قراءة في سيناريو " الانفجار الكبير" لهنري كيسنجر

أ.محمد سعيد الفطيسي

نشرت صحيفة ديلي سكيب الأمريكية وعنها نقلت العديد من الصحف الأجنبية والعربية خلال الفترة الزمنية الماضية بعض التصريحات الصحفية المثيرة للجدل لوزير الخارجية الأمريكية السابق ومستشار الأمن القومي في حكومة ريتشارد نيكسون، الباحث السياسي المخضرم، واحد ابرز مهندس السياسة الخارجية الأمريكية في عهد إدارتي كل من الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد و- نقصد - هنري كيسنجر.

 ومن ابرز مقتطفات ذلك التصريح الصحفي قوله بحسب الصحيفة سالفة الذكر: لقد أبلغنا الجيش الأميركي أننا مضطرون لاحتلال سبع دول في الشرق الأوسط نظرًا لأهميتها الإستراتيجية لنا، خصوصا أنها تحتوي على البترول وموارد اقتصادية أخرى ولم يبق إلا خطوة واحدة، وهي ضرب إيران......

......وعندما تتحرك الصين وروسيا من غفوتيهما سيكون " الانفجار الكبير" والحرب الكبرى التي لن تنتصر فيها سوى قوة واحدة هي إسرائيل وأميركا، وسيكون على إسرائيل القتال بكل ما أوتيت من قوة وسلاح لقتل أكبر عدد ممكن من العرب واحتلال نصف الشرق الأوسط، وأضاف: ان طبول الحرب تدق الآن في الشرق الأوسط وبقوة ومن لا يسمعها فهو بكل تأكيد " أصم ".

 وأشار كيسنجر إلى أنه إذا سارت الأمور كما ينبغي، فسيكون نصف الشرق الأوسط لإسرائيل، وقال: لقد تلقى شبابنا في أميركا والغرب تدريبا جيدا في القتال خلال العقد الماضي وعندما يتلقون الأوامر للخروج إلى الشوارع ومحاربة تلك " الذقون المجنونة " فسوف يطيعون الأوامر ويحولونهم إلى رماد.

 وأوضح كيسنجر أن إيران ستكون المسمار الأخير في النعش الذي تجهزه أميركا وإسرائيل لكل من الصين وروسيا بعد أن تم منحهما الفرصة للتعافي والإحساس الزائف بالقوة وبعدها سيسقطان وللأبد لنبني مجتمعا عالميا جديدا لن يكون إلا لقوة واحدة وحكومة واحدة هي الحكومة العالمية "السوبر باور "، وقد حلمت كثيرا بهذه اللحظة التاريخية.

 ونحن هنا لسنا بصدد نقل تلك التصريحات الصحفية بقدر محاولة تفكيك وتركيب وتحليل مصداقيتها الجيوبوليتيكية والجيواستراتيجية وإمكانية تحقيقها على ارض الواقع، معتمدين في ذلك على تشريح الجانب اللغوي والنفسي وتأثير العامل الأيديولوجي والثقافة السياسية على شخصية كيسنجر من خلال ذلك التصريح الإعلامي، مع مزج كل ذلك في رؤية الشخصية للتحولات والمتغيرات الدولية الراهنة والتي سنسعى من خلالها الى ربط أفكار كيسنجر سالفة الذكر بواقع دولي متأزم يمكن تعريفه بكلمة قصيرة واحدة، وهي انه يعيش تحت رحمة " الفوضى "

 ومن النقاط والملاحظات التي شدت انتباهي في تصريحات كيسنجر تلك بوجه عام، تأثر شخصيته السياسية والثقافية بمرجعيته الأصولية والأيديولوجية الصهيونية والتي انعكست على لغة خطابه او تصريحاته الصحفية، هذا بالإضافة الى أننا لاحظنا اختياره لعبارات وكلمات لغوية " متطرفة وعنصرية " كالذقون المجنونة وقتل أكبر عدد ممكن من العرب وغيرها، وهو ما يدل على أمرين لا ثالث لهما، أولهما: ان هذا الرجل قد وصل الى مرحلة الخرف والشيخوخة، وبالتالي فان تصريحاته تلك لا تزيد عن كونها هلوسة إعلامية صهيونية، او أحلام يقظة لا يمكن لها ان تتحقق على ارض الواقع.

 أما الأمر الأخر، فهو ان يكون مخطط او سيناريو يمكن ان يوضح في خانة الاحتمالات المستقبلية والإستراتيجية " السوبرانية "، والتي اطلع عليها كيسنجر او ساهم في وضعها او يحلم بحدوثها، مع عدم قبولنا العقلي والمنطقي بفكرة " الاحتلال العسكري المتطرف " والذي ستقوم به إسرائيل من خلال احتلالها لنصف الشرق الأوسط وقتلها لأكبر عدد ممكن من العرب بعد القضاء على إيران.

 أما بوجه خاص، وبالرجوع الى التصريحات فإننا نلاحظ انه حدد بدقة رقعة الشطرنج العالمية التي ستدور فوقها الحرب القادمة والتي أطلق عليها " بالانفجار الكبير " او " الحرب الكبرى "، و- نقصد – الشرق الأوسط، وهنا نسال: ما هو الشرق الأوسط المقصود هنا ؟، هل قصد به تلك الدول التي تشمل شبه الجزيرة العربية، ودول الهلال الخصيب، ام يمكن ان تمتد الى دول البحر الأبيض المتوسط وجزء من أفريقيا، خصوصا ان سكانها من العرب، والذين ستضطر إسرائيل لقتل اكبر عدد منهم بحسب سيناريو كيسنجر.

 كما حدد أطراف الصراع في تلك الحرب سالفة الذكر، ففي الجانب المظلم او العدو تقف إيران وروسيا والصين، أما في الطرف الصديق او الحليف للولايات المتحدة الأميركية، فهناك إسرائيل فقط، والدافع والأسباب الرئيسية لخوض تلك الحرب بقوله: (أنها تحتوي على البترول وموارد اقتصادية أخرى) – أي – الدول " العربية " السبع في الشرق الأوسط التي ستحتلها إسرائيل بعد القضاء على إيران، ومن الملفت للنظر كذلك انه قال: (نظرًا لأهميتها الإستراتيجية لنا)، ولا نعرف هنا القصد من وراء كلمة " لنا " أيقصد بها الولايات المتحدة الأميركية التي ينتمي إليها كجغرافيا وجنسية، ام إسرائيل الصهيونية التي ينتمي إليها كأيديولوجيا واصل، ام انه يقصد الاثنين معا، وهو الأرجح عندنا.

 كذلك ومن ابرز الملاحظات التي يجب ان يقف عندها التحليل السياسي هي كلمة " مضطرون "، والتي نضعها في نفس سياق التساؤلات السابقة، - أي- انه قصد بها الولايات المتحدة الأميركية، ام إسرائيل، ام انه قصد ان كلاهما مضطر لخوض هذه الحرب، ثم تحديده لمستوى القوة والسلاح الذي يجب ان تستخدمه إسرائيل في هذه الحرب وليس أمريكا بقوله: وسيكون على إسرائيل القتال بكل ما أوتيت من قوة وسلاح، فهل قصد كيسنجر بكل ما أوتيت من قوة وسلاح " بالسلاح النووي "، او حرب برية وجوية وبحرية شاملة ؟

 وأخيرا ومما يجب ملاحظته هو حديثه عن المتدينين او أصحاب اللحى، هذا اذا لم نحدد المغزى العام بذلك بالإسلام والمسلمين او ما يسمى " بالإسلاميين او الإسلام السياسي " والذين بدأت قوتهم تبرز على الساحة السياسية العربية في زمن ما أطلق عليه بثورات الربيع العربي، والذين يعتقد كيسنجر وأمثاله من الصهاينة أنهم سيتزعمون العالم الإسلامي والعربي في يوم ما، وربما يقررون القيام بحرب للقضاء على إسرائيل، بقوله: لقد تلقى شبابنا في أميركا والغرب تدريبا جيدا في القتال خلال العقد الماضي وعندما يتلقون الأوامر للخروج إلى الشوارع ومحاربة تلك " الذقون المجنونة ".

 كذلك كلمة " الغرب " التي أضافها الى أميركا، ونتصور انه قصد بها أوربا، وكلمة " الشباب " وهو هنا لم يحدد الشباب الأميركي، فهل قصد بذلك الشباب " اليهودي او الصهيوني او الإسرائيلي " الذي تدرب عسكريا واستخباراتيا في شتى دول أوربا والولايات المتحدة الأميركية.

 اذا وبحسب السيناريو الخيالي الذي وضعه كيسنجر فان مسار الحرب القادمة سيبدأ بضرب إيران التي ستكون المسمار الأخير – بحسب كيسنجر - في النعش الذي تجهزه أميركا وإسرائيل لكل من الصين وروسيا، ثم على " افتراض محتمل " ان تقوم أمريكا وإسرائيل بالفعل بضرب إيران والذي يفترض كذلك القضاء على النظام السوري وحزب الله اللبناني قبل ذلك في سيناريو " الانفجار الكبير " في ظل وقوف روسيا والصين في موقف " الارجوز " المتفرج على نهاية آخر حلفاءها في المياه الدافئة!؟ هل يمكن ان نفترض كذلك وقوف إيران وحزب الله وقوف المتفرج ؟ ونحن نعلم ضعف العمق الدفاعي والاستراتيجي لإسرائيل ؟ وانه يمكن لصواريخ إيران وحزب الله والتي لا تملك إسرائيل حتى الآن تفاصيل قوتها بدقة ان تصل للعمق الصهيوني برغم جميع الاحتياطات ومظلات الدفاع الصاروخي وخلافه.

 ثم ستقوم الولايات المتحدة الأميركية باحتلال سبع دول في الشرق الأوسط – كتهيئة لاحتلال إسرائيل لنصف الشرق الأوسط، وهنا يحق لنا طرح السؤال التالي، من هي تلك الدول السبع التي قصدها كيسنجر، والتي تشكل مساحة او قيمة نصف الشرق الأوسط!!؟، هذا اذا استثنينا الدول التي تحتلها أمريكا أصلا من الناحيتين السياسية والاقتصادية والتي هي ليست بحاجة الى حرب لاحتلالها او السيطرة على مواردها البترولية والاقتصادية.

 وخصوصا انه – أي – السيناريو قد أشار الى كونها سبع دول في الشرق الأوسط " ذات أغلبية عربية " وذات قوة بترولية واقتصادية " وهي قليلة ومعروفة بالاعتماد على المخزون النفطي والإنتاج اليومي لأوبك، وتحقيقا لحلم ارض الميعاد التاريخية، مما سيدفعها لقتل اكبر عدد من سكانها العرب، مباشرة بعد القضاء على إيران وسوريا وحزب الله، ليكون بعد ذلك نصف الشرق الأوسط لإسرائيل بحسب سيناريو " الانفجار الكبير " الأمر الذي سينتج بدوره الحكومة العالمية "السوبر باور"، او بشكل أدق الحكومة الصهيواميركية العالمية او حتى ارض الميعاد - كما حلم بها كيسنجر.

 عندها ستتنبه وتستفيق روسيا والصين من سباتهما وستتحركان لاحتواء ذلك السيناريو، ولكن حينها يكون الأوان قد فات، وتكون إسرائيل وأمريكا قد أنهيتا فصول روايتهما المأساوية بانتصار ساحق، ينتج عنه مجتمعا عالميا جديدا لن يكون فيه مكان إلا لقوة واحدة ودولة واحدة وحكومة واحدة هي الحكومة العالمية "السوبر باور "، او بشكل أدق " الحكومة الصهيواميركية العالمية ".

 خلاصة الرؤية التحليلية: ان هذه التصريحات الصحفية من جهة لا تزيد عن كونها رؤية شخصية تحاول استفزاز بعض الدول والقوى الإقليمية في ظل الظروف الدولية الراهنة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، لدفعها لتصرفات تتخذها إسرائيل شماعة لتصرفاتها الاستباقية لاحقا، لا مصداقية لجزء كبير وليس كل ما حوته من الناحية الجيواستراتيجية خلال الفترة الزمنية القصيرة القادمة، كما لا يمكن عقلنتها عسكريا بالدقة التي حددها كيسنجر.

 أما من جهة أخرى فهي لا تزيد عن كونها رؤية سياسية متأثرة بشكل كامل من الناحية النفسية والعاطفية القومية بايدولوجيا الصهيونية التوسعية المتطرفة التي تحلم بأرض الميعاد او إسرائيل الأرض التاريخية التي تمتد من نهر مصر " النيل " الى النهر الكبير " الفرات " انظر سفر (التكوين 15:18)، بل ربما " جميع البلاد" بحسب بعض إسفارهم كسفر (الخروج 23:31) و(يشوع 4:1).

 إنما ذلك بالطبع لا يجب ان يدفعنا كدول إسلامية وعربية لتغافلها او تجاهلها بالمطلق رغم تطرفها وجنونها، فمثل كيسنجر لا يقولون سوى ما يفكرون او يخططون له حتى وان كانت أحلام يقظة او هلوسة " مخرفين "، ولو بعد حين، فربما يحدث ما لا يحمد عقباه او يتحقق بعض حلم كيسنجر ان فاز المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية "ميت رومني"، او أمثاله من المتعصبين لإسرائيل خلال السنوات القادمة.

* رئيس تحرير مجلة السياسي

azzammohd@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/آب/2012 - 18/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م