مجالس رمضان الثقافية

 

شبكة النبأ: تحتفظ الذاكرة الثقافية في عموم المدن العراقية، بمخزون كبير يتعلق بالأنشطة الثقافية التي تجد في شهر رمضان المبارك متنفسا لها، حيث تنعقد هذه المجالس بعد الافطار عادة، لتقدم للحاضرين، مجموعة من المحاضرات، او الاسهامات الثقافية والادبية والعلمية المتنوعة، التي تنم عن هدف كبير، يسعى إليه المتمدنون، يتمثل بنشر الثقافة والوعي بين اوساط الشعب عموما، بغض النظر عن الحسابات ضيقة الآفاق، لأن الثقافة تمثل الزاد الفكري والمعرفي للجميع، ومن كلا الجنسين وللفئات العمرية المتباينة.

وما يجعل هذه المجالس محط اعجاب الناس، انها كانت تقدم مواضيع مختلفة يحتاج الجميع الى معرفتها، وكان اسلوب التقديم يتسم بالفكاهة والجدية، ويثير في الحاضرين تفاعلا كبيرا، حيث تصبح المجالس الرمضانية قبلة لمن يريد الاستزادة من الادب، والثقافة، والعلم، والدين، والفنون المختلفة.

ولذلك لم تقتصر هذه المجالس على فئة دون غيرها، حيث يحضرها الطبيب والمعلم والطالب والكاسب وعامل البناء، ناهيك عن اختلاف الاعمار ومستويات الوعي، الامر الذي جعل من هذه المجالس حديث الناس اجمع، كونها تجمع الجميع، وتقدم مادتها الفكرية او العلمية او الثقافية، او المعرفية للجميع.

يقول احد الكتاب في مقال له عن المجالس الثقافية: (في شهر رمضان تأخذ المجالس الثقافية طابعا أكثر تميزا وحضورا، فتتعدد الرؤى والطروحات والمضامين التي تطرحها المجالس الثقافية، منها ما يتعلق بالتأريخ - تأريخ المدينة او البلد او حتى المحلة-، ومنها ما يتعلق بإلقاء الضوء على شخصيات تركت حضورها الفاعل في المحيط الذي تحركت ونشطت فيه، وثمة من المجالس تخوض في الفلكلور والتراثيات بوجه عام، فيما يذهب مثقفون آخرون الى مضامين تمس الواقع مباشرة، وتضعه تحت ضوء الملاحظة الدقيقة، تصويبا وتشجيعا وخلافه).

فأين نحن من هذا النشاط الآن؟ علما ان جميع المدن العراقية تملك تاريخا حافلا بأنشطة المجالس الرمضانية ومنها على سبيل المثال تلك التي كانت تعقد في مدينة كربلاء المقدسة، وتأخذ مواضيع متنوعة، لا تنحصر بالمقدس الاسلامي وانما تتنوع لتشمل معظم مجالات الثقافة والاداب والفنون، كما قرأنا ذلك في البحوث التي قدمها الدكتور هادي سلمان آل طعمة في كتابه عن المجالس الثقافية في كربلاء، لاسيما في شهر رمضان المبارك.

لذلك كما يقول الكاتب نفسه، إننا (اليوم نفتقد لمثل تلك المجالس، لم تعد الناس مولعة بها، ولم يعد المعنيون بالثقافة يعطون الاهمية اللازمة لهذا النوع من المجالس، أو لدورها في تنمية الوعي الشعبي، نعم هناك منظمات ثقافية تقدم بعض الانشطة الثقافية هنا وهناك، في دور نمطي متواصل ومعروف، ولكن ما نعنيه هنا المجالس ذات النكهة الشعبية التي تفرض حضورها في الوسط، وتنقل المعلومة وتنشرها باسلوب محبب بين من يختلف الى هذه المجالس، واذا كان شهر رمضان له أجواؤه التي تميزه عن غيره من الشهور، فإن هذا التميّز يشمل المجالس الثقافية أيضا، حيث تُعقد الجلسات بعد الافطار بساعتين، في اجواء يشوبها المرح والسعادة، وفي حس فكاهي ينضم إليه الجميع، المحاضر وغيره، فتتحول تلك المجالس الثقافية في رمضان، الى نقاط تشعّ بالبهجة الروحية).

لهذا مطلوب من المعنيين وخاصة الاهليين منهم، اصحاب المجالس والصالونات الادبية والثقافية، أن يعيدوا الاعتبار لهذه المجالس، خاصة اننا نملك ارثا ومخزونا تجريبيا كبيرا في هذا المجال، فشهر رمضان المبارك، شهر الله تعالى، وشهر العبادة والعفو والمغفرة، هو شهر الاستزادة من المعرفة والعلوم المختلفة، عن طريق المجالس التثقيفية التي تقوم بدور التثقيف المتواصل على مدى ايام الشهر الكريم، خدمة للعقل والفكر والدين وتعضيد الوعي الفردي والجماعي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 24/تموز/2012 - 4/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م