تنابلة في جميع الاماكن والازمان

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: التنابلة وهي جمع تنبل، وهي كناية بغدادية عن الكسول الذي لايؤمّل قيامه باي عمل مهما كان سهلا خفيفا، والكلمة فارسية بمعنى كسول. كما يذكر عبود الشالجي في معجم الكنايات العامية البغدادية. وقيل: كلمة تنبل تركية: تستخدم بمعنى الكسول، والبطيء.

ومما يدل ان اللفظة تركية وجود مثل قديم متداول في تركيا والدول الاسلامية - دول الخلافة - وهو قولهم اذا ارادوا وصف انســان بالخمول وعدم الهمة وترك العمل: (مـثــل تنـابلـــة السلطان عبد الحميد).

وتنابلة السلطان عبد الحميد رفضوا العمل فامر برميهم في البحر، فتشفع بهم احد الفلاحين الموسرين وتبرع لاطعامهم، الا انهم رفضوا الشفاعة وآثـروا الرمي بالبحر لان الثري يريدهم ان يقوموا بعملية الثرد قبل الاكل، ولأنهم تنابلة آثروا الموت على ابسط الاعمال.

ويروون عن تنابلة السلطان، وهم قوم من الكسالى، كانوا يعيشون في موضع، يطعمون فيه ويعيشون على نفقة السلطان، ولا يقومون باي عمل، وكانوا من الكسل على درجة لا تصدق، وحدث ذات يوم ان اشتعلت النار في الموضع الذي كانوا فيه، فغلب عليهم الكسل ولم يتحرك منهم احد، حتى اذا اقترب اللهب من احدهم واكتوى به صاح: آه، ولما اكتوى رفيقه في النار، قال له اصرخ اه نيابة عني ايضا، يعني انه كسل حتى عن ان يصيح آه لما كوته النار.

وقد يقال تنبل ابو رطبة، يعني انه لفرط كسله، يطرح نفسه تحت النخلة ينتظر سقوط رطبة من الرطب في فمه.

وأصل المثل: أن رجلا كان له ولد كسول، وكان كلما يحاول إصلاحه وإرشاده، يزداد كسلا وبلادة، حتى تعب الرجل وملّ ويأس من إصلاحه وسلم أمره إلى الله تعالى، وفي ذات يوم قرر الرجل أن يرسل إبنه إلى مجمع التنابلة ليعيش بينهم ويصبح واحدا منهم، فيريح ويستريح. وكان التنابلة آنذاك يعيشون في بستان كبير في إحدى ضواحي بغداد، ينامون فيه طيلة يومهم. فإذا جاعوا أكلوا مما يتساقط عليهم من رطب، من النخيل الموجودة في البستان، وإذا أحسّوا بالظمأ شربوا من ماء الساقية. ذهب الرجل إلى شيخ التنابلة وشرح له الأمر وسلّم له ولده الكسول. فرحب شيخ التنابلة بالتنبل الجديد وقال له: (ارقد هناك قرب الساقية. وعندما تقع قربك رطبة من النخلة كلها وإذا عطشت إشرب من ماء الساقية. وإنت لا يطلب منك أي عمل هنا). فانبطح الولد على الأرض، قرب الساقية، في إنتظار سقوط الرطب بالقرب منه، وبعد مدة وجيزة سقطت رطبة بالقرب من رأسه، فلم يكلّف نفسه عناء إلتقاطها ووضعها في فمه، فقال بكلامه البطيء المتثائب: (رحم الله والديه من يضع الرطبة في فمي). فسمع شيخ التنابلة ما قاله التنبل الجديد فضحك منه واستدعاه إليه، وقال له: (انهض واذهب لأبيك وقل له: انا تنبل ونص. و لا احتاج للعيش مع التنابلة لا تعلم منهم). ثم علم الناس بحكاية ذلك الصبي، وعجبوا من كسله وضحكوا من فعله، فقالوا فيه (تنبل أبو رطبة) وذهب ذلك القول مثلا.

وكلمة (تنبل) من الكلمات الدارجة على الألسن. يقول الناس: هذا تنبل, أي أنه لا يحسن التصرف, أو أنه ليست لديه حنكة وحكمة في النظر إلى الأشياء.

وفي كتب اللغة نقرأ كلمة، التِّنْبال والتِّنْبَل والتِّنْبالة بمعنى الرَّجُل القَصِير، كما في لسان العرب لابن منظور.

وفي مدينة حماه وسط سورية نبات (التنبل) ويمضغه الحمويون كما يمضغ اهل اليمن السعيد نبات القات المعروف، فيحدث لهم قوة ونشاطا ويجدد الحيوية، ليس مثل الحبة الزرقاء اللعينة وانما يزيد القدرة على العمل في الرعي والفلاحــة والضرب في الاسواق.

ولربما اذا زاد النشاط عن حده انقلب الى ضده، فوقع الماضغ في الكســـل والخـمـــول، ومن هنا - لربمــا - تسرب الاسـم الى اللغة العربية... وهي قريبة من لفظة (سرسيبي) التركية.. وتعني الكســـــــول بخبث، وجمعها تنابيل وتنابلة.

وتَنْبَلِ فْلانْ(فلانًا): نسبَ إليه البلَهَ والبلادةَ، فهو تَنْبَلْ أي أبلهُ بليدٌ، واتَّنْبَلْ هو أي تصرّفَ بحمقٍ وغباءٍ أو بلادةٍ، والمصدرُ تَنْبَلِه. وتسمعُ مَن يلفظُ النونَ ميمًا (تَمْبَلْ)، وذلك لسببٍ صواتيٍّ نابعٍ من سكونِ النونِ ومجاورةِ الباءِ، أو لأنّ الميمَ هي الأصلُ.

جعلَها البستانيّ تركيّةً في محيط المحيط، وردَّها غيرُه إلى الفارسيّةِ معَ احتمالِ كونِها حبشيّةً: ينظرُ، اليسوعيّ، غرائب اللغة، حيثُ ردَّها إلى تِنْبَل الفارسيّةِ بمعنى كسلانَ، وردَّها العنيسي في تفسير الألفاظ الدخيلة إلى التركيّةِ بالمعنى نفسِه، أمّا شير فأعادَها، في كتاب الألفاظ الفارسيّة، إلى الفارسيّةِ من (تن برور) التي تعني البليدَ المترهِّلَ من سُمْنَةٍ. أوردَ فريحة بعضَ هذه الاجتهاداتِ مضيفًا جوازَ كونِها عربيّةً منَ الأثلِ تبل، ألصِقَتْ به النونُ حشوًا(فَنْعَلْ).

أوردَتِ المعاجمُ الكلاسيكيّةُ وكتبُ اللغةِ التّنبالَ والتّنبلَ والتُّنبولَ والتِّنبالةَ، بمعنى الرجلِ القصيرِ، وتُجمَعُ التّنبالُ على تنابيلَ. جعلَ سيبويهِ التاءَ الأولى أصليّةً في الكلمةِ، أي جعلَ حروفَها الأربعةَ أصولاً(فَعْلَلٌ)، فيما جعلَها غيرُه زائدةً وأصلُها منَ النَّبَلِ الذي يعني الصِّغَرَ أو القصَرَ أو الخِسّةَ، ينظرُ: لسان العرب، تاج العروس، المعجم الكبير، العين، وكلُّها أوردَتِ الكلمةَ في مادّةِ تنبل/ تنبال، وأساس البلاغة، المحيط في اللغة، تهذيب اللغة، وكلُّها أوردَتِ التنبالَ في مادّةِ نبل، ولم توردْ هذه المصادرُ شيئًا عن كونِها دخيلاً أو معرّبًا، بل ردَّها بعضُهم إلى الأثلِ العربيِّ نبل، مع إشارةٍ من صاحبِ تاج العروس إلى أنّها لغةٌ عامّيّةٌ.

وردَتِ التنابيلُ في قصيدةِ كعبِ بنِ زُهيرٍ:

يمشونَ مشيَ الجِمالِ الزُّهرِ يعصمُهم ضربٌ إذا عرّدَ السودُ التنابيلُ

والتنابيلُ هنا تعني الأخِسّاءَ والضّعفاءَ والحمقى، وقد تعني القِصارَ أوِ الصِّغارَ. واعتمادًا على ما وردَ في القصيدةِ، وفي بعضِ المعاجمِ، لا أرُدُّ احتمالَ كوْنِ الكلمةِ من الأثلِ نبل، والتاءُ زائدةٌ تصديرًا(تَفْعَلٌ)، ويميل البعض الى:

أ. أنّها من طنبل، فالطَّنبلُ: الأحمقُ البليدُ، وطنبلَ فلانٌ: تحامقَ، ولم يقطعْ صاحبُ معجمٍ بعربيّتِها أو بكونِها منَ الدخيلِ أوِ المعرّبِ، ينظرُ: تاج العروس، ولعلّها منَ المولّدِ، قُلِبَتْ فيه الطاءُ تاءً من بابِ الترقيقِ، وقدْ تربطُها بـ (طبل) صفةً في المحكيّةِ للإنسانِ الغبيِّ المنفوخِ البليدِ رابطةٌ وهو ربط غير متيقن منه كما يذهب الى ذلك احد الباحثين العرب.

ب. وإن لم يكنْ فعلُنا اشتقاقًا منَ الطنبلِ المذكورةِ، فإنّه منَ التركيّةِ tembel بمعنى كسلانَ أو بليدٍ أو مسترْخٍ، ولقد دخلَتْ هذه الكلمةُ العبريّةَ טֶמְבֶּלبالمعنى نفسِه، وبالإضافاتِ الدلاليّةِ التي تعرفُها العربيّةُ.

والكسل والكسالى، والتنبل والتنابلة، توسع كثيرا خارج ما هو متعارف عليه في كتب التراث واللغة، التي ذكرنا شيئا منها في السطور السابقة، وهو ما ذكرته مجلة (مجلة لانسيت الطبية البريطانية) حيث اختارت 20 شعبا يعانون من الكسل المؤدي إلى الموت طبقا لأرقام منظمة الصحة العالمية، وتعاني هذه الشعوب من عدم ممارسة نسبة من سكانها لأي نشاط بدني مثل المشي او العمل اليدوي مما يؤدي لإصابتهم بأمراض مزمنة.

وقد احتل العراق المركز الرابع عشر وعلى رأس قائمة الدول العربية في الترتيب... واعتبر امين سر اتحاد اطباء العراق التقرير الطبي بالمهم مشيرا الى ان التقرير اعتمد على هذا التوصيف بسبب انخفاض التنمية في البلاد.

وقال امين سر الاتحاد د. صلاح الحداد (ان مجلة لانست الطبية البريطانية التي نشرت هذا التقرير طرحت نفس الموضوع قبل 10 سنوات). واضاف(ان الموضوع برمته مرتبط بمنظمة التجارة العالمية التي تسعى من خلاله لمعرفة التنمية في العالم), موضحا (ان الكسل يمكن قياسه عبر انخفاض التنمية في البلاد).وتابع (ان التقرير الذي هو عبارة عن استطلاع قد ربط الكسل بمستوى التنمية في البلدان).,واشار الى ان (وجهة نظر القائمين على التقرير فيما يخص العراق تؤكد ان مستوى انخفاض التنمية في البلاد وراء اعتبار العراق من البلدان الكسولة).

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 28/تموز/2012 - 8/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م