ملابسات موت عرفات... ظروف غامضة وتحقيق اكثر غموضا!

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: كان ياسر عرفات الرئيس الفلسطيني الراحل رمزا لسعي الفلسطينيين لاقامة دولة فلسطينية طوال عقود من الحرب والسلام مع إسرائيل، وبعد أن تعرض لوعكة صحية لا تزال مجهولة الاسباب نقل إلى فرنسا في عام 2004 عندما تدهورت حالته الصحية خلال حصار إسرائيل لمقر اقامته اثناء انتفاضة فلسطينية وتوفي بعد ذلك بوقت قصير، حيث اثارت وفاة عرفات شائعات بين الفلسطينيين عن عملية اغتيال اتهم فيهما كثيرون إسرائيل، كما يعتبر كثير من العرب اسرائيل المشتبه به الأول فيما أصاب عرفات، ولم يستبعدوا ايضاً اشتراك بعض الاطراف الفلسطينية في هذه العملية التي لاتزال نتائجها مجهولة، إذ تسعى السلطة الفلسطينية وعائلته في البحث والتحقيق عن الأسباب الحقيقية وراء وفاته، خاصة بعد اعلن احد المختبرات السويسرية العثور على آثار لعنصر البولونيوم السام بعد تحليل بعض مقتنياته وطالب المعهد السويسري بضمانات بأن نتائجه لن تستخدم لأغراض سياسية وباخذ عينات من رفات عرفات لإجراء الفحص، في المقابل وافقت السلطة الفلسطينية على استخراج رفاته من قبره في رام الله للتشريح، في حين طلبت تونس عقد اجتماع لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية لبحث عن الأسباب الحقيقية وراء وفاته التي مازالت غامضة لحد الان.

ظروف وفاة عرفات

فقد قال رئيس لجنة التحقيق الفلسطينية في وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات انهم بانتظار وصول خبراء معهد سويسري لاستكمال ابحاثهم للكشف عن سبب وفاة الزعيم الراحل، وقال توفيق الطيراوي رئيس اللجنة في مؤتمر صحفي في رام الله "نحن طلبنا منهم (المعهد السويسري) الحضور بالسرعة القصوى (الى را م الله )... كل الفحوصات التي سيطلبونها القيادة قررت ان تعطيهم اياها، وأوضح الطيراوي انه تم الحصول على الموافقات اللازمة من ارملة الرئيس الراحل سهى عرفات وابنتهما من اجل اجراء فحوصات على رفاته، وقال ان المعهد السويسري طلب ضمانات قبل القدوم الى رام الله دون الكشف عن مضمون هذه الضمانات، وأضاف "فحوى المراسلات كانت ضرورة حضورهم والترحيب بحضورهم الى فلسطين باقصى سرعة ممكنة ولكن بالنسبة لهم لديهم قضايا قانونية واجراءات قانونية، ورفات عرفات في ساحة المقاطعة التي حاصرته فيها اسرائيل لسنوات ويجري العمل على تحويل مقره الى متحف يضم العديد من مقتنياته، وطلبت أرملة عرفات من محكمة فرنسية في 31 يوليو تموز الماضي فتح التحقيق الجنائي في وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل كجريمة قتل بعد تقرير اشار الى انه سمم بعنصر مشع قبل وفاته في مستشفى عسكري في باريس عام 2004، ونقل عرفات الى فرنسا في اكتوبر تشرين الاول 2004 بعد إصابته بانهيار صحي مفاجئ في مقره برام الله حيث كان يقيم تحت الحصار الاسرائيلي منذ ما يزيد على العامين ونصف العام، وتوفي بعد ذلك بشهر ونقل مساعدوه انذاك عن الاطباء قولهم انه اصيب بنزيف في الدماغ وتوقفت وظائف جسمه الحيوية واحدة تلو الاخرى، وسرعان ما ترددت مزاعم أن حالته نشأت بفعل فاعل بعد ان قال الاطباء الذين عالجوه انهم لم يتمكنوا من تحديد سبب المرض الذي أودى بحياته. بحسب رويترز.

وتتهم الدعوى التي اقامتها أرملته سهى وابنتهما زهوة في ضاحية نانتير بغرب باريس مجهولا أو مجهولين بالقتل العمد، وتأتي الدعوى بعد بيان لمعهد سويسري أفاد بأنه وجد في ملابس عرفات مستويات مرتفعة من البولونيوم 210 وهي نفس المادة التي استخدمت في قتل الجاسوس الروسي السابق ألكسندر ليتفنينكو في لندن عام 2006، ويسعى الفلسطينيون بالتعاون مع جامعة الدول العربية الى تشكيل لجنة تحقيق دولية للبحث في اسباب وفاة عرفات، وذكر الطيراوي خلال المؤتمر الصحفي ان عبد الله البشير رئيس اللجنة الطبية للتحقيق في وفاة عرفات توجه الى القاهرة حاملا كل الملفات المتعلقة بوفاة عرفات لتقديمها الى جامعة الدول العربية، وقال الطيراوي ان عملية التحقيق مستمرة على "اكمل وعلى كل المستويات وبشكل حثيث وبشكل مستمر لان هذه القضية لا يوجد امكانية لاغلاقها ولا نسمح لاحد ان يعطلها."

معهد سويسري

من جهته قال متحدث باسم معهد سويسري إن المعهد لن يساعد في التحقيق في وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات عام 2004 إلا إذا تلقى ضمانات بأن نتائجه لن تستخدم لأغراض سياسية، وكانت لجنة تحقق في وفاة الرئيس الفلسطيني طلبت من المعهد السويسري للفيزياء الإشعاعية فحص رفاته. وكان المعهد قد عثر على آثار لأحد نظائر البولونيوم القاتلة على ملابس عرفات التي قدمتها أرملته لفيلم وثائقي في قناة الجزيرة التلفزيونية، وقال دارسي كريستن المتحدث باسم المعهد ردا على سؤال في رسالة عبر البريد الالكتروني "وجهت السلطة الفلسطينية الدعوة لنا ونحن ندرس حاليا أنسب وسيلة للاستجابة لهذا الطلب، وقال كريستن "في الوقت نفسه اهتمامنا الرئيسي هو ضمان الاستقلال والمصداقية والشفافية من أي تورط. بحسب رويترز.

ودعا مسؤولون فلسطينيون إلى إجراء تحقيق دولي في هذه القضية على غرار محكمة الأمم المتحدة الخاصة بمقتل رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري وشكلت جامعة الدول العربية لجنة خاصة لهذا التحقيق في الامم المتحدة.

أرملة عرفات

فيما طلبت أرملة ياسر عرفات من محكمة فرنسية فتح تحقيق في وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل كجريمة قتل بعد تقرير اشار الى انه سمم بعنصر مشع قبل وفاته في مستشفى عسكري في باريس عام 2004، وقالت سهى عرفات لصحفية لوفيجارو اليومية "زوجي توفي بطريقة غريبة. وهناك علامات تدعو للاعتقاد أنه مات مسموما، وسرعان ما ترددت مزاعم أن حالته نشأت بفعل فاعل بعد ان قال الاطباء الذين عالجوه انهم لم يتمكنوا من تحديد سبب المرض الذي أودى بحياته، وتتهم الدعوى التي اقامتها أرملته سهى وابنتهما زهوة (17 عاما) في ضاحية نانتير بغرب باريس مجهولا أو مجهولين بالقتل العمد، وقالت سهى عرفات لصحيفة لوفيجارو "إنه لمن المدهش أن دولة ذات سيادة مثل فرنسا لا تعرف سبب وفاة رئيس دولة كان يعتنى به في أحد مستشفياتها، وقالت سهى ان شكوكها ثارت عندما اتصلت بالمستشفى للحصول على عينات الدم والبول التي أخذت من زوجها وأبلغت بأنها أعدمت قبل أربع سنوات. بحسب رويترز.

واضافت "هذا محير. لماذا أعدموا جزءا من الملف الطبي؟ عرفات كان رئيس دولة ولم يكن مجرد مريض عجوز، وابلغ مصدر قانوني بأنه سيتعين على محكمة نانتير أن تقرر أولا ما اذا كانت مختصة بالنظر في إمكان التحقيق في فرنسا في حالة تسمم وقعت في دولة أخرى، وقالت سهى عرفات في بيان أصدره محاميها "سهى وزهوة لديهما ثقة كاملة في القضاء الفرنسي، واضاف البيان إن "سهى وزهوة عرفات لا تتقدمان في هذه المرحلة بأي اتهام ضد طرف محدد سواء أدولة أم جماعة أم فرد.

اتهام اسرائيل

كما اعلن ناصر القدوة رئيس مؤسسة ياسر عرفات ان عائلة عرفات والمؤسسة تتهمان اسرائيل بقتل الزعيم التاريخي لمنظمة التحرير الفلسطينية بمادة البولونيوم المشعة، وقال القدوة ابن اخت عرفات "منذ استشهاد الرئيس الراحل ياسر عرفات قلنا انه تم اغتياله بالسم ولم يكن لدينا دليل مادي ملموس، لكن بعد تحقيق قناة الجزيرة والتاكد من انه تم تسميمه بمادة البولونيوم، لم يعد الموضوع مجرد قرائن وشكوك، والدليل المادي حصلنا عليه"، واضاف "نحن نوجه لاسرائيل تهمة قتل ياسر عرفات وتسميمه بهذه المادة القاتلة ونطالب بمحاكمة ومحاسبة المسؤولين عن اغتياله ومحاكمة من نفذ عملية الاغتيال"، وقال القدوة "كنا نشك بان عرفات تم اغتياله بسبب التدهور المفاجىء في صحته، حيث توجد فيه فقرة تقول ان سبب الوفاة ليس من الامراض المعروفة لدينا، وبالتالي المستشفى الفرنسي اشار بطريقة غير مباشرة الى ان سبب الوفاة غامض". بحسب فرانس  برس.

وقال رئيس اللجنة الطبية للتحقيق في ظروف وفاة عرفات، الدكتور عبد الله البشير، خلال مؤتمر صحافي في رام الله ان "الاعراض التي ظهرت على الرئيس الراحل قد تؤكد وفاته بمادة البولونيوم المشعة، او غيرها"، مشددا على "وجود الفرضية السمية اي وفاته بالسم"، واشار البشير "الى ان التقرير الطبي الفرنسي لم يتمكن من الوصول الى سبب معروف للحالة التي ادت إلى الوفاة، والتطورات المرضية لا يمكن تفسيرها وفق علم الأمراض، وتطورات الحالة المرضية لا يتفق مع مرض طبيعي، ولكن مع مادة سمية"، واكد ان "هناك مواد في التقرير الطبي لم يتم الكشف عنها بسبب الظروف المحيطة، ومستشفى بيرسي الفرنسي قال ان القوانين واصول الاجراءات لا تسمح له بالرد بالايجاب"، واوضح البشير ان "المراسلات الرسمية بين السلطة الفلسطينية والمختبر السويسري الذي توصل الى وجود تسمم بالبولونيوم بدات وهناك اجراءات ستتخذ من اجل حضور وفد من المختبر السويسري لاخذ العينة"، وقال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل ابو ردينة ان الرئيس محمود عباس "اعطى تعليمات واضحة بالا يكون هناك اي عقبة للبحث عن الحقيقة حول وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات"، من جهته شدد اللواء توفيق الطيراوي رئيس اللجنة الوطنية للتحقيق في وفاة عرفات "هناك اتصالات مع سهى عرفات ارملة الراحل (..) وهي اكدت انها ستكون بأمر لجنة التحقيق حتى تصل للحقيقة"، ولفت الى ان "عمل اللجنة المختصة لا يجري بالاعلام لكي لا يدع مجالا للاسرائيليين ان يقطعوا كل الخيوط"، واضاف ان "تقرير فضائية الجزيرة قدم الدليل عن اسم المادة السمية واكد ما هو موجود في تقرير الدكتور عبد الله البشير"، واتهم الطيرواي اسرائيل باغتيال عرفات بقوله "ان الإسرائيليين وكل تصريحات قيادتهم تؤكد انها تريد الخلاص من الرئيس الراحل وانا اقول نعم لا يمكن الا ان يكون الاسرائيليون وراء هذا الامر وهم المستفيدون بشكل اساسي، ولا استبعد ان يكون هناك مشاركة من احد الفلسطينيين، الا اذا كان هناك اشعاع من اجهزة إلكترونية او كاميرات او طائرة"، وفي تونس قال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ان "اسرائيل هي التي قتلت الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات"، واضاف "اطالب الاخوان في حركة فتح للتعامل معا لملاحقة الصهاينة على دم ياسر عرفات"، وتابع يقول "عرفات اغتيل بايدي اسرائيل، كنت اول من اتهم اسرائيل بقتل عرفات كما قتلت الشيخ احمد ياسين" مؤسس حركة حماس في غزة، وطالبت جهات عدة بفتح تحقيق حول ظروف موت عرفات

رفات عرفات

على الصعيد نفسه اعلن كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس اوعز بالسماح للخبراء الذي فحصوا ملابس الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بالحضور الى رام الله واخذ عينات من رفات عرفات، وقال عريقات ان "الرئيس عباس امر احد مستشاريه الطبيين بالاتصال فورا مع الخبراء في المعهد السويسري الذين فحصوا ملابس عرفات، والطلب اليهم الحضور فورا الى رام الله لاخذ عينات من جثة الرئيس عرفات، واستكمال فحوصاتهم للوصول الى النتيجة الحقيقية لوفاة عرفات"، وكان عباس اكد الجمعة في باريس ان تحقيقا سيجري في ظروف وفاة عرفات العام 2004 "اذا لزم الامر"، واجرى معهد "رادييشين فيزيكس" في لوزان تحليلا لعينات بيولوجية اخذت من بعض الاغراض الشخصية لعرفات التي تسلمتها ارملته سهى من المستشفى العسكري في بيرسي جنوب باريس حيث توفي. وعثر المعهد على "كمية غير طبيعية من مادة البولونيوم"، كما افاد فيلم وثائقي بثته قناة الجزيرة، وتعتبر البولونيوم مادة شديدة الاشعاع يرجح انها كانت السبب في موت الجاسوس الروسي السابق الكسندر ليتفيننكو الذي صار معارضا للرئيس فلاديمير بوتين، بعدما سمم بها في لندن العام 2006. بحسب فرانس برس.

تونس تدعو لاجتماع طارئ للجامعة العربية

الى ذلك دعا وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام الى عقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية والى اجراء تحقيق دولي بعد المعلومات التي كشفتها قناة الجزيرة حول وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات واعادت فيها احياء فرضية اغتياله، وصرح عبد السلام لاذاعة موزاييك اف ام الخاصة "ندعو الى اجتماع طارئ لوزراء خارجية دول الجامعة العربية كما ندعو الى تشكيل لجنة دولية للتحقيق في ظروف وفاة الرئيس (الفلسطيني ياسر) عرفات"، واضاف بعد لقاء مع الرئيس التونسي المنصف المرزوقي "اننا مدينون لهذا الرجل العظيم الذي كان له تاثير كبير على مسار المقاومة الوطنية الفلسطينية"، وقد اقامت تونس علاقات مميزة مع عرفات خلال الثمانينيات والتسعينيات واحتضنت مقر منظمة التحرير الفلسطينية عندما كان المجتمع الدولي يعتبرها "منظمة ارهابية". بحسب فرانس برس.

من جانب اخر، اجاز مفتي عام القدس والاراضي الفلسطينية الشيخ محمد حسين نبش رفات الرئيس الفلسطيني الراحل بغرض التحقيق في اسباب وفاته. وقال المفتي "اذا كان هناك سبب لاستخراج جثة اي شخص او شهيد بغرض الفحص والتحقيق في اسباب الوفاة، فانه لا مانع من ذلك"، وذكر المفتي، الذي يشغل رئيس مجلس الافتاء الفلسطيني الاعلى، بانه سبق له وان اجاز نبش "جثة فلسطيني شهيد" بغرض التحقيق في الأسباب الحقيقية وراء وفاته.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/آب/2012 - 25/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م