السياسة العادلة والاقتصاد السليم يقتلان الفقر

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: الفقر أقسى ما يمكن أن يتعرض له الانسان في حياته، فهو يؤدي الى إذلال الانسان وإهذار كرامته، وقتل قدراته ومواهبه، ويشل تفكيره، ويدفع به الى حافة الجهل والخمول والكسل، ويسلب منه انسانيته، ويأخذ منه روح المبادرة، ويجعله عرضة لليأس حتى تصبح حياته الغالية عبئا عليه، لهذا يقول الامام علي بن ابي طالب عليه السلام قولته المشهورة (لو كان الفقر رجلا لقتلته)، ولهذا ايضا حرص الامام خلال قيادته للدولة الاسلامية على قتل الفقر فعلا من خلال انتهاجه للسياسة العادلة، وبناء الاقتصاد السليم للدولة الاسلامية في عهده عليه السلام.

مثلَّث السعادة

السعادة تعني أن يعيش الانسان حياته دون عقبات ومصاعب تحبط قدراته الفكرية والعملية، وأن تتوفر له ضمانات حياة ملائمة لاحتياجات الانسان، من مأكل ومشرب ومسكن وملبس، الى جانب الترفيه، وضمان حقوقه الانسانية في حرية القول والمعتقد بما لا يشكل تجاوزا على الآخرين.

هذه السعادة ليست مستحيلة، بل يمكن القول بقطعية تامة أن التعاليم التي جاء بها الاسلام، تقدم حلا نموذجيا للانسان كي يحقق سعادته، وذلك من خلال ارتكازه على مثلث السعادة، حيث يصفه سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، بالكلمات التالية: (سعادة الدنيا والآخرة رهينة مثلث، يشكّل طرفاه الاقتصاد السليم، والسياسة العادلة، والطرف الثالث الفضيلة).

إذن لابد من بناء الاقتصاد السليم للدولة كأحد الدعامات القوية التي تتشكل عليها سعادة الشعب، فمن دون اقتصاد قوي مخطط له بدراية وتخصص وخبروية عالية، ستبقى الدولة عاجزة عن تحقيق اهداف الشعب، حيث يدفع الاقتصاد السليم بالدولة الى امام بشأن تحقيق الحياة الافضل للشعب، وقد ثبت هذا الامر على نحو قاطع لدى الامم والشعوب المتطورة راهنا، والتي باتت تتسيّد العالم أجمع اقتصاديا، وتتحكم بمراكز القوى وسياسات الدول، ليس في المجال الاقتصادي فحسب، إنما في السياسة الدولية نفسها ومساراتها.

لذلك كان الاقتصاد وسيبقى عاملا أساسيا في تحقيق سعادة المجتمع، من خلال القضاء التام على الفقر، أو على الاقل الحد من تأثيراته المباشرة وغير المباشرة على المجتمع، كون الاقتصاد السليم، يعني بناء حياة جيدة تنتظم في تخطيط شامل سليم يضمن حقوق الجميع.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في الموضوع نفسه: (لقد أكّد القران الحكيم أكثر من مرّة على الاقتصاد السليم، والسياسة العادلة، والفضيلة، وقد أعلنها رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه قولاً، ومارساها في أعمالها طيلة حكومتهما المثالية الفريدة).

الضمان الاجتماعي في الاسلام

يؤكد الاسلام عبر القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة، واقوال واعمال أئمة أهل البيت الاطهار عليهم السلام، على أهمية الضمان الاجتماعي للانسان، من اجل تحقيق الشعور بالامان، ومن ثم الاتجاه الى الانتاج الفكري العملي الافضل، فمن غير شعور بالامن الاجتماعي، لا يمكن ان ينتج الانسان ما يترتب عليه من انتاج، والسبب حالة القلق التي يعيشها بسبب افتقاده للضمان الاجتماعي، حيث يترتب على الحكومة والدولة ان تضمن شؤون حياة الفرد واحتياجاته في العيش الكريم والصحة والرفاهية.

لذلك من غير المقبول أن يعيش الانسان مهددا، دون ضمان اجتماعي في دولة يقودها نظام حكم اسلامي، لأن الاسلام يفرض بصورة قاطعة على الحكومة توفير الضمان الاجتماعي للجميع.

يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (في البلد الإسلامي في وقت حكم الإسلام الصحيح، يلزم أن لا يوجد حتى فقير واحد، فالضمان الاجتماعي في الإسلام يحتم على الحاكم الإسلامي أن يزيل الفقر نهائياً).

كما يُشترَط توفير الضمان الاجتماعي في الدولة الاسلامية للجميع، بغض النظر عن طبيعة الانتماء العرقي او الديني او سواه، فمثلما للمسلم حق بالضمان الاجتماعي وتجنب الفقر ومضاعفاته الخطيرة، فإن الكافر الذي يعيش في بلد الاسلام له نفس حقوق المسلم بهذا الخصوص، إذ لا يجوز قبول فكرة أن يبقى الكافر فقيرا محتاجا سائلا في دولة الاسلام، بمعنى أن الدولة الاسلامية لا تتخصص في رعاية المسلمين حصرا، إنما كل من يدخل ضمن مواطنيها حتى لو لم يكن مسلما، له الحق عليها ان تحميه من الفقر.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (حتى الكافر، في بلد الإسلام، يسأل الناس.. يكون أمراً غريباً).

انتفاء أسباب الفقر

هناك شروط معروفة يمكن أن تؤدي الى انتفاء الفقر بين الناس، واذا قلنا هي شروط معروفة لاسيما للمعنيين المتخصصين او الحكوميين منهم، فإن هذه المعرفة لا تشكل سببا للقضاء على الفقر، لأن معرفة الاسباب تتطلب إجراء تنفيذيا مهما وكبيرا ايضا، بمعنى لابد من العمل المتواصل والمنظم والمخطط له، من اجل تحويل المعرفة والتنظيم الى عمل قائم بذاته، فالعلم والتخطيط من اجراء تنفيذي صحيح، لا يعني شيئا، أو لا يسهم بتطوير الاقتصاد.

أما اذا كان الاقتصاد سليما، والاجراء العملي الحكومي التنفيذي صحيحا، فإنه سيأتي نتيجة السياسة العادلة لنظام الحكم، وسوف يسهم الى حد كبير في تهذيب المجتمع وتشيبه من الاخطاء والانحرافات نتيجة لزيادة الوعي، وعنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي قائلا بهذا الخصوص: (لماذا الفقر، والاقتصاد سليم، والسياسة عادلة، والمجتمع فضيل ؟).

وعندما كانت الحكومة الاسلامية ابان صدر الرسالة النبوية مثالا يحتذى به، فقد انتهى الفقر منها، نتيجة للسياسة العادلة، وانتعاش الفضيلة في المجتمع على الصعيدين الفكري والعملي، فلم يعد فقيرا واحدا في دولة الاسلام التي كان يقودها الامام علي عليه السلام، على الرغم من سعتها وكثرة نفوسها آنذاك، الامر الذي يثير الاستغراب حقا، حيث يعاني عالم اليوم مع قدراته وموارده الهائلة من مشكلة مستعصية اسمها الفقر.

وهنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي بوضوح: (هل يوجد، حتى اليوم، وفي أغنى بلاد العالم بلد لا يوجد فيه حتى سائل واحد؟). نعم هكذا كانت دولة الاسلام، عندما كان الحاكم عادلا ذكيا وحريصا على سعادة شعبه، من خلال حرصه على تحقيق مثلث السعادة الذي اشار له سماحة المرجع الشيرازي سابقا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/آب/2012 - 4/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م