شهر رمضان الكريم وتدعيم المزايا الانسانية

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: بين المادي والروحي تضاد في المنحى والسبل والاهداف، ولكن كلاهما يحتاج الآخر، مثل حاجة الروح للجسد وحاجة الجسد للروح، إنهما على طرفي نقيض ولكنهما لا يستغنيان عن بعضهما، أما اذا تفوق الجسد على الروح، فتلك هي المعضلة الكأداء حقا، حيث يتحول الانسان الى كائن غريزي لا تحكمه ضوابط دينية او اخلاقية او عرفية او غيرها، وتقوده غرائزه ورغباته لارتكاب ابشع التجاوزات، في ظل تراجع روحي وتقهقر قيَمي متواصل، الامر الذي يتطلب انتهاز الفرص المتاحة لتقوية الجانب الروحاني، ويعدّ شهر رمضان الكريم من أهم وأنسب وأفضل الفرص لتحقيق هذا الجانب.

الموازنة بين المادي والروحي

شهر رمضان المبارك من أهم الفرص التي تتاح امام الانسان المسلم على وجه الخصوص، لكي يتمكن من خلق التوازن بين المادي والروحي في ذاته، وذلك من خلال استثمار الجوانب الروحية وتعميقها في هذا الشهر، حيث اللجوء الى الزهد والتقوى وعيش حياة الكفاف وتدعيم الجانب الروحي، بكل ما يتوفر من امور تعمق الروح وتصونها من الزلل، وهذا ما يمكن أن يستثمره الجميع في هذا الشهر الكريم.

وقد قال سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كلمته التوجيهية التي ألقاها بحضور عدد كبير من الذوات والشخصيات من العلماء والمبلّغين وطلبة الدين وغيرهم، ممن زاروه في منزله المكرم بمدينة قم المقدسة في العشرين من شعبان الجاري، حيث وجّه سماحته الحضور الكريم ببعض المسارات التي تخدم الاسلام والمسلمين، قائلا في هذا المجال: (سيحلّ علينا شهر رمضان المبارك وسينتهي، وعلى المرء أن يعي جيّداً أنه كيف سيقضي أيام هذا الشهر المبارك. وعليه أيضاً أن يستفيد من آثار ومعنويات هذا الشهر المبارك بأن يتحلّى ويلتزم بتقوى الله تبارك وتعالى وبالورع، كما أمر القرآن الكريم بذلك).

لذا يحتاج الانسان في هذا الشهر المبارك الى تزكية النفس، من خلال تدعيم التقوى في ابعادها كافة، ومنها ايضا إسهام المسلم في عملية الارشاد، وزيادة وعي الناس في عموم مجالات الحياة وانشطتها المختلفة، ابتداءً من ادراك التعاليم الدينية والشرعية والتمسك بها، ووصولا الى العمل بما يحفظ حقوق الجميع من التجاوز، فالمسلم من سلم الناس من لسنه ويده، لذا على الانسان أن يستثمر هذا الشهر الكريم لبناء نفسه أفضل البناء، مع مساعدة الآخرين لتحقيق هذا الهدف.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته التوجيهية المذكورة: (إن للتقوى أبعاداً متنوّعة ومختلفة، وأهمّها تزكية النفس، وممارسة التبليغ وإرشاد الناس. ولا شكّ أن تزكية النفس هو واجب عيني والجميع مكلّفون به. ولذا يجب على الإنسان أن يعدّ نفسه ويبنيها بشكل جيّد حيث يتمكّن ويستطيع السيطرة عليها تجاه صعوبات الحياة، وقبال المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وشهر رمضان المبارك هو أفضل فرصة للوصول والرقيّ إلى هذه المرتبة السامية، أي تزكية النفس).

لا تضعف أمام الشهوات

الرغبات تدفع بالجسد الى ارتكاب ما لا تحمد عقباه، النفس تريد وتريد المزيد بلا توقف، الوقوف امام الشهوات هو السبيل الوحيد لخلاص الانسان من الوقوع في حضيض الرغبة والخطأ الخطير، شهر رمضان من أنسب الاوقات لردع الشهوات بقوة مضاعفة، تمكن الانسان من تنظيف ادرانه وتصحيح أخطائه.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الجانب: (يجب على الإنسان أن يسعى إلى أن لا يزلّ أمام الشهوات، وأن لا يكون ممن لا تشمله الرحمة الإلهية الواسعة، وأن لا يكون من الملعونين، لا سمح الله، في هذا الشهر المبارك).

وحتما هناك تباين في قدرات الناس واراداتهم في تقوية الجانب الايماني لديهم، وتعميق التقوى في نفسهم، واعتمادهم الزهد كاسلوب مميز لحياتهم، فكل له ارادته ودرجة سعيه، كلما كان ساعيا بجد في هذا الاتجاه كلما اقترب كثيرا من حافة النجاح، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (نعم كل إنسان يختلف عن غيره في مجال تزكية النفس وتهذيبها، فكل إنسان يحصل على ملكة التقوى ويرتقي الدرجات العالية في هذا المجال حسب إرادته وسعيه).

إذن ينبغي على الانسان أن يتمتع بالمطاولة والصبر، لأن طريق التقوى طويل وشاق ويتطلب صبرا متواصلا، وان اي تلكّؤ يحدث قد يطيح بالانسان في الحضيض، وهناك امثلة كثيرة تؤكد تراجع التقوى لدى نفوس كانت قوية ولكنها تعرضت للضعف فسقطت في وحل الانحراف، كما نقرأ في المثال الذي أورده سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال قائلا: (لقد ذكر القرآن الكريم والروايات الشريفة قصصاً عن بعض الناس الذين انتهت عاقبتهم إلى الخير، وبعضهم انتهت عاقبتهم بالسوء، ومنهم بلعم بن باعوراء الذي قضى معظم حياته بالتقوى وكانت له مراتب عالية في ذلك, كما في قوله تعالى: (آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا) سورة الأعراف: الآية 175، لكنه وفي لحظة واحدة ركل ثمرات تقواه كلّها، فكفر بالله، والعياذ بالله، وصار من أصحاب السعير. فلذلك يجب على الإنسان أن ينتبه جيّداً ويحذر من أن لا يضيّع ولا يفني أعماله الصالحة وتقواه ويفنيهما بسبب عمل طالح صغير يصدر منه، أوسيئة صغيرة, تصدر منه).

وهكذا تكون الشهوة من أخطر ما يمكن أن يتعرض له الانسان، لكي يسقط في مهاوي الرذيلة، كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (إن الشهوات بمثابة ذئب مكشّر عن مخالبه وأنيابه للافتراس، حيث يمكن تشبيه شهوة الأموال، والقدرة، والجاه، والمقام الاجتماعي وأمثال ذلك بمخالب الذئب وأنيابه. فحريّ بكل واحد منّا أن يسأل نفسه: إن خلت أعمالي وتصرّفاتي وسلوكي من التقوى، فكيف ستكون عاقبتي؟ وبماذا ألقى الله تبارك وتعالى في ذلك اليوم الذي يصفه القرآن الكريم بقوله عزّ من قائل: (وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ) سورة ق: الآية21؟).

 الاعلام المضاد والفضائيات

وفي كلمته التوجيهية، يحث سماحة المرجع الشيرازي، جميع الفضلاء والمبلغين على أهمية القيام بدورهم التبليغي التوجيهي الصحيح، وأن يعملوا ما بوسعهم لكي تصل الافكار السليمة التي تصحح حياة الناس، الى العقول والاذهان والقلوب معا، ولابد من التنبّه الى الاعلام المضاد، وكشف سبل التضليل التي ينتهجها، هذا هو بعض دور حاملي الفكر والعلم والكلمة، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (أنتم أيها الفضلاء والمبلّغون يجب عليكم أن تنيروا الطريق للناس وتهدوهم إلى السبيل الواضح والجادّة المستقيمة، وأن تزيلوا الشبهات والانحرافات التي يتعرّض لها أفراد المجتمع.  وليعلم الطلبة والمبلّغين أنه في عالم اليوم هناك الألوف من القنوات الفضائية، تمارس تضليل الناس والدعاية للطّغاة(.

وقد يتباطأ احدهم في الاستزادة من التقوى، والصلاح، وعمل الاخر الى اجل غير مسمى، على امل أن العمر لا يزال مفتوحا امامه، ولكن هذا التصوّر خاطئ تماما، فالانسان لا يعلم ابدا متى وأين يلقى حتفه، لهذا عليه التزوّد من التقوى والايمان والعمل الجيد في عموم ايامه وسنوات عمره بغض النظر عن كونه شابا او كهلا او شيخا طاعنا في السن، لأن الجميع عليهم أن ينتهزوا فرصة الحياة من اجل التقرب الى الله تعالى، ورمضان المبارك هو الفسحة الزمنية الانسب لتحقيق هذا الهدف.

لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي: (إذن يجب على الإنسان الذي لا يعرف كيف ستكون عاقبته ومصيره، ولا يعرف أين ومتى يأتيه الأجل المحتوم، يجب عليه، بل ومن الأفضل له، أن يلتزم بتقوى الله تعالى دوماً، وليس في شهر رمضان المبارك فقط(.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/تموز/2012 - 28/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م