار في الحرب العالمية الثانية في مركز المدينة بتالين، حيث مقابر الجنود السوفييت الذين ضحوا بحياتهم يحاربون الفاشية. قرار ازالة النصب جوبه باحتجاجات ومعارضة السكان في العاصمة وقتل نتيجتها شخص وجرح العشرات.

 ومن جهة ثانية يحاول النازيون الجدد في لاتفيا المجاورة لروسيا القيام سنويا بمسيرة في يوم الأول من تموز/ يوليو تخليدا واحتفاء بذكرى قيام القوات الألمانية بغزو لاتفيا. وقال ايضا:" الحديث عن ذلك يحتل أسبقية في السياسة الخارجية الروسية وهو ادانة واستهجانا لما يجري في أوربا، وفي الوقت نفسه نتوجه بنداء لادانة ومنع اية محاولة لانعاش أو احياء النازية، التزامنا في هذه الايام لا يجب أن يتوجه لنبش الماضي، بل على العكس القيام بعمل جماعي لتحدي التغيرات المتسارعة لعالمنا، لقد فقدت روسيا 27 مليونا من مواطنيها في الحرب العالمية الثانية ".

............................

لمزيد من الاطلاع تابع:

1-Katya Adler , Germmany new bread of neo- Nazis pos a threat BBC ,27/3/2012

2 - Mail online , Neo-Nazis who wont to force immigrants into work camps gain foothold in Greek elections as austerity gives rise to Fascim

3- The Independent , 7/8/20124- , The Gurdian, 6/2/2006 Chris Mc Ggral

5- The Independent , 13/7/2012 Erick Silver,IsraelsNightmare: Homegrown neo-Nazis in the Holy Land,

6- Itan Pape The Forgoton Palesinians: A History of the Palestinians in Israel , Yale University 2011Vincent Kessler , Europe neo-Nazis revivel worries Russia ,

 -7 Reuters ,26/1/2012

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 26/آب/2012 - 7/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م