أفريقيا... انذار مبكر لمجاعة قاسية

 

شبكة النبأ: إنّ الارتفاع الحاد وغير المتوقع في أسعار الحبوب المحلية، مثل الأرز والدخن والذرة، في أجزاء من مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد قد يؤدي بالعديد من الأشخاص الضعفاء في منطقة الساحل التي ضربها الجفاف إلى إيجاد صعوبة أكبر في الحصول على ما يكفي من الطعام. ووفقاً لنظام الإنذار المبكر بالمجاعة التابع للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، يُعدّ ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية المظهر الأكثر مدعاة للقلق في أزمة الساحل الحالية. ومن المتوقع أن يستمر ارتفاع الأسعار حتى نهاية شهر أغسطس المقبل - خلال موسم الجفاف - ولكن الارتفاعات الأخيرة فاجأت محللي أسعار المواد الغذائية والعاملين في مجال الإغاثة الإنسانية، وقال جان مارتن باور، رئيس فريق أنظمة رصد الأمن الغذائي في برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة أن أسعار الدخن المحلية في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو، ارتفعت بنسبة 85 بالمائة عن المعدّل الذي وصلت إليه خلال السنوات الخمس الماضية، كما ارتفعت في باماكو، عاصمة مالي، إلى أكثر من الضعف. فوفقاً للتقارير الشهرية التي تصدرها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، بلغ سعر كيس الدخن زنة 100 كيلوغرام في واغادوغو 26,000فرنك إفريقي (49 دولاراً أمريكياً) في مايو عام 2012، مقارنة بـ 15,000 فرنك إفريقي (28 دولاراً) في مايو 2011، بينما وصل سعر كيس الدخن زنة 100 كيلوغرام في باماكو إلى 28,500 فرنك إفريقي (53 دولاراً) هذا العام، بعد أن كان لا يتعدى 14,000 فرنك إفريقي (26 دولاراً) قبل عام واحد، وأشار غاري إيلرتس، مدير أحد البرامج في نظام الإنذار المبكر بالمجاعة، إلى أن متابعة هذا التقلب، لدى تحرك الأسعار خارج الحد الأدنى أو الحد الأقصى للزيادات التاريخية، كما حصل في شهر أبريل الماضي، لا تقل أهمية عن رصد مستويات الارتفاع المطرد. ومن جانبها، حذرت وكالات الإغاثة من أن الفقراء المعدمين، الذين لا يملكون الأراضي أو أي حيوانات خاصة بهم ويضطرون لشراء معظم غذائهم، هم الأكثر تضرراً. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

ما زالت أسعار المواد الغذائية الرئيسية مرتفعة للغاية في جميع أنحاء العالم. وفي فبراير 2011، وصلت إلى ذروة تاريخية، وكان ذلك مرتبطاً بشكل جزئي بارتفاع تكاليف الوقود الحيوي، وتأثير المنافسة، وارتفاع أسعار النفط، قبل أن تنخفض بنسبة ستة بالمائة في مارس 2012. وشكك المحللون في أسباب تأثير هذه الاتجاهات السعرية العالمية على الدخن والذرة الرفيعة أيضاً، وهي الحبوب التي يتم استهلاكها في منطقة الساحل، ولكن ليس على الصعيد العالمي. وأشار باور إلى أنه في حين يتبنى كل بلد من بلدان منطقة الساحل ديناميكية تسعير خاصة به - تعطلت الأسواق في مالي جزئياً بسبب النزاع والنزوح، على سبيل المثال - يمكن العثور على الكثير من الإجابات في نيجيريا، التي توفر نصف احتياجات غرب إفريقيا من الحبوب، هذا وقد عزز النمو الاقتصادي في نيجيريا الطلب المحلي على الحبوب للاستهلاك البشري والاستخدام كعلف حيواني وبغية إنتاج البيرة ولغيرها من الاستعمالات. ومع ذلك، لا يستطيع الارتفاع الكبير في الإنتاج مواكبة الطلب، فقد أنتجت مالي والنيجر مثلاً 5 ملايين طن متري من هذه المحاصيل بالإضافة إلى غيرها من الحبوب في عام 2010. كذلك، تشهد غانا تصاعداً في معدلات استهلاك هذه الحبوب وغيرها في اقتصادها المزدهر بالنفط، فضلاً عن أنها تشجع تنمية الصناعات الزراعية، بما في ذلك مزارع الدواجن الكبيرة التي تتطلب توفير الحبوب كأعلاف، ويؤكد باور أن فروق أسعار الحبوب بين النيجر ونيجيريا ما زالت "كما ينبغي أن تكون". فيبلغ سعر الكيلوغرام الواحد من الدخن 222 فرنك إفريقي (45 سنتاً امريكياً) في مارادي، وهو مركز تجاري في جنوب النيجر، و200 فرنك إفريقي (40 سنتاً) عبر الحدود في نيجيريا، وهذا يعني أن الصادرات تتدفق بشكل طبيعي، ولكن قدرة نيجيريا على الاستجابة للطلب في منطقة الساحل أصبحت ضعيفة. كذلك أدت زيادة سعر الوقود بنسبة 50 بالمائة في يناير 2012 إلى رفع تكاليف نقل الأغذية. هذا وقد دفعت بوكو حرام - وهي مجموعة جهادية تستخدم العنف لإقامة الشريعة الإسلامية في شمال نيجيريا - بالحكومة إلى إغلاق الحدود الشرقية، ما أدى إلى تباطؤ التجارة في تشاد وغرب النيجر. ومع ذلك، ما زالت تشاد وشمال الكاميرون والنيجر تحصل على احتياجاتها من نفس المصدر المشترك. وأشار باور إلى أن "الطلب يزداد قوة يوماً بعد يوم، بينما تقترب الإمدادات عبر منطقة الساحل من أدنى مستوياتها الموسمية".

هذه الديناميكية غير عادية؛ فأفاد باور أن أسعار الحبوب المستوردة تقليدياً أعلى بكثير من أسعار الحبوب المحلية، ولكن هذه الفجوة "تضيق بشكل كبير". على سبيل المثال، يكلف الأرز المستورد عادةً حوالى ضعف سعر الدخن المحلي - كما كان الحال في مايو 2011 - ولكن يبلغ الآن سعر كيس الدخن زنة 50 كيلوغراماً في باماكو 28,000 فرنك إفريقي (54 دولاراً)، في حين تبلغ كلفة كيس الأرز المستورد 35,000 فرنك إفريقي (66 دولاراً)، ويصل سعر 50 كيلوغراماً من الأرز المزروع محلياً إلى 42,500 فرنك إفريقي (81 دولاراً)، وقال إيلرتس، مدير أحد البرامج في نظام الإنذار المبكر بالمجاعة أن الأسباب الأخرى للارتفاع الحاد في الأسعار في شهر أبريل قد تشمل اعتقاد التجار بأن المؤسسات (الحكومات ووكالات الإغاثة) ما زالت ترغب بشراء كميات كبيرة من الطعام، ولكن "قد يبدأ هطول الأمطار، أي أن الأسعار ستنخفض"، يحذر نظام الإنذار المبكر بالمجاعة من أنه في هذا السياق، "ينبغي أن تستمر المشتريات المحلية والإقليمية [من قبل وكالات الإغاثة] بحذر". فالحكومات هي أكبر تجار للحبوب في غرب إفريقيا، ولكن برنامج الأغذية العالمي، وهو شارٍ كبير، يحرص على شراء الحبوب فقط من خارج السوق، من المخزونات الوطنية الطويلة المدى في نيجيريا، وذلك بغية الحد من المخاطر التي تتعرض لها الأسواق المحلية. وبدلاً من شراء الحبوب بغرض التوزيع فقط، يقوم البرنامج أيضاً بزيادة توزيع القسائم النقدية في النيجر ومالي والسنغال وشمال الكاميرون وبوركينا فاسو. وقالت مارجي رهم، وهي مسؤولة في برنامج النقد مقابل التغيير التابع لبرنامج الأغذية العالمي، أن المبالغ الممنوحة لن تكون قادرة على مواكبة ارتفاع الأسعار، ولكنها تعمل كمنطقة عازلة صغيرة لاستيعاب بعض الزيادات في الأسعار الشهرية المتوقعة خلال موسم الجفاف. ووفقاً لحسابات برنامج الأغذية العالمي، ستحصل الأسرة الواحدة في النيجر على قسائم بقيمة 32,500 فرنك إفريقي (62 دولاراً) شهرياً، بينما ستحصل الأسرة الواحدة في مالي على ما بين 25,000 و36,000 فرنك إفريقي (47-68 دولاراً)، تبعاً للمكان الذي تقيم فيه.

ذكرت وكالات عديدة، بما فيها منظمة أوكسفام غير الحكومية الدولية، أنه إذا توفرت الظروف المناسبة في السوق، يمكن أن تصبح القسائم النقدية آليةً هامةً لتوفير الحماية الاجتماعية للأسر الفقيرة. وقامت أطراف عديدة أخرى تمّ إجراء المقابلات معها بوصف التدابير الأقل استهدافاً التي تتخذها الحكومة في محاولة للسيطرة على الأسعار - مثل دعم الحبوب أو خفض الضرائب المفروضة عليها – على أنها مكلفة وغير فعالة لأن الأغنياء يستفيدون منها أيضاً، وخفضت مالي الضرائب على الأرز المستورد، ووفرت النيجر وتشاد وموريتانيا الحبوب المدعومة. وتحاول الحكومة الجديدة في السنغال خفض أسعار الحبوب من خلال المشاورات مع المستوردين والموزعين ومجموعات المستهلكين. كما حاولت بوركينا فاسو تمويل تجار معينين لبيع الحبوب الأساسية بأسعار مخفضة، ولكنهم لم يحترموا العقد. وتهدف الحكومة الآن إلى فتح محلات تجارية في 182 بلدية لبيع الأرز بسعر 14 دولاراً للكيس الذي يزن 25 كيلوغراماً.

من جهة أخرى، حذر أحد المختصين في أسعار المواد الغذائية من أن هذه التدابير المؤقتة للسيطرة على التكاليف "تلعب دوراً هاماً"، ولكنها من الناحية التاريخية "صعبة التنفيذ للغاية، فسياسة الدعم بصفة عامة ليست ناجحة في غرب إفريقيا، وقد تزيد المشاكل سوءاً في نهاية المطاف". وقال إيلرتس لشبكة الأنباء الإنسانية أن حكومتي مالي وبوركينا فاسو حظرتا صادرات الحبوب أيضاً، ولكن إغلاق الحدود لا ينجح عادةً. "يبذل الناس جهداً أكبر ويدفعون أكثر للتحايل على ذلك، وقد يفقد المزارعون الحافز على الإنتاج إذا شعروا أن السوق مغلقة، ما يؤدي إلى تراجع في الإنتاج"، ويمكن أن يكون لهذا تأثير عكسي، وقال بعض الذين أجريت معهم المقابلات أنه نظراً للنقص الغذائي المزمن وسوء التغذية في منطقة الساحل، تحتاج الحكومات إلى إنشاء شبكات أمان تعمل على المدى الطويل، ويمكن أيضاً تعديلها في حالات الطوارئ. وأضاف باور أنه "إذا كانت التدابير موجودة بالفعل عندما يحل موسم الجفاف، ستكون الحكومات قادرة على زيادة سرعة الاستجابة". ووفقاً للموجز الصادر عن نظام الإنذار المبكر بالمجاعة لشهر مايو، تنقذ جهود الإغاثة حياة الملايين من الناس عبر منطقة الساحل في الوقت الحالي، ولكن هذه المساعدات "ما زالت غير كافية للتخفيف من حدة انعدام الأمن الغذائي بشكل كامل في شمال مالي وأجزاء من بوركينا فاسو وغرب النيجر."

وفي سياق متصل، أكدت منسقة الإغاثة الطارئة في الأمم المتحدة، فاليري أموس، في مؤتمر صحفي عقدته مؤخراً في العاصمة السنغالية، داكار "إننا نستطيع أن نبذل المزيد من الجهود لتجنب وقوع الكارثة. فنحن بحاجة إلى قيادة جيدة، وتنسيق قوي، وكل دولة تحتاج إلى خطة استجابة شاملة وتمويل من المجتمع الإنساني". ووفقاً للأنباء الصادرة مؤخراً عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، لقد تم الالتزام بتوفير حوالى 715 مليون دولار من مبلغ المليار دولار المطلوب لتقديم مساعدات غذائية وتغذوية في جميع أنحاء منطقة الساحل. وبحسب تقديرات أوتشا، تحتاج القطاعات غير الغذائية، مثل الصحة والمياه النظيفة والتعليم والحماية، إلى 1.5 مليار دولار على الأقل، من جهة أخرى، تعاني قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والقطاعات غير الغذائية من نقص حاد في التمويل. في نداء الطوارئ الخاص بتشاد، بلغ تمويل قطاع التعليم 6 بالمائة فقط من المبلغ المطلوب، ولم يتجاوز تمويل قطاع المياه والصرف الصحي نسبة 8 بالمائة فقط من المطلوب، بينما في النداء الخاص بالنيجر، ما من تمويل لقطاع التعليم إطلاقاً، ويبلغ تمويل قطاع المياه والصرف الصحي 18 بالمائة فقط من المبلغ المطلوب، وفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية. هذا وأكدت أموس في مقابلة مع شبكة الأنباء الإنسانية أن "هناك حاجة إلى استجابة متكاملة. الرعاية الصحية لها أهمية خاصة، والمياه النظيفة والصرف الصحي من الأمور حيوية، ونحن بحاجة إلى أن نتجاوز جهود الإغاثة العاجلة لدعم سبل كسب العيش على المدى الطويل"،  بدأ ارتفاع الأسعار غير المعتاد في أكتوبر 2011 بسبب تأخر مواسم الحصاد وزيادة الطلب على نحو غير عادي. كما اتجه التجار - بعد أن توقعوا حدوث المشكلة - إلى شراء كميات كبيرة من الحبوب لبيعها للحكومات ووكالات الإغاثة، وفقاً لنظام الإنذار المبكر بالمجاعة، وفي أنحاء كثيرة من بوركينا فاسو ومالي، كانت الأسعار ترتفع كل شهر منذ أكتوبر 2011، باستثناء تراجع وجيز في يناير 2012، حسبما ذكر جان مارتان باور، رئيس فريق أنظمة رصد الأمن الغذائي في برنامج الأغذية العالمي، أما في النيجر، فكان الاتجاه مختلفاً، إذ ارتفعت الأسعار ارتفاعاً حاداً في شهري نوفمبر وديسمبر 2011، أعقبها انخفاض طفيف في يناير 2012، ثم زيادات طفيفة في شهري فبراير ومارس. وشهدت تشاد أسعاراً مستقرة نسبياً في أوائل عام 2012 بعد زيادات حادة في عام 2011.            

على صعيد أخر جاء ارتفاع درجات الحرارة والجفاف الشديد هذا العام مفاجئَين بالنسبة للكثيرين في شرق وجنوب شرق موريتانيا. فعندما تكون الأمطار طبيعية، يستهلك السكان في العام التالي احتياطيات الحبوب التي لديهم من يونيو/يوليو، ولكن الناس وجدوا أنفسهم في منتصف هذا العام بلا طعام لأكثر من ثلاثة أشهر، كما فقد العديد من الرعاة في تلك المنطقة الماشية التي يعتمدون عليها في كسب الرزق، علماً أن تربية الماشية تُعتبر ثاني أكبر مصدر لكسب الأموال من التصدير، ما أدى إلى امتداد الخسارة لتطال الدخل القومي، وتُعتبر موريتانيا دولة فقيرة – وهي واحدة من 30 دولة تأتي في ذيل قائمة مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة. وقد طلبت موريتانيا مؤخراً مبلغ 95 مليون دولار للمساعدة في الاستجابة للأزمة. وقال برنامج الغذاء العالمي أنه لو تسجّلت موريتانيا في مؤسسة للتأمين ضد أخطار الجفاف، لكانت حصلت على مبلغ يصل إلى 30 مليون دولار للمساعدة في الاستجابة للجفاف خلال أسابيع بعد موسم الأمطار الضعيف الذي انتهى في أكتوبر 2011، ومن المتوقع أن يكون موسم الأمطار ضعيف جداً في أي سنة من السنوات في موريتانيا، ولكن لا يمكن التنبؤ بذلك على وجه اليقين وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي الذي يقوم بمساعدة الاتحاد الإفريقي على إنشاء مؤسسة African Risk Capacity للاستجابة المبكرة والتأمين. والهدف من ذلك هو أن تقوم شركة التأمين بالتغطية في حالة وقوع أحداث شديدة– كالجفاف الشديد هنا – بدلاً من حالات قلة الأمطار المحلية المستمرة التي تحدث في كثير من الأحيان أو حتى في كل عام، ومن خلال الربط ما بين دفع التأمين وخطط الاستجابة الفعالة، تهدف مؤسسة ARC إلى تقديم المساعدة للحكومات الإفريقية بغية الحد من الآثار السلبية للجفاف على حياة وسبل عيش الضعفاء، وكذلك من أجل العمل على خفض الاعتماد على المساعدات الخارجية. وقالت جوانا سيروكا، مديرة المشروع: "نحن ما زلنا في مرحلة التصميم. وإذا سارت الأمور بشكل جيد، نأمل في أن يتم إنشاء مؤسسة ARC في منتصف عام 2013 أو في حدود هذا الموعد"، وقد صُممت مؤسسة ARC على غرار هيئة تأمين مخاطر المناخ في منطقة الكاريبي، وهي مؤسسة لأنظمة التأمين، لا تهدف إلى الربح، تم إنشاؤها في عام 2007 وتضم في عضويتها 16 من دول منطقة الكاريبي، حيث تقوم الدول الأعضاء بدفع أقساط منخفضة نسبياً لكنها تحصل على أموال سريعة في حال تعرضها لزلزال أو إعصار. ومع ذلك سيتم تعديل مؤسسة ARC لتعكس سياق الأحوال الجوية والأمن الغذائي في القارة الإفريقية بحيث تجمع بين مفهوم التأمين والتخطيط للطوارئ لمساعدة الدول الإفريقية التي ضربها الجفاف الشديد على ترجمة تعويضات مؤسسة ARC إلى استجابات فعالة في التوقيت المناسب لمساعدة المتضررين، ولطالما شكّل انتظار المال لشراء المساعدات ومن ثم تسليمها بسرعة إلى من هم بحاجة إليها تحدياً بالنسبة لبرنامج الغذاء العالمي. ولكن الجفاف هو حدث بطيء في بدايته وتستغرق آثاره على الناس وقتاً طويلاً قبل أن تصبح واضحة. لذا فإن جمع الأموال للاستجابة هو أمر أكثر تعقيداً. فيمكننا أخذ المجاعة التي وقعت في الصومال عام 2010 – 2011 كمثال على ذلك. دقت الوكالة ناقوس الخطر في وقت مبكر لكن الأمر استغرق وقتاً طويلاً للإعلان عن المجاعة وأخذ صور للأطفال الجياع لكي يبدأ تدفق الأموال. هذا وقد كان توصيل المساعدات مكلفاً لأنه كان من الضروري القيام بذلك على وجه السرعة، وفي ورشة عمل عُقدت مؤخراً لدول إفريقيا في جوهانسبرج، قال شادرك مافومو، رئيس إدارة المخاطر وبناء القدرات في مؤسسة ARC أن "التحرك المبكر يمكن أن يؤدي إلى التوفير في التكاليف المباشرة على السلع والتجهيزات اللوجستية ويمنع الاضطراب في الأسواق". وقد أضاف أن "الدلائل تشير إلى أن التوفير الناتج عن التحرك المبكر يمكن أن يكون كبيراً. وقد ذكرت مؤسسة ARC أنها قامت ببعض التقييمات التي سيتم الإعلان عنها في الوقت المناسب، قام برنامج الغذاء العالمي بتطوير برمجية تحت إسم مراجعة المخاطر في إفريقيا ARV لتحديد قواعد دفع التعويضات. وتحصل هذه البرمجية على تقديرات سقوط الأمطار طوال عشرة أيام من الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي التابعة للحكومة الأمريكية وتستخدمها في رسم مخطط بياني للجفاف. وقالت سيروكا أن "قياس هطول الأمطار في نهاية الموسم أثبت أنه مؤشر غير دقيق لتقييم الأثر المحتمل لنقص الأمطار على الإنتاج وسبل العيش". وتقوم برمجية ARV بعد ذلك باستخدام مؤشر تلبية الاحتياجات المائية WRSI الذي يرصد العجز في المياه طوال موسم النمو كما ويرصد الآثار المترتبة على توقيت هطول الأمطار وكميتها وتوزيعها على المحاصيل الغذائية الرئيسية السنوية وعلى رعي الماشية. وأشارت أيضاً إلى أنه "بالرغم من أن المؤشر بسيط، إلا أن العديد من مكاتب الأرصاد الجوية الوطنية في جميع أنحاء إفريقيا تستخدمه لرصد مواسم هطول الأمطار وتأثيرها على الزراعة، كما أن المؤشر هو الأساس للعديد من أدوات الإنذار المبكر من الجفاف في القارة"، ويتم تطبيق مؤشر الجفاف الناتج على السكان الضعفاء، الذين تحدّدهم الدراسات حول الأسر والذين يعتمدون على سقوط الأمطار. وتستخدم برمجية ARV بعد ذلك هذه المعلومات لتقدير عدد الأشخاص الذين من الممكن أن يتضرروا بصورة مباشرة أو الذين تضرروا بالفعل بسبب الجفاف أو قلة هطول الأمطار في موسم معين. وقالت سيروكا أنه باستخدام أرقام التكلفة للشخص المتضرر كخطوة نهائية، تضع برمجية ARV تقديرات لقيمة تكاليف الاستجابة لحالة الجفاف الملحوظة. ويمكن تعديل أداة البرمجية لكل الدولة لكي تحدد موجات الجفاف- على غرار نموذج برمجية ARV- التي بسببها سيحتاجون إلى دفع تعويضات من مؤسسة ARC بالإضافة إلى تحديد حجم التعويضات وهو ما يتم في نهاية الموسم. وستحتسب معلومات البرمجية حجم القسط الذي يجب دفعه.

ما زال على الدول الاشتراك في تلك المبادرة التي طرحها الاتحاد الإفريقي. وبعض الدول لديها مخاوف مبررة، فدولة ملاوي مثلاً تتعامل مع الجفاف المزمن في اثنين من أقاليمها على الأقل كل عام تقريباً. وقال ممثل ملاوي في ورشة العمل التي عقدت في جوهانسبرج: "السؤال الذي يُطرح هنا هو هل ينبغي أن ندفع أموالنا في أقساط باهظة في الوقت الذي نعرف فيه أننا لن نحصل على المال للاستجابة للكارثة في هذين الإقليمين كل عام أم نقوم بدلاً من ذلك بإنفاق تلك الأموال على شبكات الأمان في هذين الإقليمين"، وتقول كينيا أنها تحتاج إلى نظام تأميني يستطيع أن يدفع التعويضات للكوارث الطبيعية المتعددة. وأشارت ماري موالي من الهيئة الوطنية الكينية لإدارة الجفاف أنه من الممكن أن تتعامل بلادها مع الجفاف المزمن في أي عام في الشمال ومع الفيضانات في الأقاليم الأخرى أو حتى مع الجفاف والفيضان في الإقليم نفسه وفي الوقت نفسه. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

من جهة أخرى، قالت فاطمة قسام، رئيسة السياسات والشؤون الحكومية في مؤسسة ARC ومستشارة مفوضة الاقتصاد الريفي والزراعة في الاتحاد الإفريقي، أنهم أجروا محادثات مع الدول بشأن وضع حزمة يمكن أن تلائمهم، وقد عبرت عن أملها في توسيع نطاق تغطيتهم ليشمل الكوارث الطبيعية الأخرى في المستقبل. وقد ذكرت أن هناك 18 دولة أعربت عن رغبتها في الاشتراك. وقد أوضحت قسام أن مؤسسة ARC تحتاج إلى حزمة متنوعة للحد من المخاطر ولتثبت بالتالي فعاليتها، لأن هذا سيخفض من قيمة الأقساط. فإن اشتركت مثلاً جميع الدول في الساحل، التي تتعرض جميعها لظروف مناخية مماثلة، فإن الأقساط ستكون مرتفعة والتعويضات منخفضة. وإن اشتركت دول أخرى تعاني من مخاطر مختلفة، فإن المزيد من أموال الأقساط ستكون متاحة لتغطية التعويضات، وقال ستيف ويجينز، الباحث في معهد التنمية الخارجية، وهو مركز أبحاث مقره المملكة المتحدة أن مؤسسة ARC كانت "مثل الحكومات تقوم بإدارة أنظمة التأمين الخاصة بها" مع ميزة أنها لن تضطر إلى دفع أية مبالغ مقابل خدمات صناعة التأمين، ومن الممكن أن يكون لديها المرونة في التشغيل واستخدام الأموال- بالرغم من أن حرية التصرف الزائدة يمكن أن تقوض نظام التأمين. وأضاف ويجينز: "أعتقد أن إحدى ميزات الأنظمة الرسمية مثل ARC هي أنها تبتعد عن نطاق حرية التصرف المحلية وتقدم الدقة في السياقات السياسية حيث غالباً ما يكون التحرك العام استنسابياً واعتباطياً بدرجة كبيرة، ويساور بعض المسؤولين، مثل جوزيف كانيانجا، رئيس هيئة الأرصاد الجوية في زيمبابوي، مخاوف بشأن نوعية تأثير السياسات الإقليمية إذا تم ضم مؤسسة ARC في الاتحاد الإفريقي. وقال كانيانجا: "نحب أن تكون مؤسسة ARC مستقلة تماماً عن الاتحاد الأفريقي حيث من الممكن أن يؤثر الاتحاد على مبالغ التعويضات المقدمة وتوقيتها والمستفيدين منها". وتقول قسام، الاستشارية في الاتحاد الأفريقي أن نظام ARC قائم على الأسباب والعوامل المتغيرة، مضيفةً أنه "لن يكون هناك حرية تصرف في وقت دفع التعويضات" أي أنه سيتم دفع التعويضات بناءً على الحقائق ولن تتأثر بأي عوامل أخرى. وستكون مؤسسة ARC وكالة متخصصة في الاتحاد الإفريقي- وكالة مالية فرعية مستقلة عن أي تأثير سياسي. وما زال يتعين الاتفاق على تفاصيل العلاقة بين مؤسسة ARC والتشريعات الوطنية للدول الأعضاء، وقال كريستوفر باريت، الخبير الغذائي الذي يدرس اقتصاديات التنمية في جامعة كورنيل في الولايات المتحدة أن مؤسسة ARC تقدم مساراً بديلاً لإدارة الكوارث المرتبطة بالجفاف إلى جانب عملية النداءات الموحدة التي تتم بواسطة الأمم المتحدة. ولكنه من المهم أيضاً التعرف على أوجه القصور في تلك الأنواع من المنتجات. فهي تقدم التأمين ضد قلة الأمطار خلال فترة ومساحة معينة- فقلة سقوط الأمطار ترتبط بشكل غير كامل بغلة المحصول ونقص الدخل وخسارة الأصول الانتاجية الأساسية وأزمات سبل العيش وحجم حالات الطوارئ الإنسانية إذا تواجد أي منها"، وقال كل من ويجينز وباريت أنه لا ينبغي النظر إلى مؤسسة ARC على أنها حل مضمون للمشكلة ولا ينبغي على الدول أن يغيب عن بالها الخيارات الأخرى. وقال ويجينز أن من بين تلك الخيارات الأخرى التفكير في فتح حساب خارجي يكسب فائدة ويتم استخدامه في استيراد الذرة خلال السنوات التي يقل فيها هطول الأمطار ويغطي الفرق بين الكلفة المنخفضة للذرة والتي عادةً ما تكون 100 دولار للطن أو أكثر من سعر الجملة المحلي. وأكد ويجينز أن "صندوق التمويل في الخارج سينمو عن طريق الدولة التي تقوم بتخصيص الأموال ووضعها فيه خلال السنوات الجيدة". وقد اقترح هذا الخيار للبلدان الداخلية في جنوب قارة إفريقيا في عام 2004 حيث لم تنمو المحاصيل مرتين على الأقل خلال عقد من الزمن، قال كوكو وارنر، رئيس الهجرة البيئية والضعف الاجتماعي والتكيف في جامعة الأمم المتحدة في بون أن أحداث الجفاف التي تحصل مرة كل 10 سنوات يمكن أن تصبح قريباً أكثر تكراراً. وتحتاج أنظمة التأمين الحالية مثل مؤسسة ARC التي تقدم حلولاً لتقلبات المناخ القصيرة الأمد، إلى أن تأخذ في حساباتها أثر التغيرات المناخية الطويلة الأمد. وأضاف: "نحتاج إلى البدء في اتخاذ الإجراءات الآن لتصميم شبكات أمان وأنظمة للحد من المخاطر التي ستكون قادرة على الاستجابة للأحداث القاسية والشديدة التي من الممكن أن تحدث كل عامين تقريباً في المستقبل غير البعيد جداً."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 18/تموز/2012 - 27/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م