الاقتصاد الايراني والضغوط الامريكية... سياسة غلق المنافذ

 

شبكة النبأ: تواصل الولايات المتحدة الامريكية مساعيها الجادة والحثيثة الى اضعاف قدرات ايران الاقتصادية للحد من الاستمرار ببرنامجها النووي المفروض من قبل امريكا وحلفائها الغرب الذين يعتبرونه خطر كبير يمكن ان يهدد الامن والاستقرار العالمي وهو ما دعاهم الى اعتماد جملة من القرارات ومنها قرار فرض وتشديد العقوبات الاقتصادية التي بدأت وبحسب بعض المتخصصين تؤتي ثمارها وتؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد الايراني وفي هذا الشأن فقد فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية جديدة تستهدف شركات تصدير النفط الايرانية ومصرفا صينيا واخر عراقيا بعد اتهامهما بالتعامل مع تلك الشركات. وفي بيان اصدره البيت الابيض قال الرئيس باراك اوباما ان العقوبات الجديدة تؤكد تصميم الولايات المتحدة على اجبار ايران على "الوفاء بالتزاماتها الدولية" في المفاوضات النووية. وقال البيان ان "هذا الاجراء يهدف الى منع ايران من انشاء اليات دفع من شراء النفط الإيراني تلتف على العقوبات الحالية" محذرا من ان العقوبات الاميركية ستنطبق على اي كيان يشتري النفط الايراني. واضاف البيان انه سيتم اتخاذ اجراءات ضد الشركات التي تتعامل مع شركة النفط الايرانية الوطنية وشركة نفط ايران، او البنك المركزي الايراني، او مساعدة ايران على شراء الدولارات الاميركية او المعادن الثمينة.

واتهم اوباما بنك كونلون الصيني ومصرف ايلاف الاسلامي العراقي بترتيب تعاملات بقيمة ملايين الدولارات مع بنوك ايرانية خاضعة للعقوبات بسبب ارتباطها ببرنامج الاسلحة الايرانية. وقال اوباما انه سيتم منع هذين المصرفين من التعامل مع النظام المالي الاميركي. واوضح "ان الاجراءات التي اتخذت اليوم توضح اننا سنكشف اية مؤسسة مالية تسمح للنظام الايراني الذي يزداد ياسا في الحصول على منفذ الى النظام المالي الدولي". واضاف ان "الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بالحل الدبلوماسي، ولكن الكرة الان في الملعب الايراني الذي يجب عليه تنفيذ الالتزامات الدولية". وقال انه "اذا واصلت الحكومة الايرانية تحديها، فيجب ان لا يكون هناك اي شك في ان الولايات المتحدة وشركاءها سيواصلون فرض مزيد من العقوبات".

وفي تطور منفصل اكد وزير الخزانة الاميركي تفاصيل عن العقوبات والاتهامات ضد المصرفين الصيني والعراقي المتهمان بالتعامل مع شركات ايرانية. وقال في بيان انه "فيما تقطع المؤسسات المالية في انحاء العالم علاقاتها مع هذه المصارف الايرانية، الا ان هذين المصرفين، بنك كونلون ومصرف ايلاف الاسلامي، اتخذا نهجا معاكسا". واضاف البيان ان بنك كونلون الذي مقره بكين قدم خدمات الى ستة مصارف ايرانية على الاقل خاضعة للعقوبات الاميركية بسبب اتهامها بلعب دور في برامج ايران لأسلحة الدمار الشامل. واتهم البيان بنك كونلون بشكل خاص بانه دفع حوالى 100 مليون دولار من حسابات له في بنك تجارت الايراني، وسدد دفعة نيابة عن كيان مرتبط بالحرس الثوري الايراني. وتتهم الوزارة مصرف ايلاف الاسلامي "بقيامه بنشاطات خلال العام الماضي بقيمة عشرات ملايين الدولارات مع بنك تنمية الصادرات الايراني". بحسب فرنس برس.

وقبل ايام اعرب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو عن شكه في فعالية العقوبات المفروضة على ايران، وقال "جميع العقوبات والدبلوماسية لم تنجح حتى الان في زحزحة البرنامج الايراني قيد انملة". ويشتبه بان اسرائيل تمتلك اسلحة نووية غير معلن عنها، الا انها تخشى من ان حصول ايران على اسلحة نووية قد يغير ميزان القوى في منطقة الشرق الاوسط المضطربة، او انت تحاول طهران القضاء على الدولة العبرية.

في السياق ذاته وافق الكونجرس الامريكي بأغلبية ساحقة على حزمة جديدة من العقوبات ضد ايران تهدف إلي معاقبة المصارف وشركات التأمين وشركات النقل البحري التي تساعد طهران في بيع نفطها. وقالت النائبة الجمهورية إيلينا روس لتينين رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب ان مشروع القانون الذي توصل اليه مشرعون بارزون من الحزبين في الكونجرس "يسعى لتشديد الخناق على النظام بشكل لم يحدث من قبل." بحسب رويترز.

وقال السناتور الديمقراطي تيم جونسون رئيس اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ "اننا نتخذ خطوة مهمة اخرى لسد الطرق الباقية امام الايرانيين لتمويل سلوكهم غير الشرعي وتفادي العقوبات." وأقر مجلس الشيوخ مشروع قانون العقوبات بالأجماع بعد ساعات قليلة من موافقة مجلس النواب عليه بأغلبية 412 صوتا ضد 6 أصوات. وقال مشرعون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري انهم مستعدون لاتخاذ خطوات اضافية. وقال النائب هاوارد بيرمان أبرز الاعضاء الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية "هناك المزيد الذي يمكننا عمله والمزيد الذي سنفعله إذا لم تنه ايران برنامجها للأسلحة النووية بشكل كامل ويمكن التحقق منه." ويحظى المشروع بتأييد لجنة الشؤون العامة الاسرائيلية الامريكية -وهي جماعة ضغط قوية مؤيدة لإسرائيل- التي قالت ان التشريع عند اضافته الي العقوبات الامريكية الحالية "يمثل اقوى مجموعة من العقوبات لعزل أي دولة في العالم في زمن السلم."

تشديد العقوبات

على صعيد متصل اعلنت وزارة الخزانة الاميركية تشديد العقوبات المالية على اكثر من 50 كيانا ايرانيا متهمة بدعم البرنامج النووي للجمهورية الاسلامية وتشمل بشكل اساسي شركات حكومية مرتبطة بالقوات المسلحة الايرانية والحرس الثوري. وقال مساعد وزير الخزانة لشؤون الاستخبارات المالية ومكافحة الارهاب ديفيد كوهين في بيان ان "ايران تخضع لضغط هائل، ضغط العقوبات المتعددة الاطراف، وسنواصل زيادة الضغط ما دامت ايران ترفض الاستجابة للمخاوف المشروعة للمجتمع الدولي من برنامجها النووي". بحسب فرنس برس.

وغالبية الكيانات المعنية بهذه العقوبات تخضع اساسا لعقوبات فرضتها عليها وزارة الخزانة الاميركية منذ 2005 وابرزها هيئة امدادات القوات المسلحة الايرانية والهيئة الحكومية للصناعات الفضائية والشركة البحرية العامة والحرس الثوري. ولكن العديد من هذه الكيانات عمد بعد ادراجه على القائمة الاميركية السوداء الى تغيير اسمه او تم الحاقه بوزارات اخرى، ما دفع بوزارة الخزانة الى تحديث قائمتها وادراج هذه الكيانات باسمائها الجديدة.

واتخذت الولايات المتحدة اجراءات اضافية لمنع ايران من التملص من العقوبات الاقتصادية لمنع هذا البلد من الحصول على اسلحة نووية. وحددت وزارة الخزانة الامريكية الشركة الوطنية الايرانية لناقلات النفط وهي شركة الناقلات الرئيسية في ايران وعشرات من سفنها بوصفها كيانات تسيطر عليها الحكومة. وحددت وزارة الخزانة ايضا اربع واجهات لشركة النفط الوطنية الايرانية.

لماذا يتم تحديد الشركة الوطنية الايرانية لناقلات النفط على انها كيان حكومي اذا كانت العقوبات سارية بالفعل؟ تحديد الشركة الوطنية الايرانية لناقلات النفط على انها كيان تسيطر عليه الحكومة الايرانية رمزي الى حد كبير لان الشركة مدرجة بالفعل في القوائم السوداء من قبل الولايات المتحدة. وجمدت الحكومة الامريكية بالفعل اصولها في الولايات المتحدة ومنع كل الامريكيين والشركات الامريكية من القيام بنشاط مع الكيانات الايرانية. ويعمل هذا التعريف كتذكرة لهذا الامر. ولكن الادراج في القائمة السوداء لا يعني ان الشركات والكيانات غير الامريكية التي تتعامل مع الشركة الوطنية الايرانية لناقلات النفط وشركة النفط الايرانية الوطنية ستستبعد من النظام المالي الامريكي. ولا يوجد عقاب امريكي للكيانات الاجنبية التي لا تمتثل للقرار باستثناء وجود خطر على سمعتها.

ماهي التشعبات بالنسبة لتحديد اسطول الشركة الوطنية لناقلات النفط ؟

تحديد اسطول سفن الشركة الوطنية لناقلات النفط على انه يدار من قبل الحكومة يكشف عدد السفن والشركات التي تعمل باسم الحكومة الايرانية. وحظر على الشركات الامريكية بالفعل ابرام انشطة مع تلك الشركات التابعة. وذكر اسم السفن التابعة للشركة الوطنية لناقلات النفط والتي يزيد عددها عن 50 سفينة سيساعد الكيانات الاجنبية على ضمان الا تساعد دون قصد ايران على التملص من العقوبات الغربية من خلال بيع نفطها تحت اسم اخر.

واذا ارادت دولة مثل اليابان التي خفضت وارداتها من النفط الايراني من اجل الامتثال للعقوبات الاقتصادية الامريكية ان تضمن عدم شراء نفط ايراني ستساعدها اسماء السفن والشركات على تحديد مصدر النفط. ولكن اذا قامت كيانات اجنبية بأنشطة مع تلك السفن فأنها لن تعاقب من قبل الحكومة الامريكية ولن تستبعد من الاسواق الامريكية. بحسب رويترز.

ومرة اخرى فان تحديد اسماء اربع شركات وهي شركة نور للطاقة ومقرها ماليزيا وبترو سويس وبترو إنرجي ومقرها دبي وانترتريد هونج كونج كواجهات لشركة النفط الوطنية الايرانية بوصفها شركة نفط تديرها الحكومة الايرانية يسهل على الكيانات الاجنبية الكف عن القيام بانشطة معها.

ولكن اذا قامت كيانات اجنبية بانشطة مع تلك الشركات الواجهة فانها لن تمنع من الاسواق الامريكية.

تعاملات سرية

الى جانب ذلك افاد تقرير صادر عن مجلس الشيوخ الاميركي ان بنك اتش.اس.بي.سي البريطاني اجرى تعاملات سرية بقيمة 16 مليار دولار مع ايران على مدى ست سنوات. وافاد تقرير لجنة التحقيق حول الامن الداخلي في مجلس الشيوخ الاميركي ان مسؤولي البنك كانوا على علم بوجود "تعاملات سرية مع ايران" من 2001 وحتى 2007 من دون ان يظهر ذلك في وثائق البنك. وشمل ذلك 25 الف عملية مالية.

وشرح التقرير البرلماني المكون في 330 صفحة تعاملات تم خلالها ادخال اموال الى الولايات المتحدة ثم اخراجها منها بلغت قيمتها 19,4 مليار دولار. ومن هذه الاموال، تم تنفيذ عمليات بقيمة 16 مليار دولار من دون ذكر اي صلة لها بإيران. واوضح التقرير ان 70 الى 90% من العمليات جرت على عدة سنوات عن طريق بنك "اتش.بي.يو.اس" وهو الفرع الاميركي لبنك اتش.اس.بي.سي، وحسابات اخرى بالدولار، من دون الكشف عن اي صلة لها مع ايران. ومن 2001 الى 2007 قال التقرير ان بنك اتش.اس.بي.سي اوروبا، واتش.اس.بي.سي الشرق الاوسط، مارسا هذا النوع من التعاملات بصورة منتظمة عن طريق أتش.بي.يو.اس. وتحظر الولايات المتحدة التعامل التجاري والمالي مع ايران وكوريا الشمالية والسودان. بحسب فرنس برس.

وقال السناتور الديموقراطي كارل ليفن رئيس لجنة التحقيق ان "مسؤولي البنك كانوا على علم بما يجري وسمحوا باستمرار هذه الممارسات الخادعة". واستمعت اللجنة الى اقوال مسؤولي البنك. وقال المسؤول في البنك ديفيد باغلي "اعترف بانه كانت هناك ثغرات كبيرة في بعض المجالات".

من جهة ثانية، افاد التقرير الذي نشرته اللجنة ان البنك عرض النظام المالي الاميركي لعمليات تبييض محتملة لاموال عصابات المخدرات المكسيكية. فقد حول فرع البنك في المكسيك 7 مليارات دولار عبر الفرع الاميركي بين 2007 و2008. وذكر التقرير ان فرع اتش.اس.بي.سي الاميركي تعامل ماليا مع بنك الراجحي السعودي المتهم بانه من المؤسسات المصرفية التي ترتبط بمنظمات ارهابية مفترضة.

خلية ازمة

من جانب اخر شكل البنك المركزي الايراني خلية خاصة في مواجهة العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب للضغط على ايران بهدف التخلي عن تخصيب اليورانيوم، كما افادت وكالة الانباء الايرانية. وقال حاكم المصرف المركزي محمود بهمني في تصريح نقلته الوكالة "شكلنا مركز عمليات في البنك المركزي يجتمع كل يوم" ومهمته "ادارة العقوبات" التي وصفها بانها بمثابة "حرب" على ايران. واضاف في مواجهة هذه العقوبات، "قمنا بشن حرب اقتصادية لأننا من دون ذلك سنواجه صعوبات وعقوبات"، من دون توضيح تركيبة هذه الخلية واستراتيجيتها. بحسب فرنس برس.

وقال بهمني "كل مصارفنا والبنك المركزي تواجه حاليا عقوبات، ولكننا نقوم بعملنا". وشددت الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الاوروبي عقوباتها الاقتصادية على ايران منذ بداية تموز/يوليو من خلال البدء بتطبيق حظر نفطي وعقوبات مالية جديدة. ويتوقع ان تؤدي هذه العقوبات الى خفض الصادرات النفطية الايرانية بنسبة 40 بالمئة. كما زادت من حدة التضخم مع انهيار سعر العملة الوطنية الى نصف قيمتها في مواجهة العملات الاجنبية. وبدأ المسؤولون الايرانيون يعترفون باثر العقوبات على الاقتصاد لكنهم يؤكدون ان ايران قادرة على مواجهة الضغوطات. وتشتبه الدول الغربية بسعي ايران لحيازة السلاح النووي رغم تاكيد طهران ان برنامجها النووي مدني بحت.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/آب/2012 - 18/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م