سحر الباص الأحمر العجيب

زاهر الزبيدي

لا أدري كيف أظهر هذا الباص الأحمر أحدى العجائب.. ففي الساعة الواحدة ظهراً بالقرب من الشورجة كان الباص الأحمر يتهادى قرب منطقة الشورجة والتبريد يعمل بشكل جدي والهدوء يرسم شكلاً آخر لوجوه مرتاديه.. هذا الباص العجيب في زمن العجائب.. فهذا غط في نوم عميق وبدأ للتو بعزف مقطوعته من السبات، الشخير، الهاديء.. وهناك من ينظر الى المارة والشمس تسوقهم ويحسد نفسه على المكان الذي يجلس فيه والتبريد يضرب رأسه فينتشي ويبتسم ويحلم أن يقضي الليلة في الباص وهناك من يداعب طفله وهذا تذكر مع صديقه أيام منطقة الميدان حينما كان في قلب بغداد من أجمل المناطق فيها...

هدوء حلو وسكنية كان تلف الطابق العلوي من الباص وأغاني تنبعث من السماعات لتخمد الثورة في داخلنا وتموت تلك العصبية وكأن الدماغ كله قد سكن وخدر.. لم يكن ذلك كله إلا لكوننا كنا جالسين في الباص العام... لنعرف بعد حين لماذا نحن متوترون اشد التوتر وكيف ننفجر بوجه بعضنا البعض في الشارع لمجرد كلمة قالها أحد ما أو احتك به وهو ماشي على عجلة من أمره عجيب تأثير الكهرباء.. كيف لها كان لها هذا الفعل الكبير على النفوس.

فجأة توقف الباص في الساحة القريبة من ساحة الرصافي باتجاه الباب المعظم وظل واقفاً لفترة طويلة وعندما استعلمنا عن أسباب التوقف أخبرنا المفتش بأن المنطقة قد أغلقت بسبب وجود إجتماع في وزارة الدفاع للقادة !!.. لا ندري مدى صحة الخبر ولكن الكثير من الناس انفتحت قريحتهم بالكلام وعلى اختلافه لكنه لا يحتوي على شيئاً حلو مطلقاً.. ولكن أهونه كان لماذا لا يعقدوا الاجتماع في الليل ؟؟؟ اقتراح وجيه وهم قادة ومن المؤكد أن الليل أختلط معهم الليل بالنهار ولا فرق عندهم بذلك.. فلماذا لا تكون اجتماعاتهم بالليل ويكون النهار لعباد الله !! وعندما أستمر التوقف، كان البشر المغضوب عليهم في بقية وسائل النقل قد بدأوا رحلة العذاب بالسير تحت ضربات الشمس عند الساعة الواحدة والنصف ظهراً.

 وأنت تنظر أمامك تلك الهجرة والمسيرة الصعبة للرجال والنساء والأطفال تتبادر الى ذهنك أفكار عدة إلا أن تترك الباص وتنزل معهم طبعاً.. لقد إلتصقنا أنا وصديقي بمقاعدنا ولا يجرء أحد على "شلعنا " منها.. إلا أن من تلك الأفكار نرى أننا قد نداري نبته صغيرة في منطقة ما من حدائقنا بمظلة !، أنا ليست لدي حديقة!، والمقصود هنا حدائق أخرى، تمنع عنها الشمس المحرقة ولتحافظ على خضرتها.. ولا نرأف برؤوس أبناء شعبنا لنصنع لهم مظلات تقيهم حرّ الصيف اللاهب ولو، على أقل تقدير، لتلك المناطق المكتظة بالسكان وبالتحديد المكان من باب المعظم وحتى الشورجة وإذا أكرمناهم قليلاً فحتى ساحة التحرير ورمضان الكريم الفضيل على الأبواب..... نحن لا نقول أن نضع لهم مراوح في الطريق، تبخ عليهم الماء البارد مع الهواء وماء الورد، لكونهم لا يستحقونها !!!! هناك غيرهم من يستحقها وزيادة !.. إلا إن المظلات المعدنية تفي بالغرض.

 أنهم أبناءنا وعماد حياتنا وهم الشعب الذي تحمل ما تحمل وهو " يدوس" على ثروته ومعها أحلامه ليرتع الأخرون وعلينا أن نشعرهم باهتمامنا بهم فهم أهم من كل نباتات حدائقنا ومزارعنا وقصورنا !!

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 21/تموز/2012 - 1/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م