افطار سياسي... من القاموس السياسي العراقي المعاصر

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: تزداد وتائر الاستهلاك للمواد الغذائية في شهر رمضان، على الرغم من أن اغلبية العوائل تقوم بتحضير وجبة طعام واحدة، هي وجبة الافطار، وانتقال ما تبقى منها الى وجبة السحور مع اضافات قليلة. تزداد كمية النفايات المرمية في هذا الشهر، من بقايا الاكل والعصائر والحلويات لفسادها نتيجة للجو الحار الذي يقارب نصف درجة الغليان. تلعب العوامل النفسية والاجتماعية دورا في هذه الزيادة الحاصلة في معدلات الاستهلاك وارتفاع مستويات النفايات، فالصائم عادة ما يكون ميالا الى تلبية رغباته وما تشتهيه نفسه من طعام وعصائر وحلويات، اضافة الى حاجة ملحة لاطفاء عطشه الشديد، وجوعه بصورة اقل.

وهي ايضا ما تعود الناس عليه من تبضع لمختلف الحاجات والاحساس بالمتعة في التسوق الذي يشتد في هذا الشهر. تكثر في شهر رمضان ايضا موائد الرحمن، وهي التسمية التي تطلق على مايقوم به الموسرون واصحاب الشأن من اعداد فطور مجاني للصائمين، دعاية ووجاهة اجتماعية لهم اكثر مما هي عمل للخير، ولهذا نحن نعرف اصحاب كل موائد الرحمن التي تقام هنا او هناك، ونادرا ما يكون صاحبها مجهولا بالنسبة الينا.

ولا تقتصر تلك الموائد على اصحاب الشان الرفيع من سياسيين او شخصيات عشائرية او فاعليات سياسية، بل هناك الكثير من الفنانين والمطربين والراقصات الذين دأبوا على اقامة مثل هذه الموائد لعل اشهرها مائدة الراقصة المصرية فيفي عبدة.

ولست في وارد اصدار صكوك القبول او الرفض لمثل هذه الموائد بالنسبة للفنانين رجالا او نساءا، فالله سبحانه وتعالى اعلم بالنوايا وهو اعرف بما يذهب جفاءا او يمكث في الارض.

موائد السياسيين لا تبتعد عن اطار الدعاية السياسية والتسويق لاسم صاحبها، مثلها مثل اي عمل يساهم في الترويج لهذا السياسي الذي يستفيق فجأة في هذا الشهر ليجد نفسه صائما مصليا ينشد الخير للجميع وهو طيلة شهور العام غارق في غيبوبة طويلة وسبات اطول غافلا عن مصالح الناس وهمومهم. والافطار لغة يختلف عن الفطور، فالاول يعني وجبة الطعام للصائم، والثاني يعني وجبة الطعام التي يتناولها الانسان كبيرا كان ام صغيرا في الصباح.

رغم ان اللسان العراقي درج على استعمال الفطور لطعام الصائم، والريوك لطعام الصباح، ولا ادري صحة الاولى من الناحية اللغوية، والثانية تحيل الى الريق.

والافطار في الانكليزية breakfast

breakfast: first meal of the day

إِفْطار - فَطُور, طَعَامُ الصَّبَاح

breakfast: have breakfast

أَفْطَرَ - تَنَاوَلَ الفَطُورَ

واطعمة الافطار كثيرا ما تختلف عن طعام الفطور، ففي الافطار لا يوجد تشريب البامية او الدولمة او السمك المشوي، بل هناك الاجبان والبيض والمربى وغيرها من اطعمة خفيفة، ولا يعتد بالحالات الشاذة التي تتساوى فيها انواع الاطعمة في كل الاوقات.

في العراق تبدأ مظاهر شهر رمضان مع آخر أيام شعبان حين يستعد الجميع لهذا الشهر المبارك، والظاهرة الأبرز لدى البغداديين التسوق- كما تعودوا- من سوق (الشورجة) قبل موعد الإفطار لتلتف الأسرة عند سماع أذان المغرب حول مائدتها التي تتربع عليها (الهريسة العراقية. المغطاة بالدارسين والسكر والزيت) و(الدهينية البغدادية. المعمولة بالتمر والسمن أو الزيت) بعد الإفطار على التمر واللبن إضافة إلى (الدولمة وهي احد أنواع المحاشي) و(الكبة الموصلية) ومن أشهر حلويات بغداد. (البقلاوة والزلابية) أما الأطفال فينتشرون بعدها في الحارة يلعبون(المحيبس) ويتغنون بنشيدهم المعتاد (ماجينة ياماجينة).

وفي العراق، دخلت موائد الرحمن اليه مع ما دخل من ظواهر وسلوكيات بعد العام 2003، رغم وجودها سابقا وهو وجود ضئيل الحجم، لا يقارن بما يحدث الان نتيجة لارتفاع معدلات الدخول والرواتب لدى العراقيين.

وهو ارتفاع ساعدت عليه بالنسبة للموظفين، التوظيف الحزبي والعشائري والشهادات المزورة والفساد المالي، وهو لدى شريحة واسعة من التجار ساعد عليه، رواج القمامة الصينية والبضائع المضروبة وعدم وجود تعرفة كمركية تتناسب مع تلك الارباح، وبالنسبة لبقية المهن ساعد عليه ما يعرف بالتقفيص والغش والتدليس من قبيل (اصلي ودرجة اولى وكامل المواصفات) وغيرها.

وفي العراق، مثلما توسعت لغته اليومية في التعاملات المختلفة ودخلت مفردات جديدة الى قاموس معانيه في الاجتماع والسياسة والاقتصاد والثقافة وغيرها، فقد توسعت ايضا الدعوات فيه.

في فترة ما، سادت الدعوة الى موائد الغداء لحلحلة الازمات السياسية بين الفرقاء المتخالفين والمتصارعين، وفي فترة اخرى سادت الدعوة الى الطاولة المستديرة لتشكيل الحكومة الحالية، وهي طاولة ليس عليها غير الاوراق والاقلام وقناني المياه المعدنية والغازية.

هذه الايام اخذنا نسمع بطاولة الافطار السياسي، واولى الموائد جمعت بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ونائبه في مجلس الوزراء صالح المطلك وهي مائدة مصالحة.

بناءا على هذه التجربة دعت عضو ائتلاف دولة القانون النائب عن التحالف الوطني سميرة الموسوي، القادة السياسيين الى الجلوس على مائدة إفطار من أجل حل الخلافات العالقة بينهم، مشيرةً الى أنها على استعداد لاستضافة تلك المائدة في منزلها.

وأشارت النائب عن ائتلاف دولة القانون الى: أن الحوار وطرح المشاكل وجهاً لوجه ووضع الأمور في نصابها وبيان الاخطاء والصوائب ليس عن طريق وسائل الاعلام والمراسلات وإنما بالجلوس على طاولة الحوار كفيل بحل الأزمة.

ومائدة النائبة المصون التي دعت اليها هي ما تعرف باسم (موائد النخبة)، فيها الكثير من المشويات التي تراعي نسب السكر والبدانة والضغط لدى المدعوين، وهي تحفظات في الطعام تفرضها قلة الحركة للسادة المدعوين، حيث النوم لساعات طويلة تحت اجهزة التكييف المتعددة.

اقترح على النائبة العزيزة، وعلى بقية من يفكر بمائدة افطار سياسي وجبات الافطار التالية:

شوربة شعيريه, سلطة بندوره بالطحينية، والطبق الاساسي سمكه حاره بصلصة البندورة الحلو بقلاوة وزلابية. او شوربة, سلطه, طرشي، والطبق الرئيسي مقلوبة.

الحلو، كنافة بالجبنة، قطايف. او شوربة خضار, دجاج محشي بالارز, كباب مشوي، مع السلطات والطرشي الحلو، دهينية، وبسبوسة.

هذه الاصناف المقترحة لن تسبب الكثير من التلبك في المعدة، او تصيب الادمغة بالتشوش واختلال الرؤية، مع الابتعاد عن تناول لبن اربيل المدخن، لانه يسبب النعاس... هنيئا للساسة الصائمين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 31/تموز/2012 - 11/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م