التظاهرات... لغة احتجاج دولية

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يعم أرجاء العالم اليوم موجة عارمة من التظاهرات السلمية مختلفة المقاصد، فمنها الاحتجاج على رداءة شروط السلامة الخاصة بالدارجين على الطرق والمطالبة بتخطيط أفضل للممرات المخصصة للدراجات في اغلب العواصم الأوروبية، ومثلها في أمريكا والمكسيك، فيما احتشد قدامى الجنود في واشنطن بمناسبة تظاهرة "رولينغ ثندر" وهي احياء لذكرى رفاق لهم سقطوا في الحروب، وفي الوقت ذاته تظاهر نحو مئة من أصحاب الشاربين مع صاحبات شوارب اصطناعية وبعض الملتحين في وسط واشنطن مطالبين بالحسم ضريبي، في حين احتضنت العاصمة اليابانية مسيرة خاصة للمثليين، كما شهدت بطولة أوروبا لكرة القدم احتجاجات نسائية، بينما تزايدت التظاهرات العفوية والمنظمة في اسبانيا بسبب الأزمة الاقتصادية، لذا تبقى المظاهرات وسيلة لها أحكام المقاصد، فإذا أدت إلى تحقيق مصلحة وإزالة مفسدة، كانت مطلوبة، والوسائل لها أحكام المقاصد، فما الذي يقصده بهذه الوسيلة نيل الحقوق، ورفض الظلم، وشحذ همم الناس وألسنتهم وأقلامهم وأيديهم بما يملكون فعله.

تظاهرة الدراجات الهوائية

فقد تظاهر آلاف على دراجاتهم الهوائية في لندن وإدنبره وروما للاحتجاج على رداءة شروط السلامة الخاصة بالدراجين على الطرق والمطالبة بتخطيط أفضل للممرات المخصصة للدراجات في العواصم الأوروبية، وتحدى نحو 10 آلاف دراج الأمطار في لندن وثلاثة آلاف في إدنبره، للمشاركة في أكبر تظاهرة خاصة بهذه الرياضة تنظم في بريطانيا، بحسب القيمين على هذا الحدث، وذكرت قناة "سكاي نيوز" المشاركة في تنظيم هذه التظاهرة "إذا ما أخذنا هولندا مثالا، سنجد أن غالبية السكان يستخدمون الدراجات الهوائية. وهذا ما نريده هنا"، وأضافت "كثيرون يرغبون بركوب الدرجات الهوائية لكنهم يريدون أن يشعروا بالأمان. ومن خلال تعزيز تدابير السلامة على الطرقات، نحث الناس على استخدام الدرجات الهوائية للتنقل"، وقد قطع المتظاهرون الطرق في وسط لندن للمطالبة باتخاذ تدابير فعلية، وتأتي هذه التظاهرات على اثر الاحصائيات التي نشرتها صحيفة "ذي تايمز" والتي أشارت إلى مقتل 26 راكب دراجة هوائية على طرقات بريطانيا في غضون سنة. بحسب فرنس برس.

وفي روما أيضا، اتخذ المتظاهرون هولندا مثالا لهم. وقال باولو بيلينو أحد منظمي هذه التظاهرة "على الطرقات حرب مدنية. قبل 40 عاما اتخذ الهولنديون التدابير الملائمة ونحن تأخرنا 40 عاما"، وأضاف منظم آخر يدعى ألبرتو فيورييو "كل شيء هنا معد للسيارات"، وقد لفت باولو بيلينو إلى أن آخر الحوادث التي وقع ضحيتها ركاب الدرجات الهوائية طالت خمسينيا بالقرب من نابولي ومراهقا في الرابعة عشرة من العمر في بارما.

شوارع نيويورك

قي سياق متصل اجتاح نحو 32 ألف سائق دراجة هوائية شوارع نيويورك التي أقفلت أمام السيارات للمشاركة في جولة على أحياء المدينة الخمسة في إطار تجمع سنوي لمحبي الدراجات الهوائية، وأتى البعض مع عائلته والبعض الآخر مع أصدقائه للمشاركة في هذه الجولة الممتدة على مسافة 64 كيلومترا والتي انطلقت من جنوب مانهاتن ومرت بسنترال بارك ثم ببرونكس، ثم اتجهت غربا إلى كوينز وبروكلين مرورا بخمسة جسور منها كوينزبورو وفيرازانو، أما المحطة الأخيرة فكانت ستايتن آيلند (جنوب) التي عاد السائقون منها إلى مانهاتن على متن قارب، وتنظم كل من بلدية نيويورك ومنظمة "بايك نيويورك" هذا التجمع السنوي الذي يعتبر الأكبر في الولايات المتحدة والذي يسمح بجمع الأموال لصالح جمعيات خيرية متعددة، وقد أجريت الدورة الأولى منه سنة 1977 وشارك فيها 250 شخصا، وعينت البلدية شهر أيار/مايو "شهر الدراجات الهوائية" في نيويورك، وتستعد المدينة لتضع في تموز/يوليو آلاف الدراجات الهوائية في متناول السكان باعتماد نظام الخدمة الذاتية. بحسب فرنس برس.

المكسيك

على صعيد ذو صلة ركب عشرات الاشخاص العراة الدراجات الهوائية في مدينة بويبلا المكسيكية احتجاجا على المخاطر التي يواجهونها على الطرقات، وقد كتب المشاركون على اجسادهم عبارة "هل تروني الان؟" وارادوا عبر هذا التحرك ايضا الترويج لمنافع الرياضة وركوب الدرحجت كوسيلة نقل صديقة للبيئة، وقال ارتورو ريفيري احد المشاركين "نريد ان نغير امورا"، وتجمع المشاركون في احد اكثر الشوارع اكتظاظا في بويبلا الواقعة على بعد 120 كيلومترا من العاصمة مكسيكون وفي حين ارتدت بعض النساء ملابس السباحة، قرر غالبية الرجال التعري كليا وهم يركبون الدراجة الهوائية عبر شوارع المدينة تحت المطر، ويندرج الحدث في اطار "الحركة العالمية لركوب الدراجات عراة" التي ترعى تحركات مماثلة عبر العالم للتركيز على الخطر الذي يتعرض له راكبو الدراجات الهوائية في الشوارع والاحتجاج على ثقافة السيارة على ما جاء في موقع الحركة الالكتروني، واتى تحرك بعد مقتل دراجين في حادث سير وبعد تحرك مماثل في العاصمة. بحسب فرنس برس.

تظاهرة "رولينغ ثندر"

على الصعيد نفسه هم جنود قدامى ارتدوا بغالبيتهم العظمى الصدرية الجلدية نفسها المغطاة باوسمة عسكرية، وتجمعوا بعشرات الآلاف والكثير منهم من قدامى حرب فيتنام، على دراجاتهم النارية احياء لذكرى رفاق لهم سقطوا في الحرب، يعرف هذا التجمع السنوي لراكبي الدراجات النارية في العاصمة الاميركية الرامي إلى مطالبة الإدارة بالكشف عن التقدم المحرز في إطار البحث عن اسرى الحروب والجنود المفقودين خلال حرب أفغانستان، باسم "رولينغ ثندر"، يحاول بيل دريسكول صاحب الاوشام الكثيرة الذي ارتدى سترة جلدية الاتقاء من أشعة الشمس الحارقة التي تعكسها دراجته النارية من طراز "هارلي-ديفيدسون"، وهو يتفرج على الدراجات النارية الكبيرة وهي تمر أمام عينيه، وهو يقول بحماس "هذا قلب الولايات المتحدة ... هم يأتون من كاليفورنيا من ويسكنسن من الولايات المتحدة برمتها"، ويؤكد هاوي ركوب الدراجات هذا الذي يبلغ من العمر 58 عاما أنه يأتي كل سنة من ولاية بنسيلفينيا (شرق الولايات المتحدة)، وذلك منذ الدورة الاولى من "رولينغ ثندر" التي أطلقت قبل 25 عاما "لتكريم قدامى الجنود جميعهم"، وقد خدم بيل دريسكول في صفوف الجيش، لكنه لم يرسل إلى جنوب فيتنام، كما كانت الحال مع كثيرين من أصدقائه الذين لقوا حتفهم هناك، أبصرت فعالية "رولينغ ثندر" النور في العام 1988 عندما قررت مجموعة من راكبي الدراجات النارية وهم من قدامى الجنود الذين حاربوا في أفغانستان أن يسيروا بدراجاتها النارية على واشنطن، تحت شعار "هزيم الرعد" وهو الاسم الذي أطلق على عملية القصف التي أمر بتنفيذها الرئيس ليندون جونسون في العام 1965 لاستعادة اسرى الحرب والجنود المفقودين جميعهم، ويقدر عدد الجنود الاميركيين الذين سقطوا او اختفوا في فيتنام ولم تستعاد رفاتهم بعد بأكثر من 1500 شخص. بحسب فرنس برس.

وعلى مر السنين، تحولت هذه التظاهرة إلى استعراض يظهر الروح الوطنية ويكرم الجنود الذين حاربوا خلال الحروب جميعها، وطوال ساعات، تمر الدراجات النارية على أنواعها وهي تحمل بغالبيتها علامة "هارلي-ديفيدسون" في جادة كونستيتوشن أفينيو. وقد علقت على بعضها الأخراج والثلاجات او حتى المقطورات ورفعت غالبيتها الراية الاميركية او العلم الأسود الذي يرمز إلى المفقودين في القتال، ويظن إلتون إنسور الذي اعتمر قبعة وارتدى سترة عسكرية مزينة بشارات واوسمة، أنه من الجنود القدامى "الأكبر سنا المتواجدين هنا اليوم". وقد شارك هذا الثمانيني (87 عاما) الذي لا يزال يضع قرطين في أذنه اليسرى في حرب فيتنام فضلا عن إنزال النورماندي والحرب الكورية (1950-1953)، وهو يقول إنه لا يتفاءل خيرا بشأن استعادة رفات الرفاق الذين اختفوا في أدغال جنوب شرق آسيا، حتى لو كانت الإدارة بنظره "تبذل ما في وسعها" لتستعيد رفات الجنود المفقودين، إلى جانب المتفرجين الذين جلسوا على بعد عشرات الأمتار تقريبا من النصب التذكاري لحرب فيتنام حيث نقش في المرمر الاسود حوالى 58 ألف اسم، ينتظر آرت لايخر على دراجته القديمة أن يأتي دوره ليشارك في الاستعراض، وقد قدم هاوي ركوب الدرجات النارية الذي تغطي الاوشام ذراعيه، تكريما لذكرى رفاقه الذين سقطوا في حرب فيتنام. لكنه يعرب عن قلقه على ابنه الذي شارك في حربي العراق وأفغانستان وهو يقول "لن يجد الجنود فرص عمل هنا عند عودتهم".

اصحاب الشاربين وبعض الملتحين

فيما تظاهر نحو مئة من اصحاب الشاربين مع صاحبات شوارب اصطناعية وبعض الملتحين في وسط واشنطن مطالبين في ظل اجواء مرحة لكن بجدية، بحسم ضريبي قدره 250 دولار اكدوا انهم يستحقونه "بجدارة"، وقام رجال ونساء وشباب ومسنون برفقة بعض الحيوانات بمبادرة من "المعهد الاميركي للشارب" بمسيرة من الكابيتول الى البيت الابيض الذي تلوا امامه "الاعلان الرسمي للشارب"، وجاء في الاعلان ان "الذين زادوا بنسبة 38,7 % من جمال سكان هذا البلد بفضل شواربهم (..) يستحقون حسما ضريبا قدره 250 دولارا"، واشار دان كالاهان "مدير الابحاث" في المعهد الى ان روبرت ريدفورد وبراد بيت كانا لفترة من اصحاب الشاربين. والان اتى دور فيلم "ذي ارتيست" وشاربي جان دوجاردان اللذين تركا اثرا "هائلا"، وقد رفع بعضهم لافتات كتب على احداها "الجمال الى هذا الحد مكلف"، وكان "المعهد الاميركي للشارب" دعا الى "تظاهرة مليونية" على موقعه الالكتروني او على الارض في العاصمة الاميركية لدعم اقتراح قانون لحسم ضريبي "على كلفة صيانة الشاربين" (شمع وصباغ وفرشاة خاصة). بحسب فرنس برس.

المثليين في طوكيو

من جهة أخرى شارك نحو 2500 شخص في مسيرة في طوكيو للمطالبة بالمزيد من التسامح إزاء الأقليات الجنسية في اوساط المجتمع الياباني، وتظاهر المدافعون عن حقوق المثليين والمثلييات وثانئيي الجنس والمتحولين جنسيا إلى جانب مومسات من النساء والرجال في حي شيبويا الشعبي بأزياء تنكرية أو بملابس الساموراي الخاصة، وصرح ساياكا كاتو الناطق باسم جمعية "طوكيو رينبوو برايد" التي أطلقت هذه التظاهرة، "في اليابان يعتبر الاهتمام الذي يولى للأقيات الجنسية ضئيلا مقارنة مع نيويورك أو لندن". بحسب فرنس برس.

وأضاف "على اليابان أن تقطع شوطا كبيرا قبل تقبل التنوع"، ويأمل منظمو هذه المسيرة أن ينجحوا بجمع 50 ألف مشارك في غضون خمس سنوات، من خلال تعبئة مثليي الجنس من يابانيين وأجانب، وقال واتارو إشيكازا (35 عاما) وهو واحد من المسؤولين السياسيين النادرين الذين كشفوا عن مثليتهم الجنسية، إن "الأقليات الجنسية في اليابان ما زالت تخشى الظهور العلني"، وأشار إلى أنه "من الممكن أن يتحرر البعض من هذه المخاوف من خلال الانضمام إلى آخرين في نشاطات من هذا القبيل".

بطولة اوروبا لكرة القدم

على صعيد أخر عرت ناشطة اوكرانية مدافعة عن حقوق المرأة النصف العلوي من جسدها وقبضت بيديها على كأس بطولة أوروبا لكرة القدم 2012 اثناء عرضها امام الجمهور في كييف احتجاجا على استغلال المرأة خلال البطولة، وتقدمت المحتجة الشابة يوليا كوفباتشيك (23 عاما) باتجاه الكأس الفضية اثناء عرضها بوسط كييف واعتقد الناس انها تود التقاط صورة مع الكأس مثل مئات آخرين من المتفرجين، غير أنها خلعت قميصها الأحمر لتكشف عن جملة مكتوبة على صدرها تقول "تبا ليورو 2012" وذلك في اشارة الى بطولة اوروبا. وحين قبضت على الكأس بكلتا يديها امسك بها افراد الامن الذين بدا أنه كانت لديهم تحذيرات مسبقة بشأن الاحتجاج، وقام افراد الامن بتغطيتها واصطحبوها الى سيارة شرطة، ويبدو ان الاحتجاج هو أول اجراء في حملة ضد البطولة من قبل منظمة (فيمن) المدافعة عن حقوق المرأة ومقرها كييف والتي تنظم باستمرار احتجاجات بتعرية الصدر في اوكرانيا واحيانا خارجها لالقاء الضوء على ما تراه ظلما سياسيا وانتهاكا للحقوق الاجتماعية واستغلالا للمرأة، وتقول منظمة (فيمن) ان البطولة التي تشترك اوكرانيا في استضافتها مع بولندا. بحسب رويترز.

وقال منظمو البطولة ان الكأس التي تزن ثمانية كيلوجرامات لم يلحق بها ضرر رغم ان كوفباتشيك يبدو ان توازنها اختل تحت ثقلها حين اندفع اليها حراس الامن. وكانت الكأس معروضة امام الجماهير حتى وقت متأخر من المساء، وقالت انا جوتسول المتحدثة باسم منظمة (فيمن) انه تم اطلاق سراح كوفباتشيك بعد ابلاغها بأنه يتعين عليها المثول امام محكمة يوم الاثنين بتهمة التخريب. واقصى عقوبة لهذا الاتهام غرامة مالية تعادل 100 دولار والحبس 15 يوما، ويتوقع المنظمون ان تجتذب البطولة نحو مليون سائح اجنبي، وادراكا منهم لسمعة اوكرانيا الاخذة في التنامي على أنها مقصد جديد للسياحة الجنسية قال المنظمون انهم يتخذون اجراءات للحد من الدعارة خلال البطولة التي تستمر لمدة شهر.

احتجاج بقرع الاواني

في حين تجمع بضعة الاف من الارجنتينيين امام القصر الرئاسي في العاصمة بوينس ايرس وأخذوا يقرعون أواني الطهي احتجاجا على حكومة رئيسة البلاد كريستينا فرنانديز، واحتجاجات قرع الاواني ذات معنى رمزي خاص في الارجنتين وتعيد الى الاذهان مظاهرات حاشدة في الشوارع نظمها طلبة وربات بيوت وأصحاب حسابات توفير خلال أزمة اقتصادية وسياسية مدمرة عاشتها البلاد عامي 2001 و2002، واحتشد المحتجون في ميدان بوسط العاصمة الارجنتينية بعد ان تلقوا رسائل على شبكات التواصل الاجتماعي. وكان الاحتجاج تعبيرا عن الغضب إزاء حجم التضخم الذي زاد على عشرة في المئة والقيود المفروضة على شراء العملات الاجنبية وكذلك انتشار الجريمة، وقال خواكين سوينيو (21 عاما) "ضقنا ذرعا بالجريمة والفساد. بعض الاشياء التي يفعلونها (في الحكومة) سليمة لكن الكثير منها خاطيء، واضطرت فرنانديز الى تطبيق سياسيات اقتصادية لا تحظى بشعبية بسبب ارتفاع التضخم وفرار رأس المال الوطني وبطء النمو الاقتصادي. بحسب رويترز.

وبعد مرور اقل من عام على فوزها السهل بفترة رئاسية ثانية أظهرت استطلاعات الرأي تراجع شعبيتها خلال الاشهر القليلة الماضية على الرغم من التأييد الواسع لاعادة تأميم أكبر شركة للطاقة في الارجنتين (واي.بي.اف)، واستخفت فرنانديز بمشاعر الغضب من القيود المفروضة على شراء الدولار قائلة ان ذلك لا يؤثر الا على عدد قليل من الارجنتينيين وحثت مواطنيها على التوفير بعملة البيزو المحلية، ونظم سكان بوينس ايرس آخر احتجاج "بالاواني" ضد حكومة فرنانديز عام 2008 تعاطفا مع المزارعين ضد ضريبة على صادرات الصويا.

موت المناجم

من جانب أخر عبر متظاهرون رشقوا رجال الشرطة بالحجارة، عن غضبهم في مدريد اثناء مسيرة ضمت عشرات الاف الاشخاص ضد "موت مناجم" الفحم التي يعتاش منها عشرات الالاف في اسبانيا، وفي حين كان الحشد يتجمع امام وزارة الصناعة، بدات مجموعة من الشبان المتظاهرين بالقاء مقذوفات مختلفة وزجاجات وحجارة على رجال الشرطة الذين ارتدوا الخوذات والدروع لحماية انفسهم وردوا على المتظاهرين بالرصاص المطاطي، واصيب 76 شخصا هم 43 متظاهرا و33 شرطيا وتلقوا العلاج. واوقفت الشرطة ثمانية اشخاص، وتفرق المتظاهرون بعد الظهر، وبعد "المسيرة السوداء" التي امتدت اكثر من 400 كلم على الاقدام انطلاقا من شمال اسبانيا، وصل بضع مئات من عمال المناجم الى مدريد للمشاركة في هذه التظاهرة التي تدل على حجم الازمة التي اتجهت نحو التصعيد على مر الاسابيع، ويحتج عمال المناجم المضربون منذ شهرين على خفض المساعدات الحكومية التي تهدد ببقاء مناطق باكملها، وقال رافائيل بلانكو المتقاعد قبل السن القانونية والبالغ من العمر 43 عاما وهو من فايدو في منطقة استوريس "انه موت المناجم والاحواض المنجمية وكل القرى" التي تعيش من هذه المهنة، منددا بقرار الحكومة اقتطاع 63 في المئة من المساعدات للقطاع. بحسب فرنس برس.

واكدت حكومة اليمين برئاسة ماريانو راخوي حتى الان انها لا تعتزم العودة عن قرارها تقليص الدعم لمناجم الفحم من 301 ملايين يورو في 2011 الى 111 مليونا هذه السنة، واكدت النقابات ان المناجم تؤمن حياة 30 الف عامل مباشرة او غير مباشرة وان قرار الحكومة يسرع اقفال المناجم قبل الاوان ذلك ان بروكسل فرضت وقف الدعم الحكومي في العام 2018 على ابعد تقدير، وراى فنسنت نونيز البالغ من العمر 42 عاما والذي يعمل في قطاع الصلب وجاء يدعم عمال المناجم "لم اشهد ابدا وضعا مماثلا. لقد واجهنا ازمات في 1992 و1998. لكن هذه المرة لا يوجد افق ولا حل".

التظاهرات العفوية والمنظمة

الى ذلك تتزايد التظاهرات في اسبانيا سواء العفوية او المنظمة بدعوة من النقابات، احتجاجا على خطة التقشف الجديدة التي ستفرض تضحيات كبرى على المواطنين مع زيادة ضريبة القيمة المضافة وعلى موظفي الدولة الذين سيحرمون من علاوة عيد الميلاد، ولم ينتظر المواطنون يوم الاحتجاج الذي اعلنت النقابات عنه فنزلوا في الشوارع بالالاف او في مجموعات صغيرة، في الليل والنهار، منذ اعلان الحكومة في 11 تموز/يوليو عن خطة تهدف الى ادخار 65 مليار يورو اثارت اجواء من البلبلة والقلق في البلاد برمتها، وقالت انخيليس كاراسكو الموظفة في الدولة البالغة من العمر 57 عاما وهي تتظاهر في مدريد "ان هذه التدابير ستقود اسبانيا الى الهلاك. اننا لا نستهلك، لم نعد نشتري شيئا. يجب ان ننزل الى الشارع، لا يمكن ان نبقى مكتوفي الايدي"، ومن الملفت مشاركة قطاعات مهنية غالبا ما تلزم الصمت في هذه التظاهرات، وفي طليعتها شرطيون نزلوا الى الشارع بدون شاراتهم وواجهوا قوات مكافحة الشغب، ورجال اطفاء يعتمرون خوذاتهم كانوا نجوم التظاهرة المفاجئة التي عبرت مدريد، والى جانبهم سار اساتذة وموظفون رسميون وممرضات ومواطنون عاديون تم تنبيههم عبر الشبكات الاجتماعية فقدموا للتعبير عن تعاطفهم وتظاهروا خلف لافتة بيضاء بسيطة كتب عليها "معا نملك القدرة"، فكلمة السر المنتشرة في اسبانيا على موقع تويتر هي "شكرا لموظفين الرسميين" مثيرة موجة من رسائل الدعم مثل "شكرا لموظفي الدولة لتوليهم التربية والتعليم والعناية والدفاع والمساعدة والتنظيف والقيادة والخدمة"، وبعدما غادروا في وقت متاخر من الليل الماضي مشارف البرلمان الذي تحول الى معسكر محصن محاط بحواجز للشرطة، عاد حوالى الف متظاهر الاثنين الى مواقعهم، وقال ميغيل كونتريراس الممرض البالغ من العمر 28 عاما القادم من منطقة كاستيلا-لا مانتشا بوسط اسبانيا "هذا امر لا يمكن قبوله. مشكلات الدولة لم يتسبب بها الموظفون. هذا ظلم وعار"، وتابع "هناك مستشفيات فارغة، مصانع لم تعد تنتج شيئا لانهم يسرحون.. الامل ضئيل، لكن ان لزمنا منازلنا، سيكون الامر وكأننا نساعدهم على القيام بما يشاؤون". بحسب فرنس برس.

وفي هذه الاثناء تلقى موظفو الادارات في وسط مدريد في وقت الاستراحة دعوة من النقابات هذه المرة الى اغتنام نصف الساعة هذه لاحتلال الارصفة، فبعد تخفيض الرواتب بنسبة 5% التي اقرتها الحكومة الاشتراكية عام 2010، سددت الحكومة اليمينية مجددا ضربة قاسية الى الوظائف العامة مع الغاء علاوة عيد الميلاد التي تعادل راتب شهر، ما يعني عمليا تخفيضا بنسبة 7% في الراتب السنوي، وقال انخيليس كاراسكو "ان رواتب الموظفين متدنية جدا اساسا، وعلاوة عيد الميلاد البالغة الف يورو تستخدم لتبديل اغراض منزلية وشراء هدايا"، ويضاف هذا الاجراء الى زيادة ضريبة القيمة المضافة التي ستصل نسبتها الى 21%، وتخفيض تعويضات البطالة من 60% الى 50% بعد فترة ستة اشهر. والهدف من ذلك تلبية مطالب بروكسل وصندوق النقد الدولي وخفض العجز العام الاسباني الى 6,3% هذه السنة ثم 4,5% عام 2013 وصولا الى 2,8% في 2014، لكن هذه الاجراءات حدت اكثر من قدرة الاسبان الشرائية وتضاءل الامل في الخروج من هذا النفق المظلم في وقت وصلت نسبة البطالة الى حوالى 25% في بلد يعاني من الانكماش الاقتصادي، ولوح اينياسيو فرنانديز توكسو الامين العام لنقابة كوميسيونيس اوبريراس باضراب عام جديد وصفه بانه "لا بد منه" في حال ابقت الحكومة على هذه التدابير.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 24/تموز/2012 - 4/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م