سوريا ونطاق الازمة... استحضار حثيث للحرب الباردة

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تشير بوصلة الاحداث الدامية التي تشهدها سوريا الى فشل جميع السيناريوهات الغربية الخليجية في الاطاحة بنظام الاسد، على الرغم من تسخيرها لمعظم مقومات نجاح ما يسعون اليه، الا ان ذلك بحسب المراقبين تحطم على صخرة عناد الاسد واستبسال مقاتليه.

فبعد ان وظفت الدول الخليجية ملايين الدولارات وسهلت تركيا ممرات آمنة لدخول المقاتلين المرتزقة الى اراضيها، وتوفير كافة الاحتياجات اللوجستية والعسكرية لهم، الا ان محصلة كل ذلك عاد بخيبة أمل كبيرة على الدول المناهضة للأسد.

ومع استمرار الصراع الدموي في سوريا على ذات الوتيرة منذ اعلان المعارضة مشروع اسقاط النظام عسكريا، باتت تلوح في الافق متغيرات جديدة ومؤثرة تنصب في صالح دمشق، اشتد على أثرها لهجة الداعمين للحكومة السورية كايران وروسيا والصين والعراق، من جهة وبعض الدول التي التزمت الحياد سابقا من جهة أخرى، كالبرازيل وفنزويلا.

في حين أكد العديد من المراقبين ان ما يحدث في سوريا خرج عن نطاق تلك الدولة، متسعا ليشمل اقطاب دولية عظمى، تستعيد في اسقاطاتها الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي، ويستند المراقبون في رؤياهم الى عدة عوامل طفت على المشهد السياسي الدولي، سيما اعلان روسيا اعادة العمل بمشاريع تطوير الترسانة النووية ومفاتحة موسكو كل من فيتنام وكوبا لإعادة افتتاح القواعد العسكرية الروسية هناك.

نهاية الصراع قد تكون بطيئة وتسبب فوضى

ربما تكون أيام الرئيس السوري بشار الأسد معدودة لكن سقوطه قد يكون بطيئا وقد تعقبه فوضى. ولا يعتقد أغلب المحللين أو الحكومات الأجنبية أو أجهزة المخابرات أن الأسد يواجه مصيرا آخر غير الخروج من خلال التفاوض أو الموت على يد أبناء شعبه. غير أن التحدي بالنسبة للمسؤولين الغربيين أصبح أكثر تعقيدا بكثير من الإطاحة بالأسد أو الضغط على روسيا من أجل التخلي عنه.

وقال مصدر حكومي غربي كبير إن النتيجة الأرجح ربما تكون صراعا طويلا مثلما حدث في لبنان في الثمانينات تنجر إليه قوى أجنبية ويستمر أكثر من عشر سنوات.

وفي النهاية فإن الكثير يتوقف على الأسد نفسه. لكن رغم كل محاولات أجهزة المخابرات الأجنبية لتكوين صورة للحالة النفسية له فهي تقول إنه لا يزال من الصعب التنبؤ بأفعال طبيب العيون الذي درس في بريطانيا.

ويقول نيجل ىانكستر النائب السابق لرئيس جهاز المخابرات البريطانية (إم.آي 6) "بشكل عام لا اعتقد أن من الصعب قراءة أفكاره ... لكن من المستحيل تقدير الكيفية التي سيرد بها على ظروف متزامنة محددة."

وتساور القوى الغربية شكوك في أن مشكلات سوريا ستنتهي مع عزل الأسد. فالأقلية العلوية التي ينتمي إليها ربما تواصل القتال على الأقل في محاولة لحماية نفسها من رد الفعل العرقي الذي قد يلي سقوط الأسد. فالدولة الأوسع قد تنهار بما في ذلك السواد الأعظم بالجيش الذي ظل عاطلا إلى حد كبير لصالح وحدات نخبة من الأقلية العلوية.

وقال أنتوني سكينر كبير خبراء الشرق الأوسط في شركة مابلكروفت للاستشارات ومقرها بريطانيا "قد تحدث بلقنة ... الأكراد في الشمال والدروز في التلال الجنوبية والعلويون في المنطقة الجبلية الساحلية في شمال غرب البلاد والأغلبية السنية في المناطق الأخرى."

وبينما يشكو المسؤولون الغربيون في تصريحات خاصة قلة الخيارات المتاحة أمامهم فإن الخيارات المتاحة للقيادة السورية تتقلص بمعدل أسرع. ولا يزال البعض يعتقد أن الأسد ربما يريد أن يعطي الأولوية لأمن أسرته ويتفاوض على الخروج بشكل ما. لكن لا توجد بعد علامة تدل على هذه الرغبة الأمر الذي يشير إلى أن الرئيس السوري ربما استبعد ذلك الاحتمال.

وقال آري راتنر وهو مستشار سابق في شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وهو الآن باحث في مؤسسة ترومان للأمن الوطني "من المحتمل أن يقاتل في هذه المرحلة ... وقد لا تكون لديه أي بدائل أخرى.

"لو كان قد تنازل في بداية الأزمة ... فربما تمكن من العثور على ملاذ آمن في مكان ما على المستوى الدولي في إطار تسوية يتم التوصل إليها من خلال التفاوض. لكن الآن بعدما تلطخت يداه بدماء كثيرة ... سيكون ذلك شبه مستحيل."

وفي حين أن دمشق تستخدم طائرات هليكوبتر هجومية ضد مقاتلي المعارضة فقد امتنعت عن استخدام طائرات حربية ربما خوفا من أن يؤدي ذلك إلى فرض منطقة حظر طيران بدعم دولي كالتي أدت إلى تدخل خارجي في ليبيا.

وهناك مخاطر من أن يلجأ الأسد في الأيام الأخيرة من حكمه إلى استخدام الأسلحة الكيماوية إحساسا منه بأنه لم يعد لديه ما يخسره. ومن الأهداف المحتملة دول مثل تركيا والسعودية التي دعمت المعارضة وكذلك إسرائيل. وتشعر أجهزة المخابرات الغربية أيضا بالقلق من أنه قد ينقل أسلحته الكيماوية إلى حزب الله في لبنان مما يمنح الجماعة القدرة على تهديد إسرائيل.

وقالت منى يعقوبيان المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية والمتخصصة حاليا في قسم الشرق الأوسط في مركز ستيمسون في العاصمة واشنطن "الأسلحة الكيماوية تزيد مستوى التعقيد لوضع مضطرب بالفعل."

وأضافت "من المحتمل أن تتصرف الحكومة السورية بتهور إذا شعرت بأن الخناق قد ضاق عليها ... سواء باستخدام الأسلحة الكيماوية أو أي وسيلة أخرى. لكن من الواضح أيضا أن هذا سيكون انتحارا."

وفي حين يخشى الأسد تدخلا على غرار ما شهدته ليبيا أو العراق ما زالت القوى الغربية مترددة في المضي في مثل هذا المسار. ورغم ذلك تقول مصادر مطلعة على الأمر إن بعض التخطيط جار ويعتقد بعض الخبراء أن الاحتمال يتزايد.

ويتزايد الدعم الخارجي للجيش السوري الحر ويتمثل أساسا في الأسلحة والتدريب من السعودية وقطر وتركيا. لكن قلة فقط من المحللين يرون أن هذا الدعم قادر على تغيير الوضع.

ولا تزال الدول الغربية على الهامش إلى حد كبير وتقدم بعض المعلومات والمساعدات "غير الفتاكة". وكثيرا ما يشكو المسؤولون من الطبيعة الفوضوية للمعارضة وقدرتها المحدودة على تحدي الأسد.

ويؤدي الصراع في سوريا بالفعل إلى تفاقم التوتر العرقي بالمنطقة مع دعم إيران للأسد ودعم دول الخليج للمعارضة. وتقول منى يعقوبيان "أخشى أن تكون سوريا تنزلق إلى حرب أهلية طائفية طويلة وتتمتع بالحماية ويمكن أن تنشر الفوضي في أنحاء المنطقة.

إيران تقدم لسوريا دعما "لا يقبل التغيير"

فيما قالت إيران إنها ستقف إلى جانب حليفتها سوريا رغم الضغوط الدولية المتزايدة على الرئيس بشار الأسد كي يتنحى. ونقل تلفزيون برس الإيراني عن محمد رضا رحيمي نائب الرئيس الايراني قوله إن دعم طهران لسوريا "لا يقبل التغيير" ليرد على تلميحات إلى أن طهران يمكن أن تخفف دعمها للأسد أقرب حليف عربي للجمهورية الإسلامية.

ونقل عن رحيمي قوله "الشعب الإيراني له موقف لا يقبل التغيير إزاء السوريين وسيقف دائما إلى جوارهم" متهما القوى الكبرى بالتوحد لإلحاق الضرر بالأمة السورية. وذكرت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن أمين سر مجلس الأمن القومي الإيراني سعيد جليلي قال إن طهران مستعدة لدعم دمشق "أكثر من ذي قبل في مواجهة الضغوط الأجنبية".

وعلى الرغم من إشادة إيران بالانتفاضات الشعبية في دول عربية أخرى باعتبارها "صحوة إسلامية" إلا أنها رفضت المعارضة لحكم الأسد ووصفتها بأنها مؤامرة خارجية. وأشار بيان لوزير الخارجية على أكبر صالحي صدر في وقت سابق هذا الشهر وذكر أن طهران مستعدة لاستضافة محادثات بين الحكومة السورية وجماعات المعارضة إلى تغير محتمل في السياسة.

وفي علامة ملموسة على الدعم للسلطات السورية استقبلت طهران وفدا من وزراء سوريين واتفق الطرفان على صفقة بشأن استيراد الكهرباء من إيران عن طريق العراق. ونقلت وكالة الطلبة للأنباء عن عماد خميس وزير الكهرباء السوري قوله "اتفقنا مع إيران على أن يتم خلال شهر إبرام اتفاقات مع العراق حتى تبدأ واردات الكهرباء من إيران."

ونقلت وكالة أنباء العمال الايرانية عن وزير الطاقة الإيراني ماجد نامجو قوله "إيران لن تترك سوريا وحدها في الأوقات الصعبة" مضيفا أن طهران مستعدة لإعادة بناء المنشآت التي تضررت أثناء الانتفاضة. وطالبت الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة والقريبة من إيران بالإصلاح في سوريا وليس إلى إنهاء حكم بشار الأسد المستمر منذ 12 عاما.

روسيا تحمل الغرب وجيران سوريا مسؤولية إراقة الدماء

من جهته حذر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف من ان الدعم الدولي للمعارضة السورية سيقود "لمزيد من الدماء" وانه لا يمكن توقع ان تذعن الحكومة لمعارضيها طواعية. واستخدمت روسيا حق النقض ثلاث مرات ضد مشروعات قرارات في مجلس الامن تهدف لزيادة الضغط على الحكومة السورية لانهاء 16 شهرا من العنف.

وقال لافروف انه ينبغي على الدول الغربية والعربية ان تمارس مزيدا من الضغط على المعارضة لوقف القتال. وتابع انه قد تكون ثمة "مأساة" وشيكة في مدينة حلب السورية ولكنه اشار إلى أن المعارضة تتحمل مسؤولية جزئية على الاقل.

وصرح في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الياباني كويتشيرو جيمبا في منتجع سوتشي على البحر الأسود وهو مقر اقامة الرئيس فلاديمير بوتين في الصيف "ينبغي الضغط على الجميع." وتابع "للاسف يفضل شركاؤنا الغربيون القيام بامر مختلف قليلا ويشجعون بالضرورة إلى جانب بعض الدول المجاورة لسوريا القتال المسلح ضد النظام ويدعمونه ويوجهونه... ثمن كل هذا مزيد من الدماء."

وفي اعقاب استخدام روسيا والصين حق النقض في مجلس الامن قالت الولايات المتحدة انها ستبحث عن سبل لحل الازمة خارج نطاق الامم المتحدة. وقال جيمبا ان سوريا تمر "بلحظة حرجة للغاية" وان وقف اراقة الدماء يقع على عاتق الحكومة. وصرح من خلال مترجم "موقف الجانب الروسي عظيم التأثير وهناك ايضا صوت المجتمع الدولي. نعول على موقف روسي بناء."

وقال لافروف إن روسيا تدعو الحكومة لان "تخطو الخطوة الأولى" ولكن ينبغي ألا تستغل المعارضة مثل هذا التحرك من جانب الحكومة باحتلال مدن وبلدات." وتابع "تسيطر المعارضة المسلحة على مدينة حلب والمأساة التالية تختمر هناك كما افهم."

ومضى قائلا "تسيطر جماعات جيدة التسليح على مدن وتنوي اقامة نوع من المنطقة العازلة لحكومة انتقالية. كيف يمكن ان يتوقع المرء ان تقول الحكومة السورية- نعم امضوا قدما واطيحوا بي.

روسيا ترفض تفتيش سفنها

كما حذرت روسيا من انها لن تتعاون في تنفيذ سلسلة العقوبات الاوروبية الجديدة ضد سوريا مشددة على انها لن تقبل باجراء اي تفتيش لسفنها. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية الكسندر لوكاتشيفيتش في بيان "لا ننوي تقديم اي مشاركة في تنفيذ قرارات الاتحاد الاوروبي ضد سوريا". واضاف في هذا البيان الذي نشر على الموقع الالكتروني للوزارة على الانترنت "لن نلقي بالا لاي مطالب ولن نوافق على تفتيش السفن التي ترفع العلم الروسي ولا اللجؤ الى غير ذلك من الاجراءات المقيدة".

وكانت روسيا ادانت العقوبات الجديدة التي فرضها الاثنين الاتحاد الاوروبي على سوريا ووصفها بانها بمثابة "حصار". وتشمل هذه الاجراءات خاصة تجميد ارصدة جديدة واجراء عمليات تفتيش ملزمة للسفن والطائرات التي يشتبه في انها تنقل اسلحة الى نظام دمشق.

وردا على ذلك قالت وزارة الخارجية الروسية "عمليا يمكن اعتبار الاجراءات التي اتخذها الاتحاد الاوروبي بمثابة حصار جوي وبحري". وتعارض روسيا توقيع عقوبات احادية على سوريا وترى انها ستاتي "بنتائج عكسية".

أوباما يمضي بحذر في مساعدة المعارضين

الى ذلك أرسل الرئيس الأمريكي باراك أوباما في عامه الأول في البيت الأبيض خطابا إلى الرئيس السوري بشار الأسد ينشد فيه بداية جديدة للعلاقات المتأزمة منذ فترة طويلة بين بلديهما.

وفي عامه الثالث في الرئاسة طالب أوباما بتنحي الأسد.

والان ومع قرب انتهاء فترة رئاسته الأولى وإجراء انتخابات رئاسية في نوفمبر تشرين الثاني يتحرك أوباما بحذر باتجاه تقديم مساعدة أكبر للمعارضين السوريين مع تداعي الجهود الدبلوماسية الدولية التي كانت الخيار المفضل للرئيس الأمريكي.

وعلمت رويترز أن البيت الأبيض أصدر توجيها رئاسيا يجيز تقديم مساعدة سرية أكبر للمعارضين لكنه لا يسمح بتسليحهم.

ولم يتضح ما إذا كان أوباما قد وقع الوثيقة. وأحجم مسؤولون أمريكيون عن التعليق على الأمر.

لكن إدارة أوباما أشارت في الأيام القليلة الماضية صراحة إلى أنها تخطط لتقديم المزيد من المساعدة للمعارضين. وقالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون يوم الثلاثاء "علي أن أقول إننا سنزيد أيضا جهودنا لمساعدة المعارضة."

وتسعى الادارة الأمريكية إلى سبل لمساعدة معارضي الأسد عن طريق زيادة إمدادهم بمعدات اتصال وتبادل المعلومات بشأن تحركات قوات الأسد. وأرسلت الولايات المتحدة بالفعل أجهزة لاسلكي مشفرة.

وتحاول الإدارة أيضا مساعدة المعارضين ليكونوا أكثر تنظيما وليخططوا لما بعد سقوط الأسد وتراقب باهتمام مخزونات الأسلحة الكيماوية في سوريا لضمان أنها آمنة.

وألمحت كلينتون هذا الأسبوع إلى أنه إذا استطاع المعارضون السيطرة على قطاع من الأرض السورية يمكنهم العمل فيه فإن دعما أكبر من الولايات المتحدة وحلفائها سيأتي.

وقرار تقديم دعم لوجيستي وسياسي أكبر للمعارضين السوريين هو أحدث خطوة يتخذها أوباما في شأن الصراع السوري الذي اختار فيه ألا يتدخل بالقوة العسكرية الأمريكية.

ويتهم البعض أوباما بالتحرك بحذر شديد بينما تذبح قوات الأسد المسلحة جيدا المدنيين. ويقول معارضون إن أكثر من 18 ألف شخص قتلوا منذ اندلاع الانتفاضة ضد حكم الأسد في مدينة درعا في مارس آذار من العام الماضي. وتلوح في الأفق مذبحة محتملة أخرى في مدينة حلب.

وقال مايك روجرز رئيس لجنة المخابرات في مجلس النواب الأمريكي وهو عضو في الحزب الجمهوري "اتسمنا بالبطء الشديد وعدم التنظيم حيال هذا الأمر. حتى مخابراتنا كانت بطيئة في جمع معلومات بشكل أفضل."

وتابع "اتسمنا بالبطء حتى في الوصول إلى نقطة اتخاذ قرار بشأن استخدام أدوات وقدرات أمريكية أخرى لا أملك حرية الكلام عنها."

ومن الأمور الدالة على أن الإدارة الأمريكية لا ترى خيارات جيدة كثيرة في سوريا عدم وجود اختلاف واضح في السياسة بين مستشاري أوباما. وقال مسؤول كبير في الادارة "كان هناك اختلافا أكبر فيما يتعلق بمصر وليبيا."

وقال دينيس روس الذي كان مستشارا لأوباما لشؤون الشرق الأوسط "نواجه أحيانا مجموعة خيارات لا يكون أي منها جيدا ونختار ما نعتقد أنه الخيار الأقل سوءا أمامنا." وأضاف "في سوريا أعتقد أن الخيار الذي اتخذته الادارة هو تبني الخيار الأقل سوءا."

ولم يكن هناك قط تأييد كبير من جانب كبار مستشاري أوباما لخطوة تسليح المقاتلين المناهضين للأسد وبعضهم إسلاميون يعادون الغرب. والوضع في سوريا أكثر تعقيدا من ليبيا حيث سخر أوباما نفوذ الولايات المتحدة وطائراتها الحربية وراء جهود الاطاحة بالعقيد معمر القذافي. فالأسد وحلفاؤه المقربون ينتمون للاقلية العلوية بينما ينتمي معظم السوريين للاغلبية السنية. وتوجد في سوريا أقليات أخرى مثل الاكراد والمسيحيين والدروز.

ودخول الولايات المتحدة بشكل مباشر في الصراع قد يجلب أيضا خطر حدوث مواجهة بين قوى كبرى نظرا لأن روسيا حليف قديم للأسد. ولا يتوق الرئيس لصراع جديد في الشرق الأوسط بينما يسعى لطي صفحتي حربي العراق وأفغانستان. وتزداد حدة الانتقادات في وقت تستعد فيه الولايات المتحدة لانتخابات رئاسية هذا العام.

فمرشح الحزب الجمهوري ميت رومني الذي سيخوض الانتخابات أمام أوباما اتهم الرئيس الأمريكي بأن زعامته تتسم "بالتنازل" فيما يتعلق بأزمة سوريا. وقال السناتور الجمهوري جون مكين الذي يدعم تسليح المقاتلين السوريين إن الإدارة "لا تنتهج سياسة محددة وأعتقد أنها تنتقل فقط من مستوى من الخطابة إلى مستوى آخر. نفدت لديها العبارات والأوصاف بينما يحتاج الموقف بشدة لزعامة أمريكية غائبة تماما." وأضاف "التقيت بزعماء في المنطقة قالوا إنهم بحاجة لزعامة أمريكية من الواضح أنها غائبة."

وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية إن أوباما اتصل في 11 أغسطس اب الماضي برئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان لابلاغه بأن الولايات المتحدة ستدعو الأسد إلى الرحيل. وأضاف أن المكالمة الهاتفية كانت تفصيلية على نحو غير معتاد بين زعيمين دوليين.

وتناول اردوغان نقطة بنقطة في حديثه مع أوباما الالتزامات التي قطعها الأسد والتي اشتملت على خطة لانسحاب الجيش من المدن وبدء حوار مع المعارضة. وكان وزير الخارجية التركي قد أجرى محادثات مع الأسد قبل ذلك بيومين.

وفند أوباما نقطة بنقطة الدلائل على انتهاك الأسد لكل التزام وقال لاردوغان في النهاية إنه سيواصل مراقبة أفعال الأسد وإن فرقا أمريكية وتركية ستظل على اتصال خلال الثماني وأربعين ساعة المقبلة.

وفي 18 أغسطس أعلن أوباما قراره حين قال في بيان مكتوب "من أجل الشعب السوري.. حان الوقت لتنحي الرئيس الأسد." وقال بن رودس نائب مستشار البيت الأبيض للأمن القومي إن القرار الذي جاء بعد خمسة أشهر من بدء الانتفاضة كان أصعب من المتصور.

وقال "يظن الناس دائما أن من السهل مطالبة زعيم بالتنحي. الأمر ليس كذلك. فهذا يعني في الواقع أنه لن يكون هناك تعامل أبدا مع هذه الحكومة." وبعد قرابة عام على هذا ما زال الأسد في السلطة ويتوقع مسؤولون في المخابرات الأمريكية صراعا طويلا.

وقال روس مستشار أوباما السابق لشؤون الشرق الأوسط والذي يعمل الان في معهد واشنطن للأبحاث "كان هناك إدراك منذ البداية بأن هذا سيكون صعبا. فهذه ليست ليبيا نظرا للعنصر الطائفي."

وبدأ أوباما سياسته تجاه سوريا بالدبلوماسية وذلك في إطار سياسة أوسع تهدف للتواصل مع خصوم قدامى خلال عامه الأول في الرئاسة.

وأرسل أوباما خطابا للأسد في الشهور الأولى لرئاسته تحدث فيه عن إمكانية إحداث تغيير في العلاقة بين سوريا والولايات المتحدة. وقال مسؤول سابق في الإدارة الأمريكية "كنا منفتحين إزاء هذا وكنا مهتمين بهذا لكن كان لابد أن يكون ذلك متبادلا."

وأضاف أن أوباما تحدث عن المخاوف لكنه تحدث أيضا "عن إمكانية تحويل مسار العلاقة إذا كان الأسد مستعدا لاتخاذ خطوات حقيقية."

وتوجه مسؤولون أمريكيون كبار إلى دمشق لاجراء محادثات. ووقع الاختيار على روبرت فورد في عام 2010 ليكون سفير واشنطن في سوريا.. ذلك المنصب الذي كان شاغرا.

لكن أوباما اكتشف فيما بعد أن الأسد لم يف بوعده. وقال إدوارد دجيريجيان الذي كان سفيرا للولايات المتحدة في سوريا والمدير المؤسس لمعهد بيكر في جامعة رايس إنه تبين أن صورة الأسد كمصلح "صورة خاطئة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 30/تموز/2012 - 10/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م