السياسة المائية في العراق... غياب التخطيط وضعف الانجاز

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يُقال أن العراق هو البلد الوحيد في العالم، الذي يحتوي في أراضيه على نهرين عملاقين، دجلة والفرات، واستنادا الى ذلك سمّيَ بأرض الرافدين، بل أُطلِقَ على حضارته الانسانية المشهودة، تسمية (حضارة وادي الرافدين)، وعُرف هذا البلد أيضا بـ (أرض السود) لكثرة البساتين والنخيل واخضرار الاشجار في اراضيه المترامية الاطراف.

وقد اشتهر العراق بالزراعة، لاسيما النخيل، إذ يتصدر جميع بلدان العالم في انتاج التمور، ناهيك عن المحاصيل والثمار الاخرى، حدث هذا بسبب وفرة المياه من جهة، وبسبب التعامل الصحيح والناجح مع الموارد المائية المتاحة، حتى اننا نتذكر جيدا الفيضان الذي اكتسح بغداد وبعقوبة وغيرهما في خمسينيات القرن الماضي، الامر الذي يدل على وفرة مياه كبيرة جدا، وسياسة مائية سليمة ومتوازنة مع الدول المجاورة التي ينبع منها الرافدان أو سواها.

ولكن تُظهر الدول المجاورة لاسيما تركيا، نوعا من الاستحواذ الواضح على الثروة المائية، وتمارس نوعا من الابتزاز السياسي والاقتصادي مع العراق، يقابل ذلك ضعف كبير من لدن الحكومة العراقية في التعامل بخبرة ودراية وحزم، لاسيما ان تركيا لها علاقات تجارية بلغت مليارات الدولارات، ومع ذلك تستخف بالعراق وتستحوذ على المياه وتبني السدود، وتتخذ خطوات عدائية واضحة، تتغاضى عنها الحكومة العراقية، او تتعامل معها بضعف بيّن.

لذلك تشير الوقائع الى فشل ذريع في السياسة المائية للحكومة العراقية، والاسباب بالغة الوضوح للجميع، يقول د. ثاءر مجمود رشيد في مقال له نشرته جريدة المدى عن سياسة تركيا بشأن نهريّ دجلة والفرات: (يكمن جوهر الخلاف بين تركيا ودولتي الجوار العربي -العراق وسوريا- في تناقض الرؤية لكلا الجانبين فتركيا لا تعترف بدولية النهرين -دجلة والفرات- وتعتبرهما حوضا واحدا وترى في دجلة والفرات انهما نهران تركيان ، وتطلق عليهما تسمية -مياه ماوراء الحدود-، فضلا عن رفض تركيا الدخول في اتفاق رسمي بشأن تقسيم مياه الفرات بينها وبين العراق وسوريا. وما انفكت تركيا تصرح ان نهري دجلة والفرات تركية وان لها حق السيادة على مواردها المائية وحتى النقطة التي يغادران فيها الاقليم التركي وان السدود التي تقيمها لا تسبب أي مشكلة دولية، وذلك ما يتنافى بالطبع مع اتفاقية او مبادئ هلسنكي لعام 1966 التي تنظم قواعد استغلال مياه الانهار الدولية لغير الاغراض الملاحية وتقرير عام 1988 للجنة القانون الدولي التي اسستها الجمعية العامة للامم المتحدة المتعلق بالاستخدام الملاحي لمجاري المياه).

أما ايران فقد اتخذت بعض الاجراءات التي تضر بالموارد المائية العراقية كما يقول الكاتب نفسه في بحثه المنشور بالمدى: (إن الاجراءات التي قامت بها ايران تجاه المياه المشتركة بينها وبين العراق ادت الى تعرض هور الحويزة الى الجفاف، وان مشكلة الملوحة في مياه الفرات هي من المشاكل التي يجب التوقف عندها اذ تبلغ نسبة الملوحة الان 2,5 في الالف وهي نسبة ليست قليلة وتحتاج الى اجراءات عاجلة  جدا، وتشير تقارير لكلية الزراعة في البصرة الى ان السمك النهري بدا ينحسر في البصرة نتيجة تزايد ملوحة المياه في المسطحات المائية).

مقابل هذه الاجراءات التي تقدم عليها دول الجوار، هناك صمت حكومي، ولا مبالاة في التعامل هذه القضية الحيوية، بحجة الظروف التي يمر بها العراق حاليا، بيد أن الامر ينم عن خلل كبير في التعامل الحكومي بمسؤولية ازاء هذه القضية التي تمس حاضر ومستقبل الشعب العراقي،تقول سميرة علي في تقرير لها نشر في احدى الوكالات: (بينما يعاني سكان مناطق متفرقة من العراق من شحة المياه، ما أثر بشكل كبير على حياتهم اليومية والزراعة التي تعرضت للجفاف، أعلنت الحكومة العراقية مصادقتها على مشروع قانون المجلس الوطني للمياه، ضمن سعيها الحفاظ على بيئة العراق المائية، ووضع سياسة مائية ذات خطط بعيدة المدى، وأبعاد إستراتيجية تؤمن حصص العراق من المياه الدولي).وتضيف سميرة في تقريرها: (تسعى الحكومة العراقية إلى أن تنجح من خلال تشكيل المجلس الوطني للمياه في الضغط على إيران لوقف تسرب النفايات إلى الأنهر العراقية، وتفعيل عمل المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي بين العراق وتركيا، بهدف إلزام تركيا باطلاق الحصص المائية التي يستحقها العراق. وكشفت تقارير أعدتها منظمات دولية متخصصة أن العراق سيخسر واردات نهري دجلة والفرات بالكامل بحلول عام 2040. وكان باحثون وخبراء حذروا خلال مؤتمرات وندوات عديدة أقيمت داخل العراق وخارجه، حذروا من تفاقم أزمة المياه وخطورة إنشاء تركيا للسدود وخاصة سد –أليسو- على نهر دجلة، لأنها ستؤثر سلبا على كمية المياه الواصلة الى العراق ة المشتركة، وحماية الموارد المائية).

وهكذا يتضح لنا خلل وضعف الاجراءات التي تتخذها الحكومة العراقية بهذا الصدد، تاركة الخيار الاقتصادي جانبا، معولة على الجانب الدبلوماسي الضعيف اصلا، لأن معالجة هذه القضية الحيوية تحتاج الى تخطيط وتنفيذ وحزم اكبر بكثير مما تقوم به الحكومة الآن.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 4/آب/2012 - 15/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م