الإعلام والأمة... الدورة العاشرة لمؤتمر القرآن الكريم بسيهات

 

شبكة النبأ: أفتتح ملتقى القرآن الكريم الأحد 17/9/1433هـ الدورة العاشرة لمؤتمر القرآن الكريم والتي تم عقدها في جامع الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في مدينة سيهات بالمنطقة الشرقية، بحضور نخبة من الباحثين والمهتمين بالشأن القرآني.

العلوي: الإعلام والوعي:

ويتناول المؤتمر هذا العام موضوع (الإعلام والأمة جدلية الواقع والنهوض)، وكان الباحث القرآني سماحة السيد جعفر العلوي أول من عرض دراسته والتي كانت بعنوان (الوعي والإعلام) معلناً بذلك البدء بفعاليات المؤتمر العاشر.

وقال العلوي أن سؤال البحث الذي تدور حوله دراسته هو (هل بمقدور الإنسان العادي أن يتحرر من سطوة الشبكة الإعلامية، ويتخذ خياراته بمعزل عن هيمنتها فتكون مجرد خيار، وكيف يتأتى ذلك)، مبيناً أن القرآن الحكيم "حكى تأثير البيئة الثقافة التي هي الإعلام على البشر حيث ينساقون مع تيار الكفر {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ} (الأحزاب-67)".

ونوه العلوي إلى أن "القدرة على التحرر والتمييز هي القضية الأساس، والإعلام الجديد الاجتماعي التشاركي قد يسهم في التحرر قليلا لكنه يزيد من إشكالية التمييز".

وخلال عرضه لتعريف (الرشد) ضمن تعريفين آخرين هما (الإعلام، والوعي)؛ بين الباحث كيفية تأثير الإعلام على البشر، موضحاً أن (الكسل) عامل "يرسم برمجة للإنسان لعدم استخدام عقله"، و(الأنانية) والتي وصفها بأنها من "شأن الإعلام الجاهلي إثارة الشهوات، وبث العصبيات، وتخويف الناس"، و(الخوف) الذي يحول الإنسان الى "منصاع يخاف من المجهول وما يخاف منه عامة الناس، ويخاف من الافتراق ويخشى وحشة الانفراد فينساق مع الحشد".

ويرى الباحث العلوي أن علاج هذا يكون بـ(التفكير المنهجي، ومنظومة المعايير، ومنظومة التباين).

الحكيم: الصد عن سبيل الله

وقدّم الباحث القرآني سماحة الشيخ هاني الحكيم الورقة الثانية في المؤتمر حيث عرض سماحته دراسته المعنونة بـ(الصد عن سبيل الله، دراسة في الآفاق الاجتماعية والحضارية).

وبيّن الحكيم في مقدمة بحثه أن " العقل وسيلة معرفة الحق" ورغم ذلك إلا أن الإنسان وكما عبر عنه الباحث بأنه "مظنة النجاح والفلاح إن اعمل عقله، أو التردي والهلاك إن باع عقله لهواه فأضله"، ملفتاً إلى أن أساليب الدعوة إلى الله - سبحانه – تتّنوع بنفس القدر التي تتنوع فيه أساليب الصد عن دينه الحق.

ورأى الباحث أن من دواعي الصد هو (إتباع الهوى) مردفاً أن "حب الدنيا الذي يتمثل في متابعة الهوى أصل أسباب الصد جميعا". وأضاف الحكيم أن (العصبية الجاهلية) سبب آخر للصد عن سبيل الله، موضحاً بذلك بموقف الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) "عندما ضرب بعيسى ابن مريم لقومه مثلا في زهده وخلقه وآياته ليهتدي به العرب إلى رسولهم الكريم إذا بهم يصدون سيما أنه من أنبياء بني إسرائيل الذين ربما منعت عصبية العرب من قبولهم كما منعت عصبية اليهود قبول رسالة النبي العربي فاستفزاز العصبيات القومية الجاهلية حجاب يصد من يلتزمه عن سبيل الله". بحسب جهينة الإخبارية.

وأردف الباحث أن (الرذائل الأخلاقية (الحسد –البخل)، والطاغوت) أسباب أخرى للصد عن سبيل الله. وفي ختام بحثه قال الحكيم إن من خلال " آيات الصد المصنفة ضمن هذه الدراسة يتضح لنا الممارسة الصدية ليست مجرد تبني فكرا مخالفا للحق إذ مخالفة الحق قد تكون نتيجة قصور معرفي أو شبهة وما إلى ذلك من عوامل الخطأ التي لم يعصمن منها إلا أهلها وهم الأنبياء وأوصيائهم وإنما مخالفة الحق والصد عنه إنما تحصل بتوسيط عوامل تحرف الإنسان عن التفكير الموضوعي وذلك باستفزاز أهواءه أو مخاوفة ليميل عن الحق".

العباس: الإعلام ورصد الاتجاهات الثقافية

أما الورقة الثالثة فكانت للباحث القرآني سماحة الشيخ عبدالغني العباس، حيث قال في مقدمته أن "من أهم الوظائف التي ينبغي أن يتصدى لها الصالحون رصد الاتجاهات الثقافية التي تتشكل في المجتمعات لكونها إرهاصات لتيارات تكبر وتتسع شيئا فشيئا بعد ذلك"، محملاً (الإعلام) مسؤولية نقل هذه الاتجاهات، وملفتاً إلى" أن هذا الإعلام في غالب الأحيان لا يمتلك موازين قيمية في الدعوة والتبشير لهذه المسارات الثقافية".

ووصف العباس مسؤولية اكتشاف صحة أو بطلان هذا الاتجاه أو ذاك بأنها شخصية بالدرجة الأولى، مبيناً أن المشكلة تكون عندما تنعدم القدرة على التمييز بين مختلف الأقوال والثقافات، ومن هنا يرى الباحث ضرورة الرجوع إلى مرجعية ثقافية بإمكانها الفصل بين الثقافات المختلفة وإرجاع الأمور إلى نصابها الصحيح، مضيفاً أن "سلك المتدينين بمختلف مراتبهم فقهاء علماء وشباب مطالبون بالحد الأدنى بتوفير القدرة الذاتية للكشف عن صحة الأفكار من عدمها".

وقدم الباحث العباس (كتب الضلال) مثالاً لرؤيته، متتبعاً في دراسته "النقاشات الفقهية المستفيضة حول مسألة كتب الضلال من باب أن هذه المفردة إنما هي من باب الغالب وإلا فإن ذلك يشمل وينطبق على مختلف وسائل الاتصال العصرية المتصدية لذات الهدف والغاية".

ورأى العباس في ختام دراسته إلى ضرورة "تشخيص الضال من الأفكار والثقافات خصوصا ما يبتني عليه أثر شرعي"، منوهاً إلى لزوم "اعتماد الموضوعية والتجرد والإنصاف في إصدار هذا المسمى وبالتالي مراعاة التقوى".

الجدير ذكره أن مؤتمر القرآن الكريم يواصل عرض الدراسات في اليوم الثاني للمؤتمر وذلك في جامع الرسول الأعظم بسيهات بمشاركة سماحة الشيخ محمد المحفوظ وسماحة الشيخ محمد العمير والمحاور الأستاذ هاني زين الدين.

فقه الاستماع والتحصين الإعلامي

وشارك في الليلة الثانية للمؤتمر المفكر الإسلامي والباحث القرآني الشيخ محمد المحفوظ بعرض دراسته المعنونة بـ «في فقه الاستماع والتحصين الإعلامي».

وذكر الباحث في مقدمته أن من ضمن «الأنظمة المعرفية القرآنية نظام الاستماع، بوصفه أحد سبل المعرفة والرابط بين نظام القول ونظام الفعل»، مبيناً أنه في هذه الدراسة يحاول «تظهير عناصر هذا النظام المعرفي بوصفه أحد الأجهزة القيمية والأخلاقية والمعيارية، التي تحول دون التأثر السلبي من أقوال الآخرين ومؤسساتهم الإعلامية، بوصفها الشكل المؤسسي لنظام القول الديني والسياسي والثقافي والاجتماعي والأخلاقي».

ويقول المحفوظ بأنه «تتأكد حاجتنا إلى تظهير مفردات وعناصر نظام الاستماع مع ثورة المعلومات وانتشار سلع التقنية الحديثة»، مبيناً أن «نظام الاستماع لا يلغي إمكانية التواصل مع أقوال الأمم والمجتمعات والحضارات، وإنما يوفر نظاما معرفيا لتحديد الصائب من الأقوال والسقيم».

العمير: الإعلام المعاصر المنطلقات والآليات

وأختتم الباحث القرآني سماحة الشيخ محمد مدن العمير عرض الدراسات بعرض دراسته والتي تناقش موضوع «الاعلام المعاصر المنطلقات والآليات».

وقد بيّن  الباحث أنه يهدف من خلال دراسته إلى «تسليط الضوء على منهج القرآن الكريم في تشكيل الرؤية الإعلامية ومن ثم الآليات المقترحة المنبثقة عنها».

وفي حديثه عن «منهج التأثير والتأثر في القرآن الكريم» يقول الباحث «إن جوهر الإعلام هو عملية «التأثير» في الآخر، وجذب عقله، وصناعة نمط تفكيره، وتعريض ذوقه للتحول الدائم، ومزاجه لأغراض السوق والثقافة».

ويضيف العمير «إن امتلاك وسائل الإعلام والسيطرة عليها متاحٌ لمن يملكون رأس المال. والنتيجة الحتمية لذلك هي أن تُصبح محطات الإذاعة، وشبكات التلفزيون، والصحف، والمجلات، وصناعة السينما، ودور النشر مملوكةً جميعاً لمجموعة من المؤسسات المشتركة والتكتلات الإعلامية. وهكذا يصبح الجهاز الإعلامي جاهزاً تماماً للاضطلاع بدور فعال وحاسم في العملية التضليلية»، مبيناً أن «فهم آليات الصناعة الثقافية الأمريكية أصبح ضرورةً ملحة».

وفي ذات المحور أستعرض الباحث العمير «نظريات الإعلام المعاصر» بالإضافة لشرح عن «صياغة العقل الواعي واللاواعي» لاعتقاده بأهمية هذه المحاور في دراسته.

يشار إلى أن المؤتمر الذي عقد دورته العاشرة هذا العام شهد مشاركة فاعلة لنخبة من رجال الدين والباحثين الإسلاميين والمتخصصين في علوم ومعارف القرآن الكريم.

ميثاق شرف إعلامي

وقد قرأ توصيات المؤتمر الإداري في ملتقي القرآن الكريم الأستاذ هاني زين الدين، وقد ذكرت التوصيات أن «قسماً وافرا بل أساسيا لما نعيشه، يرجع للمشكل الثقافي»، مضيفاً كذلك أننا نعاني من إشكالية «تقديم أنفسنا للعالم الأوسع، المتجاوز للآخر المشترك معنا في بقعة الأرض».

وقد أوصى المؤتمر بضرورة وجود «خطاب نهضوي منفتح» مؤكداً على أن هذا الخطاب لابد أن يراعى فيه إلى «نبذ ثقافة اللهو والخرافة، وتكريس «العقلانية» و«الأخلاقية» بمفهومها الحضاري الواسع».

كما أوصى المؤتمر بضرورة العمل على تأسيس مراكز للدراسات الإعلامية متخصصة تخضع تحت توجيهات ورؤى القيادة الرسالية الحقة. وأضافت التوصيات الى ضرورة أن يتحول الفرد «المؤمن» إلى «مؤسسة إعلامية متكاملة، في تعامله مع الخبر، والفكر بضرورة إخضاع هذه الأخبار والأفكار على طاولة التحليل».

وأكد المؤتمر على «حرية الإعلام واستقلاليته»، كما دعا المؤتمر في ختام توصياته الجهات الرسمية والنخب والعلمية والثقافية للعمل على سن قوانين، تحاكم وتجرم من يسعى عبر وسيلة إعلامية في تضليل أو كتمان الحق عن المجتمع، أو يعمل لإثار الفتن الطائفية، أو التحريض أو إشاعته لثقافة الكراهية والبغضاء في صفوف المجتمع، وعلى ذلك دعا المؤتمر لوجود ميثاق شرف.

وجاءت توصيات المؤتمر بعد عرض خمسة من الباحثين القرآنيين دراساتهم حول «الإعلام والأمة» على ضوء القرآن الكريم.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/آب/2012 - 22/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م