هجوم سيناء... يحرج مرسي ويضعه على محك الجماعات المتشددة

 

شبكة النبأ: تطورات جديدة تشهدها الساحة المصرية التي شهدت مجموعة ازمات تلت ثورة 25يناير كانون الثاني التي اسهمت بأسقاط نظام الرئيس السابق حسني مبارك، ويرى بعض المراقبين ان التحدي الامني الاخير الذي شهدته سيناء هو بمثابة تحدي اساسي للرئيس المصري الجديد محمد مرسي الذي يواجه الكثير من التحديات والمشاكل على الصعيدين الداخلي او الخارجي هذا بالإضافة الى الضغوط السياسية والحزبية التي يوجهها من قبل جماعة الاخوان المسلمين المنتمي اليها مرسي، ولم يستبعدوا ان تكون العملية الاخيرة قد نفذت بتوجيه من قبل بعض الاطراف العربية التي لها مواقف معادية من جماعة الاخوان المسلمين، وفي هذا الشأن فقد احال الرئيس المصري محمد مرسي رئيس المخابرات إلى التقاعد وقصفت الطائرات الحربية المصرية أهدافا على الحدود مع اسرائيل في اكبر هجوم في المنطقة منذ نحو 40 عاما بعد هجوم شنه مسلحون على حرس الحدود المصري. ولم يتضح بعد إلى اي مدى وسع مرسي الذي يجب ان يحتوي الجيش في القوي في الداخل ويطمئن اسرائيل إلى انه كأول رئيس اسلامي لمصر سيحافظ على علاقات مستقرة معها سلطاته ردا على هجوم.

لكن مرسي في تعديل كبير قام بإحالة رئيس المخابرات مراد موافي إلى التقاعد واجرى تغييرات اخرى في القيادات الامنية في البلاد. وكان مرسي وعد باستعادة الهدوء في سيناء بعد ان قتل مسلحون 16 جنديا من قوات حرس الحدود ثم اقتحموا الحدود الاسرائيلية قبل ان يقتلوا في النهاية بنيران القوات الاسرائيلية. وكان ذلك أعنف هجوم على قوات الأمن في شبه جزيرة سيناء منذ وقعت مصر معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979. وعبرت إسرائيل التي سبق ان حثت مصر على التعامل مع تهديد متزايد على الحدود بينهما عن موافقتها على هذه الحملة الامنية. وصعد مسلحون إسلاميون يعارضون وجود إسرائيل من هجماتهم على قوات الأمن على الحدود منذ الاطاحة بالرئيس حسني مبارك العام الماضي. ويشكو كثير من البدو الذين يعيشون في قبائل من اهمال القاهرة لهم. واغلب المسلحين من البدو لكنهم يعتنقون افكارا اسلامية متشددة وفي الوقت نفسه يرفضون الاسلام السياسي الذي يمثله مرسي ويفضلون عليه الإسلام الجهادي.

وقال ياسر علي المتحدث باسم الرئاسة في مؤتمر صحفي ان مرسي الذي تولى منصبه في يونيو حزيران عين محمد شحاتة قائما بأعمال مدير المخابرات وعزل محافظ شمال سيناء. وقال علي ايضا ان مرسي كلف رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوي بتعيين قائد جديد للشرطة العسكرية وعين قائدا جديدا للحرس الجمهوري. واعلنت التغييرات بعد ان عقد مرسي اجتماعا لمجلس الامن القومي جمع بينه وبين طنطاوي إلى جانب رئيس الوزراء ووزير الداخلية. ويقول محللون إن مرسي ما كان ليتخذ قرارات كهذه دون موافقة الجيش الذي يحتفظ بقبضة قوية على السياسات الامنية منذ الاطاحة بمبارك لكن مصدرا امنيا قال ان شحاتة المعين ليقوم بأعمال رئيس المخابرات معروف بأنه لم يكن مواليا بقوة لمبارك في عهده وانه حرم من ترقية بسبب ذلك. بحسب رويترز.

وفي تفسير للتغييرات قال المتحدث الرئاسي ان مصر تمر بمرحلة حرجة وانه من الضروري ان تتم حماية الثورة المصرية والارادة المصرية. ومثلت الاحداث اول اختبار كبير لكيفية تحقيق مرسي الذي ينتمي لجماعة الاخوان المسلمين للتوازن بين الحفاظ على علاقات مستقرة مع اسرائيل وبين علاقته مع حركة حماس الاسلامية التي تحكم قطاع غزة.

غارات جوية بموافقة اسرائيل

في السياق ذاته قال مسؤولون بالجيش المصري وشهود عيان إن مصر شنت غارات جوية قرب حدودها مع اسرائيل وداهمت قواتها قرى مع بدء حملة استهدفت متشددين إسلاميين يلقى باللوم عليهم في هجوم على قوات حرس الحدود المصرية. وأعربت اسرائيل التي سبق ان حثت مصر على التعامل مع تهديد مُتزايد على حدودها الجنوبية عن موافقتها على التمشيط الأمني وهو أكبر هجوم عسكري في المنطقة منذ حرب عام 1973 بين مصر واسرائيل.

وأعقبت الغارات الجوية حول بلدة الشيخ زويد على بعد عشرة كيلومترات من قطاع غزة اشتباكات دارت بين مسلحين وقوات الأمن عند عدد من نقاط التفتيش في شمال منطقة سيناء المصرية. وقتل مسلحون 16 من أفراد حرس الحدود في أعنف هجوم على قوات الأمن في شبه جزيرة سيناء منذ وقعت مصر معاهدة سلام مع اسرائيل عام 1979. واقتحم المسلحون الحدود مع اسرائيل حيث قتلوا بنيران اسرائيلية في نهاية الأمر.

وتوجد معاقل المتشددين في شمال سيناء بعيدا عن منتجعات البحر الاحمر الى الجنوب التي يرتادها سياح أجانب وتعتبر شريان حياة لاقتصاد مصر الذي يجاهد للخروج من الازمة. ووعد الجيش المصري الذي حافظ على السلام مع اسرائيل تحت حكم مبارك وما زالت له سلطة كبيرة في شؤون الامن القومي بالرد على مقتل جنوده في هجمات الاحد واستعان بنحو 500 جندي وشرطي اضافيين.

وقال شهود في بلدة الشيخ زويد أنهم رأوا طائرتين عسكريتين تحلقان فوق المنطقة وسمعوا دوي انفجارات وقال آخرون قرب البلدة إنهم رأوا قصف ثلاث سيارات. وقالت قيادة القوات المسلحة المصرية ان قوات برية وجوية بدأت في استعادة الاستقرار في سيناء. وقالت ان قواتها تمكنت من تنفيذ الخطة بنجاح وانها ستواصل التنفيذ. ودعت القبائل والعشائر في سيناء إلى التعاون من أجل تحقيق الأمن.

وأبلغ قادة عسكريون في سيناء ان القوات دخلت قرية التومة قرب الشيخ زويد على بعد 20 كيلومترا الى الجنوب في إطار العملية بعد أن تلقى الجيش معلومات عن أن إسلاميين متشددين يقيمون هناك. وقال احدهم ان 20 مسلحا قتلوا. وقال احد المزارعين انه شاهد طائرات هليكوبتر حربية تلاحق عربات خارج التومة وسمع اصوات صواريخ. وقال ان الرجال في السيارات اطلقوا النار على الطائرات من بنادقهم الآلية. وقال لواء بالجيش في التومة ان طائرات الهليكوبتر دمرت ثلاث حافلات صغيرة حاول مسلحون الفرار فيها.

وتركز الرد العسكري الفوري على الشيخ زويد وهي بلدة شيدت مبانيها بالطوب اللبن وتعتمد بشدة على تهريب البضائع والأفراد عبر الانفاق المتصلة بغزة منذ انسحاب اسرائيل من القطاع. وقالت الحكومة المصرية ان المسلحين الذين نفذوا الهجوم وصلوا الى الاراضي المصرية عبر أنفاق غزة وتحركت السلطات لأغلاقها.

واتهمت اسرائيل مرارا جهاديين فلسطينيين بالمجيء من غزة الى مصر للعمل مع متشددين في سيناء لمهاجمة الحدود الاسرائيلية. وفي اغسطس اب الماضي قتل متسللون مسلحون ثمانية اسرائيليين على الحدود المصرية. وقال عاموس جلعاد المسؤول الاسرائيلي الرفيع في وزارة الدفاع لراديو اسرائيل "ما نراه في مصر هو غضب كبير وعزم من جانب النظام والجيش على الاهتمام بالمسألة وفرض النظام في سيناء لأن هذه هي مسؤوليتهم." وكانت حكومة مبارك تتعاون عن كثب مع اسرائيل لتأمين المنطقة الحدودية حتى أطيح به في انتفاضة شعبية قبل 18 شهرا.

وقال استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة مصطفى كامل السيد ان الموقف سيجبر ادارة مرسي على تعزيز التعاون الامني مع اسرائيل وهي خطوة كان يأمل في تفاديها كما سيضطر إلى فرض قيود على علاقاته مع حماس. وقال اسماعيل هنية رئيس وزراء حماس في قطاع غزة انه ليس هناك ما يشير إلى ان فلسطينيين من غزة شاركوا في اعمال العنف الاخيرة.

وتحتاج الحكومة المصرية لتوطيد قبضتها على القرى في المنطقة إلى ولاء البدو الغاضبين بالفعل مما يعتبرونها معاملة غير عادلة وتنطوي على تهميش من جانب الدولة. ويقول سكان ان معظم المسلحين من البدو ايضا ويعيشون إلى جانب اهلهم لكنهم يصفونهم بالكفر لأنهم لا يتبنون نفس الافكار الاسلامية المتشددة التي يعتنقونها. بحسب رويترز.

ويقول سكان ان الجهاديين المسلحين - واغلبهم يعيش في محيط الشيخ زويد ورفح - يعودون إلى ديارهم بعد هجمات كر وفر على قوات الامن دون خوف من سقوطهم في ايدي السلطات ويقولون ان العادات القبلية تحث على التضامن ضد الغرباء. ويعيد هذا التمشيط ذكريات سيئة عن اعمال اعتقال واسعة بعد تفجير مناطق سياحية في جنوب سيناء في 2003 و2005. وقال السياسي الاسلامي السلفي محسن ابو حسن من الشيخ زويد ان السكان المحليين في سيناء متعاونون لكن تكرار هذه الاعمال من الممكن ان يثير عضبهم ولا يمكن توقع رد فعلهم.

وتعد سيناء المنزوعة السلاح إلى حد بعيد حجر الزاوية في معاهدة السلام التاريخية التي أبرمتها مصر وإسرائيل عام 1979 لكن خلال العام الأخير زاد ضعف سلطان القانون في سيناء وملأت عصابات من البدو والجماعات الجهادية والنشطين الفلسطينيين القادمين من قطاع غزة الفراغ الامر الذي زاد توتر العلاقات بين مصر وإسرائيل.

وفي السياق ذاته قالت جماعة الاخوان المسلمين في بيان في موقعها الالكتروني إن الهجوم الذي استهدف نقطة لحرس الحدود في سيناء "يمكن أن ينسب للموساد" وكان محاولة لإحباط جهود الرئيس الإسلامي محمد مرسي. وقال البيان إن جهاز المخابرات الإسرائيلي يحاول "اجهاض الثورة" المصرية التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك العام الماضي وإن ما حدث "يحتم علينا إعادة النظر في بنود اتفاقية" السلام بين مصر وإسرائيل.

وقالت جماعة الاخوان المسلمين على موقعها "هذه الجريمة يمكن أن تنسب للموساد الذي يسعى لإجهاض الثورة منذ قيامها ويدل على هذا أنه أصدر تعليماته لمواطنيه الصهاينة الموجودين في سيناء إلى مغادرتها على الفور منذ عدة أيام." وأضافت الجماعة "كما أنها (الجريمة) تلفت نظرنا إلى أن قواتنا الموجودة في سيناء لا تكفي لحمايتها ولا لحماية حدودنا الأمر الذي يحتم إعادة النظر في بنود الاتفاقية المعقودة بيننا وبين الكيان الصهيوني."

ونفت إسرائيل زعم جماعة الاخوان المسلمين. وقال ايجال بالمور المتحدث باسم وزارة الخارجية "حتى من يقول هذا عندما ينظر إلى نفسه في المرآة لا يصدق الهراء الذي يقوله." وفي واشنطن عبرت وزارة الخارجية الأمريكية عن تشككها في احتمال تورط الموساد في المسؤولية عن الهجوم وحثت مصر على تعزيز الأمن في سيناء.

وسئل المتحدث باسم الوزارة باتريك فينتريل هل من المتصور أن يكون الهجوم من فعل جهاز المخابرات الإسرائيلي فقال للصحفيين "هذا لا يبدو صحيحا في نظري". وقالت صحيفة الاهرام الرسمية إن عشرات المتظاهرين تجمعوا أمام مقر إقامة السفير الإسرائيلي في القاهرة ورددوا هتافات "ارحل ارحل" للمطالبة بطرده.

وأغلقت مصر المعبر الحدودي مع غزة "إلى أجل غير مسمى" مما يعني قطع طريق الخروج الوحيد لأغلب الفلسطينيين في شهر رمضان. وأغلقت حماس التي أدانت قتل حرس الحدود المصريين أنفاق تهريب بعد أن قالت مصر إن المسلحين استخدموا الانفاق في الوصول إلى أراضيها. وتمر بضائع رئيسية بما في ذلك الوقود عبر تلك الأنفاق وأي إغلاق لها لفترة طويلة قد يصعب الحياة في القطاع. وقالت حماس إنها تعمل مع مصر لمحاولة التعرف على الجناة.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معبرا عن تعازيه لمصر في مقتل الضحايا "أعتقد أنه من الواضح أن إسرائيل ومصر لهما مصلحة مشتركة في الحفاظ على هدوء حدودهما. "وحثت اسرائيل مواطنيها على مغادرة سيناء مشيرة إلى احتمال وقوع هجوم. وأسفرت ضربة جوية إسرائيلية عن مقتل مسلح فلسطيني من جماعة إسلامية متشددة وإصابة آخر في جنوب القطاع قرب الحدود المصرية.

واستولى بعض المسلحين على مركبتين وانطلقوا بهما وانفجرت احداهما قرب الحدود بينما ضرب سلاح الجو الإسرائيلي الأخرى وهي مركبة مدرعة بصاروخ بعدما عبرت الحدود وتوغلت نحو 2.5 كيلومتر داخل اسرائيل. وقال قائد القوات المسلحة الإسرائيلية اللفتنانت جنرال بيني جانتس "منعنا كارثة كبيرة جدا" مضيفا أنه "كان هجوما معقدا للغاية ارتكبه إرهابيون مترابطون من غزة وسيناء." بحسب رويترز.

وتعد المنتجعات السياحية على الشواطئ الجنوبية لشبه جزيرة سيناء وقناة السويس التي تمتد على حافتها الغربية من اهم شرايين الاقتصاد المصري لكن إسرائيل تقول ان سيناء اصبحت ايضا مرتعا لإسلاميين متشددين تربطهم صلات بجماعات جهادية في غزة وبالقاعدة.

مصر تتحرك لاغلاق انفاق غزة بعد الهجوم الحدودي

في السياق ذاته قال مصدر امني إن مصر بدأت العمل لأغلاق انفاق التهريب إلى قطاع غزة بعد يومين من قيام مسلحين بقتل 16 من قوات حرس الحدود المصريين بالرصاص في هجوم ينحى باللائمة عنه جزئيا على متشددين جهاديين فلسطينيين. وقال المصدر الامني "الحملة تهدف إلى اغلاق جميع الانفاق بين مصر وقطاع غزة التي تستخدم في عمليات التهريب." وذكرت مصادر أمنية في سيناء أن قوات الامن داهمت منازل عدة مصريين في مدينة العريش بشمال سيناء يشتبه في ان لهم علاقة بجماعات جهادية والقوا القبض عليهم على ذمة التحقيق.

وقالت المصادر إن عدة فلسطينيين يقيمون في البلدة ولا يحملون تصاريح رسمية لدخول مصر نقلوا ايضا الى مراكز الشرطة لاستجوابهم. وقالت الحكومة في القاهرة إن المسلحين الذين يقفون وراء الهجوم وصلوا مصر عن طريق انفاق التهريب في غزة.

وتقول إسرائيل إن جماعات جهادية فلسطينية تعبر من غزة إلى مصر وتستغل الفراغ الامني هناك بالاتحاد مع متشددين محليين بهدف مهاجمة الحدود الاسرائيلية الطويلة التي تمتد جنوبا إلى البحر الاحمر. وشن متشددون في سيناء عقدوا العزم على تدمير إسرائيل هجمات متكررة على خط انابيب ينقل الغاز إلى إسرائيل وعلى مراكز الشرطة ونقاط التفتيش الامنية المصرية. وقتل ثمانية إسرائيليين في هجمات حدودية العام المنصرم. وقال الجيش المصري إن 35 متشددا شاركوا في الهجوم وان قذائف مورتر اطلقت من غزة سقطت في المنطقة خلال العملية.."

وادانت حماس المعادية ايضا لإسرائيل لكنها تعتبر اكثر اعتدالا من الجماعات الجهادية قتل المصريين وقالت انها ستغلق الانفاق من جانبها لمساعدة مصر في تحديد منفذي الهجوم. وقال مكتب اسماعيل هنية رئيس وزراء حكومة حماس في غزة انه اتصل هاتفيا بمرسي لنفي ضلوع حكومته في الهجوم واقترح تشكيل لجنة امنية مشتركة دائمة. وسيساعد رد مصر على الهجمات في تحديد علاقتها الجديدة مع إسرائيل.

وسدت سبل السفر بين قطاع غزة والعالم الخارجي وبات سكانه يعانون من نقص الوقود ويخشون الجوع ولم يكن هذا ما توقعوه عندما انتخب الإسلامي محمد مرسي رئيسا لمصر في يونيو حزيران. وأغلقت مصر المعبر الوحيد للأفراد على حدودها مع القطاع وتسعى لسد أنفاق التهريب الكثيرة المارة تحت الحدود.

واستبعدت حركة حماس الإسلامية التي تحكم غزة ما تردد في الاعلام المصري بشأن مشاركة مُسلحين فلسطينيين في هجوم سيناء وانتقدت القاهرة لفرضها "عقابا جماعيا" على القطاع. لكن مع عدم وجود أي دلائل تشير الى ان مصر بصدد العدول عن موقفها وجد ألوف من الفلسطينيين العاديين أنفسهم وقد تقطعت بهم السُبل في شهر رمضان بينما حذر التجار من نقص السلع اذا استمر تعطيل الأنفاق.

وقال طارق الحصري (32 عاما) وهو عامل طلاء من غزة يؤدي العمرة في السعودية مع أمه المريضة "كان عندنا أمل كبير في أن نتمكن من السفر بمزيد من الحرية ولاحظنا بالفعل تحسنا في المعاملة عندما عبرنا الحدود الى مصر" مضيفا أن السبل تقطعت بهما الآن وهما خارج غزة.

وكانت غزة التي تضم 1.7 مليون نسمة تعيش تحت حصار محكم منذ سيطرة حماس على القطاع في 2007 ساعد على فرضه الرئيس المصري السابق حسني مبارك. ومنذ سقوط مبارك العام الماضي خففت مصر القيود على دخول الفلسطينيين من معبر رفح وهو المنفذ الوحيد الى العالم الخارجي بالنسبة لمعظم أهل غزة مع رفض اسرائيل منح تأشيرات خروج الا في حالات خاصة.

ومع الاغلاق المفاجئ للمعبر الذي يمر منه عادة زهاء 800 شخص كل يوم الى مصر ومنها الى بقية العالم بات كثير من الفلسطينيين الزائرين في القطاع يخشون على وظائفهم في الخارج بينما يخشى آخرون ان ينقضي أجل تأشيراتهم التي نالوها قبل ان تستعمل. وقالت هيام الكردي التي تعمل بالتدريس في دبي وجاءت الى غزة لحضور زفاف ابنتها "ما زلت آمل أن أتمكن من العودة الى دبي قبل 15 آب (اغسطس) للحاق بعملي."

وحال اغلاق معبر رفح دون سفر ثلاثة الاف معتمر حتى الان الى السعودية وهم عرضة هم ووكلاء السفر لخسائر تقرب من أربعة ملايين دولار قيمة رسوم تأشيرات الدخول وحجوزات الاقامة والنقل وكلها مدفوعة سلفا. وقال عيد حنيف الذي يعمل في شركة سياحة في غزة "اغلال المعبر كارثة لشركات السياحة."

وسعيا لإظهار مدى الجدية التي تأخذ بها حماس هجوم سيناء أمر زعماؤها بإغلاق انفاق التهريب لمنع اي من الضالعين في الهجوم من التسلل الى غزة. وكانت مصر تتغاضى منذ امد طويل عن التجارة غير المشروعة عبر الانفاق ولذلك سببت الانباء التي ترددت بأنها جلبت معدات ثقيلة لهدم الانفاق قلقا بالغا حيث يحصل الفلسطينيون عن طريق الانفاق على كل شيء من الغذاء والوقود الى مواد البناء.

وقال فلسطينيون انه لم يهدم حتى الان سوى بضعة أنفاق "ثانوية". لكن أبو عوني الذي يملك نفقا قال ان المسؤولين المصريين يحاولون ايضا معرفة ما يمر خلال الانفاق الرئيسية ونشروا اربعة او خمسة جنود عند مداخل عدة انفاق. وبرغم ان اسرائيل خففت الحظر التجاري الذي يهدف الى منع وصول معدات لصنع السلاح الى غزة يفضل كثير من أبناء غزة شراء السلع الارخص المهربة من مصر. وقال أبو عوني الذي يعمل عنده 40 موظفا يقضون الوقت في بيوتهم الان مع توقف العمل "85 في المئة من السلع الغذائية في أسواق غزة تأتي من مصر. ما يأتي من اسرائيل غير كاف بالمرة." بحسب رويترز.

وتكونت صفوف طويلة من السيارات أمام محطات البنزين في شتى أنحاء غزة مع ذيوع أنباء إغلاق الانفاق. وبعد ذلك بيومين نفد الوقود بالفعل من بعض المحطات برغم ان فلسطينيين قالوا ان اثنين على الاقل من انابيب الوقود الممتدة الى مصر ما زالا يعملان. لكن ابو عوني توقع الا يتمكن المصريون من اغلاق الانفاق التي يبلغ عددها قرابة الالف طويلا. واضاف "ما لم ينشئوا معابر اخرى للتجارة فسنفتح خمسة أنفاق مقابل كل نفق يغلقونه. لا يمكن ان يتركوا شعبنا يتضور جوعا."

حماس تتحرك

على صعيد متصل وصل التوتر بين حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) والاسلاميين الأكثر تشددا في قطاع غزة إلى مرحلة حرجة بسبب الهجوم المسلح في مصر انحي باللائمة فيه على مسلحين تسلل بعضهم من القطاع. وأصبحت حماس التي كانت تأمل في بناء تحالف مع مصر التي يحكمها الآن الاخوان المسلمون وانهاء الحصار المفروض على قطاع غزة تحت ضغط كي تبين انها تستطيع السيطرة على المتشددين السلفيين.

ونفت حركة حماس التي تحكم غزة منذ 2007 الاتهامات المصرية والإسرائيلية بأن بعض المسلحين الذين هاجموا موقعا للشرطة في سيناء ثم حاولوا العبور إلى إسرائيل جاءوا من قطاع غزة. لكن مع تزايد غضب القاهرة قالت حماس انها بدأت اعتقال سلفيين متشددين في غزة وإغلاق انفاق التهريب المؤدية إلى سيناء والبالغ عددها نحو الف نفق. وقال طاهر النونو المتحدث باسم حكومة حماس في غزة انه يجري اتخاذ خطوات "للكشف عن المتورطين" بالتنسيق مع مصر. وأضاف "لا أحد من قطاع غزة يمكن أن يتورط في هذه الجريمة البشعة." وأنحى المتحدث باسم وزارة الداخلية في حكومة حماس ايهاب الغصين باللائمة على إسرائيل في الهجوم "سواء مباشرة أو غير مباشرة عن طريق عملاء اخترقوا هذه المجموعات التكفيرية".

وقالت جماعة تطلق على نفسها اسم "مجلس شورى المجاهدين" والتي اعلنت مسؤوليتها عن هجوم مميت وقع في يونيو حزيران على إسرائيل من سيناء في بيان مصور بالفيديو انها لا تعترف بإسرائيل أو بالحدود بين الدول الإسلامية. وتحرص حماس على ان تظهر للقاهرة انها تسيطر على قطاع غزة. وكانت حماس فازت في انتخابات 2006 ثم ما لبثت ان خاضت قتالا مع حركة فتح المنافسة لها سيطرت بعده على غزة.

وشنت حماس من قبل حملات ضد السلفيين المسلحين الذين كثيرا ما يحاولون اطلاق صواريخ على إسرائيل في تحد لهدنات فلسطينية مع إسرائيل لكن تلك الحملات كانت غالبا تتم بشكل غير علني حتى لا تبدو وكأنها تتعاون مع إسرائيل. وكانت الحملات اكثر علانية عندما استهدف السلفيون نساء غزة والمسيحيين في هجمات ذات طابع ديني أو في حالة أحد الائمة في عام 2009 والذي اعلن الانفصال عن حماس. وتسببت تلك الواقعة في قيام حماس بهجوم على مسجد هذا الامام مما اسفر عن مقتل 28 شخصا.

وقال المحلل السياسي المقيم في غزة هاني حبيب "كان يجب ان يتم منع هؤلاء العناصر من النمو وكان يجب ان يتم لجم قدرتهم على الاضرار بالقضية الوطنية منذ وقت طويل." وأضاف "يجب اتخاذ اجراءات وفق القانون ضدهم بهدف حفظ الدم الفلسطيني والحفاظ على الامن القومي المصري.. مصر التي كانت دوما الداعم الاكبر للفلسطينيين في الشرق الأوسط."

وتجلت المخاطر من احتمال حدوث صدع في العلاقات مع الدول المجاورة في المشاعر المناهضة للفلسطينيين والتي ظهرت على الفور في البلدات الواقعة على الحدود في سيناء. وقال ساكن من منطقة الشيخ زويد رفض الافصاح عن اسمه "أهل العريش والشيخ زويد ورفح يجبرون الفلسطينيين على العودة إلى ديارهم ومن يمسكون بهم يتعرضون للضرب." وعبر مواطنو غزة عن اسفهم لمقتل المصريين لكن موسى ابو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحماس والذي يعيش في المنفى في القاهرة انتقد مصر لأغلاقها الحدود مع الاراضي الفلسطينية في اعقاب الهجوم "لأجل غير مسمى". بحسب رويترز.

واعتبر ابو مرزوق ذلك القرار "عقابا جماعيا". ودفع القرار إلى جانب اغلاق حماس للأنفاق الفلسطينيين إلى تخزين البنزين والسلع المستوردة الاخرى الشحيحة. وحث في بيان على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك مصر على ان تفرض بدلا من ذلك سيطرتها وسيادتها على كامل سيناء وهو امر تطالب به إسرائيل ايضا منذ وقت طويل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 12/آب/2012 - 23/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م