الختان... يوحد مسلمو اوروبا ويهودها!

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: في بلد مثل ألمانيا يتسم بالحساسية ازاء اتهامات التعصب والتمييز لا سيما ضد اليهود بسبب محرقة النازي في الحرب العالمية الثانية انتقد العديد من الساسة بمن فيهم وزير الخارجية الحكم حظر الختان على الرضع الذكور والذي فرضته محكمة ألمانية، مما أثار استعراضا نادرا للوحدة بين المسلمين والمسيحيين واليهود الذين يرون فيه تهديدا للحرية الدينية، في حين حذر الأطباء من إمكانية أن يزيد المخاطر الصحية باجبار الناس على اجراء الختان سرا، فيما قال زعماء دينيون يهود في هذا الشأن بأن حظر الختان يشكل تهديدا لوجود الطائفة اليهودية في ألمانيا ومثالا جديدا على تحامل القانون الأوروبي ضد غير المسيحيين بعد حظر بناء المآذن في سويسرا وحظر ارتداء الحجاب في الاماكن العامة في فرنسا وبلجيكا ومحاولة فرض حظر على اللحم الحلال في هولندا، وفي الوقت ذاته اعتبر مسلمو المانيا هذا الحظر بأنه إهانة للحقوق الأساسية الدينية والإنسانية ورفعوا شكواهم امام البرلمان في ملف الحكم ضد الختان، الذي أثار مشاعر غضب في شتى أنحاء العالم بعد أن تناقلته وسائل الإعلام العالمية، علما بان هناك حوالي 120 الف يهودي وأربعة ملايين مسلم يعيشون في ألمانيا ، ومن الجدير بالذكر بأن منظمة الصحة العالمية أظهرت من خلال أبحاثها يمكن للختان الذكور أن يقلل خطر الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز).

الختان في ألمانيا

فقد وعد المتحدث باسم المستشارة الألمانية انجيلا ميركل المسلمين واليهود في المانيا بالسماح لهم باجراء عمليات ختان للذكور رغم الحكم الذي أصدرته محكمة المانية في هذا الشأن وأثار القلق بشأن الحريات الدينية، وفي دولة بها حساسية خاصة لمزاعم عدم التسامح بعد تاريخها النازي أعلنت الحكومة انها ستجد طريقة للالتفاف حول الحكم الذي أصدرته محكمة كولونيا بحظر هذه العملية، وقال شتيفن زيبرت المتحدث باسم ميركل "من الواضح تماما لكل شخص في الحكومة اننا نريد حياة دينية لليهود والمسلمين في المانيا. الختان الذي ينفذ بشكل مسؤول يجب ان يكون ممكنا في هذه البلاد دون عقوبة، وسافر حاخامون اوروبيون الى برلين لشن حملة على ما اعتبروه تعديا على الحريات الدينية بمساندة زعماء مسلمين ومسيحيين في وحدة صف نادرة كما أعلن عدد كبير من السياسيين تأييدهم للحملة، ونظرت محكمة كولونيا في قضية صبي مسلم نقل الى طبيب اثر اصابته بنزيف بعد عملية ختان وقالت ان هذه العملية تحدث أذى بدنيا ويجب الا تجرى للذكور من صغار السن وان كان من الممكن ان تجرى لرجال كبار بموافقتهم، وكان الحكم غير مقبول لممارسات الديانة اليهودية التي تقضي باجراء عملية الختان للذكور بعد اليوم الثامن من الولادة ولا لكثير من المسلمين الذين يختلف سن الختان لديهم باختلاف الدول والمذاهب. بحسب رويترز.

سن قانون جديد

فيما حث رئيس الجالية اليهودية في المانيا وأحد الاطباء البارزين الحكومة على سن قانون جديد ينص بشكل واضح على ان ختان الذكور لاسباب دينية قانوني بعد ان حظرت محكمة اقليمية ذلك، وقضت محكمة في كولونيا بغرب المانيا في قضية كان طرفها صبي مسلم اصيب بنزيف بعد ان جريت له عملية ختان بضرورة انتظار العائلات حتى يكبر اولادها قبل ختانهم، ولا يسري هذا الحكم الا على منطقة كولونيا ولكن الجماعات اليهودية والاسلامية ردت بشكل غاضب قائلة ان ذلك يشكل تهديدا لحرية العقيدة في المانيا وتعهدت حكومة المستشارة انجيلا ميركل بمعالجة القضية. بحسب رويترز.  

وقال ديتير جرومان رئيس المجلس المركزي لليهود في المانيا لمجلة فوكس الاسبوعية "نحتاج لقانون يوضح ان الختان مشروع وقانوني، واضاف انه بعث برسائل الى ميركل وزعماء الاحزاب السياسية الاخرى ورؤساء وزراء الولايات دعاهم فيها الى تقديم دعم عاجل لاصدار مثل هذا القانون بعد العطلة الصيفية، وقال ان حزب الخضر المعارض فقط هو الذي قدم التزاما صريحا بدعم اصدار قانون جديد للختان، واضاف ان عدم القيام بتحرك قد يعرض للخطر استمرار وجود الجالية اليهودية في المانيا "سيتعين علينا الرحيل " اذا لم يصدر مثل هذا القانون، وعادة ما يقوم اليهود بختان الذكور بعد ثمانية ايام من ميلادهم في حين ان الوقت بالنسبة لختان المسلمين يتفاوت وفقا للعائلة والبلد، ويشعر اطباء المان ايضا بقلق من ان عدم وجود وضوح قانوني بعد قرار المحكمة قد يزيد من المخاطر الصحية من خلال فرض اجراء الختان بشكل سري، وقال فرانك اولريتش مونتجمري رئيس الجمعية الطبية الالمانية لصحيفة تاجشبيجل ام زونتاج يوم الاحد "نرى ان حكم المحكمة هذا لا يتسم بالحساسية وخطأ." وحث ايضا على قيام الحكومة بعمل سريع لانهاء هذا الغموض القانوني.

مسلمو المانيا

كما وجهت حوالي عشرين جمعية مسلمة المانية نداء الى البرلمان لانهاء "انعدام الامان القضائي" الناجم بحسبها عن حكم قضائي اعتبر ختان الذكور مخالفا للقانون، وقال المتحدث باسم جمعية اسلامية-تركية غورجان ميرت "نطالب البرلمان الالماني والسياسيين بالتحرك في اسرع وقت ممكن للحد من انعدام الامان القضائي واعتماد قانون يجيز ختان الفتيان"، متحدثا باسم جميع الموقعين في مؤتمر صحافي عقد في كولونيا (غرب)، واعتبرت محكمة في كولونيا (غرب) ان ختان طفل لاسباب دينية يعتبر جرحا جسديا يستأهل الادانة، مما اثار استياء الطائفتين اليهودية والاسلامية اللتين رأتا فيه تعرضا للحرية الدينية، واحتجت ايضا الكنيستان الكاثوليكية والبروتستانتية في المانيا وحزب الخضر ايضا. بحسب فرانس برس.  

واعتبرت المحكمة ان "الختان يغير جسم الطفل بصورة دائمة وبطريقة لا يمكن تصليحها"، وان "هذا التغيير مخالف لمصلحة الطفل الذي سيقرر لاحقا انتماءه الديني"، واعتبر المتحدث باسم مجلس تنسيق مسلمي المانيا الذي لا يمثل جميع مسلمي البلاد علي كيزيلكايا ان القرار يشكل "ضربة لمبدأ الاندماج"، واوضح "في هذا المؤتمر الصحافي الذي يجمع حيزا واسعا من المنظمات التمثيلية نوجه نداء الى المشرعين للتوصل الى حل"، وتابع ان "المانيا دولة قانون حيث ممارسة الحريات ولا سيما الحرية الدينية مهمة جدا واعتقد ان منع (الختان) ليس جيدا لرصيد المانيا وتفهمها، آمل ان يتم تصحيح ذلك سريعا جدا"، واثار قرار المحكمة جدالا واسعا حول الحرية الدينية نأت فيه الحكومة بلسان وزير خارجيتها غيدو فيسترفيلي عن هذا القرار، وقال الوزير "ينبغي ان يكون واضحا ان الشعائر الدينية تحظى بالحماية في المانيا".

موجة انتقادات

على الصعيد نفسه أضاف وزير خارجية ألمانيا صوته إلى موجة من الانتقادات لقيها حكم محكمة بحظر ختان الصبية الصغار لأسباب دينية مجادلا بأنه يجب السماح بمثل هذه التقاليد في مجتمع يسوده التسامح، وقال جيدو فيسترفيله لصحيفة بيلد اليومية في مقابلة نشرت "ألمانيا بلد منفتح ومتسامح الحرية الدينية فيه راسخة الجذور والتقاليد الدينية كالختان تعد تعبيرا عن التعددية الدينية، وكانت محكمة في كولونيا قضت بأن الختان القسري يجب إبطاله لأنه يسبب أضرارا بدنية خطيرة لأناس لم يوافقوا عليه، وجاء في حكم المحكمة "الحق الأساسي للطفل في سلامة جسمه يفوق الحقوق الأساسية للوالدين"، وقالت صحيفة حريت التركية في موقعها على شبكة الإنترنت ان وزير الشؤون الأوروبية التركي اجمين باجيس انتقد الحكم الألماني قائلا إن الخنان مسألة تتصل بحرية الدين والرأي، ونقل عنه قوله "إذا كان القضاة الألمان يجدون صعوبة في فهم هذه المسألة فإنه يمكننا أن نرسل خبراؤنا في مجال الختان وان نعطيهم دروسا في كيفية الختان"، وقال باجيس "نحن مستعدون لتقديم أي مساهمة لبلد صديق وحليف. ولكن لا يمكن أن نقبل هذا الحكم بوصفه أمرا واقعا ... وإن شاء الله سيتم تعديل هذا الحكم". بحسب رويترز.

ووصف المجلس المركزي لليهود في المانيا الحكم بأنه "تدخل خطير غير مسبوق" في الحرية الدينية ووصفه المجلس المركزي للمسلمين في المانيا بانه "تدخل سافر وغير مقبول" في حقوق الوالدين، وانتقدت الكنيستان المسيحيتان الرئيسيتان في المانيا حكم محكمة كولونيا أيضا ووصف المؤتمر المسكوني الكاثوليكي بانه "يبعث على بالغ القلق"، وقال الأسقف الكاثوليكي هاينريتش موسينجوف "حظر الختان تعد خطير على الحرية الدينية"، وقال المقرر الخاص للأمم المتحدة للحريات الدينية هاينر بيليفيلت للإذاعة الألمانية ان تبرير حكم المحكمة "هراء."

المستشفى اليهودي

من جهة أخرى قرر المستشفى اليهودي في برلين وقف عمليات ختان الاطفال لاسباب دينية على اثر حكم اصدرته محكمة المانية اعتبر هذه الممارسة خارجة على القانون، كما قال قال غرهارد نرليش المتحدث باسم المستشفى، نقلا عن رئيس خدمة الطب الداخلي كريستوف غراف "علقنا عمليات الختان حتى يتضح الوضع القانوني"، ويجري المستشفى اليهودي في برلين 300 عملية ختان سنويا، منها مئة لاسباب دينية، اما الاخرى فلأسباب طبية، واضاف نرليش "قمنا بعمليات ختان بطريقة منتظمة حتى صدور هذا القرار القضائي ولم تعد تتوافر لنا الحرية القانونية لذلك"، مؤكدا معلومات نشرتها صحيفة تاغستسيتونغ، واشار الى الغاء عمليتي ختان كانتا مقررتين. واوضح نرليش ان "الطبيب الجراح قد اتصل بالعائلتين وشرح لهما الاسباب التي تحول دون اجراء العمليتين"، واشار الى معاناة الاهالي اليهود والمسلمين الذين يريدون ختان ابنائهم. وقال "الى اين سيذهبون في الوقت الحاضر؟ هذه مسألة يتعين توضيحها سريعا". بحسب فرانس برس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/تموز/2012 - 28/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م