عملية صناعة القرار

(2–2)

أ.محمد بن سعيد الفطيسي

تختلف النماذج السلبية المؤثرة على عملية صنع القرار عن المعوقات التي قد تصادف إدارة العملية نفسها، حيث أن من ابرز تلك المعوقات التي قد تبرز خلال إدارة تلك العملية والتي يشير إليها الأستاذ والباحث هيوزويوين بالاتي: التنظيم الخاطئ للمشكلة و التسرع في اتخاذ القرار والتفكير المزدوج والقرار الوحيد الذي لا قرار دونه والتقصير في عملية الاتصال.

 وانطلاقا من الأهمية القصوى لتلك السلسلة التي سنتطرق إليها، وما قد يترتب عليها من فشل ذريع في التوصل إلى حل نهائي صحيح، في حال لم يتم الوصول فيها إلى أقصى درجات التركيز و الوعي العلمي، فإننا سنحاول تحليلها وشرحها بطريقة أدق، فمثلا نجد بان "جريفث" يحدد هذه المراحل في:- تحديد وحصر المشكلة ومن ثم تحليلها وتقويمها فوضع المعايير والمقاييس المناسبة والتي سيتم حلحلة المشكلة ووزنها من خلالها، فجمع المعلومات الكافية حولها، وأخيرا وضع الحلول الممكنة واختبارها مقدما، فاختيار الحل الأنسب من بينها.

 أما "لتشفيلد " فيضعها في الصورة التالية، وهي تعريف القضية ومن ثم تحليلها فحساب وتحديد البدائل، فالمداولة وأخيرا اختيار الحل، وبالطبع فقد تطرق الكثيرون بخلاف ما ذكرنا، إلى خطوات تلك السلسلة من الباحثين المتخصصين والمفكرين السياسيين والاجتماعيين والإداريين، وان كان هناك اختلاف بسيط في تلك المراحل بين شخص وآخر، فانه لا خلاف على الخطوات الأساسية التي تنحصر في تحديد القضية أو المشكلة، ومن ثم تحليلها بشكل أكثر تفصيل ودقة وذلك بمعرفة أسبابها وتطوراتها وجمع المعلومات حولها على سبيل المثال، ثم تحديد الحلول الممكنة والمتاحة لاحتواء ما تبقى منها بهدف القضاء عليها بشكل نهائي أو التخفيف من أثارها بقدر الإمكان، وهنا تأتي أهمية المداولة والمشاورة ونوع الأشخاص ومراكز الدراسات والأبحاث التي سيتم التوصل إلى الحل من خلالهم، فاختيار الحل النهائي والأخير.

 وهنا نشير إلى أهمية كل خطوة في تلك السلسلة من عملية إدارة صناعة القرار، وضرورة إعطاءها القدر الكافي من الوقت والاهتمام، وإلا فان النتيجة النهائية والقرار الأخير سيكون عقيم وناقص، وعلى وجه الخصوص، نشير إلى ابرز واخطر تلك الخطوات، والتي نتصورها من وجهة نظرنا تمثل ثلثي السلسة، وهي جمع المعلومات والمداولة التي تعتمد اعتماد كلي على نوعية الأشخاص الذين سيقومون بتقييم المشكلة وتحليلها ورفع حل نهائي بها إلى الجهات المعنية.

 (حيث يرى البعض أن من أهم الصعوبات التي تعترض عملية اتخاذ القرار، عدم توافر المعلومات الجيدة والمتجددة عن ظروف العمل وإمكاناته، حيث تعتبر المعلومات بمثابة الدعامة الأساسية لاتخاذ القرارات، ويرجع ذلك إلى المعلومات التي تفيد في تحديد المشكلة والبدائل وتقييمها طبقا للنتائج المرتقبة من كل بديل، والتغذية الراجعة عن نتائج التنفيذ ضرورية لتقييم القرار واتخاذ إجراءات تصحيحه إذا لزم الأمر).

 وحيث أن لجمع المعلومات تلك الأهمية القصوى في عملية اتخاذ القرار، فانه لزم أن يكون القائمين على تجميعها بالقدر الكافي من الخبرة والكفاءة، كما لابد أن يتم جمع تلك المعلومات دون ضغوط نفسية أو جسدية أو زمنية، وتوفير الأجهزة والأدوات التي تساعد على تسهيل الوصول إليها، وإلا فان ذلك سيؤثر بالتأكيد على جودة وسلامة القرار المتخذ.

هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فنشير كذلك إلى نوعية الكادر المطلوب لإخراج ذلك القرار، فعلى سبيل المثال لابد أن يكون الكادر مؤهل بالخبرة الميدانية والعلمية والثقافية، - أي – أن لا يكون الأشخاص القائمين على صياغة ذلك القرار من الأفراد الذين لا زالوا يبصمون على قرارات الحكومة إن صح التعبير، أو المجاملين والمنافقين أو ذوي المصالح و الأهواء الشخصية، أو ممن يقعون تحت تأثير الضغوط الخارجية والداخلية، كان يكونوا جزء من المشكلة أو لهم صلة بها، بشكل مباشر أو غير مباشر.

 (فمن المسلم به أن عملية اتخذ القرار يمكن أن تتأثر بالسلوك الشخصي لمتخذ القرار ذاته، والذي يتأثر بدوره إما بمؤثرات خارجية أو مؤثرات داخلية كالضغوط النفسية، واتجاهاته، وقيمه، وأفكاره، وخبراته، وهذا الأمر يترتب عليه حدوث ثلاثة أنماط من السلوك هي: الإجهاد و الحذر والتسرع، وهذه الأنماط تنعكس آثارها على الأفراد خلال قيامهم بعملية صنع القرار، فمنهم من يتعامل مع المشكلة بحذر وبطء فتتفاقم آثارها، ومنهم من يتعامل معها بسرعة فلا يتمكن من الإحاطة بجزئياتها، والبعض الآخر يتعامل معها بتردد) وهكذا.

 وعليه فانه قد بات من الضروري، أن تهتم دولنا العربية بشكل عام، والخليجية على وجه الخصوص، بهذا النوع من عمليات إدارة القرار، وذلك من خلال توفير الأشخاص والكوادر المؤهلة لذلك، وخصوصا المبدعين والخبراء منهم، أو من خلال رفع كفاءة المؤهل منهم، والمساهمة في بناء مراكز الدراسات والأبحاث المتخصصة في هذا الشأن، وذلك لما لها من أهمية فعالة في بناء خطط التنمية المستقبلية، وعلى وجه الخصوص مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية لما لها من دور أساسي وريادي في توفير المعلومات والدراسات والمخططات الأولية والبحوث العلمية، لفهم تفاصيل بقية الجوانب الحياتية الاقتصادية والتنموية، وذلك من منطلق أن العامل السياسي هو المحرك الأساسي لبقية الأنشطة الحياتية وخصوصا في وقتنا الراهن.

* رئيس تحرير مجلة السياسي

azzammohd@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 30/تموز/2012 - 10/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م