شمال مالي... حواضن آمنه للتطرف والارهاب

 

شبكة النبأ: لاتزال الاوضاع غير المستقرة في شمال مالي تشكل مصدر قلق للعديد من الدول الافريقية خصوصا تلك دول الجوار التي باتت تخشى من امتداد نفوذ الجماعات المتطرفة التي سيطرت على مدن مهمة من هذه البلاد بعد الانقلاب العسكري الذي اطاح بالرئيس امادو توماني توري، ويرى بعض المراقبين ان حركات التمرد تسعى الى توطين نفسها وبناء قواعد قوية وايجاد تحالفات مهمة فيما بينها بهدف توسيع نفوذها في المنطقة، وفي هذا السياق حذر الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون من أن دولة مالي بدأت تتحول إلى ملاذ آمن للجماعات "الإرهابية والإجرامية" مع سعي بلدان غرب أفريقيا لدى مجلس الأمن الدولي لمساندة نشر قوات لتحقيق الاستقرار في هذا البلد. وتسيطر جماعات إسلامية متشددة على نحو ثلثي مالي بعد ان خطفت تمردا لفئات علمانية يقودها الوطنيون الطوارق في وقت سابق من هذا العام. واستطاعت تلك الجماعات السيطرة سريعا على شمال مالي في اعقاب انقلاب عسكري في 22 من مارس آذار في العاصمة الجنوبية باماكو أطاح بالرئيس أمادو توماني توري.

وقال بان لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ان الإسلاميين يفرضون بشكل غير قانوني تطبيق الشريعة في شمال مالي. واصبح الوضع الأمني في شمال البلاد الآن متقلبا ويصعب التنبؤ به. وكانت مالي ذات يوم تعتبر نموذجا لنظام ديمقراطي مستقر نادر في منطقة مضطربة. وقال بان "مع تدفق الجهاديين الإقليميين والعالميين هناك، فإن ما يدعو إلى القلق أن الشمال اصبح ملاذا آمنا للعناصر الارهابية والإجرامية."

وأيد مجلس الامن الدولي الجهود السياسية لزعماء غرب افريقيا لإنهاء الاضطرابات في مالي لكنه لم يصل إلى حد تأييد ارسال قوة تدخل. وقالت انه مستعد لبحث طلب من إيكواس لإصدار تفويض من الأمم المتحدة لقوة تدخل حينما يتم تقديم مزيد من التفاصيل عن هذه الخطط. ودعا مجلس الأمن أيضا الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الى تقديم اسماء الأفراد أو الجماعات او الكيانات المرتبطين بتنظيم القاعدة ولهم صلة باضطرابات مالي إلى لجنة عقوبات القاعدة المنبثقة عن المجلس لإدراجهم على القائمة السوداء للأمم المتحدة. ولم يتم حتى الان إضافة اي اسماء جديدة من مالي الى القائمة السوداء.

وحث بان "مجلس الأمن على ان يدرس دراسة جدية فرض عقوبات موجهة على السفر والأموال بحق الأفراد او الجماعات في مالي المتورطين في أنشطة ارهابية او دينية متطرفة أو إجرامية."

وابلغت سلامة حسيني سليمان مفوضة إيكواس للشؤون السياسية والسلم والأمن الصحفيين ان إيكواس تحتاج الى طلب رسمي من مالي لنشر قوة لتحقيق الاستقرار وهو ما تتوقع حدوثه قريبا. وقالت سلامة سليمان لمجلس الأمن ان الوقت يوشك أن ينفد في مالي وان "تفويضا من المجلس بنشر قوة تحقيق الاستقرار في مالي سيكون عملا ملموسا وحاسما." واضافت قولها "كل يوم نؤجل فيه اتخاذ إجراء ملموس يتيح للإرهابيين والشبكات الاجرامية فرصة أخرى لتعزيز صفوفها فرصة اخرى لارتكاب جرائم حرب فظيعة ويفاقم محنة السكان في الشمال."

وأبلغ الوسيط الرئيسي في الجهود الإقليمية لأنهاء الاضطرابات في دولة مالي المتمردين هناك أنه يجب عليهم قطع صلاتهم "بالتنظيمات الارهابية" مثل القاعدة قبل ان يمكن بدء أي مباحثات سلام. ووجه الوسيط وزير خارجية بوركينا فاسو جبريل باسول هذه الرسالة حينما سافر إلى شمال مالي الذي يسيطر عليه المتمردون.

وقال ساندا ولد بوماما المتحدث باسم جماعة انصار الدين المرتبطة بالقاعدة ان مسألة تطبيق الشريعة "ليست قابلة للتفاوض" ولم يقدم أي تعهد بالانفصال عن الجماعات الارهابية. وقال "اننا ندافع عما هو مكتوب في القرآن. لسنا ارهابيين انما (مقاتلون) يريدون العودة بالناس الى سواء السبيل. وللوسيط رأيه عن الإرهاب ولنا رأينا."

وقال عمر ضو سفير مالي لدى الأمم المتحدة لمجلس الامن انه تحقق تقدم في استعادة النظام في جنوب مالي لكن الوضع في شمال البلاد يبعث على بالغ القلق. وقال ان حكومة مالي ستتعاون مع ايكواس والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والآخرين لاستعادة السيطرة على شمال مالي. بحسب رويترز.

وقال بان ان الصراع تسبب في تشريد 174 الف شخص داخل مالي وان اكثر من 253 الف فروا إلى بلدان مجاورة. وفضلا عن ذلك فان 4.6 مليون شخص في مالي وأكثر من 18 مليونا تضرروا من ازمة غذاء حادة. وقال بان ان انصار الدين دمرت عن عمد تسعة أضرحة من الأضرحة الستة عشر في تمبكتو التي تصنفها الأمم المتحدة على انها جزء من "ميراث الإنسانية الذي لا يتجزأ".

من جهة اخرى اعرب يوسف العمراني الوزير المفوض لدى وزير الخارجية والتعاون المغربي عن خشيته من "صوملة" مالي التي تحتل مجموعات اسلامية شمالها ودعا الى "تحرك سريع". وقال في مقابلة مع صحيفة "لوماتان" الناطقة بالفرنسية والقريبة من الحكومة ان "الكابوس الاستراتيجي والانساني والسياسي من صوملة مالي يقلق المغرب وافريقيا الجنوبية وكذلك اوروبا". ومن دون ان يتحدث في شكل مباشر عن تدخل عسكري، اشار الى ان "فشل جميع الوسائل الدبلوماسية التي قامت بها المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا ومجلس الامن يدعو الى التفكير في وسائل بديلة". بحسب فرانس برس.

واعتبر ان تطبيق قرار الامم المتحدة الذي يدعو الى حل سياسي للازمة المالية "يواجه مشاكل كثيرة". واكد ان "المغرب سيواصل دعم الجهود التي تبذلها المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا الهادفة الى ايجاد مخرج سلمي يحترم سيادة ووحدة اراضي مالي الشقيقة". وقال ايضا "هناك حاليا حاجة ملحة للعمل وتحاشي تحول المنطقة الى معقل امني للإرهابيين وملجأ لعصابات الجريمة المنظمة".

قطع يد سارق

في السياق ذاته قام الاسلاميون المرتبطون بتنظيم القاعدة بقطع يد سارق في انسونغو في تصرف وصفته الحكومة المالية ب"العمل الدنيء" مؤكدة انه يجعل الخيار العسكري ضد هؤلاء المتشددين امرا "لا مفر منه". وبعد ثلاثة ايام من منعهم من قبل سكان انسونغو من تطبيق الشريعة الاسلامية بحق سارق دراجة، طبق الاسلاميون عقوبة قطع اليد على مرأى من عشرات الاشخاص في ساحة عامة في بلدة انسونغو الواقعة الى جنوب غاو، كبرى مدن شمال شرق مالي، بحسب مصادر محلية.

وقال زعيم اسلامي محلي ان الشريعة الاسلامية طبقت بحق السارق، مؤكدا بانه سيتم تنفيذ عمليات قطع ايدي اخرى قريبا بحق سارقين. بدوره قال احد نواب المنطقة في غاو طالبا عدم كشف اسمه ان الاسلاميين "اقدموا على قطع يد سارق من انسونغو". واوضح النائب انه كان في انسونغو وشهد قطع يد "سارق دراجة نارية"، مشيرا الى ان "الكثير من الدماء" سالت من السارق بعد بتر يده.

واكد الزعيم الاسلامي في انسونغو محمد ولد عبدين هذه المعلومات. وقال "هذا شرع الله"، مضيفا "لقد طبقنا الشريعة في انسونغو وقطعت يد سارق. الشريعة تقضي بذلك". وتعليقا على ما جرى اعتبرت الحكومة المالية ان التجاوزات التي يرتكبها الاسلاميون في شمال مالي "تجعل الخيار العسكري (خطوة) لا مفر منها" لإعادة السيطرة على هذا الشطر من البلاد. واورد بيان لوزارة الاعلام صدر اثر اعلان قطع يد السارق في انسونغو "مع مرور الوقت، وفيما تتكثف الجهود من اجل حل تفاوضي، فان ممارسات الارهابيين وتجار المخدرات التي تتخذ طابعا دينيا مزيفا تجعل الخيار العسكري (خطوة) لا مفر منها".

واضاف البيان ان "المتطرفين الذين يحتلون شمال مالي، عبر قطعهم يد احد سكان انسونغو، يضيفون عملا شائنا اخر الى قائمة طويلة من التجاوزات ضد السكان". واكدت الحكومة ان "سلوك هؤلاء غير المنطقي يبرر العقوبات التي اوصى بها الامين العام للأمم المتحدة (بان كي مون)" امام مجلس الامن الدولي اخيرا. واعتبرت ان "استمرار هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان يشكل تحديا للحكومة المالية وافريقيا وبقية المجتمع الدولي".

واذ كررت "استعدادها للحوار"، اكدت الحكومة "انها تعمل على تسريع الخطط مع شركائها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا بهدف اعادة السيطرة على الشمال". وتوعد الاسلاميون المتشددون بتنفيذ مزيد من العقوبات المماثلة. وقال الزعيم الاسلامي محمد ولد عبدين انه "في غضون ايام سنفعل الامر عينه في غاو. لا احد يمكنه منعنا من ذلك".

وتسعى الحركة وجماعة انصار الدين الاسلامية الاخرى المتحالفة مع القاعدة في المغرب الاسلامي الى فرض الشريعة الاسلامية في مالي برمتها. وسيطرت الجماعتان على شمال مالي بأكمله ما يوازي ثلثي مساحة البلاد اعتبارا من اواخر اذار/مارس وبدأتا القيام بأعمال عنيفة من دون اي محاسبة باستثناء مقاومة مجموعة صغيرة من السكان. بحسب فرانس برس.

وسرع انقلاب عسكري في 22 اذار/مارس سقوط المنطقة بين يدي الاسلاميين، ثم بات الجيش المالي والسلطات الانتقالية في باماكو التي انشئت بعد انسحاب الانقلابين عاجزة بالكامل عن استعادة الاراضي التي خسرتها. واكدت المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا استعدادها لارسال قوة مسلحة الى مالي عديدها حوالى 3300 رجل لكنها تنتظر طلبا رسميا من سلطات باماكو وتفويضا من الامم المتحدة. وافاد السفير الفرنسي في الامم المتحدة جيرار ارو ان "الشعور العام هو اننا لن نمنح الاذن من دون الاطلاع على مهمة البعثة ومفهومها العملاني". ويعقد مؤتمر لوضع اللمسات النهائية على خطط نشر القوة العسكرية الافريقية الغربية في باماكو قبل الاثنين على امل الحصول على تفويض الامم المتحدة.

في السياق ذاته قال سكان محليون في مدينة جاو بشمال دولة مالي إن شبانا اشتبكوا مع إسلاميين يسيطرون على شمال البلاد خلال مظاهرة احتجاج على خطط لمعاقبة سارق بقطع اليد وضرب صحفي قام بتغطية المظاهرة. وجاءت هذه الاضطرابات بعد رجم حتى الموت لرجل وامرأة بتهمة الزنا وكانت علامة على الرفض المتزايد لتطبيق الشريعة الإسلامية من جانب المسلحين الإسلاميين الذين يرتبط بعضهم بتنظيم القاعدة ويسيطرون على شمال مالي. وقال سكان ان المظاهرات التي قام بها المئات من الشبان في مدينة جاو استمرت يومين ولم تنته إلا حينما اطلق الإسلاميون النار في الهواء لفض حشود المتظاهرين.

وقال قادر توري وهو صحفي محلي "اراد الإسلاميون تطبيق الشريعة على شاب سارق وارادوا قطع يده. لكن السكان رفضوا هذا وخرج الشبان الى ميدان الاستقلال للتعبير عن رفضهم ذلك. وأجل الإسلاميون تنفيذ العقوبة واطلقوا النار في الهواء لتفريقهم." وقال مصدر في مستشفى ان ستة اشخاص اصيبوا في الاضطرابات منهم مالك علي مايجا وهو صحفي محلي آخر ضربه المسلحون الإسلاميون بعد ان تحدث على الهواء عن خطط قطع يد السارق.

وقال عمر بابا مايجا احد سكان جاو ان مئات من الشبان خرجوا الى الشوارع بعد منتصف الليل. واضاف قوله "كان طوفانا بشريا فقد خرج الجميع الى الشوارع" حينما وقع الهجوم على مايجا.

كانت مدينة جاو قاعدة للجيش المالي للعمليات التي كانت تقاتل المتمردين في وقت سابق من هذا العام ولكنها الآن تخضع لسيطرة الجماعة الإسلامية (حركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا) التي خطفت مع جماعة انصار الدين وجماعة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي التمرد الذي بدأه ثوار طوارق علمانيون يسعون إلى الاستقلال. وتحتل الجماعات الثلاث الآن ثلثي دولة مالي الواقعة في غرب افريقيا. بحسب رويترز.

واصدرت حكومة مالي المؤقتة كما فعلت مع رجم الرجل والمرأة بيانات يدين خطط قطع يد الشاب السارق وضرب الصحفي. وأكد عمر ولد حماحا وهو مقاتل قال انه يتحدث باسم جماعة وقوع الحادث. وقال "نحن لا نبالي بالعلمانية او الديمقراطية أو المجتمع الدولي أو غيرهم. ويجب على الناس ان تتقبل اننا سنفرض الشريعة شاءوا أم أبوا."

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 16/آب/2012 - 27/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م