الجفاف... ظاهرة تؤرق أمريكا وتهدد اقتصادها

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يعد الجفاف ظاهرة مناخية طبيعية تحدث بشكل متكرر في معظم أنحاء العالم. ويعد كذلك من أوائل الظواهر المناخية التي سجلها التاريخ في العديد من أحداثه، حيث تسببت هذه الظاهرة الطبيعية التي تتعرض لها القارة الأمريكية الشمالية في إصابة مظاهر الحياة بالشلل، وأسفرت الجفاف القاسي عن تقلص انتاج المحاصيل والماشية في البلاد، ويتوقع محللون أن يتسبب الجفاف في انخفاض محصول الذرة لأدنى مستوى في ست سنوات، لذا دعا الرئيس الأمريكي أوباما الكونجرس لإقرار مشروع قانون زراعي يسمح بارسال مساعدات لمزيد من المزارعين ومربي الماشية لمواجهة الكارثة، فيما أظهرت بيانات حكومية ان أسوأ جفاف في الولايات المتحدة في أكثر من 50 عاما ألحق خسائر فاقت التوقعات، ويرى الخبراء بان الجفاف شدد قبضته على أكبر الولايات الزراعية في أمريكا وهذا بدوره سيزيد من المخاطر والمعاناة التي ستوجهها معظم الولايات الأمريكية، فيما تواجه الغرب الأوسط الأمريكي أسوأ جفاف بالمنطقة، فقد دمر محاصيل الذرة وفول الصويا وغيرها من المحاصيل الرئيسية، وتبذل الجهات المسؤولة جهودا مضنية للتعافي من الأزمة، وهذه ليست الكارثة الأولى من نوعها في أمريكا ولكنها من أخطر الكوارث الطبيعية التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية منذ أكثر من نص قرن.

موجة جفاف تاريخية

فقد قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن أشد موجة جفاف تضرب الولايات المتحدة منذ نصف قرن تتسبب في تقلص انتاج المحاصيل والماشية في البلاد ودعا الكونجرس لإقرار مشروع قانون زراعي يسمح بارسال مساعدات لمزيد من المزارعين ومربي الماشية لمواجهة الكارثة، وقال أوباما خلال اجتماع لمجلس شؤون الريف بالبيت الأبيض إن الحكومة ستبذل قصارى جهدها لتخفيف آثار الجفاف، وأضاف "إنه جفاف تاريخي وله تأثير شديد على المزارعين ومربي الماشية في ولايات كثيرة، ويعاني أكثر من 60 بالمئة من الولايات الأمريكية باستثناء ألاسكا وهاواي من جفاف يصنف على أنه متوسط إلى استثنائي. ويتوقع محللون أن يتسبب الجفاف في انخفاض محصول الذرة لأدنى مستوى في ست سنوات، وقبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية قال أوباما إنه ينبغي للكونجرس أن يكمل العمل بشأن مشروع قانون زراعي مدته خمس سنوات، واقترح الزعماء الجمهوريون في مجلس النواب مساعدات للإغاثة من الكوارث بقيمة 383 مليون دولار لدعم منتجي الماشية قبل تأجيل الجلسات للصيف بعدما لم يتمكنوا من اقرار مشروع القانون، وقال أوباما في أول تعليق منذ أسابيع بشأن مشروع القانون "ينبغي للكونجرس اقرار مشروع القانون الزراعي الذي لن يقدم فحسب وسائل الاغاثة الهامة من الكارثة وإنما سيدخل أيضا اصلاحات ضرورية. بحسب رويترز.

خسائر أسوأ من المتوقع

فيما اظهرت بيانات حكومية ان أسوأ جفاف في الولايات المتحدة في أكثر من 50 عاما ألحق خسائر فاقت التوقعات بمحاصيل الذرة والصويا وتسبب في هبوط حاد للمخزونات المحلية، وقالت وزارة الزراعة الامريكية ان محصول الذرة هذا العام سينخفض بنسبة 13 بالمئة عن العام الماضي، واضافت ان المحصول سيبلغ 10.8 مليار بوشل وهو أدنى مستوى له منذ 1995، وسيكون ذلك ثالث محصول مخيب للامال على التوالي لأكبر منتج للذرة في العالم، وتزيد هذه التوقعات المخاوف من ان العالم يتجه لأن يشهد تكرارا لأزمة اسعار الغذاء لعام 2008 . وقالت وكالة تابعة للامم المتحدة ان اسعار الغذاء قفزت بنسبة 6 بالمئة في يوليو تموز، وقلصت وزارة الزراعة الامريكية تقديراتها لمحصول الذرة بنسبة 17 بالمئة في اعقاب خفض كبير في يوليو. وأحدث تقديراتها منخفض 2 بالمئة عن توقعات المتعاملين في الاسواق.

وفي حين لم يؤثر أحدث تقرير للوزارة على اسعار الحبوب القريبة من مستويات قياسية في بورصة شيكاجو إلا ان الارقام ربما تضيف إلحاحا الي المناقشات المتجددة بشان الغذاء والوقود والتي تركز على برنامج انتاج الايثانول في الولايات المتحدة الذي يقضي باستخدام حوالي 40 بالمئة من الذرة لانتاج وقود للسيارات والشاحنات، وقدم منتجو الماشية وشركات تعبئة اللحوم إلتماسا الي الحكومة لتقليل او الغاء برنامج الايثانول بسبب نقص المحصول، وحتى مع تخفيضات حادة لتوقعات الحكومة للصادرات واستخدام الايثانول فان مخزونات الذرة الامريكية في نهاية الصيف القادم ستنخفض الي 650 مليون بوشل فقط -أو ثلاثة اسابيع من الامدادات- وهي الاصغر في عقدين، وستكون المخزونات الامريكية من الصويا -وهي مكون رئيسي لعلف الماشية- الاصغر في تسع سنوات بعد ان قالت وزارة الزراعة إن حجم المحصول هذا الخريف سيبلغ 2.69 مليار بوشل فقط وهو رقم يقل بنسبة 4 بالمئة عن توقعات المتعاملين. وستنخفض المخزونات إلي 115 مليون بوشل وهو ثاني أدنى مستوى منذ 1973، وقفزت اسعار الذرة -التي صعدت بأكثر من 60 بالمئة منذ منتصف يونيو حزيران- إلي مستوى قياسي لفترة وجيزة عقب إصدار وزارة الزراعة الامريكية تقريرها. وتراجعت في وقت لاحق مع تقييم التجار علامات على ان التكلفة المرتفعة ستساعد في تقليل الطلب، واحتفظت اسعار الصويا بمكاسب بلغت حوالي 2 بالمئة رغم ان بعض المتعاملين قالوا ان التوقعات التي قدمتها الوزارة ربما يتضح انها مفرطة في التشاؤم لان امطارا متأخرة تبعث على الامل لزراعات الصويا، وكان يوليو أكثر الشهور الحارة المسجلة في الولايات المتحدة متخطيا أسوأ شهر والمسجل في 1936 . ونصف محصول الذرة في حالة سيئة أو سيئة جدا وهي أسوأ التصنيفات منذ الجفاف الذي شهدته البلاد في 1988، ويخشى الكثيرون الان أن الاسعار القياسية المرتفعة وهبوط المخزونات سيهيمنان على اسواق السلع لعام اخر على الاقل وقد يزداد الوضع سوءا اذا دفعت علامات على نقص في المحصول بعض الدول الي فرض حظر على التصدير او القيام بمشتريات مذعورة مثلما فعلت اثناء الصعود الحاد لاسعار الغذاء في 2008، وقالت بنجلادش انها مددت حظرا على صادرات معظم انواع الذرة حتى يونيو القادم لضمان توفر الامدادات المحلية. وقالت الصين انها ستسحب كميات من الذرة والارز من الاحتياطيات الحكومية لدعم الامدادات حتى الحصاد في الخريف. بحسب رويترز.

وبدت اثار الجفاف واضحة بشكل متزايد على مدى الاسابيع الثمانية الماضية لكن تقرير وزارة الزراعة الامريكية هو الاكثر دقة في قياس حجم الاضرار. وتوقع التقرير ان متوسط محصول الذرة سيبلغ 123.4 بوشل للفدان في حين كان المتعاملون بالاسواق يتوقعون متوسطا قدره 127.3 بوشل للفدان، وتوقع التقرير ان يبلغ متوسط محصول الصويا 36.1 بوشل للفدان مقارنة مع توقعات بلغت 37.8 بوشل، ومن ناحية اخرى خفضت وزارة الزراعة الامريكية توقعاتها لمحصول القمح في روسيا بنسبة 12 بالمئة وفي قازاخستان بنسبة 15 بالمئة بسبب الطقس الحار والجاف، وتوقعت ان الاستهلاك العالمي من الذرة سينخفض بنسبة 4 بالمئة وان المحصول الامريكي سيكون مسؤولا عن ثلاثة ارباع هذا الانخفاض، وقالت منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة (الفاو) ان الاسعار العالمية للغذاء زادت بنسبة 6 بالمئة في يوليو مدفوعة بقفزة في اسعار الذرة والسكر . ومؤشر اسعار الغذاء منخفض عن ذروته المسجلة في فبراير شباط 2011 لكن أعلى من 2007-2008 عندما دفع الخوف من نقص الامدادات الاسعار للصعود واثار حظرا على التصدير في بعض الدول.

معاناة أكبر الولايات الزراعية

كما أفاد تقرير لخبراء في المناخ أن رقعة الجفاف الشديد زادت إلى المثلين في ولاية أيوا أكبر منتج للذرة وفول الصويا بالولايات المتحدة، وقفزت مساحة المنطقة التي تعاني جفافا شديدا إلى 69.14 بالمئة من 30.74 بالمئة، واتسع نطاق الجفاف في ولايات زراعية أخرى مهمة خلال الأسبوع الماضي حيث بلغ 94 بالمئة من ولاية ميزوري وأكثر من 81 بالمئة من ولاية إيلينوي، وقال مارك سفوبودا عالم المناخ بالمركز الوطني لتخفيف آثار الجفاف بجامعة نبراسكا وهو من الهيئات التي شاركت في إعداد التقرير "كل يوم يمر بدون أمطار جيدة ... يزيد الوضع سوءا، وأضاف أنه مع انتهاء فصل الصيف واقتراب الخريف لا يزال نمط الطقس هو الجفاف في معظم ولايات الغرب الأوسط مع فرص ضعيفة لهطول أمطار جيدة في المدى القريب، وارتفع سعر الذرة الأمريكية أكثر من واحد بالمئة ليسجل مستوى قياسيا يوم الخميس حيث تدافع المستثمرون إلى السوق قبل تقرير حكومي مهم من المتوقع أن يخفض توقعات إنتاج الذرة بنسبة 15 بالمئة أخرى بسبب أسوأ موجة جفاف في 56 عاما. بحسب رويترز.

وقال دان سيكاندر المحلل في نيو إدج يو.اس.ايه "عاد الناس لوضع علاوة مخاطر قبل تقرير وزارة الزراعة الأمريكية الذي سيصدر غدا... كثرت الأحاديث عن مستويات للمحصول أقل من 100 بوشل (للفدان) وهذا يجعل الناس تخشى أسوأ الاحتمالات."

توقعات بارتفاع أسعار الغذاء

على الصعيد نفسه هطلت أمطار متفرقة على أجزاء من الغرب الأوسط الأمريكي لكن معظم المنطقة لا تزال تعاني من أسوأ موجة جفاف منذ نصف قرن بينما تتدهور توقعات إمدادات وأسعار الغذاء العالمية، وتتوقع وزارة الزراعة الأمريكية أن تتجاوز أسعار الغذاء أسعار المستهلكين الأخرى عام 2013 إذ أن الجفاف يتلف المحاصيل ويقلص الإمدادات، وقال ريتشارد فولبي الاقتصادي في وزارة الزراعة "سيؤثر الجفاف بشدة على أسعار الغذاء في العام المقبل." وأضاف أن الضغط على أسعار الغذاء سيبدأ بالتزايد في وقت لاحق من العام الجاري، وقال فولبي في مقابلة "لقد بدأ يؤثر بالفعل على أسعار الذرة وفول الصويا لكنه سيسلك مساره بعد ذلك في كل جوانب النظام حتى يصل إلى أسعار العلف ثم أسعار الماشية ثم أسعار الجملة وأخيرا إلى أسعار التجزئة. بحسب رويترز.

وتتوقع وزارة الزراعة الأمريكية الآن ارتفاع أسعار الغذاء بما بين 2.5 بالمئة و3.5 بالمئة في 2012 ثم ما بين ثلاثة بالمئة وأربعة بالمئة في 2013، وقالت الوزارة إن أسعار الغذاء سترتفع بوتيرة أسرع من إجمالي التضخم الأمريكي خلافا للنمط المعتاد. ومن المتوقع أن يبلغ التضخم في الولايات المتحدة اثنين بالمئة هذا العام و1.9 بالمئة في 2013. وبلغ تضخم أسعار الغذاء 3.7 بالمئة العام الماضي لكنه كان 0.8 بالمئة فقط في 2010، وأضافت وزارة الزراعة 76 مقاطعة أخرى إلى قائمة المناطق التي تحتاج لمساعدات الكوارث ليصل المجموع إلى 1369 مقاطعة في 31 ولاية في أنحاء البلاد. وقالت الوزارة إن ثلثي الولايات المتحدة يعاني حاليا من جفاف متوسط أو شديد، وقال خبراء الأرصاد الجوية إنه بعد أسابيع من الطقس الحار والجاف من المتوقع أن يشهد حزام الذرة الشمالي الممتد من شرق نبراسكا حتى شمال إيلينوي يوما ثانيا من الأمطار المتفرقة. لكن في جنوب الغرب الأوسط الذي يضم ميزوري ومعظم إيلينوي وإنديانا وأوهايو من المتوقع أن يستمر الطقس الحار والجاف.

الجفاف القاسي

من جهىة أخرى اعلن خبراء الارصاد الجوية في الولايات المتحدة ان موجة الحر التي تضرب البلاد والتي تعد الاسوأ منذ 25 عاما، لا يبدو انها ستنتهي قريبا في ظل توقع استمرار ارتفاع درجات الحرارة بالتزامن مع الطقس الجاف، وقال جاك كروش الخبير في الارصاد الجوية في الوكالة الاميركية للمحيطات والجو "من الممكن ان تتفاقم الامور اكثر بعد"، وتظهر توقعات الطقس لشهر آب/اغسطس درجات حرارة فوق المعدل في عموم الاراضي الاميركية، ونسبة امطار اقل من المعدل، وتتصل هذه الاضطرابات المناخية بظهور تيار ال نينيا المحيطي البارد، في مياه المحيط الهادئ قرب خط الاستواء، وليست الولايات المتحدة وحدها من يعاني من هذه التغيرات المناخية، اذ ان كوكب الارض شهد في حزيران/يونيو الماضي اعلى درجات الحرارة منذ البدء بقياس درجات الحرارة في العام 1880، ومن المؤشرات التي تنذر بارتفاع درجات الحرارة ايضا ان سماكة الجليد في القطب الشمالي وصلت الى ادناها منذ بدء قياسها في العام 1979، والشهر الماضي ذابت قطعة هائلة من الثلج يعادل حجمها اربع مرات حجم ولاية تكساس، وهي الظاهرة الاكبر من نوعها. بحسب فرانس برس.

كما ان العواصف المرشحة الى ان تتحول اعاصير قد ازدادت بشكل كبير في كل مناطق شمال الاطلسي خلال الفترة نفسها، وقال وزير الزراعة الاميركي توم فيلزاك بعد لقائه الرئيس باراك اوباما "اننا في أسوأ حالة منذ 25 عاما"، وذلك اثر اجتماع لمناقشة الجفاف الذي يضرب ما يقارب 61% من الولايات المتحدة، التي تعد اول مصدر للقمح والصويا.

الغرب الأوسط الأمريكي

الى ذلك غلفت الحرارة اللافحة معظم أنحاء الغرب الأوسط الأمريكي الأمر الذي فاقم أسوأ جفاف بالمنطقة منذ أكثر من 50 عاما ودمر محاصيل الذرة وفول الصويا وغيرها من المحاصيل الرئيسية، وعقد مسؤولون منتخبون اجتماعات مع المزارعين ومربي الماشية الذين أضيروا من الكارثة ووعدوا بتقديم مساعدات حكومية، وفي ولاية ميزوري أعلن الحاكم جاي نيكسون جميع مقاطعات الولاية مناطق كوارث طبيعية بسبب الجفاف مما يتيح للزراع الحصول على قروض حكومية أو مساعدات أخرى، وفي أيوا عقد الحاكم تيري برانستاد جلسة لبحث مشكلة الجفاف وتأثيرها على قطاع إنتاج لحوم الخنازير الذي يعتمد بشدة على علف الذرة، ورغم أن هيئات الأرصاد الجوية ذكرت أن المطر قد يهطل على أجزاء من المنطقة المنكوبة مما يساعد على تهدئة أسعار الذرة التي ارتفعت لمستويات قياسية قلص المحللون توقعاتهم لإنتاج الذرة بالولايات المتحدة بنسبة سبعة في المئة أخرى حسب استطلاع أجرته رويترز، وتوقعت وكالة أكيو وذر للأرصاد أن يستمر الطقس الجاف والحرارة الشديدة خلال شهر أغسطس آب مما يلحق مزيدا من الضرر بمحصول الذرة، وارتفعت أسعار الذرة لأعلى مستوى منذ 13 شهرا وقفزت 45 في المئة هذا الصيف ويتوقع المحللون أن يتسبب الجفاف الطويل في أقل محصول ذرة أمريكي منذ خمس سنوات. بحسب رويترز.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 25/آب/2012 - 6/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م