الفن السابع في العالم العربي... مستوى متذبذب واطروحات تفتقر الى الجدية

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تشهد السينما العربية نوع من الاضطرابات بسبب بعض الممارسات في مجال تطوير الفنون السينمائية التي أعطت نتائج متفاوتة على هيكل الفن السابع الحديث، وأن ما تشهده السينما العربية حاليا أسوأ بكثير من الفترة التي أعقبت الربيع العربي، حيث ان الوسط الفني حاليا في حالة يرثي لها وسيظهر تأثير ذلك على المدى البعيد، ولا يتوقع أن يكون 2012 أحسن حالا لان 2011 كان مؤلما للوسط الفني عموما .

فيما يرى الفنانون في السينما المصرية بأن هناك خطر محتدم  يهددها والسبب الاحزاب الاسلامية، في حين اثار فيلم عن اليهود المغاربة جدلا كبيرا في المغرب، من جهة أخرى انتهى تصوير الفيلم الذي يروي موقعة كربلاء الشهيرة وبانتاج كويتي، بينما تشهيد السينما الفلسطينية وجها جديدا بتتداخل الدراما مع الحياة اليومية في فيلم روائي جديد عن الواقع الفلسطيني، بينما تشهد بعض الدول العربية الاخرى نهضة متواضع بالفن السابع من خلال أنتاج أفلام وأقامت مهرجانات سينمائية فيها، كالإمارات ولبنان والأردن والعراق.

لكن السينمائي العربية اليوم مطالب بتجسيد المعاني والرموز والحقائق كما هي سوى بالمعنى الواضح أو الرمز الخفي قولاً وصورةً ، حيث أن إتساع هذا المفهوم خاصةً عند ارتباطه بالحرية الفنية في السينما قد يجعل من الخطأ نوعاً من أنواع الفنون السينمائية، فيتحول الخطأ من الخطأ الفني إلى فن الخطأ وهو ما يمكن التنبيه إليه اليوم في السينما العربية.

فلسطين ستيريو

فقد توقف المارة بانبهار امام ما ترى اعينهم على اطراف مدينة البيرة في الضفة الغربية، وهم يشاهدون جيبات عسكرية اسرائيلية وجنودا اسرائيليين بزيهم الرسمي وأسلحة واعلاما إسرائيلية، واكتشف المارة بعد التوقف والسؤال ان ما يشاهدونه ليس سوى عملية تصوير لفيلم يحكي الواقع الفلسطيني، وحالة الاحباط التي يعيشها الفلسطينيون في انتظار دولتهم الموعودة منذ 18 عاما، ويحاول المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي عرض هذا الواقع الفلسطيني في فيلمه الجديد "فلسطين ستيريو"، ولكن بطريقة مختلفة عن أفلامه الروائية الأخرى، ويعتبر المشهراوي هذا الفيلم من اكبر اعماله من حيث حجم المشاركين في تمثيل الفيلم، والطاقم التقني، والمواقع التي تم تمثيل الفيلم فيها، وتدور حكاية الفيلم حول اخوين فلسطينيين، واحد فقد زوجته خلال سنوات الصراع الطويلة بين الفلسطينيين والاسرائيليين، والثاني فقط حاستي السمع والنطق، بسبب قذيفة اسرائيلية اطلقت باتجاه مخيم جنين حيث يسكن الاخوان، يفكر الاخوان بهجرة الأراضي الفلسطينية، خصوصا بعد فشل المحاولات الفلسطينية في الحصول على دولة فلسطينية منذ توقيع اتفاقية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين في العام 1994، لكن عملية الهجرة بحاجة الى مبلغ مالي يضعانه في البنك، ومن اجل توفير الأموال اللازمة للهجرة، يلجأ الاخوة الاثنان الى العمل في تأجير وبيع مكبرات الصوت للحفلات والمهرجانات والتظاهرات الفلسطينية، وقال مشهراوي ان العمل على الفيلم استغرق ستة شهور، وبدء التصوير مضى عليه خمسة اسابيع، واضاف مشهراوي "من حيث حجم الكمبارس المشارك في الفيلم، وعدد الممثلين والتقنيين، بالفعل قد يكون هذا الفيلم من افضل الافلام التي قمت بتأليفها او تصويرها"، واشار مشهراوي الى عشرات الكمبارس الذين تم استخدامهم لتصوير مشاهد الفيلم، بحيث تبدو حقيقية، واختار المخرج منطقة على اطراف مدينة البيرة في الضفة الغربية، لتمثل الحاجز العسكري الاسرائيلي الذي يفصل بين مدينة رام الله والقدس، حيث جرت عملية تصوير المشاهد الاخيرة، وظهر في المشهد عدد كبير من الشبان الفلسطينيين وهم يهتفون ضد الاحتلال وضد منعهم من دخول القدس، فيما رد الجيش الاسرائيلي بقنابل الغاز المسيل للدموع، كأنه مشهد حقيقي، وقال مشهراوي "في غالبية الافلام التي قمت بتمثيلها عن الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي، يؤدي الكمبارس من المواطنين الفلسطينيين دورهم، بحيث تشعر انه حقيقي من اولى المحاولات، ولا تكون هناك حاجة كبيرة للاعادة"، ويقول الممثل الفلسطيني حسام ابو عيشة الذي يشارك في الفيلم "كي اقنع المشاهد يجب ان ان اكون مقتنعا بالدور الذي اؤديه"، واوضح ابو عيشة، الذي عمل في التمثيل مع مشهراوي منذ العام 1986، بان "فلسطين ستيريو" هو الافضل، ويتحدث عن حالة الاحباط لدى الفلسطينيين بعد 18 عاما من الحديث عن السلام. بحسب فرانس برس.

ويؤدي الممثل الفلسطيني وليد عبد السلام دور وزير في السلطة الفلسطينية يفضل في النهاية مشاركة المتظاهرين في التظاهر ضد الجيش الاسرائيلي عوضا عن الحديث والخطابات في الحفلات، وقال عبد السلام "هذا الفيلم يعرض الواقع الفلسطيني بتناقضاته الثقافية والاجتماعية والسياسية، وهو يشكل اضافة هامة للسينما الفلسطينية"، وتشارك في انتاج الفيلم شركات انتاج من غزة، وتونس، والنروج، وايطاليا وتم تصويره في 46 موقعا فلسطينيا في الضفة الغربية، كما قال المنتج الرئيسي عبد السلام ابو عسكر، واضاف "قمنا بالتصوير في العديد من مواقع التماس، عند الجدار وعند الحواجز، اضافة الى المشاهد التمثيلية التي قمنا بتوفير كافة المستلزمات لها"، وتبدي الشرطة الفلسطينية تعاونا مع القائمين على الفيلم، حيث تشارك اعداد من الشرطة في اغلاق الطرق المؤدية لمنطقة التصوير، كلما اقتضت الحاجة لذلك، واشار ابو عسكر الى ان 45 تقنيا يشاركون في تصوير الفيلم، من الاراضي الفلسطينية وتونس وفرنسا وايطاليا والاردن وسوريا، في حين ان 24 ممثلا فلسطينيا يشاركون في مشاهد التمثيل الرئيسية، اضافة الى حوالي 1500 كمبارس، وتقدر كلفة انتاج الفيلم، على ما اشار ابو عسكر، بحوالى مليون ونصف المليون دولار.

فيلم هكذا الحسين

فيما انتهى المخرج السوري وسيم السيد أخيرا من تصوير فيلم "هكذا الحسين" الذي يروي سيرة الحسين بن علي بن أبي طالب، على ما قال المخرج، وأوضح السيد أن "الفيلم يروي حياة الحسين بن علي منذ كان في المدينة، ومن ثم انتقاله إلى العراق، فاستشهاده في موقعة كربلاء الشهيرة"، وجرى تصوير العمل في عدة مناطق من بينها دير علي ودمشق والهجانة في درعا، وفي مدينتي الرقة وتدمر، وأكد المخرج، ردا على سؤال، أن "وجه الحسين فقط لا يظهر في الفيلم"، وقال إن من بين الشخصيات التي يتضمنها الفيلم "الخضر، الشمر، ابن زياد، هاني ابن عروة، الحر، ابن الحر، خالد ابن طلحة، وأصحاب الحسين، وآخرين"، أما أبرز الممثلين المشاركين فهم زكي كورديللو وسهيل حداد وفواز سرور ونظير لكود و مازن لطفي وظفيرة قطان وجنيار حسن، وممثلون آخرون يلعبون حوالى 46 شخصية، وعن الجهة المنتجة للعمل قال المخرج إنه إنتاج كويتي، أما المنتج المنفذ فهو سوري، وهذا هو الفيلم السينمائي الدرامي الثاني للمخرج بعد فيلم "نخاع" القصير الذي حاز أخيرا جائزة الامتياز والتفوق عن فئة الأفلام القصيرة في "مسابقة الأفلام القصيرة" في الولايات المتحدة، وهو من إنتاج "المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي" في سوريا، واخرج ايضا عددا من الأفلام الوثائقية حول أبواب دمشق. بحسب فرانس برس.

فيلم يجسد النبي محمد

الى ذلك دعت مجموعة من علماء الأزهر إيران إلى منع تصوير فيلم جديد، يجسد شخصية النبي محمد، ووصف شيخ أبرز مؤسسة دينية في مصر والعالم الإسلامي، أحمد الطيب، العمل الذي كشف عنه أحد المخرجين في الجمهورية الإسلامية، بأنه "مُحرم تماماً، واستنكر الأزهر إعلان مخرج إيراني عن تجسيد شخصية النبي محمد في فيلم سينمائي، يجري تصويره الآن داخل إيران، ويحمل عنوان "محمد صلي الله عليه وسلم"، ويتناول سيرته ودعوته للإسلام، وهجوم أبرهة الحبشي على مكة في السنة ذاتها التي شهدت مولد الرسول، وأكد الشيخ أحمد الطيب، في تصريحات أوردها موقع "أخبار مصر"، التابع للتلفزيون الرسمي، أن "جميع علماء الأزهر الشريف، وأهل السُنة يرفضون خروج مثل هذا العمل"، وقال إن "تصرفات إيران ليست مسؤولة، ولا تختلف عن تصرفات الغرب، حينما نشروا صوراً مسيئة للرسول. بحسب السي ان ان.

إلى ذلك، نقلت صحيفة "الأهرام"، شبه الرسمية، عن كبير مستشاري شيخ الأزهر، ورئيس مجمع اللغة العربية، الدكتور حسن الشافعي، تحذيره من "مغبة خروج هذا العمل للنور، وعرضه على المسلمين في كافة أنحاء العالم"، وأضاف أنه "على علماء الدين في إيران، الوقوف بكل حزم ضد هذا العمل، وشدد الشافعي على أن "الأزهر سبق وحرم تجسيد الصحابة في الأعمال الفنية، بفتوى لمجمع البحوث الإسلامية، الذي يضم كبار علماء أهل السُنة والجماعة، نصت على أنه لا يجوز شرعاً تجسيد الأنبياء والرسل والعشرة المبشرين بالجنة في الأعمال الفنية"، سواء أفلام سينمائية، أو مسلسلات تليفزيونية، كما أكد مستشار شيخ الأزهر أن "الإسلام لا يرفض الأعمال الفنية الجادة والهادفة، كما أنه يحرم ظهور كل الأنبياء والرسل، لما لهم من قدسية خاصة، وما قد يثيره تجسيد الأنبياء والصحابة من جدل"، بحسب المصدر.

فيلم يهود المغاربة

من جهته قال مخرج سينمائي مغربي يعيش في فرنسا ان فيلمه الذي أثار ضجة في المغرب بسبب اعتبار البعض أنه يدعو الى تطبيع العلاقات المغربية الاسرائيلية يريد أن يبرز واقعا لم يعد موجودا الا وهو التسامح والاحترام المتبادل بين المسلمين واليهود، وقال كمال هشكار مخرج الفيلم الوثائقي "تنغير جيروزاليم" الذي بثته القناة المغربية الثانية مؤخرا مما أثار الكثير من الجدل "أردت من خلال هذا الفيلم الوثائقي أن أبرز واقعا لم يعد موجودا هو التعايش والاحترام المتبادل بين اليهود والمسلمين، وقال هشكار انه غادر مدينة تنغير وهي مدينة أمازيغية صغيرة في الجنوب المغربي وعمره لا يتجاوز ستة أشهر "لم أكن أعرف شيئا عن هذا الواقع كبرت في فرنسا حيث اقتنعت بفكرة أن اليهود والمسلمين مستحيل أن يتعايشوا في سلام، ويضيف "لما حكى لي جدي أنه كان تاجرا يتعامل في احترام متبادل مع اليهود وأشترى دكانه من عند يهودي استغربت كثيرا وهنا بدأت أضع الكثير من الاسئلة عن هويتي مغربي.. أمازيغي.. فرنسي.. مسلم.. تعايش أجداده مع اليهود في سلام، وقال ان الفيلم يتناول "التعددية الثقافية في المغرب والدستور الاخير الذي صوت عليه المغاربة بالاغلبية يقر هذه التعددية، كما يتساءل هشكار "المغاربة يهود ومسلمين تعايشوا مع بعضهم بعضا أكثر من ثلاثة الاف عام كيف يقتلع انسان من جذوره ليهجر ويعيش بين هويتين تتجاذبانه، وقال هشكار "لا يمكننا اللوم على اليهود المغاربة لماذا هاجروا الى اسرائيل... لان هناك ظروفا سياسية واقتصادية تدفع دائما الناس الى الهجرة" مذكرا بظروف "قيام دولة اسرائيل وانتشار القومية العربية والظروف الاقتصادية، ويضيف هشكار ان فلسفة الفيلم تقوم على "أننا نحتاج الى الاخر والاخر يحتاج الينا لا ينفع التجاهل وعلى الفلسطينيين والاسرائيليين أن يتعايشوا ويعترفوا ببعضهم البعض، وعرض فيلم "تنغير جيروزاليم" في واشنطن وكندا وفرنسا كما عرض مؤخرا في المغرب وقال هشكار "في واشنطن مثلا كان عدد الذين حضروا في القاعة أزيد من 400 وتأثروا كثيرا عندما كانت تلك اليهودية في الفيلم تردد 'الارض للجميع الله يهدي اليهود والله يهدي المسلمين'. بحسب رويترز.

كما وجد الفيلم "كل الترحاب في مونتريال وفرنسا الكل كان يخرج من القاعة متأثرا حتى الذين ليسوا من اليهود او المسلمين، وعن الانتقادات التي وجهت الى الفيلم والقناة المغربية الثانية التي عرضته من جانب منظمات غير حكومية وسياسيين مغاربة باعتبارهما "يشجعان على التطبيع مع اسرائيل" قال هشكار "الذين عرضوا الفيلم من حسن الحظ ليسوا كثيرين انهم أقلية أنا لست ضد أن ينتقدوا الفيلم ولا يحبوه هذا من حقهم لكن أنا ضد خنق حرية التعبير، وأضاف "أغلب الذين انتقدوا الفيلم لم يروه أو لم يفهموه الفيلم يتحدث عن الحب والسلام والتعايش، ويقول "كمغربي تربى في فرنسا أردت أن أبرز أن المغرب كان نموذجا للتعايش. اذا فشل اليهود والمسلمون اليوم في التعايش عليهم أن يأخذوا بنموذج المغرب، ودعا هشكار الى "أن ننظر الى تاريخنا بكثير من الواقعية والصراحة لاعادة احياء ذاكرتنا."

الأحزاب الإسلامية

على الصعيد نفسه اعتبر المخرج المصري يسري نصرالله الذي يقدم فيلمه "بعد الموقعة" ضمن مسابقة العروض الرسمية التي تتضمن لائحة من 22 شريطا من العالم وتتسابق على سعفة المهرجان الذهبية، ان السينما المصرية والفن والغناء في مصر في خطر بسبب ما يعرف ب "الاحزاب الاسلامية"، واكد نصرالله وفريق عمل فيلمه انه "من الصعوبة بمكان صنع سينما في ظل انعدام الحرية وتهديد بعض الجهات للفنانين في مصر ومحاكمة هؤلاء الفنانين"، في إشارة الى حالات محاكمة الفنانين وكتاب السيناريو الجارية حاليا في مصر وفي طليعة هؤلاء النجم عادل امام الذي لم يقف الى جانب الثورة، أتى ذلك خلال المؤتمر الصحافي الخاص بفريق الفيلم بعد عرضه أمام الصحافة. وقد اعتبر المخرج الذي شارك العام الماضي بفيلم قصير ضمن 18 شريطا عن الثورة في مهرجان "كان" ان "ما اوصل الفيلم الى المسابقة الرسمية في المهرجان هو أنه أنجز بحرية تامة"، واكد المخرج ردا على ما يجري اليوم ان "روح الحرية هي ما تجعلنا نوجد في السينما... ان نرفض الاستسلام امام الدكتاتور، يعني ان نواصل صنع السينما"، وكتب يسري نصرالله سيناريو "بعد الموقعة" مع السيتاريست الشاب عمر شما الذي تعرف اليه في 25 يناير في بيت احدى الصديقات المشتركات. وبدأت الاحداث يومها فشاهداها على التلفزيون قبل أن ينزلا الى ميدان التحرير ويقرر الاثنان بعد ذلك إنجاز الفيلم، وقال عمر شما "من البداية عرفنا ان ما يحدث في ذلك اليوم لم يكن تظاهرة من النوع المعتاد"، مؤكدا ان "كتابة التاريخ خلال حدوثه يعطي الواقع كما نقدمه في اللحظة بعدا خاصا"، وقد حاول نصرالله بلوغ هذا البعد الخاص بالاستناد الى مرجعيات عالمية في السينما مثل روسيلليني في "روما مدينة مفتوحة" او بايزا في "المانيا سنة الصفر". فأفلام من هذا النوع عرفت كيف تقدم التاريخ العام بالاستناد الى قضايا وسير شخصية، ويقترب الشريط كثيرا من الوثائقي ويكتسي تصويره صيغة واقعية تحاول التأريخ لهذا الواقع بينما تتواصل الوقائع على الارض، فمن خلال حكاية فردية هي حكاية محمود احد الذين أتوا من حي شهير قرب الاهرامات وهاجموا المتظاهرين في التحرير، يطل الشريط على واقع كل هؤلاء وكيفية تعاطي السلطات معهم قبل وبعد الثورة، بالإضافة إلى نظرة المجتمع اليهم، حتى في طريقة كتابة السيناريو، كان هناك الكثير من الواقعية المتعمدة.. "كنا نكتب احيانا في الليل بعض المشاهد ونصورها في النهار، كما كنا احيانا نكتفي باعطاء التعليمات للمثلين لاداء مواقف معنية"، بحسب ما شرح المخرج. وأشار الى ان بعض مشاهد الفيلم اعيدت صياغتها لتتفق مع الوقائع ومع السكان المعنيين انفسهم، أضاف "لا يوجد كومبارس في الفيلم وانما هم سكان الحي الفعليين يؤدون ادوارهم وبعض المشاهد اعيد كتابتها بناء على ملاحظاتهم"، وشرح نصرالله مخرج "سرقات صيفية" ان فيلمه اليوم هو عن هؤلاء الناس الذين يشكلون غالبية المصريين والذين كانوا يعتقدون ان في بقاء الرئيس السابق محمد حسني مبارك ثبات واستقرار للبلاد، على الرغم من أنهم كانوا ضحية انتهازية من هم في السلطة خلال بحثهم المشروع عن العيش بكرامة، أضاف ان "احد الشعارات التي اثرت في خلال الثورة كان +خبز حرية، كرامة اجتماعية+. وهذا ما حاولت معالجته في +بعد الموقعة+ الذي صور فترة ممتدة على ستة اشهر بينها 46 يوما من التصوير الفعلي"، ويتبع الفيلم احد هؤلاء المقيمين في ذلك الحي الذين كانوا يكسبون رزقهم من السياحة التي توقفت كليا نتيجة قيام الثورة وبسبب بناء جدار يفصلهم عن الآثار، بعد ان اعتادوا ابا عن جد قيادة السياح اليها على ظهور الخيول والجمال، فيؤدي ذلك الى تهميش إضافي يطالهم الى درجة ان "محمود" البطل الذي يؤدي دوره باسم سمرة يشبه الجدار بجدار اسرائيل الذي بنته في مواجهة الفلسطينيين. والجدار بالنسبة إلى محمود يهدف الى ترحيله من ذلك المكان، والى جانب باسم سمرة، أدت ناهد السباعي دور الزوجة في اول دور كبير لها في حين لعبت منة شلبي دور ناشطة في مؤسسة غير حكومية للتوعية والمساعدة الاجتماعية، وريم، المساعدة الاجتماعية، هي الحجة المناسبة لدخول الكاميرا الى ذلك الحي. فتكشف التهميش الذي يعاني منه أهله وظروف هؤلاء الاجتماعية السيئة لدرجة انهم يعتبرون ريم المصرية التي تتحدر من عائلة ميسورة "خواجاية"، اي اجنبية او لبنانية، من خلالها ايضا يدين الفيلم طريقة تعاطي السلطات العسكرية في مصر بعد الثورة مع هذه المؤسسات واتهامها باعتماد اجندات خارجية. بحسب فرانس برس.

تبدو الشخصيات جميعها غير نمطية. فزوجة محمود تحاول هي الاخرى التفكير بالخروج من وضعها بطريقة مختلفة، في حين اراد محمود خوض معركة التحرير وضرب المتظاهرين لانه استغل ووعد من قبل السلطات السابقة بتحطيم الجدار الفاصل بينه وبين الحياة، ويطرح الفيلم على نحو انساني قضية محمود الذي يحاول ان يجد بكرامة مكانة له ولعائلته في مصر التي تتغير. لكنه يخطئ ويدفع غاليا ثمن خطئه. فهل ستتغير مصر بالنسبة للجيل الجديد؟، وأكد نصرالله قائلا "أنجزت هذا الفيلم لاني اعتقد ان الشعب المصري غير معتاد بعد على الديمقراطية وهو يخطو فيها خطواته الاولى. اعتقد ان الشعب المصري يستحق رسالة الحب هذه التي نوججها له"، ويعتبر "بعد الموقعة" الفيلم المصري الروائي الفعلي الاول الذي تناول الثورة في مصر وما تلاها من خلال نظرة واقعية مستقاة من صلب الاحداث. وقد تكون له مكانته في السينما العربية اليوم، لكن "بعد الموقعة" لن يكون قادرا على منافسة نضجج وعبقرية كبار كثر يشارقون في السباق الى السعفة الذهبية في الدورة الخامسة والستين من مهرجان "كان" والقادرين على صنع سينما اكثر فنا واكتمالا وبمستوى عالمي، والذين حصل بعضهم في وقت سابق على السعفة مرتين.

البؤس والتهميش

من جانب أخر صفق الجمهور والصحافة مطولا لفيلم المغربي نبيل عيوش "يا خيل الليل"، العمل العربي الوحيد المشارك في تظاهرة "نظرة ما" ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي الخامس والستين، الذي يعيد فيه المخرج عبر 115 دقيقة وبالاستناد الى قصة واقعية، رصد سيرة منفذي اعتداءات الدار البيضاء العام 2003، ويركز الفيلم على سيرة اخوين ورفاقهما مفصلا وضعهم الاجتماعي والمعيشي اذ كبروا في اجواء من البؤس المعمم في حي صفيح "سيدي مومن" قرب الدار البيضاء حيث يسيطر الحرمان والعنف والتخلي ما يدفع بصبية لا تتسع لهم الحياة الى التطرف والموت، المخرج نبيل عيوش الذي حضر بصحبة اثنين من الممثلين وهما من سكان مدينة الصفيح تلك واختارهما لتأدية دور الشقيقين في الفيلم وهما كذلك في الحياة، اعرب عن سعادته وتأثره بالمشاركة في تظاهرة "نظرة ما" للمرة الاولى، قال المخرج فور انتهاء الفيلم "انها لحظة مهمة في حياة مخرج، ان يرى الفيلم مكتملا للمرة الاولى في هذه القاعة في مهرجان كان وفي الوقت نفسهمع الجمهور... اردت ان اعيش مشاعر وانفعالات المشاهد وبالفعل سافرت مع الفيلم. كان وقتا جميلا"، وردا على سؤال حول صيغة الفيلم قال عيوش "تفجيرات الدار البيضاء لا تهمني بقدر ما تهمني سيرة هؤلاء الشبان وما قادهم الى ارتكاب فعلهم. اردت ان اعبر الى الجانب الآخر من المرآة، ان احكي التاريخ الشخصي لهؤلاء، ويعتمد نبيل عيوش في فيلم صيغة غاية في الواقعية صورت في مكان يشبه تماما المكان الذي نشأ فيه منفذو تلك التفجيرات وعلى بعد خمسة كيلومترات منه ومع ممثلين غير محترفين من سكان المكان المهمش، وعدل المخرج عن التصوير في سيدي مومن بعدما زحفت المدينة اليه واقيمت مبان عالية في بعض جوانبه بينما هو كان يريد مكانا بكرا كما كان عليه الحي من قبل، وعن ذلك يقول المخرج "حرصت على التصوير في المكان الطبيعي للحدث لان ذلك يمنح العمل واقعية لا يمكن ان نجدها في اي مكان آخر. نحن نعثر على حقيقة وواقعية مختلفة عما يمكن ان نعثر عليه لو صورنا في الاستديو"، واضاف مؤكدا على اهمية اختيار المكان "حين نختار ان نصور ضمن شروط واقعية فان صعوبات مختلفة نتعرض لها لكن بيئة الحي المعدم تكسب العمل واقعية لا مثيل لها، هذا ما ذهبت للبحث عنه هناك وهذا ما يمنحني سعادة حقيقية"، ويقترب هذا الفيلم في نهجه واسلوبه السينمائي وطبيعة الموضوع الذي يعالجه من فيلم المخرج االسابق "علي زاوة" (2000) الذي اكسبه شهرة واسعة وتناول فيه التهميش في قلب الدار البيضاء من خلال معايشة بعض اطفال الشوارع في المدينة. بحسب فرانس برس.

وكانت بعض مشاهد علي زاوة صورت في حي "سيدي مومن" الذي يعرفه المخرج منذ تلك الفترة وهو يقر بوجود "ارتباط عضوي بين الفيلمين" لكنه يعتبر ان "اولئك الصبية كان يمكن ان يصبحوا هؤلاء الشباب الذين فجروا انفسهم. غير ان +يا خيل الله+ يتعلق بحادثة واقعية وربما هذا يسبغ عليه اهمية اكبر ويجعله اكثر راهنية"، ويشبه هؤلاء كل الشباب المغرر بهم في الكثير من انحاء العالم ، في المغرب كما في العراق كما في اوروبا فمعاناتهم هي ذاتها تتمثل في استقالة الاهل وغياب التربية والتعليم وافتقاد المرجعيات والمثل والعيش في حي مقفل كما السجن وعدم التعرف على المدينة التي يتحولون الى اعداء لها، ويبين الفيلم كيف ان نقطة الضعف الاكبر لدى هؤلاء الشبان المتروكين ليأسهم، تتمثل في فكرة الاخوة والمساعدة التي يجدونها بجانب الاسلاميين السلفيين الذين يستغلون افتقادهم لها ويدخلون من بابها الى قلوبهم وعقولهم، عبر سيرة اليومي وعلى مدى يمتد من الطفولة وحتى الموت، يرسم الفيلم بطريقة حرصت على ان تكون انسانية اولا كيف ان مصائر هؤلاء الشباب كانت مرسومة سلفا في حياة لا يلوح فيها اي امل ولا مفر فيها الا الى حلم الجنة التي يعدهم بها السلفيون، ويركز المخرج في رؤيته على كون اولئك الصبية الذين كان معظمهم اعضاء في فريق كرة القدم المحلي لم يخرجوا بعد من طفولتهم كما يبين احد المشاهد الذي يصور استعداداتهم قبل العملية مباشرة حين يتابعون اللعب بالكرة او يرشقون بعضهم بالمياه، وتعطي معرفة المخرج بذلك الحي الذي صور فيه شريطا وثائقيا مع اهالي منفذي العمليات، مصداقية للوقائع التي عادت واستندت الى كتاب الصحافي والكاتب ماحي بنبين "نجوم بن مومن" وهو اسم فريق كرة القدم الذي استقطبه الاسلاميون للقيام بالعمليات الانتحارية، ووضع السيناريو للفيلم جمال بلماحي بالتعاون مع المخرج انطلاقا من ذلك الكتاب، اما عنوانه "يا خيل الليل" فاقتبس من حديث للنبي استخدمه تنظيم القاعدة وبن لادن مرات كثيرة للدعوة الى "الجهاد".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 31/تموز/2012 - 11/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م