سوريا... استهداف دولة أم مناهضة نظام؟

 

شبكة النبأ: لاتزال التدخلات الخارجية والدعم غير المحدود من قبل بعض الدول الاجنبية تزيد من تأزم الامور في سوريا وتساعد في اتساع رقعة العنف بين ابناء الوطن الواحد فبعد ان نجحت بعض الدول العربية في تدويل هذه القضية بدوافع طائفية مستخدمة وسائل التضليل والفبركة الاعلامية المأجورة لتحشيد الرأي العام العالمي بهدف اسقاط نظام الحكم في سوريا وبدعم بعض الدول العظمى ومن اهمها الولايات المتحدة الامريكية، ويرى بعض المراقبين ان تماسك وقوة الحكومة السورية في معركتها المشروعة ضد فلول التآمر وعصابات القتل قد اجبرت امريكا على تغير خططها السابقة واصبحت تتصدى لأسقاط الحكم في سوريا باعتباره اخطر الانظمة التي تهدد امن اسرائيل وذلك من خلال تبني بعض القرارات الجديدة لأجل الاسراع بمشروعها التأمري، وفي هذا الشأن فقد ذكرت صحيفة واشنطن بوست ان ثغرات في الاستخبارات الامنية اعاقت جهود واشنطن للاطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد وتكوين صورة واضحة عن قوى المعارضة داخل البلاد. وقالت الصحيفة استنادا الى مقابلات مع مسؤولين في اجهزة استخبارات اميركية واجنبية ان اجهزة الاستخبارات الاميركية زادت من جهودها في الاشهر الاخيرة لجمع معلومات عن قوات المعارضة وعن نظام الاسد. الا ان صعوبات القيام بعمليات استخباراتية اضطرت تلك الاجهزة الى الاكتفاء برصد ومراقبة الاتصالات ومراقبة النزاع من بعد، بحسب الصحيفة.

وبالمقارنة فقد لعبت وكالة الاستخبارات الاميركية المركزية (سي اي ايه) دورا كبيرا في جمع الاستخبارات من داخل مصر وليبيا خلال الثورة التي شهدها هذان البلدان، بحسب الصحيفة. وفي ظل عدم وجود عناصر من السي اي ايه على الارض في سوريا، ووجود عدد قليل منهم في مواقع حدودية رئيسية، فقد اعتمدت السي اي ايه بشكل كبير على اجهزة الاستخبارات في الاردن وتركيا وغيرهما من الدول الحليفة لها. واشارت الصحيفة كذلك الى ان نقص المعلومات الاستخباراتية تسبب في تعقيد جهود الادارة الاميركية لتوجيه الازمة السورية التي يمكن ان تؤدي الى تعزيز وجود المسلحين المتعاطفين مع تنظيم القاعدة او المسلحين الاسلاميين.

واكد المسؤولون للصحيفة ان قرار اغلاق السفارة الاميركية في دمشق في وقت سابق من هذا العام كان عاملا رئيسيا في اعاقة قدرة السي اي اي على العمل داخل سوريا. ونقلت الصحيفة عن المسؤولين قولهم ان الادارة الاميركية تدرس استخدام سبل اخرى لزيادة دعمها للمعارضة السورية الذي يستثني امدادها بأسلحة. بحسب فرنس برس.

وقالت الصحيفة ان السي اي ايه زودت المعارضة بأجهزة الاتصالات المشفرة التي تمكن الولايات المتحدة من مراقبة المحادثات التي تدور بين عناصر المعارضة السورية، وان فريقا من نحو ستة من ضباط السي اي ايه يتواجدون على طول الحدود التركية السورية ويعملون على فحص سجلات قادة المعارضة وينسقون تدفق المعدات والامدادات الطبية للمعارضة. وقال مسؤولون ان السي اي ايه لم تشارك في امداد المعارضة بالأسلحة، الا انها تبادلت المعلومات الاستخباراتية مع دول مثل السعودية وقطر تزود المعارضين بالأسلحة.

اضعاف النظام السوري

في السياق ذلته تعمل الادارة الاميركية بعيدا عن الاضواء لوقف شحنات الاسلحة والنفط من ايران الى سوريا سعيا منها لتسريع سقوط نظام الرئيس بشار الاسد، على ما افادت صحيفة وول ستريت جورنال ليل الاحد نقلا عن مسؤولين اميركيين. وقال المسؤولون للصحيفة طالبين عدم ذكر اسمهم ان الجهود الاميركية تهدف الى حمل العراق على اغلاق مجاله الجوي امام الرحلات المتوجهة من ايران الى سوريا والتي تشتبه اجهزة الاستخبارات الاميركية بانها تحمل اسلحة الى القوات النظامية السورية. وبحسب الصحيفة، فان واشنطن تحاول منع السفن التي يشتبه بانها تنقل شحنات من الاسلحة والنفط لسوريا من عبور قناة السويس. واشارت الصحيفة الى ان احدى هذه السفن التي تدعى "الامين" وتنتظر حاليا اذنا لعبور القناة مملوكة من احد فروع شركة الجمهورية الاسلامية الايرانية للشحن.

ويجري مسؤولون اميركيون بحسب الصحيفة محادثات مع الحكومة المصرية سعيا لمنع عبور السفينة، متذرعين بانها لا تحظى بتامين دولي معترف به. وتابعت الصحيفة ان الولايات المتحدة تنقل معلومات استخباراتية حول سوريا الى القوات التركية والاردنية التي تتعامل بشكل وثيق مع المقاتلين المعارضين. وذكرت الصحيفة من بين هذه المعلومات صورا من اقمار صناعية عسكرية واجهزة مراقبة تكشف تفاصيل عن المواقع العسكرية السورية يمكن ان يستخدمها المعارضون.

واقر المسؤولون السوريون بانه على الرغم من هذه الجهود فقد وصلت بعض شحنات الاسلحة والنفط الى دمشق. ووردت هذه المعلومات في وقت تتواصل العمليات العسكرية في مناطق سورية عدة خصوصا في مدينتي دمشق وحلب بين القوات النظامية و المعارضين وقد اعلن ما يسمى بالجيش السوري الحر الاحد بدء معركة "تحرير حلب" طالبا من جميع عناصره في كل المحافظة "الزحف الى المدينة". بحسب فرنس برس.

واعلن الاعلام الرسمي السوري ان قوات النظام سيطرت على حي القابون في دمشق وقامت ب"تطهيره من فلول الارهابيين". واعلن البيت الابيض ان النظام السوري مسؤول عن امن الاسلحة الكيميائية التي يملكها مؤكدا ان "المجتمع الدولي سيحاسب اي مسؤول سوري لا يفي بهذا الالتزام". ووردت تقارير تفيد بان الاسد قد يكون على استعداد لاستخدام مخزونه من الاسلحة الكيميائية لانقاذ نظامه ما اثار مخاوف في الغرب.

من جانب اخر قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إن مقاتلي المعارضة يكسبون اراضي في سوريا ستصبح في نهاية الامر "مناطق آمنة" وتوفر قاعدة لمزيد من العمليات ضد القوات الحكومية لكن الرئيس بشار الأسد أمامه وقت للتفاوض على الخروج. وتحدثت كلينتون وكأن فوزا عسكريا للمعارضة اصبح أمرا حتميا مع ان مسؤولين أمريكيين آخرين يقولون ان الصراع المسلح الذي مضى عليه 17 شهر قد يمتد طويلا.

وقالت كلينتون للمرة الأولى ان المعارضة سيكون بمقدورها في نهاية الأمر توفير "ملاذات آمنة" داخل سوريا. وفي إشارة تنبئ بأن تركيز الولايات المتحدة انتقل إلى كيفية التعامل مع انهيار حكم الأسد في نهاية المطاف شددت كلينتون على انه حان الوقت للنظر في "قضايا اليوم التالي" مثل كيفية حكم سوريا بعد الأسد وكيفية تجنب اراقة الدماء في عمليات انتقام طائفية. وقالت كلينتون للصحفيين وكان بصحبتها رئيس وزراء هايتي الزائر لورينت لاموث "يجب ان نعمل عن كثب مع المعارضة لأنه يجري كسب المزيد والمزيد من الاراضي وسيؤدي ذلك في نهاية الامر الى ملاذ آمن داخل سوريا سيوفر حينئذ قاعدة لمزيد من التحركات للمعارضة."

واضافت قولها "اننا نعتقد انه لم يفت الأوان لنظام الأسد لبدء التخطيط لعملية انتقال وإيجاد سبيل ينهي العنف من خلال البدء بنوع من المناقشات الجادة التي لم تجر حتى الآن." وأضافت "من الضروري أيضا لمقاتلي المعارضة وقد أصبحوا أفضل تنظيما ووسعوا نطاق وجودهم أن يبعثوا برسالة مفادها أن هذا لمصلحة كل السوريين لا لمصلحة جماعة معينة وألا يتورطوا في أي أعمال انتقام قد تؤدي إلى عنف أشد وأخطر." بحسب رويترز.

وقالت كلينتون ان من بين التحديات التي يجب على المعارضة ان تستعد لمواجهتها هي إنشاء كيانات حاكمة وحماية الاسلحة الكيمائية لسوريا وتسهيل عمليات الإغاثة الانسانية وحماية حقوق كل السوريين إذا سقط الأسد. وقالت كلينتون "من الضروري النظر في قضايا اليوم التالي هذه."

وأضافت قولها "إننا نعمل على أساس كثير من هذه الركائز المهمة لعملية الانتقال التي لا بد منها. ومن الأفضل التعجيل بذلك لأنه يعني أن عددا أقل من الناس سيموتون أو يصابون وأيضا لأنه سيحول دون عمليات انتقام طائفية." وقالت كلينتون في كلمة ألقتها في وقت سابق في المتحف الأمريكي لذكرى المحرقة ان حكومة كلينتون التي قالت من قبل انها ستقدم معدات اتصال للمعارضة تقوم الآن بالمزيد من الجهود لتدعيم المعارضة لكنها لم تسهب فيما تعنيه.

حكومة وحدة وطنية

على صعيد متصل اعلنت المتحدثة باسم المجلس الوطني السوري بسمة قضماني رفض المجلس اي حكومة وحدة وطنية تقودها شخصية من النظام، نافية بذلك ما اعلنه في وقت سابق جورج صبرا وهو متحدث اخر باسم المجلس. وقالت قضماني، مسؤولة العلاقات الخارجية في المجلس الذي يضم غالبية تيارات المعارضة السورية، من باريس "لم يكن واردا يوما تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة عضو في نظام" الرئيس السوري بشار الاسد.

واضافت قضماني ان "تشكيل حكومة انتقالية مسالة واردة بالطبع لكن من المعارضة، لا ان يرأسها عضو في السلطة". وكان عضو المجلس الوطني السوري جورج صبرا اكد ان المعارضة السورية مستعدة للموافقة على "شخصية من النظام" السوري لقيادة مرحلة انتقالية في البلاد. وقال صبرا "نحن موافقون على خروج الاسد وتسليم صلاحياته لاحد شخصيات النظام لقيادة مرحلة انتقالية على غرار اليمن".

وردا على سؤال بشأن "الشخصية" من النظام التي يمكن للمعارضة ان توافق على ادارتها المرحلة الانتقالية، اجاب صبرا ان "سوريا مليئة بالشخصيات الوطنية وحتى من قبل الموجودين في النظام وبعض الضباط في الجيش السوري التي يمكن ان تلعب دورا" في هذا المجال. وخلال مؤتمر صحافي، بدا المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو مرحبا بتصريحات جورج صبرا. وقال فاليرو "كل ما يمكن ان يسمح بالتوصل الى نهاية اسرع لأعمال العنف وتشكيل حكومة موقتة يصب في الاتجاه الصحيح".

ويذكر ان قطر دعت الى تغيير مهمة المبعوث الدولي والعربي لسوريا كوفي انان لتصبح متمحورة حول انتقال السلطة في هذا البلد في ضوء توسع العنف وفشل مجلس الامن في الاتفاق على قرار دولي. وقال الشيخ حمد بن جاسم ال ثاني رئيس الوزراء القطري في افتتاح اجتماع اللجنة الوزارية العربية التي يرأسها والخاصة بالازمة السورية "حدثت مؤخرا في سوريا امور دقيقة ما كنا نتمنى حدوثها ولا بد ان يتبصر اخواننا في الحكومة السورية كيف نحل الموضوع بطريقة امنة تحفظ النسيج الوطني السوري، بما يتطلب انتقالا سلميا للسلطة". بحسب فرنس برس.

واعتبر الشيخ حمد بن جاسم انه "لا بد ان يؤدي ذلك بالرئيس السوري (بشار الاسد) لأخذ قرار شجاع لحقن الدماء وحفظ مقدرات سوريا". كما اضاف انه "لا بد ان تنتقل مهمة كوفي انان وتتغير مهمته الى كيفية نقل السلطة" بعد ان اخفقت خطته في الوصول الى نتيجة. وقال الشيخ حمد، وهو يشغل ايضا منصب وزير خارجية بلاده، "كل القرارات التي قدمتها الجامعة العربية في السابق لم تنجح كما ان خطة كوفي انان لم تحقق اهدافها ولم ننجح عربيا ودوليا بما في ذلك في مجلس الامن بسبب اعتراضات في المجلس مما زاد من حمام الدم واعطى رخصة للقتل". ودعا الشيخ حمد "الدول المعترضة" في اشارة الى روسيا والصين، الى ان "تعيد النظر وان تتعامل مع الموقف ... من منظور عربي واخلاقي لأنه تربطنا معها علاقات حميمة وذلك كله لمصلحة العلاقات الاستراتيجية".

حلفاء سوريا

من جانب اخر قال مسؤول ايراني بارز ان حلفاء سوريا "لن يسمحوا بتغيير النظام" في هذا البلد المضطرب وسيوجهون "ضربات حاسمة" لأعداء دمشق اذا ما قرر هؤلاء المشاركة في النزاع. ونقل الموقع الرسمي للحرس الثوري على الانترنت عن الجنرال مسعود جزائري نائب رئيس القوات الايرانية المشتركة قوله ان "الشعب السوري واصدقاء سوريا لن يسمحوا بتغيير النظام". واضاف ان "اصدقاء سوريا وحركة المقاومة (المناوئة لإسرائيل المؤلفة من قوى ايرانية وسورية وفلسطينية اضافة الى حزب الله اللبناني) لم يدخلوا المشهد بعد .. واذا فعلوا فانهم سيوجهون ضربات حاسمة لجبهة العدو وخاصة للعرب المكروهين". بحسب فرنس برس.

وقال الجزائري، الذي عرف بتصريحاته المتشددة باسم الجيش الايراني ان "السوريين غاضبون جدا من حكومات الشر في اميركا وتركيا وقطر والسعودية وغيرها من حلفاء الارهابيين". واتهم المسؤول الايراني الولايات المتحدة واسرائيل بقيادة "حملة شاملة ضد سوريا" الا انه قال انهما تواجهان "هزيمة كبرى". واضاف "الان لا يستطيع العدو ان يفعل شيئا سوى من خلال الافعال الارهابية والتفجيرات والدعاية الاعلامية". وكانت الحكومة الايرانية نفت تقارير انتشرت في الولايات المتحدة وفي بعض وسائل الاعلام الايرانية في ايار/مايو الماضي تتحدث عن ارسال قوات ايرانية الى سوريا.

واتهمت روسيا الولايات المتحدة بتبرير الارهاب ضد الحكومة السورية وانتقدت الدول الغربية التي قالت موسكو إنها لم تقم بإدانة هجمات أسفرت عن مقتل أعضاء كبار في الدائرة المقربة للرئيس السوري بشار الأسد. وفي إشارة إلى تصريحات فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم وزارة الخارجية الامريكية التي قالت إن مثل هذه الهجمات لم تكن مفاجئة مع وضع تصرفات الحكومة السورية في الاعتبار قال سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي "هذا تبرير مباشر للإرهاب." واستطرد "بعبارة أخف.. نحن لا نفهم رفض شركائنا ادانة الهجوم الارهابي في دمشق" مشيرا الى تفجير استهدف مقر الامن القومي وقتل فيه أربعة من كبار قيادات الامن المقربين من الاسد.

ولمح وزير الخارجية الروسي الى ان الولايات المتحدة تستغل خطر حدوث المزيد من الهجمات للضغط على مجلس الامن التابع للأمم المتحدة ليخضع خطة السلام للمبعوث الدولي كوفي عنان للفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة. ويسمح الفصل السابع للمجلس بالتفويض بإجراءات تتفاوت ما بين العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية والتدخل العسكري وإن كان المسؤولون الامريكيون قالوا انهم يفضلون الخيار الاول. بحسب رويترز.

وأشار لافروف إلى تصريحات لسوزان رايس سفيرة الولايات المتحدة لدى الامم المتحدة قالت فيها إن تفجير دمشق في 18 يوليو تموز دليل يؤكد ضرورة الا يتأخر المجلس في الموافقة على تفعيل الفصل السابع. وقال لافروف خلال مؤتمر صحفي بعد محادثات مع وزيرة الخارجية القبرصية اراتو كوزاكو ماركوليس "بكلمات اخرى هذا يعني 'سنستمر في دعم مثل هذه الهجمات الارهابية الى ان يفعل مجلس الامن ما نريد' ... هذا موقف شنيع." وانتقد لافروف العقوبات على سوريا ودافع عن استخدام بلاده حق النقض (الفيتو) ضد قرار في مجلس الامن كان سيهدد السلطات السورية بعقوبات اذا لم تنه العنف. وكرر موقف موسكو القائل بأن رحيل الاسد يجب الا يكون شرطا مسبقا لحوار سياسي لأنهاء الصراع المستمر وان السوريين وحدهم هم من يقررون مستقبل بلادهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/تموز/2012 - 9/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م