شبكة النبأ: يستطيع المتابع المعني
بالاجتماع، أن يتحقق مما يحصل من تدمير متتابع لمنظومة القيم في
المجتمع العراقي، حتى لكأنه من فعل فاعل، بسبب الانهيار التدريجي
المتواصل، لكثير من التقاليد والاعراف والقيم التي تربّى عليها الناس،
ونشأت عليها اجيال متلاحقة، حيث كان التعامل مع الرشى حتى زمن قريب يعد
مسألة تمس الشرف والسمعة مباشرة.
كذلك الحيال مع قيم اخرى كثيرة تمكنت من حماية المجتمع من الانهار
الاخلاقي، ولكن يبدو أن الهزة العميقة التي تعرض لها العراقيون، والتي
أفضت الى انهيار شبه تام، على المستويات السياسية والاقتصادية وسواها،
قاد الى نوع من التحول، في منظومة القيم التي حكمت سلوك العراقيين
لفترة طويلة، فالعراقيون كما يعرف أهله والمنتمون له، كانوا متمسكين
بالقيم التي تحافظ على الروابط الاجتماعية، وتزيد من لحمة الشعب،
لاسيما الفقراء منهم، ومن تعرضوا للاضطهاد، أكثر من غيرهم، كانوا رحماء
بينهم، يساعدون بعضهم البعض الآخر، ويواسون من يتعرض منهم الى مصاب، او
ضرر ما، سواء كان مصدره السلطان واذنابه او غيرهم، وهكذا تجد أن ثمة
تقاربا، بين هذه الشرائح المنتهكة، في حقوقها السياسية، والمدنية
وسواها.
وقد حدا هذا بالمجتمع، الى التمسك بالقيم الاصيلة الجيدة، التي
تساعد على حفظ العلاقات الاجتماعية، والاقتصادية وغيرها، بما يخفف من
ثقل الفقر ووطأته، على ضعفاء الحال، فكان الموظف البسيط، أو المدير
العام، أو المسؤول على هذه الدائرة او تلك، يرفض أن يضغط على المواطن
ولا يلجأ الى ابتزازه مطلقا، بل كان الموظفون يؤدون خدماتهم، بطريقة
محصنة بالشرف، والقيم التي يؤمنون بها، لدرجة أن الموظف كان يرفض أن
يستقبل أية هدية، من المواطن، ويعتبر هذا السلوك، مساسا بشرفه واخلاقه
وشخصيته، وطالما أن الدوائر الرسمية أصبحت على مساس مباشر بحياة الناس،
وصار الموظف يتحكم بنوعية حياة الفرد والجماعة، وغالبا ما تكون الخدمات
التي تقدمها هذه الدوائر، تتعلق بمصدر الرزق اليومي للفرد، ومع
التحولات التي رافقت تغيير ما بعد نيسان 2003، فقد نمت بعض القيم التي
غيّرت التعامل المتبادل بين الموظف والمواطن، وانتشرت ظاهرة الرشى، كما
تنامت ظاهرة الاختلاس والتجاوز على المال العام، وحالات التزوير
والاحتيال وغسيل الاموال والمضاربات والمتاجرة بما يسيء للطبقات
المتدنية.
ومع أنها سبقت هذا التأريخ المذكور بكثير، لكنها لم تكن بهذا الحجم
الواسع، ولا بهذا التغيير الملحوظ في منظومة القيم، التي دخلت فيها
مضامين، اخلاقية وسلوكية غريبة،على المجتمع العراقي حيث أصبح الاختلاس
والسرقة وتعاطي الرشوة، نوعا من الشطارة، لبناء حياة الفرد والعائلة
العراقية، كذلك تنامت نزعة الحصول على الاموال، بغض النظر عن شرعية او
مصدر الاموال، والمهم في الامر هو أن يحصل الفرد على المال، وفقا لقيم
الشطارة التي شاعت بين اوساط المجتمع على نحو واسع، في حين كانت مثل
هذه القيم معيبة، ولا يمكن أن يقبلها العراقي على نفسه.
حتى وصل الامر في احيان كثيرة الى اعتبار مثل هذه السلوكيات، نوعا
من الانحراف وفقدان الشرف، وليس نوعا من الشطارة كما هو متعارف عليه
الآن، لذا فإن تنامي مثل هذه الظواهر السلبية، يعد تغييرا خطيرا، في
منظومة قيم المجتمع عموما، وعلى الافراد والنخب، ورؤساء العشائر، ورجال
الدين، وكل من يهمه الامر ملاحظة هذا التغيير الفادح، في منظومة القيم
الاجتماعية والاخلاقية، وخطورة التساهل الخطير مع السلوكيات المنحرفة،
واعتبارها نوعا من الشطارة، في حين أن المختلس، والمرتشي، والمضارب،
والمتاجر بالمخدرات وسواها، يعد من المنحرفين.
ومن الادوات التي تعمل على هدم بناء المجتمع، ولهذا تعتبر مثل هذه
الاعمال إرهابا من نوع آخر، كما عبر عن ذلك كثير من الكتاب والمصلحين
والمعنيين بهذا الامر، وهو ما يتطلب مواجهة هذه الانتكاسات القيمية
المتواصلة بصيغ جدية، لذا نقترح بعض الخطوات للجهات المعنية لكي تسهم
بتطبيقها في هذا المجال، من اجل حماية القيم:
- سن القوانين الفورية والشديدة، التي تحد من تنامي هذه الظواهر
الخطيرة، ومعاملة المرتشي كالارهابي، وتشديد العقوبة القضائية عليه،
بما يوازي جريمة الارهاب، ويشمل هذا التشريع مختلس المال العام
والمضارب به.
- ردع التجار والمتجارين بالمواد التي تسيء لصحة الشعب، بقوانين
فورية ذات قوة اجرائية شديدة ومباشرة.
- ردع جميع حالات الاحتيال والنصب والتزوير بقوانين مشددة وفورية.
- لابد للبرلمان العراقي كجهة تشريعية أن يقوم بدوره الهام في هذا
الصدد، وأن يتم ردع المفسدين، والمتجاوزين على المال العام، والمرتشين،
بعقوبات فورية مضاعفة ومشددة.
- بالتزامن مع الجهدين التشريعي، والقضائي، لابد أن تنطلق حملات
توعية للشعب، على ضرورة الحفاظ على القيم الاصيلة، وتنميتها، ومحاربة
الانحراف بكل انواعه، وهو دور مشترك ينبغي أن تتولاه النخب الاجتماعية
والدينية والثقافية والاعلامية وغيرها.
- تفعيل القيم الاجتماعية بين الطبقات الفقيرة او الكادحة، لأنها
الأكثر تعرضا للتهميش، مما يدفعها ذلك الى الانحراف، كتعبير عن رفض
الاقصاء، لذا لابد من تعميق القيم بين افراد وجماعات الطبقة الفقيرة. |