شركات القتل الأمريكيّة... والتّمويلات الخليجيّة...؟

مصطفى قطبي

تحاول الولايات المتحدة الأميركية التي تقود الغرب الاستعماري أن تخدع العالم عندما تبتدع تسميات عصرية لشركات المرتزقة فتطلق عليها إسم الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة. لكن ولأن الشمس لا تحجب بغربال، فالحقيقة الساطعة تؤكد أنها تجند وتدرب وتسلح وتمول المرتزقة وترسلهم إلى بلدان عديدة ومنها دول عربية كي يشنوا حروباً بالوكالة ويخلقوا الفوضى بارتكابهم جرائم مروعة بحق الشعوب كي يوسع الغرب بقيادة أميركا الهيمنة الاستعمارية ويستحوذ على الثروات ويهدد أمن واستقرار العالم.‏ وأميركا وشركاؤها يستخدمون جيوش المرتزقة كوسيلة لانتهاك حقوق الانسان وعرقلة التنمية وإبقاء شعوب تلك الدول المستهدفة متخلفة وتابعة. فمحاولة الغرب إخفاء أيديه الملوثة بالدماء بقفازات حريرية بإسم الدفاع عن حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية لا تنطلي على أحد.‏

والغاية من إنشاء هذه الشركات لها أبعاد مختلفة فهي الأداة الفاعلة في إحكام السيطرة على الأرض من خلال التدخل الميداني المباشر وتنفيذ كل العمليات العسكرية من تمشيط وتطهير واعتقال ومراقبة بعيداً عن أي مواجهات مع العدو فهي في ظاهرها فصيل غير محارب يعمل تحت أغطية حماية حقوق الإنسان وفي باطنه الطريق إلى تجاوز القواعد السابقة التي تفتقت عنها أخلاق الإنسانية في مجال القانون الدولي والمعاهدات وفق النظام العالمي الذي نصت عليه الأمم المتحدة.

وما ظهر حتى الآن في أفغانستان والعراق من انتهاكات وتجاوزات لحقوق الإنسان من قبل هذه الشركات من ممارسات يندى لها الجبين وتقشعر منها الأبدان أنارت حفيظة منظمات الهلال الأحمر لحماية حقوق الإنسان ومقرها سويسرا البلد الذي شهد ميلاد التوقيع على المعاهدات الدولية بشأن الدفاع عن حقوق الإنسان أو ما عرف (باتفاقية جنيف) فبدأ بعض الناشطون في هذا المجال تحريك هذا الملف المغلف بالأسرار الغامضة التي تتحدث عن ممارسات الشركات الأمنية الأمريكية ودورها المشبوه في العمليات العسكرية التي تنفذها حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في كل من أفغانستان والعراق وفي ليبيا كذلك تحت مزاعم التبشير بالديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان وهنا تظهر ازدواجية الشخصية الأمريكية كإحدى السمات الأساسية للنفسية الأمريكية التي تنعكس بصورة جلية في سياستها العامة على مستوى العالم.

ويشير النائب الألماني هانز بيتر بارتلز في كتابه الصادر حديثاً بعنوان ''نحن الطيبون'' إلى التغيير الجذري الذي حصل على العمليات العسكرية بعدما أجازت بعض دول الغرب وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية لنفسها بعد وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، استخدام القوة العسكرية في ملاحقة من تصفهم بأعدائها، وبشكل خاص يجري العمل بالاستراتيجية العسكرية الجديدة في مناطق بالشرق الأوسط والتي تجري فيها عمليات تقوم بها قيادة US CENTCOM وحلف شمال الأطلسي ''ناتو''. ولم تعد القوات العسكرية التقليدية تقوم بهذه العمليات، وإنما يوكل القيام بها إلى شركات أمن خاصة. معنى ذلك أن هذه الدول تعمل وراء الكواليس في إدارة العمليات العسكرية، بحيث ترفع عن نفسها المسؤولية. وحين يقوم موظفون في شركة للأمن بتنفيذ مهمة عسكرية عوضاً عن الجيش التقليدي، لا يستطيع أحد الزعم أن الدولة التي ينتمي الجيش لها، تستخدم العنف إذا اضطرت إذ أن جنودها لم يقوموا بهذه العمليات.

يضيف النائب الألماني هانز بيتر بارتلز أن الرأي العام في أمريكا والعالم، صدّق مزاعم الأمريكيين بأنهم بعد تغيير النظامين في أفغانستان والعراق أنهوا العمليات العسكرية في هذين البلدين، بمعنى آخر أن الحرب هناك قد انتهت. لكن في الحقيقة ما زال الأمريكيون يمارسون العنف. وحين وقّع الرئيس الأفغاني حميد كرزاي في صيف عام 2010 على مرسوم حول إنهاء نشاط شركات الأمن الخاصة الأجنبية في أفغانستان، سارع ضباط في حلف الناتو إلى معارضته، وزعموا أنهم بحاجة إلى قوى إضافية لتنفيذ المهام.

وكشف أن هناك ما بين 25 ألفاً و50 ألف مرتزق يعملون في أفغانستان وتحت إمرة شركات أمن خاصة، وتتنوع نشاطاتهم من حماية ممثلي الشركات والمنظمات الدولية والعمل مع القوات المسلحة الأمريكية. وتحصل نحو 50 شركة للأمن بينها Xe Services التي كان إسمها Blackwater وسبب تغيير الإسم كان نتيجة ارتباط إسمها بجرائم قتل مدنيين في أفغانستان والعراق، وكذلك شركة Dyncorp والشركة الأفغانية Watan Risk Management، وميليشيا يشرف عليها أحد رموز الحرب الأهلية، على مليارات الدولارات نظير خدماتها الأمنية بعدما نشأ في أفغانستان قطاع خاص للأمن.

وقد تعددت أساليب استخدام المرتزقة وطرق تبنيها ودعمها، وتعتبر الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني وغيرها من الدول الاستعمارية من أكثر الدول الداعمة للمرتزقة واستغلالا لهم في تنفيذ أجندتها العدوانية وحماية مصالحها على حساب الشعوب الأخرى وهنا لابد ونحن نتحدث عن المرتزقة ومن يقف وراءها من ذكر أحد أهم مهندسي عمل هؤلاء جون نغرو بنوتي صاحب التاريخ الدموي في فيتنام حيث أشرف على تسليح وتدريب وتمويل فرق الموت المتخصصة في التعذيب والتحقيق والاغتيال والقتل لأكثر من 40000 من المقاومين الفيتناميين ثم عمل في الفليبين والمكسيك قبل تعيينه سفيراً للولايات المتحدة الأميركية في العراق عام 2004 ليكرر جرائمه في هذا البلد وذلك بناء على توجيه من المخابرات الأميركية وكانت فترة عمل نغرو بنوتي سفيراً في هندوراس عام 1980 محطة لا تقل أهمية عن عمله في فيتنام والسلفادور حيث عمل على تشكيل فرق الموت من المرتزقة وأشهرها الفرقة 316 للمساعدة في قمع شعب هندوراس كما عمل على تشكيل فرق الكونترا المعروفة بعملياتها الإرهابية ضد المدنيين من نيكاراغوا الأمر الذي يؤكد أن الولايات المتحدة الأميركية من أكثر الدول التي تقف خلف المرتزقة وتدعمها وتدربها وتقدم لهم كافة التسهيلات من أجل تنفيذ أجندتها العدوانية ضد الشعوب المستضعفة وتؤمن لهم التغطية الإعلامية والسياسية للتعتيم على جرائمهما التي تخالف كل المواثيق الإنسانية، وما أدل على ذلك سوى ما نشرته صحيفة ميركوري نيوز في 11 حزيران 2010 والتي أكدت فيه أن الرئيس الأميركي باراك أوباما أشاد بنشاط إمبراطورية شركات المرتزقة في جنوب السودان ممثلة في شركة بلاك ووتر سيئة الصيت وأمر بعدم التحقيق معها لخرقها القوانين الاميركية بالعمل في السودان بل منحها ترخيصاً بالعمل وعقوداً بمبلغ 220 مليون دولار، ما يعكس حجم الدعم لهؤلاء المرتزقة الذين ارتكبوا أفظع الجرائم الوحشية في العراق وأفغانستان والتي تمثلت بالإبادة والاغتيال والسجون السرية وانتهاكات بلا حدود وعمليات عسكرية يندى لها جبين البشرية وهي بالتأكيد ستعيد تجاربها الدموية في السودان حيث بدا واضحا في حرب هجليج النفطية السودانية.‏

لقد بدأ عصر دخول جيش المرتزقة تحت أسماء شركات أجنبية ومقاولين أو متعاقدين معركة الصراع على المصالح والنفط تحديداً حيث يقاتل المرتزقة بالوكالة عن الجيوش النظامية للدول الاستعمارية وذلك من أجل السيطرة على المعادن الثمينة في أنحاء العالم وتحقيق مصالح هذه الدول حيث تبين الإحصائيات وجود نحو 300 ألف شركة أمن ومساعدة عسكرية للمرتزقة في العالم ومن الشركات ذات الحجم الدولي التي تدخلت في العديد من الأزمات ذات الطابع الاقتصادي كالنفط في أنغولا والألماس في سيراليون، شركة جنوب إفريقية (executive outcomes) و(لفدان) الاسرائيلية والأميركية MPRI والبريطانية سان لاين ونورث بريدج الأمر الذي يشير إلى مدى التورط الأميركي الغربي الإسرائيلي والمنظمات التابعة لهم مثل الناتو في دعم المرتزقة الذين يرتكبون الجرائم بحق الشعوب خدمة للمصالح الاستعمارية والتي تنتهك بذلك أبسط حقوق الإنسان.‏

دعم المرتزقة لا يقتصر على الدول الغربية والكيان الصهيوني بل دخل على خط دعم الإرهاب عربان الخليج الذين سخروا أموال النفط لمد المرتزقة بالمال والسلاح من أجل زعزعة استقرار شعوب المنطقة وسفك المزيد من الدماء البريئة كما سخرت مجموعة من المرتزقة الإعلاميين لتشويه الحقائق والتعتيم والتستر على جرائم الإرهابيين في تونس وليبيا ومصر وسورية واليمن وشجعت شيوخ الفتنة على إصدار فتاوى من أجل التحريض وبث الفتنة بين أبناء الشعب الواحد مقابل المنفعة المادية الأمر الذي ينطبق عليهم تعريف المرتزقة بكل جدارة.‏

(بلاك ووتر)، مصطلح انفضح أمره وكثر تداوله في السنوات العشر الأخيرة، على صعيد الأوساط السياسيّة والإعلاميّة وأيضاً العسكرية، ولا سيّما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق 2003، بالنظر لارتباط هذا المصطلح المباشر بتجنيد المرتزقة من أجل حرب العصابات والإرهاب والتدمير في البلدان التي تشهد اضطرابات أو نزاعات من نوع معيّن لتحقيق مآرب خارجية.‏ فالكثيرون من المتابعين يعرفون أنّ (بلاك ووتر) صاحبة الصيت السيئ والسمعة المشينة، هي شركة (صهيو ـ أمريكية) تعمل على تجنيد المرتزقة من جنسيات مختلفة، بإغراءات مالية كبيرة، للقيام بأعمال إجرامية وتخريبيّة لإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار، خدمة للأهداف الأمريكية والصهيونيّة العالميّة، كما حدث في البلقان وأفغانستان والعراق وليبيا...

لقد كشفت صحيفة ''النيويورك تايمز'' الأمريكية عن أن ولي العهد في أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان استعان بمؤسس شركة بلاكووتر الأمريكية الخاصة للأمن إريك برينس لتشكيل كتيبة من 800 فرد من القوات الأجنبية للإمارات العربية المتحدة. وكانت الصحيفة قد أشارت إلى أنها حصلت على وثائق تظهر أن شركة ريفلكس رسبونسيز الشركة الجديدة لبرينس تؤسس هذه الوحدة بتكلفة 529 مليون دولار من الإمارات سيجري استخدامها في إحباط التمرد الداخلي والقيام بالعمليات الخاصة وحماية خطوط النفط الدولية وناطحات السحاب من الهجمات. وذكرت الصحيفة أن قرار الاستعانة بوحدة من الجنود الأجانب اتخذ قبل موجة من الاضطرابات الشعبية التي تجتاح العالم العربي بما في ذلك البحرين وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية.

وكشف تقرير ''الفايننشال تايمز'' أن إسم الشركة الجديدة آر تو R2 ستعتمد على جنود من أمريكا اللاتينية. وتضيف الصحيفة أن استخدام أمريكيين لتدريب قوات لمواجهة التوترات الداخلية في البلدان العربية، بما فيها الحركات المؤيدة للديمقراطية، كما حدث في البحرين، سيثير تحفظات حول الدور الأمريكي. وتقول الصحيفة نقلاً عن خبراء إن وجود الشركة في أبوظبي لا يعني أنها لن تخدم الإمارات الستة الأخرى المكونة لدولة الإمارات العربية المتحدة.

ويبدو أنّ عدوى هذه الشركة المجرمة انتقلت إلى السعودية، حيث أعجبت أعمالها بعض تجار السياسة من المشايخ والأمراء، فحصلوا على امتياز منها لافتتاح وكالة حصرية خاصة بالمملكة ليقيموا لها سوقاً للمزايدات العلنية من أجل تجنيد الإرهابيين المرتزقة، وإرسالهم إلى الدول العربية التي لا ترضى عنها أمريكا للتخريب وسفك الدم العربي، لقاء مبالغ معينة يصل إليها (بازار) المزايدات في سوق النخاسة. وبالمقارنة، فقد كانت شركة بلاك ووتر الصهيونية الأمريكية، تدفع للمرتزِق الأمريكي والصهيوني (ألف دولار) أمريكي في اليوم، وتدفع للمرتزق البريطاني (خمسمائة دولار) أمريكي في اليوم، وأقل من هذا المبلغ للمرتزقة من الجنسيات الأخرى. أمّا بلاك ووتر السعودية، فاعتمدت دفع المبلغ المقطوع، مع جواز سفر إلى الجنّة والزواج بالحوريات.‏ ولكن المبلغ المقطوع ليس واحداً للجميع، فقد يزيد أو ينقص، في أثناء المزايدة بحسب طبيعة الشخص المتطوّع للارتزاق وقيمته وجنسيته، وإن كان هذا ما يحزن ويؤلم، أنّ المرتزقين حتى الآن هم من جنسيات عربية، كما أوضحت التحقيقات مع من ألقي القبض عليهم، وآخرها الاعترافات التي أدلى بها بعض المجرمين ممّن شاركوا في تفجيرات دمشق والمدن السورية الأخرى. وفي كلا الحالين تمييز في مكانة المتطوّع ومهمّته الإجراميّة. فسيّان بين من كان يدفع لسفك دماء المواطنين العراقيين، وبين من يدفع الآن لسفك دماء المواطنين السوريين، فلا فرق بين أهداف (بلاك ووتر) الصهيونية، وأهداف (بلاك ووتر) السعودية، وإن اختلفتا بطريقة تطويع المرتزقة وتحديد أسعارهم.‏

ألا يؤكّد ذلك حقيقة الموقف السعودي الذي أصبح مكشوفاً في التآمر على الدول العربية، من خلال استغلال الدين السياسي والوعود الجهادية المزعومة، والإغراء بالمال في الدنيا مقابل الجنّة في الآخرة، كلّما قتل الجهادي المرتزق، وأجرم وصعّد من إرهابه ضد دول آمنة؟.‏

فماذا يقول (مشايخ) السعوديّة بعد تلك الفضائح عن تورّطهم في إرسال متطوّعين من المرتزقة على سبيا المثل لا الحصر، إلى سورية بعدما أعلنوا صراحة، مراراً وتكراراً، عن دعمهم المطلق للمعارضة المسلّحة، وللعمليات الإرهابية في سورية؟ وهل وصل بهم الحدّ إلى كشف أقنعتهم (العربية) المزيّفة عن وجوههم، فلم يبق فيها أي حياء أو حسّ عربي ـ قوميّ؟‏

وقد كشف تقرير استخباراتي أعدته دائرة الشرق الأوسط التابع لجهاز استخبارات دولة أوروبية أن هناك قواعد أنشئت منذ أكثر من عام في قطر والسعودية وتركيا لتدريب مرتزقة من بلدان إسلامية وعربية، وإدخالهم إلى الأراضي السورية، وهؤلاء المرتزقة يتدربون على أيدي عسكريين من إسرائيل والولايات المتحدة وتركيا ويتلقون رواتب عالية لتنفيذ مخططات عدوانية ضد الشعب السوري، فالدوحة والرياض تقومان بتمويل شراء الأسلحة التي تصل من مخازن أميركية وتركية وإسرائيلية، في حين أقامت تركيا على أراضيها محطات اتصال ومراكز تجنيد وقواعد تدريب للمرتزقة.‏‏

وتأكيداً لما سبق، فقد قال موقع '' ديبكا '' الاستخباراتي الإسرائيلي أن قطر أنشأت قوات مرتزقة معادية لسورية، ووفق المعلومات التي سربها ذلك الموقع، فإن تلك المجموعات الإرهابية مؤلفة من مرتزقة يمثلون عدة دول في المنطقة، بينما يشكل العمود الفقري لهذه المجموعات أكثر العناصر تطرفاً في منظمة ''الإخوان المسلمين'' وقد اجتمعوا تحت لواء ما يسمى ''جيش سورية الحر'' ويحدد التقرير بأن ''الجيش الحر'' وبقية المجموعات المسلحة التي تتلقى تمويلها من الدوحة، يتم تشكيلها ورعايتها بأموال قطرية ضمن معسكرات داخل المناطق التركية المتاخمة للحدود السورية، طبعاً بموافقة حكومة أنقرة.

وقال موقع '' ديبكا '' في هذا الإطار، بأن الأنظمة ''الملكية'' في الدوحة والعربية السعودية اتفقت واشتركت في المؤامرة على سورية. وحسب المعلومات الراشحة حول هذا الموضوع، فقد تم تجنيد الآلاف من المرتزقة من عدة بلدان عربية والعمل جار على تجنيد المزيد. والجناح الرئيسي في ما يسمى ''الجيش الحر'' كانوا ناشطين فيما يسمى بالمجموعة الإسلامية المقاتلة، وهي المجموعة التي تمكنت من خلال دعم طائرات حلف شمال الأطلسي وحواماته الهجومية، تمكنت من مواجهة القذافي وجيشه النظامي قليل العدد والخبرة. أما الفريق الرئيسي الثاني في ''تجمع'' المرتزقة الذي تموله الدوحة وتسلحه السعودية وترعاه على أراضيها أنقرة، يتمثل بالمقاتلين الذين جاؤوا من أكثر التنظيمات العراقية تشدداً وتطرفاً.

وأوضح تقرير ديبكا فايل كيف أن قطر قد نقلت فعلاً المقاتلين من ليبيا والعراق إلى مدينة أنطاكيا التركية الواقعة في جنوب البلاد بالقرب من (لواء اسكندرون). وقد قام مسؤولون في وسائل الاتصالات والإعلام القطرية بتأسيس شبكة اتصالات بين المعسكر الذي يتواجد فيه المرتزقة السوريون وبين القاعدة التي يتواجد فيها المتطرفون العراقيون من أجل تنسيق عمليات تلك المجموعات الإرهابية التي لا تعتبر أكثر من مجرد أداة بيد الناتو وعلى رأسها ما يسمى ''جيش سورية الحر''.

وكما أسلفنا سابقاً تقوم كل من قطر والسعودية بتمويل المرتزقة المتشددين المناهضين للحكومة السورية وذلك من خلال تحويل ملايين الدولارات الأمريكية لتلك المجموعات في إطار جهود الرياض والدوحة لزعزعة الاستقرار في سورية والإطاحة بالنظام. وتحصل تلك المجموعات الإرهابية إضافة إلى قطر والسعودية في سياساتهم العدائية ضد دمشق على ''دعم صامت'' (وهو فعلياً دعم واضح تماماً) من الولايات المتحدة وبقية الدول الأعضاء في حلف الناتو، وتقود هذا التحالف الداعم تركيا بمباركة من الإسرائيليين.

أما صحيفة ''روسيسكايا غازيتا'' الروسية فقد أكدت أن المسلحين الذين يواجهون السلطات السورية تلقوا تدريبات في تركيا وليبيا ولبنان على أيدي متخصصين في حرب العصابات، مشيرةً إلى دخول كوسوفو على الخط أيضاً، وأبرز الصحفي فلاديسلاف فوروبيوف في مقال بالصحيفة، تحذير وزارة الخارجية الروسية من توسع جغرافية معسكرات تدريب المقاتلين السوريين، وأضاف: إن ''المقاتلين الذين يواجهون القوات الحكومية في سورية، ليسوا ثواراً عصاميين، ولم يهبطوا فجأة من السماء، بل يجري الزج بهم في المعارك، بعد تلقيهم تدريبات خاصة، في تركيا وليبيا ولبنان، على أيدي مختصين في حرب العصابات''. من جهته أقر وزير خارجية إقليم كوسوفو ''أنور خوجا'' بأن هناك فعلاً اتصالات بين المعارضة وبريشتينا، وأضاف أن كوسوفو لم تعمل على تدريب المرتزقة، لكن إدارة الإعلام في وزارة الخارجية الروسية أصدرت بياناً تضمن معلومات مؤكدة تدحض ما صرح به خوجا جملة وتفصيلاً، والحديث هنا ليس فقط حول تبادل الخبرات في تنظيم الحركات الانفصالية بل حول إعداد مقاتلين على أراضي كوسوفو وإرسالهم لسورية.‏

كما نقل موقع ''قضايا مركزية'' الإسرائيلي عن مصادر عربية إشارتها إلى أن تركيا سمحت بتسلل المئات من عناصر تنظيم ''القاعدة'' ـ الذين شاركوا في إسقاط نظام معمر القذافي، وكان البعض منهم معتقلاً في سجن ''غوانتنامو'' قبل أن تفرج عنهم السلطات الأميركية وتنقلهم إلى ليبيا ـ إلى الأراضي السورية من أجل إسقاط النظام السوري، بمعرفة رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان.‏‏

أما في العراق فقد عمدت بعض الصحف العراقية إلى الكشف عن بعض جرائم مرتزقة أمريكا وحلفائها، حيث ذكرت أن جماعات من الجنود المرتزقة أسسوا عصابات للجريمة المنظمة ومارسوا تجارة المخدرات والرقيق الأبيض وإدارة بيوت الدعارة، حتى إن بعضهم أسس شبكات تقوم باختطاف الأشخاص وبخاصة الأطفال لاستئصال الأعضاء البشرية مثل الكلى والكبد للمتاجرة بها، فيما أتقن بعضهم الآخر تجارة الآثار.‏‏ ويتراوح راتب الجندي المرتزق في العراق بين 1000 و1500 دولار يومياً، في الوقت الذي تشير فيه التقارير إلى أن راتب الجندي الأميركي النظامي يتراوح بين 1500 إلى 5000 آلاف دولار في الشهر تدرجاً من رتبة جندي عادي وحتى قائد فصيل. وكشف تقرير حديث للكونغرس عن حقائق تنشر للمرة الأولى تتعلق بتوسع الجيش الأميركي في الاستعانة بالمرتزقة أو بمن تسميهم وزارة الدفاع البنتاغون المتعاونين المدنيين لدعم العمليات العسكرية في العراق وأفغانستان. واعترف التقرير بأن ضعف الرقابة والمتابعة عليهم أدى إلى ارتكاب العديد منهم جرائم وانتهاكات مختلفة ضد المدنيين في البلدين ما قوض الجهود الأميركية لمحاربة التمرد حسب وصفه، كما كشف التقرير عن أن عدد المرتزقة الذين يستعين بهم الجيش في أفغانستان يفوق عدد الجنود الأميركيين النظاميين، وأن نسبتهم إلى القوات النظامية هي الأعلى في صراع خارجي خاضته القوات الأميركية في تاريخها. وكشف أيضاً أن الاستعانة بهم كلفت الخزانة الأميركية أكثر من 100 مليار دولار منذ 2003 حتى منتصف 2008.‏‏

وذكر التقرير الذي حمل عنوان (متعاقدو وزارة الدفاع في العراق وأفغانستان خلفية وتحليل) أعدته هيئة أبحاث الكونغرس أنه بنهاية آذار 2009 كان عدد الجنود الأميركيين في أفغانستان 52 ألفاً و300 جندي مقابل 168 ألفا و197 مدنياً مسلحاً أو متعاقداً وهو التعبير الرسمي الذي يستخدمه الجيش الأميركي للإشارة إلى المرتزقة. وأوضح التقرير أن 67 في المائة من هؤلاء المرتزقة أي أكثر من 51 ألفاً هم من المدنيين الأفغان مقابل 15 في المائة مواطنين أميركيين، حيث يبلغ عددهم 9378 مدنياً، والباقي أجانب من دول أخرى وعددهم نحو 7 آلاف.‏‏

وكشف تقرير رسمي أميركي آخر، عن ارتفاع أعداد القتلى من (المرتزقة) الذين يعملون لمصلحة وزارة الدفاع الأميركية في أفغانستان والعراق على نحو متواصل، لتبلغ في أفغانستان أربعة أضعاف ونصف ضعف نسبة القتلى من الجنود الأميركيين هناك.‏ بالإضافة إلى أن أعداد القتلى من المرتزقة الذين يطلق عليهم إسم (المقاولون الأمنيون) لا تنال ذات الاهتمام في النشر الذي يلقاه قتلى القوات الأميركية وباقي القوات المنضوية في حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، إذ لقي معظم المقاولين الأمنيين مصرعهم في حراسة القوافل، على الرغم من أن التفاصيل الدقيقة غير معروفة إلى حدّ كبير، كما أن الوفيات التي تحدث نادراً ما يجري تحقيق بشأنها.‏‏

السيناتور الجمهوري عن ولاية فرجينيا جون وارنر رئيس لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي قال في معرض حديثه عن جيوش المرتزقة في العراق: (إنني أسميهم شريكنا الصامت في هذا الصراع).‏‏

ومنذ تولّي الرئيس الأميركي باراك أوباما مهماته، ارتفع عدد المقاولين الأمنيين إلى أكثر من أربعة أضعاف ليقارب 16398 مقاولاً أمنياً يعملون الآن بعقود من البنتاغون.‏ بعد أن كان عددهم عام 2009 لا يزيد عن 4000. تحاول الولايات المتحدة أن تصوّر للعالم هؤلاء المرتزقة بأنّهم إما مقاولون إما متعاقدون، تقتصر مهامهم على أعمال الحراسة وتأمين حماية المنشآت، في حين يشير الواقع إلى أنّ هؤلاء يرتكبون جرائم ضدّ المدنيين يمكن تصنيفها قانونياً بأنها جرائم حرب ضد الإنسانية.‏‏

أما القانون الدولي فواضح في هذه الجرائم التي ترتكبها شركات أمن المرتزقة، فأولى الوثائق الدولية التي تطرقت للمرتزقة كانت اتفاقية لاهاي الخامسة لعام 1907م والمتعلقة بحقوق وواجبات الدول المحايدة والأشخاص المحايدين في حالة الحرب البرية حيث نصت المادة 4 على أنه: ''لا تشكل هيئات مقاتلين ولا تفتح مكاتب لتوطينهم على أرض دولة محايدة لمساعدة المتحاربين'' وأكدت المادة 5 أنه ''لا تسمح الدولة المحايدة بالأعمال المشار إليها في المواد 2 إلى 4 فوق أراضيها، ولا تكون مطالبة بإصدار عقوبات ضد مرتكبي هذه الأعمال خلافاً لحيادها سوى إذا ارتكبت فوق أراضيها''.

وعلى الرغم من خطورة نشاط المرتزقة فإن اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م لم تتطرق إليهم، وتم تدارك هذا النقص في البروتوكول الأول لعام 1977م الملحق بهذه الاتفاقيات حيث تم تعريف المرتزقة في المادة 47 وهو ما بيّناه أعلاه وقد استثنت هذه المادة المرتزقة من صفة المقاتل وأسير الحرب وبالتالي عدم تمتعهم بحقوق المقاتلين وأسرى الحرب. فجهود المجتمع الدولي في الحد من هذه الظاهرة لم تتوقف، ولاسيما مع تطور دور المرتزقة منذ منتصف القرن الماضي وما شكلوه من تحد حقيقي أمام حركات التحرر الوطني، فضلاً عن دورهم الخطير في نشر الفوضى والانقلابات العسكرية وإشعال الحروب. فعلى صعيد منظمة الأمم المتحدة تصدت كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن والمجلس الاجتماعي والاقتصادي لهذه الظاهرة وذلك بإصدار سلسلة من القرارات التي أدانت نشاط المرتزقة وحرمته وأكدت عدم مشروعيته والمسؤولية الجنائية عنه، فضلاً عن ذلك فقد تم التوصل عام 1989م إلى الاتفاقية الدولية ضد انتداب واستخدام وتمويل وتدريب المرتزقة. وعلى الصعيد الإقليمي، فقد أبرم أعضاء منظمة الوحدة الإفريقية عام 1977م اتفاقية تهدف إلى القضاء على الارتزاق في إفريقيا ودخلت حيز التطبيق عام 1985م.

وعلى الرغم من هذه الجهود، فإن ظاهرة المرتزقة مازالت قائمة، والأخطر من ذلك هو انتشار الشركات التي تتولى هذه المهمة، وذلك تحت مسميات مختلفة أمنية وعسكرية، ومنها شركات لها أسهم في البورصات. ولهذا فإن على المجتمع الدولي أن يواكب هذه التطورات ويبذل جهوداً أكبر من أجل التوصل إلى اتفاقية دولية شاملة للقضاء على هذه الظاهرة، وعد هذا النشاط، سواء الأفراد الذين يجندون أنفسهم لمهنة الارتزاق، أو الشركات التي تتولى هذه المهمة، أو الدول التي تساهم به، من الجرائم الدولية الخطيرة.

أخيراً لابد أن نشير الي نقطة مهمة، أن الشركات الأمنية الأمريكية للمرتزقة، في حقيقة الأمر تكونت نتيجة لتطور مفهوم العامل الأمني بديلاً للجاسوسية التي انقضي عهدها مع التطورات الهائلة في ثورة الاتصالات. فالمهام الخطيرة التي أوكل لهذه الشركات القيام بها كما ذكرنا أنها البديل المتجدد لنظام التجسس التقليدي الذي كان متبقياً إبان الحرب الباردة. وقد استطاعت هذه الشركات اختراق العديد من أجهزة الدول الحساسة والوصول الى مكان القوة والضعف في هذه الأجهزة وكشف العديد من الأسرار وهذا ما ساعد كثيراً في تعميم ظاهرة التوترات الأمنية الخطيرة التي تشهدها منطقة الوطن العربي لإحكام السيطرة من قبل تحالف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أو بمسماه الجديد دول الثماني التي تسعى إلى تشكيل قوى دولية جديدة تحكم العالم.

إن الخطط العدوانية الاستعمارية والانتشار العسكري الغربي الأميركي والإنفاق الزائد على جيوش المرتزقة والتستر على جرائمهم المخالفة لكل المواثيق الإنسانية والدولية لتحقيق رغبتهم التوسعية والسيطرة على ثروات العالم ومصادرة حقوق الشعوب في تقرير مصيرها ستمنى بالفشل وسيكون الانهيار مصير الحلم الإمبراطوري الأميركي الغربي الصهيوني بفضل تعاظم الوعي الإنساني لدى شعوب الأرض نحو إرساء أسس العدل والسلام في العلاقات الدولية ولاسيما أننا على أعتاب عصر متعدد الأقطاب وبالتالي أفول عصر القطب الواحد.‏ والمطلوب من الشعوب العربية أن تستيقظ من أحلامها الوهمية التي زرعتها في مخيلتها الدعاية الإعلامية التي تبنتها أجهزة الإعلام الغربية والمأجورة والغرض منها هو الخديعة والإيقاع بهم في شراك العبودية والإذلال من جديد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/آب/2012 - 20/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م