شلونك دكتور..!!

علي وحيد العبودي

أهلاً دكتور... شلونك دكتور.. هذه الكلمات كثيراً ماتتردد خلال تبادل التحايا بين الموظفين صباح كل يوم، ومن الممكن لأي شخص ان يسمعها خلال تقلبه بين غرف الموظفين وهو يراجع إحدى الوزارات او المؤسسات الحكومية لإنجاز معاملته حتى يتخيل انه في مشفى، لكون ان النظرية السائدة لدى الناس البسطاء في مجتمعنا تقول ان مفردة (الدكتور) تطلق على الطبيب فقط، ولا يعرف الكثير منهم ان هذه المفردة تطلق ايضاً على الشخص الحاصل على شهادة الدكتوراه في أي إختصاص كان.

الدكتوراه هذه الايام تمنح عن طريق اللسان وهي لاتكلف الشخص سنوات من الدراسة أو إنفاق أموال للحصول عليها، فمجرد ان يصبح الشخص مديراً أو مسؤولاً لدائرة معينة أصبح يحمل هذه الشهادة لكون المسؤولية أصبحت مرتبطة بهذه الشهادة فمن المعيب ان تتكلم مع مسؤول ولا تقول له (دكتور) أو تكتب اسمه دون ان يسبقه حرف الدال المقدس.

طبعاً أنا لا أقصد الإساءة ولا أريد التجني على أحد لإن الكثير من الناس يحملون هذه الشهادة وبإمتياز، فما أروع النجاح بعد الحصول على هذه الشهادة وما أجمل الفرحة عندما تأتي بعد جد واجتهاد فانها كالعاصفة تقتلع التعب والمعاناة بعد طول انتظار، سعادة بالغة وشعور بالفخر والعزة يملأ القلوب بعد جني ثمرة سنين طويلة من التعب والكفاح.

الا ان عتبي على الذين يلقبون بهذه الألقاب وهم لايستحقونها أو لا يشرحون للناس انهم لا يحملون هذه الشهادة إحتراماً وتقديراً لكل من حصلوا على هذا المؤهل بعرق جبينهم وبكفاحهم وعزيمتهم وعشقهم للمعرفة، ومثابرتهم لسنين عديدة في البحث والاضطرار للغربة في أحيان كثيرة، من أجل نيل هذا اللقب العلمي ويحزنني أن أرى التكاثر الغريب لأصحاب هذه الشهادة حتى بات من حقنا أن نخشى على مكانة هذه الدرجة العلمية بسبب كثرة الذين يحملونها.

اعرف أن هنالك ولعاً وحباً شديداً للألقاب اصيب بها مجتمعنا ومن المؤسف ان لا تقاس قيمة المرء بما يضيفه من الخير والبناء والمعرفة، لكنها تقاس بمقدار وجاهته سواء استمدها من مال وفير أو ألقاب كثيرة.

 فالمتنبي والسياب والجواهري لم يحتاجوا إلى ألقاب لكي يثبتوا حضورهم في التاريخ، لكن من دونهم بكثير، ممن ليست لهم أي بصمة على صفحات التاريخ ولن يكون لهم فيه ذكر، هؤلاء يتعلقون بأهداب الألقاب ولا يرون لأنفسهم حضوراً إلا من خلالها.

الناس في زمننا اصيبوا بحمى حرف الدال التي تفشت في عقول شريحة كبيرة منهم خاصة الذين يلهثون وراء شهادة دكتوراه بطرق سهلة وملتوية.

 ليس لي الا ان اقول لقد افسدوا احلامنا فمنذ نعومة أظفارنا نستمع بعد كل مرحلة من مراحل الدراسة الى جملة «مبروك النجاح وان شاء الله الدكتوراه» لقد علقت بإذهاننا صور جميلة ورائعة هي أن الدكتوراه أعلى مراتب العلم ومن لم يحصل عليها لم يكمل الطريق بعد، مع أن اكتساب المعرفة هي بطبيعة الحال عملية مستمرة لا تنتهي عند محطة معينة ولا يشترط فيها الحصول على الشهادات العليا.

alikhassaf_2006@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/آب/2012 - 22/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م