العنصرية في الرياضة... مسلسل طويل لا ينتهي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا ينتهي الحديث عن التمييز العنصري ضد بعض المختلفين في لون البشرة او الدين والمعتقد او العرق، او حتى في بعض الصفات الجسمانية. واخر حادثة من هذا القبيل هي ما كتبته اللاعبة اليونانية فاولا باباتشريستو التي كانت على وشك تمثيل بلادها عبر حسابها الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي تويتر على شكل نكتة هي (كم الأفارقة الموجودين في اليونان كبير جدا، لكن على الأقل الذباب القادم من غرب النيل سيتناول طعاما محليا!).

وقد استبعدت اليونان اللاعبة بسبب ما وصف انه نكتة عنصرية.

وأثارت تغريدة فاولا غضبا كبيرا، حتى اعتذرت بعدها بدقائق (أعتذر إذا كنت قد أهنت أحدا). لكن الاعتذار لم يكن كافيا حتى تتفادى قرار الاتحاد اليوناني بالاستبعاد. وهي اقسى عقوبة يمكن ان تتعرض لها لاعبة تطمح في تمثيل بلادها.

وفي نفس السياق من التمييز وهذه المرة ضد اتباع ديانة اخرى اقتحمت مجموعة (فلامس بيلانج) البلجيكية اليمينية المتطرفة حفلا أقامته مدارس(فلامس سخوتن) للمرحلة الثانوية بالمنطقة الفلامنكية في بروكسل، دافعين بقطع لحم الخنزير في وجوه وأفواه التلاميذ المسلمين، فيما اتصلت إدارة المدرسة بالشرطة، إلا أن المهاجمين لاذوا بالفرار.

وذكرت صحيفة "الوطن" البحرينية" أن إدارة المدرسة قد قررت تقديم أطباق من اللحم الحلال والامتناع عن تقديم لحم الخنزير في الحفل، لكون عدد الأطفال المسلمين في المدرسة كبيرا، إلا أن الأمر لم يرق لمجموعة "فلامس بيلانج" المتطرفة التى اعتبرت أن مهمتها قد نجحت.

وصرحت متحدثة باسم المدرسة بأن المهاجمين قد تجاوزوا كل أعراف الآداب العامة حيث كان بحوزتهم قطع لحم الخنزير ودفعوها في وجوه وأفواه التلاميذ المسلمين وأهانوهم، وعبرت الناطقة باسم المدرسة عن أسفها لما جرى، خاصة أن الضحايا من الأطفال.

وزعمت المجموعة اليمينية المتطرفة أنها تلقت مكالمات هاتفية من بعض الآباء الذين يرفضون خطة المدرسة في تقديم "اللحم الحلال" ما دفعها الى التصرف على هذا النحو، انطلاقا من قناعتها بأن واجبها يحتم عليها فعل أي شيء حتى لو كان رمزيا.

وقد دعا مفوض حقوق الانسان في مجلس اوروبا نيلز مويزنيكس الحكومات الاوروبية الى (الغاء القوانين والاجراءات التي تستهدف المسلمين تحديدا) مثل قانون ارتداء النقاب او البرقع الذي اعتمدته فرنسا عام 2010.

وهذه الحوادث ليست جديدة الا انها اخذت بالاتساع، ويذكر الكثير من المتابعين الحادثة الشهيرة للمدرب الاسباني لويس أراغونيس في العام 2004 حين استطاع طاقم التلفزيون الاسباني في الإمساك به أثناء الموسم التدريبي للفريق الاسباني الدولي وهو يتكلم مع زميل تييري هنري في نادي آرسنال خوسيه أنطونيو رييس، حيث قال (أعطه الكرة، ثم اجعل ذلك الأسود اللعين يراك ويدرك بأنك أفضل منه). هذه الحادثة سببت ضجة كبيرة في الإعلام البريطاني والذي طالب بطرد أراغونيس من منصبه. عندما لعبت إسبانيا ضد انكلترا في مباراة ودية بعد ذلك العام، الجمهور الاسباني كان عدائياً. فمتى يقوم الإنكليز السود بلمس الكرة، تجد أعداد كبيرة من الجمهور الاسباني يؤدي أناشيد القردة للاستهزاء باللاعبين السود. اتحاد كرة القدم الاسباني قد قام بتغريم أراغونيس المدرب 3000 يورو.

وبعد عملية التحقيق، قام اتحاد كرة القدم الأوروبي بتغريم اتحاد كرة القدم الاسباني أيضاً بـ100 ألف فرنك سويسري وحذر بعدم تكرار ذلك وإلا سيكون العقاب أشد، سواء على الاتحاد نفسه أو على البطولات الدولية الرئيسية أو في المباريات الدولية في إسبانيا على الجمهور نفسه.

أو نرى وشركة نايك قد بدأوا حملة قف تكلم Stand Up Speak Up ضد التمييز العنصري لكرة القدم، وذلك نتيجة لتلك الحادثة. وقد كان أونري جزءً من حملة جوغا بونيتو لشركة نايك، جوغا بونيتو هي كلمة برتغالية تعني بالعربية (العب بشكل جميل).

العنصرية (أو التمييز العرقي) (بالإنجليزية: Racism) هو الاعتقاد بأن هناك فروق وعناصر موروثة بطبائع الناس و/أو قدراتهم وعزوها لانتمائم لجماعة أو لعرق ما - بغض النظر عن كيفية تعريف مفهوم العرق - وبالتالي تبرير معاملة الأفراد المنتمين لهذه الجماعة بشكل مختلف اجتماعيا وقانونيا. كما يستخدم المصطلح للإشارة إلى الممارسات التي يتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من البشر بشكل مختلف ويتم تبرير هذا التمييز بالمعاملة باللجوء التعميمات المبنية على الصور النمطية وباللجوء إلى تلفيقات علمية.

كانت من أولى الأعمال العنصرية والأكثرها انتشارا هي تجارة الرقيق التي كانت تمارس عادة ضد الأفارقة السود. كما توجد امثلة معاصرة للعنصرية مثل:

العزل العنصري ضد الأفارقة السود (قوانين الفصل في جنوب أفريقيا).

الحركة الصهيونية ضد السكان العرب لفلسطين.

الحركة العنصرية ضد اليابانيين في أمريكا خلال الحرب العالمية.

حركة معاداة السامية ضد اليهود في أوروبا عموما وفي ألمانيا النازية.

العنصرية في الامبراطورية العثمانية وتركيا الحديثة ضد الطوائف المسيحية ادت إلى حدوث مذابح الأرمن والمذابح الاشورية ومذابح اليونانيون وبوغروم إسطنبول وكذلك ضد العرب في بدايات القرن العشرين.

العنصرية ضد الشرق أوسطيين والمسلمين في أمريكا والغرب بعد أحداث 11 سبتمبر.

العنصرية ضد المهاجرين والمجنسين في دول الخليج العربي وبالتحديد في المملكة العربية السعودية وذلك بسن القوانين لإعطاء ميزة قانونية بممارسة العنصرية والاعتقاد بأن العنصر القبلي (البدو) أفضل من العنصر المهاجر أو المتمدن الحضري.

وهناك عدة اشكال من التمييز، وقد صنفها جون فارلي إلى ثلاث فئات:

التمييز الشخصي (الفردي)

التمييز الفردي هو تجاه فرد بعينه، ويشير إلى اي عمل يؤدي إلى عدم المساواة في المعامله بسبب الفرد الحقيقي أو المتصور عضوية المجموعة.

التمييز القانوني

التمييز القانوني يشير إلى (عدم المساواة في المعامله، وعلى بحجه انتماءه إلى جماعة، وهذا هو التمسك بحكم القانون). الفصل العنصري هو مثال على التمييز القانوني.

التمييز المؤسسي

التمييز المؤسسي يشير إلى عدم المساواة في المعامله المترسخ في المؤسسات الاجتماعية الأساسية، مما أدى إلى فائدة مجموعة واحدة على أخرى. نظام الطبقات الهندي هو المثال التاريخي على التمييز المؤسسي.

وقبل انطلاق الاولمبياد في لندن سعى الساسة البريطانيون الى تطهير سمعة الرياضة خوفا من أن تؤثر حوادث العنصرية على صورة اللعبة، لا سيما خلال هذه الفترة وقد قام رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ووزير الرياضة جيرمي هانت بعقد اجتماع مع عدد من الشخصيات الرياضية البارزة لمناقشة ظاهرة العنصرية. وتأتي هذه الخطوة على خلفية تزايد حوادث العنصرية في الملاعب الإنجليزية التي أججتها حادثة لاعب ليفربول لويس سواريز، بعد رفضه مصافحة لاعب مانشستر يونايتد الأسود باتريك إيفرا قبل مباراة متلفزة على ملعب (أولد ترافورد)، بمدينة مانشستر.

وكانت لجنة الانضباط في الاتحاد الإنجليزي قد أوقفت اللاعب سواريز 8 مباريات، وغرم بمبلغ 40 ألف جنيه، على أعقاب توجيهه ألفاظا عنصرية ضد مدافع فريق مانشستر يونايتد، الفرنسي إيفرا في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ورغم أن سواريز الذي يبلغ (25 عاما) عبر عن استعداده لمصافحة إيفرا بعد عودته من الإيقاف، فإنه رفض ذلك خلال المباراة التي جمعتهما يوم الأحد الماضي مما شكل صدمة لدى المشاهدين.

يمكن القول بأن الحادثة لا تعد الأولى التي يتعرض لها لاعب لسلوك عنصري، فقبل أسابيع جرد قائد فريق تشيلسي اللاعب جون تيري من شارة قيادة المنتخب لاتهامه من قبل النيابة العامة في بريطانيا بـ (الإضرار بالأمن العام بسبب توجيهه لعبارات عنصرية صارخة) ضد مدافع كوينز بارك رينجرز أنتون فرديناند في إحدى مباريات الدوري الإنجليزي.

وفي هذا الصدد عبر رئيس الوزراء البريطاني كاميرون عن قلقه من الأحداث الأخيرة قائلا: (لن نتسامح مع العنصرية في بريطانيا. فليس لها مكان في مجتمعنا. وحيثما وجدت، سنطردها) بحسب صحيفة «الغارديان» البريطانية، مضيفا بأنه يريد أن يرى المزيد من الرياضيين السود يمارسون اللعبة على أعلى مستوى. في حين حذر وزير الثقافة جيرمي هانت، أن كرة القدم لا يجب أن تعود إلى(الأيام القديمة السيئة) - يقصد حقبة الثمانينات التي استشرت خلالها جذور العنصرية.

من جانب آخر، تقوم بريطانيا بخطوات كبيرة في تغيير مواقف التمييز العنصري، وخصوصا على صعيد الرياضة، الذي بدأت فيه هذه الظاهرة منذ الثلاثينات من القرن الماضي إذ ينظر للرياضيين كعوامل مؤثرة في المجتمع، فمثلا، قامت جمعية أنصار كرة القدم (FSA) بإطلاق مبادرة في محاولة لتشجيع المزيد من الناس من الأقليات العرقية لحضور المباريات. هذا من جانب، أما من جانب آخر، فالأحداث العنصرية لا تحظى بالتعاطف من الصحافة والمجتمع بشكل عام. ووصف المدير الفني لـ«مانشستر يونايتد»، أليكس فيرجسون اللاعب سواريز، بأنه «عار» على تاريخ ليفربول. أما الصحافة فيظهر استهجانها واضحا للسلوك العنصري في الملاعب. وصورت صحيفة «ديلي ميرور» البريطانية اللاعب في صدر صفحتها الأولى وكتبت عنوان «مذنب»، بالمقابل، اختارت صحيفة «ديلي اكسبريس» كلمة «محظور» لوصفه.

ولكن، ورغم الجهود الرامية إلى استئصال العنصرية فقد تورط لاعبون كثر بها على مر التاريخ في بريطانيا، كما اختلفت حدتها بين عقد وآخر. وغالبا ما يتعرض اللاعبون ذوو البشرة الداكنة لأشكال العنصرية. ففي عام 1930 تعرض لاعب إيفرتون إف سي، ديكسي دين، إلى تعليقات عنصرية تلفظ بها أحد الجمهور فيما كان مغادرا المعلب حيث قام اللاعب بركله بعد أن استشاط غضبا. أما اللاعب روجر فيردي، وهو من أصول هندية فقد اضطر لتغيير اسمه من راجندر فيردي بسبب العنصرية. وفي السبعينات، عانى ظهير فريق نوتينغهام فوريست، فيف فوريست، من التمييز بسبب لونه حتى أنه تعرض للرشق بالتفاح والكمثرى من أنصار فريق نيوكاسيل.

وتعد فترة الثمانينات من أكثر الفترات التي شهدت تأججا للسلوك العنصري. حيث تعرض لاعب فريق وست بروميتش البيون كيرل ريغز، مرارا لهتافات من قبل مشجعي فيرق نيوكاسيل تصفه بأنه «قرد». كما أرسلت إليه رصاصة بالبريد حينما علم بأنه استدعي للانضمام إلى صفوف المنتخب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 1/آب/2012 - 12/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م