مسلمو بورما... بين التطهير العرقي وغض نظر المجتمع الدولي

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تشهد بورما توترا تاريخيا بسبب أعمال العنف الطائفية والدامية التي وقعت بين الجانبين البوذي والإسلامي مؤخرا في غرب البلاد، فيما عبرت المنظمات الحكومية وغير الحكومية عن قلقها من قمع الذي يستهدف المسلمين في هذا البلد، إذ انها اعنف اضطرابات طائفية منذ ان حلت الحكومة الإصلاحية محل الحكومة العسكرية في العام الماضي وتعهدت بتحقيق الوحدة في واحدة من أكثر دول أسيا تنوعا من الناحية العرقية وخاصة من المسلمين والبوذيين، ففي ظل تزايد أعمال العنف الدينية في بورما الذي سيلقي بظلالها تفاقم الفوضى وتفشي الانتهاكات الحقوقية والإنسانية في البلاد.

حيث أثارت القضايا العنصرية والدينية وفي مقدمتها الكراهية التي لا تنتهي مطلقا والرغبة في الانتقام والاعمال الفوضوية الانتقام وارهاب وقتل بعضهم البعض خطرا متزايدا من العنف والاضطرابات فقد تتأثر بشدة عملية التحول للديمقراطية والتنمية، التي لا تزال في مرحلتها الانتقالية، وبالتالي فقدان الاستقرار والسلام في البلاد،  وتحديدا ولاية راخين التي يسكنها اقلية الروهنجيا من المسلمين وتعتبرهم الامم المتحدة واحدة اكثر الاقليات تعرضا للاضطهاد في العالم، واختار مئات الالاف منهم الهجرة جراء التمييز المستمر منذ عقود، من جانب مشرق

باتت اليوم دولة بورما وجهة سياحية رائجة لدرجة انها لا تعرف كيف تحتوي هذا السيل المتدفق من السياح، كما تواصل بورما سياسة الانفتاح على الخارج، عبر التوقيع على مجموعة من اتفاقات التنقيب عن النفط والغاز مع مجموعات اجنبية، حيث اصبحت بورما تتارجح بين ولادة الديمقراطية وتهديد العنف الطائفية.

المسلم الحر

فقد دعت منظمة اللاعنف الاسلامية (المسلم الحر) في بيان رئيس المحكمة الجنائية الدولية سانغ هيون سونغ التدخل الفوري والحازم لوقف عمليات الابادة التي يتعرض لها مسلمو بورما.

وجاء في البيان، (ان ما يجري في تلك الدولة هو عمليات تطهير عرقي يشرف عليها النظام الحاكم في تلك الدولة وليس حالة عنف طائفي كما يروج له).

وأكد بين المنظمة، (على قيام النظام الحاكم بشن عملية قتل وتهجير مكثف ضد الجالية المسلمة التي تشكل ما نسبته 15% من نفوس دولة بورما، وهو ما يعد انتهاك خطير لمواثيق الامم المتحدة وقانون حقوق الانسان الدولي، بالاضافة الى كونه جريمة ضد الانسانية تقع من اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية. وتؤكد الادلة على تورط الجيش البورمي بعمليات قتل وتصفيات جسدية ضد مسلمي تلك الدولة وبإشراف النظام الحاكم، الى جانب عمليات اغتصاب النساء، وحملات منظمة للترحيل الإجباري، بالإضافة الى عمليات الإعدام بدون الرجوع للقضاء، وعديد من الانتهاكات الأخرى).

وأشار البيان الى، (كما نلفت الى ان ما يحصل من تعذيب المسلمين بواسطة قيادات بورما العسكرية و الأغلبية البوذية، فالأقلية المسلمة في بورما تتعرض للتعذيب منذ 260 سنة تقريباً و كثير من المسلمين في بورما هاجروا و لجئوا لدول أخرى منذ زمن،  وحكومة بورما ترفض الاعتراف بطائفة الروينجا المسلمة، أو اقرار حقوق المسلمين كسكان أصليين على أراضيها برغم أن وجود المسلمين في بورما يعود للقرن السابع الميلادي، وبالتالي هم بلا جنسية حيث لا يتم اعطاء المسلمين بطاقات شخصية ولا يتم توظيفهم في الدولة ولا تطبق عليهم أي حقوق بصفتهم أصلاً غير بورميين لرفض الدولة الاعتراف بهم).

وطالب البيان، (بناءا على كل ذلك تشدد منظمة اللاعنف العالمية على ضرورة تحرك المحكمة الجنائية الدولية على ادانة الرئيس البورمي واركان نظامه وكل من تورط في عمليات الابادة الجماعية بحق مسلمي تلك الدولة كون ذلك في صميم عمل المحكمة الجنائية، بالاضافة الى حماية المسلمين وتعويض الخسائر الفادحة).

اضطهاد المسلمين في بورما

فقد اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش للدفاع عن حقوق الانسان المجتمع الدولي بغض النظر عن "الفظاعات" المرتكبة بحق اقلية الروهينجيا المسلمة في غرب بورما، وفي تقرير بعنوان "بامكان الحكومة ان توقف ذلك" نددت المنظمة بفشل السلطات البورمية في حماية البوذيين والمسلمين خلال اعمال العنف الطائفية التي خلفت نحو ثمانين قتيلا وفق حصيلة رسمية في ولاية راخين التي كانت تسمى اراكان، كما اتهمت قوات الامن بارتكاب "جرائم قتل واغتصاب واعتقالات جماعية" بحق الروهينجيا الذين تعتبرهم الامم المتحدة الاقلية التي تعاني من اكبر اضطهاد في العالم، وقال فيل روبرتسون مساعد مدير فرع آسيا في هيومن رايتس ووتش في مؤتمر صحافي في بانكوك انه "لو ان الفظاعات التي شاهدناها في اراكان وقعت قبل بداية اصلاحات الحكومة لكان يفترض ان يكون رد المجتمع الدولي سريعا وقويا"، واضاف "لكن المجتمع الدولي يبدو منبهرا وينظر برومانسية الى ما يجري من تغييرات في بورما موقعا اتفاقات تجارية جديدة ورافعا العقوبات رغم ان التجاوزات مستمرة"، وقد علق الاتحاد الاوروبي في نيسان/ابريل لمدة سنة معظم العقوبات التي كان يفرضها على بورما استحسانا منه للاصلاحات التي بادرت بها الحكومة الجديدة منذ حل النظام العسكري في اذار/مارس 2011، وسمحت الولايات المتحدة في تموز/يوليو للشركات الاميركية بالاستثمار حتى في قطاع الغاز والنفط الذي يطمع به العديد من الشركات. بحسب فرانس برس.

وشددت هيومن رايتس ووتش على ان "الاضطهاد والتمييز المدعومين من الدولة مستمرين" ودعت المجتمع الدولي الى القول بوضوح ان "القمع الشنيع الذي يطال الروهينجيا وغيرهم من الاقليات المستضعفة لا يمكن قبوله"، ويعيش حوالى 800 الف من الروهينجيا معزولين في شمال ولاية راخين في بورما ولا يعتبرون من المجموعات الاتنية التي يعترف بها نظام نايبيداو، ولا العديد من البورميين الذين غالبا ما يعتبرونهم مهاجرين بنغاليين غير شرعيين ويظهرون لهم العداء.

العفو الدولية

فيما قالت منظمة العفو الدولية إن المسلمين في ولاية راخين الواقعة غرب بورما يتعرضون لهجمات واحتجازات عشوائية في الاسابيع التي تلت اعمال العنف في المنطقة، واعلنت حالة الطوارئ بعد اندلاع اعمال عنف دامية بين البوذيين والمسلمين، وقال متحدث باسم المنظمة إنه منذ ذلك الحين، القي القبض على المئات في المناطق التي يعيش فيها الروهينغيا المسلمون، وهونت الحكومة من شأن المزاعم قائلة إنها "متحاملة ولا أساس لها"، وقال وين مييانغ المتحدث الحكومي باسم ولاية راخين لوكالة اسوشيتد برس إن المزاعم "تتناقض تماما مع ما يحدث على الارض"، واضاف ان المنطقة هادئة، ولكن على الرغم من انخفاض حدة العنف منذ الاضطرابات تقول جماعات حقوق الانسان إنه يعتقد ان انتهاكات قوات الامن زادت، وتتهم منظمة العفو الدولية قوات الامن البورمية وسكان راخين البوذيين بشن هجمات على المسلمين وقتلهم وتدمير ممتلكاتهم، وقال بنجامين زواكي الباحث في العفو الدولية "اغلب الحالات هجمات تستهدف الروهينغيا الذين تحملوا معظم العنف في يونيو وما زالوا يتحملون القدر الاكبر من الانتهاكات التي تقوم بها قوات الامن في الولاية"، وقال كريس ليوا مدير مشروع اراكان، الذي يركز انشطته على الروهينغيا، لبي بي سي إن المئات من الروهينغيا المسلمين اعتقلوا، وتوجد مزاعم عن أن بعضهم ضربوا وعذبوا، وقال ليوا "بعد فترة قصيرة من اعمال العنف الرئيسية، بدأنا نشاهد مرحلة مما اسميه انتهاكات بموافقة الحكومة. ونسمع بصورة يومية تقريبا عن اعتقالات لاعداد كبيرة من الروهينغيا"، وتشير تقارير من شبكة مصادر المنظمة، ومعظمهم من الروهينغيا، إلى ان السلطات سمحت للشباب في راخين بمهاجمة الروهينغيا المحتجزين، ومن الصعب التيقن من هذه التقارير، لان الصحفيين لايمكنهم الوصول الى المنطقة. بحسب البي بي سي.

واشتعل العنف بين البوذيين والمسلمين اثر اغتصاب امرأة بوذية اعقبه هجوم على حافلة تقل مسلمين، واستمرت اعمال العنف في بعض مناطق ماونغ داو حيث هاجم مسلمون مساكن بوذيين. وتلى ذلك هجمات للثأر قام بها بوذيون على مساكن مسلمين. ونجم عن الهجوم الكثير من القتلى واضطر الالاف من الجانبين على الفرار من ديارهم، ويوجد توتر قديم الاجل بين الراخين، وهم بوذيون ويمثلون اغلبية سكان الولاية، والمسلمين من جماعة الروهينغيا العرقية.

اللاجئين الروهينجيا

في سياق متصل اعلن مصدر رسمي ان بنغلادش طلبت من ثلاثة منظمات للعمل الخيري الكف عن مساعدة اللاجئين الروهينجيا الذين يعبرون الحدود هربا من اعمال العنف في بورما، وقال مسؤول محلي جوينول باري ان المنظمتين الفرنسيتين "اطباء بلا حدود" و"العمل ضد الجوع" (اكسيون كونتر لافان) وكذلك البريطانية "مسلم ايد" تلقت امرا بوقف نشاطاتها في منطقة كوكس بازار المحاذي لبورما، واوضح ان "هذه المنظمات قدمت مساعدة لعشرات الآلاف من المهاجرين الروهينجيا غير الشرعيين ولا يحملون وثائق شخصية. طلبنا منها وقف كل مشاريعها في كوكس بازار بعد امر بهذا من المكتب المشرف على المنظمات غير الحكومية"، وتابع ان هذه المنظمات "تشجع قدوم اللاجئين الروهينجيا" من ولاية راخين غرب بورما. بحسب فرانس برس.

وتساعد المنظمات غير الحكومية المسلمين الروهينجيا منذ مطلع التسعينات وتقدم لهم خصوصا العلاج الصحي والمواد الاساسية ومياه الشرب، وتدير اطباء بلا حدود مركزا للعناية الصحية قرب احد مخيمات اللاجئين في بنغلادش، وتضم بنغلادش البلد الفقير في جنوب آسيا ويتقاسم حدودا طولها مئتي كلم مع بورما، نحو 300 الف من الروهينجيا حسب ارقام رسمية، يعيش ثلاثون الفا منهم في مخيمين للاجئين جنوب البلاد، ويعيش حوالى 800 الف من الروهينجيا معزولين في شمال ولاية راخين في بورما ولا يعتبرون من المجموعات الاتنية التي يعترف بها نظام نايبيداو، ولا العديد من البورميين الذين غالبا ما يعتبرونهم مهاجرين بنغاليين غير شرعيين ويظهرون لهم العداء.

العنف الطائفية

على الصعيد نفسه وعد مسؤول بورمي كبير بملاحقة المسؤولين عن اعمال العنف بين المسلمين والبوذيين التي وقعت في غرب بورما، فيما تواصلت عمليات الاغاثة لمساعدة الاف اللاجئين، وقال الجنرال ثين هتاي وزير المناطق الحدودية والتنمية الصناعية ان الحكومة "ستلاحق قضائيا مثيري الشغب من دون تحيز"، ونقلت صحيفة "نيو لايت اوف ميانمار" الحكومية عن المسؤول قوله بعد ان زار المنطقة المنكوبة ان "الحكومة ستعيد الامن والاستقرار في اسرع وقت ممكن"، وتفيد المعلومات الحكومية ان اكثر من 30 الف شخص --من البوذيين من اقلية راخين ومن المسلمين من اقلية الروهينغيا- اجبروا على ترك منازلهم التي احرقت اثر اعمال الشغب التي ضربت ولاية راخين الواقعة في غرب بورما، واوقعت اعمال العنف خلال عشرة ايام عشرات القتلى، وقالت الارقام الرسمية انهم نحو 40 في حين قال الروهينغيا ان العدد اكبر من ذلك بكثير، وحذرت الامم المتحدة من "مشاكل ضخمة" تواجه الاف العائلات النازحة خصوصا مع بدء موسم الامطار، وانضمت منظمات غير حكومية مع منظمات محلية الى الجيش لتوزيع المساعدات على النازحين. بحسب فرانس برس.

كما اعلن الكولونيل هتين لين وزير الامن والحدود في الاقليم المجاور لبنغلادش ان حوالى 31890 نازحا لجؤوا الى 37 مخيما في ذلك الاقليم المجاور لبنغلادش، وفي عاصمته سيتوي وحدها اضطر 18890 مسلما و5600 من اقليمة راخين الاتنية ومعظمها من البوذيين، الى الفرار من منازلهم، لكنه اكد ايضا ان الوضع بات "تحت السيطرة في سيتوي" منذ الاربعاء و"تم استتباب السلم والامن"، من جهة اخرى اعلن وزير الامن ان 29 شخصا قتلوا منذ الجمعة، اي قتيل اضافة لما افادته اخر حصيلة لكنه اوضح لاول مرة انتماء الضحايا، اي 16 مسلما و13 من الراخين، ولا يشمل هذا العدد المسلمين العشرة الذين قتلوا في الثالث من حزيران/يونيو في جنوب الولاية على يد حشود بوذية غاضبة كانت تريد الانتقام لامراة تعرضت الى اغتصاب في حادث كان مفجرا لاعمال العنف. بحسب فرانس برس.

من جهة اخرى رفضت بنغلادش مجددا فتح حدودها امام المسلمين الروهينجيا الفارين من اعمال العنف الدينية في بورما رغم نداءات الولايات المتحدة ومنظمات الدفاع عن حقوق الانسان، ورفضت البلاد الواقعة في جنوب اسيا وتاوي نحو 300 الف من هؤلاء مجددا استقبال زوارق مكتظة بالمهاجرين الراغبين اللجوء اليها، ودعي ما لا يقل عن 17 زورقا يحمل نحو 700 من الروهينجيا على نهر ناف الذي يفصل بين البلدين، الى العودة ادراجها، وصرح الناطق باسم وزارة الخارجية مسعود محمود لوكالة فرانس برس ان "موقفنا من قضية اللاجئين البورميين هو ذاته"، وقد حثت الولايات المتحدة بنغلادش على استقبال الروهينجيا الذين تعتبرهم الامم المتحدة من اكثر الاقليات اضطهادا في الارض، وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الاميركية فكتوريا نولاند "اننا قلقون مما يبدو ان سلطات بنغلادش ضبطت ورفضت اشخاصا كانوا فارين من اعمال عنف طائفية في بورما"، واضافت "اننا نحث الحكومة البنغالية على احترام التزاماتها الدولية" في مجال استقبال اللاجئين، كذلك دعت المفوضية العليا للاجئين للامم المتحدة ومنظمة هيومن رايتس ووتش دكا الى فتح حدودها.

وجهة سياحية رائجة

على صعيد مختلف الفنادق محجوزة بالكامل إن لم تكن أسعارها خيالية والدولارات الممزقة مرفوضة وبطاقات الائتمان معدومة الفائدة ... أهلا وسهلا بكم في بورما التي باتت وجهة سياحية جد رائجة لا تعرف كيف تحتوي هذا السيل المتدفق من السياح، فبعد 50 عاما من حكم ديكتاتوري عسكري، انعزل خلاله هذا البلد عن العالم وخضع لمقاطعة سياحية مشددة، دعمتها المعارضة ومناصرة الديموقراطية الشهيرة آونغ سان سو تشي، لكن بعد عام واحد على حل المجلس العسكري في آذار/مارس 2011 وسلسلة من الإصلاحات السياسية المذهلة، زالت هذه الوصمة. ولم تعد بورما مقصدا صالحا للسياحة فحسب، بل أمست ايضا وجهة تستقطب السياح، وكتبت صحيفة "نيويورك تايمز" في كانون الثاني/يناير "لا يزال بلد المعابد الذهبية الذي انعزل لفترة طويلة يحافظ على طابعه الاصلي ويتميز بحفاوة الاستقبال بعيدا عن السياحة الجماعية"، وقد صنفت الصحيفة بورما في المرتبة الثالثة من تصنيق ضم 45 وجهة سياحة اوصت بزيارتها في العام 2012، وهذا الحماس الصادق بقدر ما هو مفاجئ يشكل تحديا هائلا في قطاع ناشئ، وقال توماس مونس أحد المسؤولين في فندق "غوفرنرز ريزيدانس" في رانغون وهو من الفنادق الفاخرة المكتظة دائما بالسياح "صراحة، لا أظن أن بورما قادرة في هذه المرحلة على تلبية طلبات السياحة الجماعية"، وفي معبد شويداغون الشهير في رانغون، بات على الرهبان الملتحفين بأرداء احمر داكن والمعتادين على الهدوء أن يشقوا طريقهم وسط جمع غفير من السياح يحاولون بدورهم أن ينعزلوا عن الآخرين لالتقاط الصور، فالرحلات الجوية الدولية المتجهة إلى بورما شهدت ارتفاعا شديدا، مع 365 ألف سائح زاروا رانغون في العام 2011، أي أكثر ب 22% من العام الماضي وضعف النسبة المسجلة في العام 2003، ومن المرتقب أن تسجل هذه السنة أرقام قياسية جديدة، مع 175 ألف رحلة وصلت إلى مطار العاصمة السابقة بين كانون الثاني/يناير ونيسان/أبريل، بالمقارنة مع أقل من 130 ألف رحلة خلال الفترة عينها من العام 2011، وقد خاب أمل بعض السياح المعتادين على زيارة بورما، من أمثال الألماني كلاوس (61 عاما) الذي يزور البلاد للمرة الثالثة ويتأسف قائلا "السياح جد كثيرين هذه المرة"، في فترة لا تشهد إقبالا كثيفا عادة بسبب ارتفاع الحرارة إلى أعلى درجاتها، وهو أضاف "كان عمال الفنادق من قبل جد لطيفين والبسمة كانت دوما على وجوههم وهم كانوا يهتمون بنا، لكن ما من وقت لديهم اليوم لكل هذا ... وباتت أسعار الفنادق خيالية"، فالفنادق "مكتظة أكثر من أي وقت مضى"، لا سيما في رانغون وهي قد زادت أسعارها تاليا، على ما أكد بهوي واي يار زار من مكتب السياحة في بورما. بحسب فرانس برس.

لكن المسكن ليس العائق الوحيد في وجه السياح الغربيين الذي عهدوا سياحة سهلة في منطقة جنوب شرق آسيا عموما، وتايلاند المجاورة خصوصا. فالفنادق كلها تقريبا لا تقبل بطاقات الائتمان، ما يدفع المسافرين المحتاطين إلى تأمين السيولة الكافية لنفقاتهم جميعها بالدولارات، وبفضل الإصلاحات النقدية التي أطلقت اخيرا، بات من الممكن صرف الأموال بأسعار تنافسية في المكاتب الرسمية بدلا من اللجوء إلى السوق السوداء، لكن ينبغي تقديم دولارات نظيفة لا يشوبها أي عيب، وإلا رفضت الاموال، وأخبر بهوي واي يار زار بأسف أن "سياح كثيرين وصلوا إلى بورما من دون الاطلاع على المعلومات اللازمة، ولم يحملوا معهم سيولة تكفيهم طوال فترة إقامتهم"، وينبغي ألا يغيب عن بال السائح كذلك أن بورما تبقى من البلدان الأكثر فقرا في العالم.            

اتفاقات النفط

الى ذلك تواصل بورما سياسة الانفتاح على الخارج، عبر التوقيع على مجموعة من اتفاقات التنقيب عن النفط والغاز مع مجموعات اجنبية، كما ذكرت صحيفة حكومية، والتصويت في القريب العاجل على القانون الجديد حول الاستثمارات الذي يجيز للاجانب الاستحواذ التام على شركات محلية، وقد وقعت شركة "ميانما اويل اند غاز انتربرايز" الرسمية مجموعة من تسعة اتفاقات منذ شهر اذار/مارس، كما ذكرت مجلة ميانمار اهلين، واضافت المجلة "انها المرة الاولى في تاريخها توقع ميانما اويل اند غاز انتربرايز تسعة اتفاقات في فترة زمنية قصيرة". ولم تحدد المبالغ المطروحة لكنها اوضحت ان شركات وطنية معنية بصفتها مشاركة في الاتفاقات التسعة، والشركات الاجنبية المعنية هي اي.بي.آي هولدينغ (هونغ كونغ) وجيوبترو انترناشونال (سويسرا) وبتروناس (ماليزيا) وجوبيلانت اينيرجي (الهند) وبي.تي.تي.اي.بي (تايلاند) وايستك انرجي (اندونيسيا) وسي.آي.اس نوبل اويل (روسيا)، واوضحت المجلة ان عشر شركات اجنبية تجري في الوقت الراهن عمليات تنقيب في 24 حقلا اوف شور، وتعمل ثماني في 20 منطقة تنقيب برية، وتفرض السلطات على المجموعات الاجنبية التعاون مع شركة محلية اذا ما ارادت دخول السوق. وكشفت المجلة ان "شركات عدة تجري اتصالات بميانما اويل اند غازغع انتربرايز من اجل ... الاستثمار"، واعلن الرئيس ثين شين في خطاب الى الامة ان بلاده بدأت مرحلة ثانية من الاصلاحات التي تتمحور هذه المرة حول الاقتصاد، بعد اكثر من عام على تغييرات سياسية عميقة، ويكشف المحللون ان المجلس العسكري صادر عائدات النفط والغاز منذ خمسين عاما. لكن هذا المجلس اصدر قرارا بحل نفسه في اذار/مارس 2011 بعدما سلم السلطة الى عسكريين سابقين زادوا منذ ذلك الحين من وتيرة الاصلاحات، وقد اجتذبت موارد البلاد حتى الان استثمارات مهمة من الصين والهند، لكن العقوبات الاميركية وعقوبات الاتحاد الاوروبي التي علقت في نيسان/ابريل، عرقلت المستثمرين الاجانب منذ اكثر من 15 عاما. بحسب فرانس برس.

من جهة اخرى، ذكر مسؤول كبير ان بورما ستجيز للاجانب الاستحواذ التام على شركات محلية بموجب القانون الجديد حول الاستثمارات الذي سيجرى التصويت عليه قريبا في البرلمان، وقال كان زاو نائب وزير التخطيط والتنمية الاقتصادية "سيسمح للشركات الاجنبية الاستثمار لحيازة ما بين 35 و100% من المؤسسات المحلية"،  واضاف على هامش منتدى حول الاستثمارات في رانغون "سنبحث باهتمام ملفات الشركات التي تريد الاستثمار بنسبة 100%"، وذكر الرئيس البورمي الذي يريد فتح البلاد على المنافسة الدولية بأن الشركات الاجنبية لن تهتم بهذه السوق الجديدة الا "اذا تأمنت لها الحماية عبر القوانين"، وسيقر القانون الجديد حول الاستثمارات خلال الدورة المقبلة للبرلمان في الرابع من تموز/يوليو. وهو ينص ايضا على اعفاء المستثمرين الاجانب من الضرائب خمس سنوات في مقابل ثلاث سنوات اليوم، كما قال كان زاو، واضاف "يجب ان تكون سياستنا حول الاستثمارات تنافسية"، وينص القانون ايضا على السماح للمستثمرين الاجانب باستئجار اراض خاصة، فيما لا يستطيعون اليوم الا المرور عبر الدولة، وعلى رغم الاصلاحات التي بدأت منذ حل المجلس العسكري في اذار/مارس 2011، يشير الخبراء الى حجم الصعوبات التي ستعتري السنوات المقبلة قبل البدء باستثمار الثروات البورمية، فالاطار القانوني لاغ وكأنه لم يكن والبنية التحتية متهالكة والنظام القضائي مرتهن بالكامل لارادة السلطة السياسية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 5/آب/2012 - 16/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م