سوريا والسلاح الكيمياوي... بين التضليل والتهويل

 

شبكة النبأ: تتزايد المخاوف من احتمال اندلاع حرب غير تقليدية في المنطقة بسبب تردي الاوضاع الامنية في سوريا التي تشهد ومن اكثر من عام صراعا مسلحا بين الحكومة والجماعات المسلحة المدعومة من قبل بعض الاطراف الخارجية، تلك المخاوف تجددت بعد ان اعلنت سوريا انها تمتلك اسلحة كيمياوية يمكن تستخدمها لدفاع عن نفسها في حال تعرضها الى تعرضها الى عمل عسكري خارجي وهو ما اثار مخاوف بعض دول المنطقة ومنها اسرائيل التي اصبحت تخشى ان تكون احدى اهم الاهداف المباشرة وهو ما دفعها الى اعلان حالة استنفار لمواجهة اي طارئ قد يستجد، وفيما يخص تلك التطورات فقد قال مسؤولون دفاعيون إسرائيليون إن الحكومة السورية ما زالت تسيطر تماما على مخزوناتها من الأسلحة الكيماوية محاولين على ما يبدو تهدئة المخاوف من احتمال أن تكون حرب غير تقليدية على الأبواب. وأثار الصراع المستمر في سوريا منذ 16 شهرا القلق بخصوص احتمال سقوط ترسانة الأسلحة الكيماوية التي اعترفت دمشق لأول مرة بوجودها في أيدي جماعة حزب الله اللبنانية أو أن يستخدمها الرئيس بشار الأسد في محاولة أخيرة يائسة.

وقالت حكومة الأسد إن هذه الأسلحة آمنة ولن تستخدم إلا كملاذ أخير ضد أعداء سوريا الأجانب في إشارة إلى التدخل العسكري الخارجي. وأدت هذه التصريحات إلى زيادة الطلب في إسرائيل على الأقنعة الواقية من الغاز التي تمولها الدولة والتي جرى توزيعها على مدى السنوات الاخيرة في إطار استعدادات أوسع لمواجهة محتملة بشأن برنامج ايران النووي.

وقال عاموس جلعاد مستشار وزير الدفاع الاسرائيلي إيهود باراك لراديو اسرائيل "مبعث القلق بالطبع هو أن النظام سيتداعى والسيطرة كذلك ستتداعى." لكنه أضاف "حاليا نظام الأسلحة غير التقليدية بأكمله تحت سيطرة النظام الكاملة." وقال اللفتنانت جنرال بيني جانتز رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إن الأسد يسيطر سيطرة كاملة على المخزونات بل ويعزز الأمن حولها أيضا.

وقال أمام لجنة برلمانية معنية بالأمن "في حدود علمي هي لم تصل بعد إلى أيد سلبية." واضاف "هذا لا يعني أن ذلك لن يحدث... قد يستخدمونها ضد المدنيين أو ينقلون مكونات محددة من الأسلحة الى حزب الله."

لكن وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان تحدث بلهجة مختلفة أثناء زيارة لبروكسل وقال إن أي مؤشر على أن أسلحة كيماوية أو بيولوجية سورية على وشك الوصول الى يدي حزب الله سيكون "خطا أحمر" و"دعوة واضحة للحرب." وقال للصحفيين "سنتحرك بحسم ودون تردد أو تحفظ ونتطلع إلى تفهم من المجتمع الدولى." وإسرائيل في حالة حرب مع سوريا رسميا وتحتل مرتفعات الجولان. ولم تشتبك الدولتان عسكريا على مدى ثلاثة عقود لكن كشف حكومة الأسد عن امتلاكها أسلحة كيماوية يشير إلى أنها لن تقيم اعتبارا لشيء إذا أصبح وجودها مهددا من قبل قوات أجنبية.

وتشعر اسرائيل بالقلق لوجود ثغرات في دفاعاتها كشفت عنها صواريخ حزب الله خلال حرب لبنان عام 2006. وهذه الصواريخ لا تقارن بصواريخ سكود السورية. ومنذ تعرضت اسرائيل للقصف بصورايخ سكود عراقية في حرب الخليج عام 1991 تفرض السلطات معيارا لبناء المنازل الجديدة ان تتصمن غرفة حصينة محكمة الاغلاق لاستخدامها كملجأ في حالات القصف. لكن قرابة خمس السكان ى تتوفر لديهم هذه الغرف ولا إمكانية الوصول الى ملاجئ عامة.

والأقنعة الواقية من الغاز إجراء احتياطي آخر. ويقول بعض المنتقدين إن الأقنعة التي تكلف الدولة ما بين 60 و175 دولارا أجهزة مكلفة محدودة الفائدة في التصدي لغازات الأعصاب. ولكن الإسرائيليين يقبلون العرض احتياطا. وقالت شركة البريد الإسرائيلية التي تقوم بتوزيع الأقنعة لحساب الجيش إنه جرى تسليم 3700 قناع واق مقارنة بالمتوسط اليومي الذي يبلغ 2200 قناع. بحسب رويترز.

وقالت المتحدثة باسم الشركة ميراف لابيدوت "الزيادة مرتبطة بلا شك بما يحدث في سوريا." واضافت لابيدوت أنه من بين 7.8 مليون إسرائيلي حصل 4.2 مليون على أقنعة والبقية سيحصلون عليها في ستة أشهر. ومن بين منتقدي هذا المسعى عاموس يادلين القائد الأسبق للمخابرات العسكرية. وقال يادلين الذي يدير معهد دراسات الأمن الوطني في جامعة تل أبيب "أعتقد أن الذعر الذي يجري بثه في الجمهور فيما يتعلق بالأسلحة الكيماوية السورية مبالغ فيه ومن الأفضل تخفيف حدة النبرة."

في السياق ذاته قدم بيني رحميم الى احد اكشاك توزيع اقنعة الغاز في بلدة ميفاسيرت زيون القريبة من القدس لاخذ ستة اقنعة غاز له ولعائلته مشيرا الى انه "يجب الاستعداد لكل الاحتمالات عندما نسمع ما يحدث في سوريا". ويقول رحميم (36 عاما) "الوضع مقلق مع التهديدات الايرانية وعدم الاستقرار في سوريا وكل ما يحدث في العالم العربي". ويتوجه الاسرائيليون القلقون من التطورات في سوريا الى مراكز توزيع الاقنعة الواقية من الغاز خصوصا بعد ان اعرب مسؤولون اسرائيليون عن قلقهم على مصير الاسلحة الكيميائية في سوريا في حال سقوط نظام بشار الاسد.

ويقف العديد من الاشخاص امام كشك توزيع اقنعة الغاز في مركز تجاري في بلدة ميفاسيريت زيون في انتظار دورهم لاستلام الاقنعة مقابل ابراز بطاقات هوياتهم. وتقول يفات "كان هناك اعلانات في الصحيفة عن هذا التوزيع ولهذا جئت لاخذ اقنعة لكل العائلة" مشيرة الى انها "قلقة جدا" من الوضع. وتتابع "كيف لا تكون قلقا مع كل الذي يحدث حولنا؟" موضحة بان "امتلاك اقنعة غاز في البيت هو جزء من حياة كل اسرائيلي". بحسب فرنس برس.

وبحسب النائب زئيف الكين رئيس لجنة الجبهة الداخلية في البرلمان (الكنيست)الاسرائيلي من حزب كاديما المعارض فانه يجب ان يحصل كل السكان الاسرائيليين على اقنعة الغاز في المستقبل. وقال الكين "تم تخصيص ميزانيات من قبل الحكومة لذلك وينبغي ان يحصل كل اسرائيلي على قناع للغاز".

اسرائيل تهدد برد شديد

على صعيد متصل حذر وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان من ان اسرائيل سترد "فورا" وبأشد طريقة ممكنة" في حال نقل اسلحة كيميائية سورية الى حزب الله اللبناني. وقال ليبرمان متحدثا للاذاعة العامة "ان رصدنا نقل اسلحة كيميائية سورية الى حزب الله، فسوف نتحرك باشد طريقة ممكنة". واكد ان عملية كهذه ستشكل "سببا للحرب" موضحا ان ذلك "خط احمر ينبغي عدم تخطيه، انها الرسالة التي نقلناها الى الاوروبيين والاميركيين والامم المتحدة وروسيا".

وكان قائد اركان الجيش الاسرائيلي الجنرال بيني غانتز اعلن ان نظام الرئيس السوري بشار الاسد "يسيطر على مخزونه من الاسلحة". وقال غانتز امام اللجنة البرلمانية للشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست ان "السوريين يشددون حاليا الاجراءات الامنية لحماية اسلحتهم. واستنادا الى معلوماتنا فان الاسلحة لم تنتقل بعد الى اياد خطرة لكن ذلك لا يعني ان هذا لن يحدث. انهم يستطيعون استخدامها ضد مدنيين او نقلها الى حزب الله". بحسب فرنس برس.

وكان وزير الدفاع ايهود باراك اعلن ان "اسرائيل لا يمكن ان توافق على نقل اسلحة متطورة من سوريا الى لبنان"، محذرا من رد اسرائيلي عسكري على سيناريو كهذا. من جهة اخرى قلل ليبرمان من اهمية رفض الاتحاد الاوروبي طلبا اسرائيليا بإدراج حزب الله على القائمة السوداء للمنظمات الارهابية بعد الاعتداء الدامي الذي وقع في بلغاريا وادى الى مقتل خمسة سياح اسرائيليين. وقال ليبرمان ان "هذا القرار من قبل 27 بلدا يتطلب اجماعا لا يمكن ان يتحقق بيوم واحد، في لقاء اول. لكننا حصلنا على دعم كبير" بين الاوروبيين. واجرى ليبرمان مؤخرا سلسلة من المحادثات مع نظرائه الاوروبيين خلال زيارة الى بروكسل.

غير مقبول

من جانب اخر قالت وزارة الخارجية الروسية إن روسيا أبلغت الحكومة السورية بوضوح أن التهديد باستخدام الأسلحة الكيماوية غير مقبول وذلك بعد ان حذرت دمشق من انها قد تستخدمها اذا واجهت تدخلا أجنبيا. وقالت الوزارة إن ميخائيل بوجدانوف نائب وزير الخارجية عقد اجتماعا مع سفير سوريا في موسكو عرض خلاله "بشكل شديد الوضوح موقف روسيا بشأن عدم قبول أي تهديدات باستخدام أسلحة كيماوية."

وكرر بوجدانوف الدعوة التي وجهتها بلاده لسوريا للالتزام بالبروتوكول الدولي الموقع عام 1925 الذي يحظر استخدام الغازات السامة في الحروب. وتقول روسيا ان سوريا وقعت هذا البروتوكول عام 1925. وكانت وكالة ايتار تاس الروسية المملوكة للدولة قد نقلت في وقت سابق عن نائب آخر لوزير الخارجية الروسية هو جينادي جاتيلوف قوله ان موسكو تلقت تأكيدات قوية من دمشق بأن ترسانة الأسلحة الكيماوية "مؤمنة تماما".

وتعارض روسيا بشدة اي تدخل عسكري اجنبي في سوريا لكنها ترى نفسها أحد الضامنين الرئيسيين - مع الولايات المتحدة - لأمن أسلحة الدمار الشامل. ويقول محللون ان كشف سوريا عن الاسلحة الكيماوية لن يدفع روسيا لتغيير موقفها من سوريا واسقاط معارضتها للتدخل الاجنبي او إصرارها على ان رحيل الاسد يجب الا يكون شرطا مسبقا للعملية السياسية.

وبدأت سوريا في عام 1973 في الحصول على قدرة لتطوير وإنتاج عناصر الأسلحة الكيماوية بما في ذلك غاز الخردل وغاز السارين وربما غاز الأعصاب أيضا. ويقول الموقع الإلكتروني جلوبال سكيوريتي الذي يقوم بجمع تقارير المخابرات المنشورة وبيانات أخرى إن هناك أربعة مواقع مشتبها بها للأسلحة الكيماوية في سوريا: شمالي دمشق وقرب حمص وفي حماة وبالقرب من مدينة اللاذقية الساحلية.

وحدد محللون أيضا بلدة سيرين الساحلية كمنتج محتمل للأسلحة البيولوجية. ويدرج عدد من المواقع الأخرى تراقبها وكالات المخابرات الغربية كمواقع مشتبه فيها فقط. وأضاف الموقع أن من بين الأسلحة التي تنتجها سوريا غاز الأعصاب وغاز السارين وغاز التابون. بحسب رويترز.

والحجم الدقيق للأسلحة في مخزون سوريا غير معروف. ومع هذا قدرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن سوريا لديها مئات اللترات من الأسلحة الكيماوية وتنتج مئات الأطنان من العناصر سنويا. وقال دافيد فريدمان خبير أسلحة الدمار الشامل في معهد دراسات الأمن الوطني في جامعة تل أبيب "لتحويل العناصر إلى أسلحة يتم صبها في رؤوس حربية.. يمكن أن تكون أي شيء من الصواريخ ذاتية الدفع إلى قذائف المدفعية العادية إلى الذخائر التي تسقط من الجو. الأسلحة يمكن أن تكون صغيرة مثل قنابل المورتر وبعض الأسلحة الكيماوية السورية في وضع الإطلاق بالفعل في شكل رؤوس حربية."

استنفار خاص

الى جانب ذلك ذكرت وسائل إعلام تركية ان الجيش التركي أرسل فرقا ذات تدريب خاص على التعامل مع هجمات الأسلحة الكيماوية الى منطقة الحدود السورية بعدما حذرت سوريا من انها قد تستخدم مثل هذه الأسلحة ضد قوات من خارج البلاد. وقالت وكالة دوجان للأنباء ان كتيبة الاسلحة الكيماوية التي كانت متمركزة في غرب تركيا نقلت الى قونية في وسط البلاد قبل شهرين وان مجموعة من الافراد توجهت الان الى منطقة الحدود السورية. واعترف المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي بأن سوريا لديها اسلحة كيماوية وقال انها لن تستخدمها لسحق مقاتلي المعارضة وانما قد تستخدمها ضد قوات من خارج البلاد. بحسب رويترز.

على صعيد متصل قال وزير الخارجية الاردني ان الاردن اتخذ احتياطات تحسبا لاستخدام أسلحة كيماوية في سوريا مما يعكس القلق في المنطقة بشأن تهديد سوريا باستخدام مثل هذه الاسلحة ضد قوات اجنبية. وعندما سُئل عن استعدادات الأردن في حالة حدوث هذا السيناريو في سوريا قال وزير الخارجية الاردني ناصر جودة ان الاردن لا يتدخل في الشؤون الداخلية للدول لكنه اتخذ احتياطاته لحماية سلامة البلاد وامنها الوطني. ورفض جودة الذي تحدث للصحفيين إعطاء المزيد من التفاصيل. وقال ان الحديث عن استخدام سوريا لأسلحة كيماوية ما زال مجرد فرضية حتى الان وليس حقيقة واقعة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 1/آب/2012 - 12/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م