التضامن والتسامح والاعتدال... هل الاسلام كذلك؟

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: العالم الاسلامي ينشغل هذه الايام بقمة مكة ، وهي قمة اخذت زخمها الاعلامي من صاحب الدعوة الملك السعودي، ومن مكان الانعقاد الذي يحمل رمزيات فاعلة في الوجدان الاسلامي منذ دعوة ابراهيم ابو الانبياء (ع) مرورا برسالة خاتم الانبياء محمد بن عبد الله (ص).

مؤتمر القمة هذا بروتوكولي شكلي، تبرع في عقده المملكة السعودية بين فترة واخرى، حين اشتداد المصاعب والفتن والمؤامرات التي تحيلها المملكة الى المتربصين والمخالفين وغيرها من تسميات لا تشير ولا تصرح، فالقوات الامريكية تحيط بالمملكة العتيدة من كل الجهات، واسرائيل على مرمى صاروخ لا تكشفه الاواكس في سماء المملكة.

تم استبعاد سورية من المؤتمر، بعد تعليق عضويتها، وتم توجيه الدعوة الى الرئيس العراقي جلال طالباني، لمعرفة القائمين على المؤتمر عدم قدرته على الحضور، وبذلك تم تجاهل توجيه الدعوة الى رئيس الوزراء نوري المالكي، بسبب الاختلاف المذهبي.

عدم توجيه الدعوة الى المالكي ليس خطأ بروتوكوليا، بل هو رسالة موجهة الى العراق، فيما يتعلق بالوضع الداخلي، او الموقف مما يجري في سوريا.. تزامنا مع هذه القمة أوضح الأمير سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي أن الدولة ترحب بكل من ينتقد بطريقة عقلانية بعيدة عن الانفعالية والتشهير، مستشهدا بـ«رحم الله من أهدى إليّ عيوبي»، رافضا في الوقت نفسه كل من يخرج عن هذه القاعدة في النصح والإصلاح.

ولفت نائب وزير الخارجية السعودي إلى الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية، قائلا: «ليس بخاف عليكم استشراء الفتن حتى بات التشتت والانشقاق والانقسام والتنافر يهدد كيان أمتنا الإسلامية، ووصل للأسف الشديد إلى حد العداء والتناحر فيما بين المسلمين أنفسهم، بل وأصبح هذا العداء أشد ضراوة من العداء للآخرين»، مضيفا أن هذا الواقع المرير في حد ذاته «لا ينعكس فحسب على أمن واستقرار الأمة الإسلامية بل ويفتح أيضا المجال لإضعاف الأمة الإسلامية ويعطي مبررا للتدخل في شؤونها».

واستطرد الأمير عبد العزيز في كلمته بقوله: «من هذا المنطلق جاءت دعوة خادم الحرمين الشريفين لعقد هذه القمة الإسلامية الاستثنائية للوقوف وقفة صادقة لدرء الفتن والتصدي للمخاطر الجسيمة الناجمة عنها، بما في ذلك التطرف والتعصب والتحريض والعنف والخروج عن إجماع الأمة بتبني منهج مخالف لما جاءت به عقيدتنا السمحة انطلاقا من الحرص على مبادئ ديننا الحنيف وانتهاج مبدأ الوسطية».

في كلمته امام الحاضرين أكد الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، قال: إن الأمة الإسلامية تعيش اليوم حالة من الفتنة والتفرق، التي بسببها تسيل دماء أبنائها في هذا الشهر الكريم في أرجاء كثيرة من عالمنا الإسلامي، متناسين قول الحق تعالى: (والفتنة أشد من القتل).

وأن الحل الأمثل لانتشال الأمة الإسلامية من حالة الضعف والتفرق التي تعتريها، ومن حالة الفتنة والتفرق، التي بسببها تسيل دماء أبنائها «لا يكون إلا بالتضامن، والتسامح، والاعتدال، والوقوف صفا واحدا أمام كل من يحاول المساس بديننا ووحدتنا»، مشددا على أن «بهذا يمكن لنا أن نحفظ لأمتنا الإسلامية تاريخها وكرامتها وعزتها، في زمن لا يعترف إلا بالأقوياء».

من المعروف عن القمم التي يعقدها العرب والسلمون ومنذ معرفتهم بمثل هذه القمم، انها لا تقدم او تؤخر وهي لا تضيف شيئا يمكن ان يبني المجتمعات وان يجعلها تغير الكثير من المفاهيم او الثقافة الفاعلة في نسيجها.

السعودية على مستوى الخطاب الاسلامي كثيرا ما تلجأ الى مثل هذه المؤتمرات، لتسجل نقاطا في سجل الحرص على الوحدة الاسلامية امام الاخرين، وهي بالمقابل لا تتورع عن دعم جميع الاتجاهات والدعوات المتطرفة التي يزخر بها المذهب الوهابي، الذي تدين به المملكة في تعاقد بين الدين والسياسة.

الثقافة المجتمعية للمملكة السعودية، لا تتوقف عن تصدير كل ما من شانه زرع المزيد من الفتن والقلاقل وعمليات القتل والذبح بحق المخالفين لتلك الثقافة، والمال السعودي ينتشر في مشارق الارض ومغاربها، شمالها وجنوبها. وهي ثقافة لا يسلم منها اي شيء وكل شيء.

بالتوازي مع هذه القمة التي دعت الى التضامن والتسامح والاعتدال، على تويتر تناقل نحو 600 مغرّد «الدرر» التي كتبها الداعية السعودي موسى الغنامي: «مراسلة «العربية» في سوريا علياء إبراهيم لبنانية رافضية تابعة لـ«حركة أمل» تقوم بتصوير مداخل المجاهدين الحدودية لتهريب الطعام والعلاج والعصابة تقصفها».

انتشرت التغريدة كالنار في الهشيم، واقترنت ببيان على فايسبوك نسب إلى «الجيش السورّي الحر» وصف مراسلة المحطة السعودية في سوريا بأنّها من أخطر الإعلاميين، واتهمها بأنّها تنتمي إلى أحزاب لبنانية، ومن ضمنها «حزب الله» و«حركة أمل».

ولا تكتفي الثقافة الوهابية بذلك، بل هي تنتقل الى مقاتلي ما يسمى بالجيش الحر، الذين عمقوا من حضور التكفير والقتل الوهابي في عملياتهم، ولا باس من تصوير تلك العمليات لزرع الرعب في قلوب المخالفين والمعارضين لعملياتهم، وكثيرا ما تاتي تلك المشاهد مصحوبة بعبارة (ملاحظة: المقاطع تحتوي على مشاهد قاسية جداً يجب عدم مشاهدتها من اصحاب القلوب الضعيفة والاطفال).

مكة المكرمة حيث عقد فيها مؤتمر القمة الاخير تاهت في شوارعها ميسون السويدان بحثا عن الله سبحانه وتعالى ولم تجده، بسبب الغلو والتطرف الوهابي، وبسبب هيئات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وهي تكتب ايضا: أنا ديني الإسلام والرحمة وأنتم دينكم التكفير والنَّقمة.

وتستمر في كتابتها قائلة: لم أذهب إلى مكة كي أرى متاجر إسرائيل على بُعد خطوات من بيت الله الحرام.

لم أذهب إلى مكة لأرى آلاف الفقراء المساكين يقفون بين يدي الله بأثوابهم البالية فيجبرهم الإمام أن يدعوا للملوك والسلاطين الذين لا يصلّون أصلاً.

لو أنّي بحثت عن الله في مكّة.. أو في مذهبكم التكفيري العنيف الملطّخ بالدماء لكَفرتُ من زمان…هذا صحيح.. فالحمد لله أنّي لم أبحث عنه إلا بقلبي.

إن لم يسعنا الإسلام جميعاً - فاذهبوا أنتم. أنا هنا في رحاب الله باقية. مسلمة أنا لن أتخلّى عن ديني ولو قاتلتموني عليه بالسلاح.

أنتم قتلتم الحلّاج … أنتم قتلتم الروحانية في مكة.. أنتم قتلتم الله في قلوب الناس.. أنتم شوّهتم دين الله ألا شاهت وجوهكم.

مَن كان يعبد محمد بن عبدالوهاب - فإنّه قد مات، ومَن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت.. انتهى كلام ميسون السويدان.

مكة لم تعد هي نفسها التي خرجت منها دعوة الاسلام المليئة بالمحبة والتسامح والتضامن والعدالة، لقد صادرها المذهب التكفيري الوهابي، وصدّر تكفيره الى بقاع المسلمين كافة ..

هل الاسلام الان الذي تبشر به المملكة السعودية اليوم هو اسلام محمد بن عبد الله(ص)؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 16/آب/2012 - 27/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م