بورنوغرافيا الاكاذيب... الاباحية في مجال السلوك السياسي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: تحتل الخلاعة والخلاعيات وما يتفرع منهما، حيزا كبيرا ومهما من التفكير والسلوك البشريين، في التفكير لا حدود لما يذهب اليه الخيال حين يمتطي صهوة حصان بري جامح، لكن السلوك تحدده جملة ضوابط وكوابح تصادر الكثير من الخيالات الجامحة وتذهب بها الى مهاوي النسيان.

احيانا تذهب بعض الثقافات الى ممارسة التطهير من دنس الافكار، فكل شيء في الخلاعة يحيل الى الدنس والدونية والنجاسة، لانها ترتبط ارتباطا وثيقا بالجنس – توابعه وزوابعه – ما كان شاذا منه او طبيعيا.

في الخيالات ايضا لذائذ لا حصر لها، وفحولات زائدة عن حدها، هي في معظمها خرق للعادة والمألوف، وفي الخيالات ايضا تناقضات النفس البشرية على اشدها.. فالتقيّ يصبح فاجرا، والعفيف يتحول الى مارد نهم، والمرأة المصونة قد تتقلب على وسائد الشبق بجنون لا تصدقه هي نفسها، لكن الواقع والسلوك الداخل ضمنه يلجم الكثير من تلك الخيالات ويحدّها، ويمارس نوعا من القمع والمصادرة للذائذ الخيال اذا ارادت ان تطل برأسها من كوة الواقع.

في الخيالات حاستان لابد منهما هما البصر والسمع، ولا ينفصلان الا في حالة الانسان الكفيف الذي يستعيض عن النظر بسمع ثاقب يعادل قوة النظر الفاحش، لكن بالتوجه اليه، الى داخله، عكس النظر الذي يصدر منه الى الاخر موضوع التخيل.

النظر والسمع فتنتان يترافقان مع الضمير والنوايا في فعل التخيل.. والنظر تحديدا، الباب الواسع للفتنة والافتتان ولجموح الخيال حتى اقترابه من السلوك الواقعي.. (من نظر منكم الى امراة ليشتهيها في قلبه فقد زنى بها)، قول للسيد المسيح، و(المؤمنون يغضون ابصارهم)، وصية الخلق القرآني.

ويترافق النظر مع نية الاشتهاء وكبحه، كما اشار الشاعر العربي، عفّ الضمير فاسق النظر..

في السلوك تختلف المجتمعات في تعاطيها مع ما يتعلق بالخلاعة تبعا لاختلاف ثقافاتها ومرجعياتها الفكرية والدينية.. وهذا الاختلاف اكثر ما نجده عبر الاعمال الفنية التشكيلية (رسم – نحت) وعبر السينما والقنوات التلفزيونية.. وهذه الاعمال كثيرا ما تلجأ الى المدخل الذي تلج منه الخلاعة، وهي ما يعرف بالايروتيكية، وكان الشاعر العراقي سعدي يوسف قد اصدر ديوانا كبيرا حمل اسم (ايروتيكا) ضم بين دفتيه جميع قصائده التي تشير وتلمح وتهيء الى فعل الخلاعة باسلوب شعري.

وتختلف الايروتيكية عن البورنوغرافية في ان الاولى توحي والثانية تكشف، والاولى فيها رموز واشارات تترك مساحات كثيرة فارغة يعمل الخيال على محاولة ملئها، فيما الثانية فعلها صريح وواضح يجسد الخيال واقعا ملموسا تشترك فيه جميع الحواس من شم ولمس وسمع ونظر وتذوق.

والبورنوغرافيا فعل افتضاح، وهو فاضح ومفضوح في جميع دلالاته الاسلوبية، مثلما هو حال السياسة تصريحا او حراكا يوميا يكشف عورات المتحركين.

والبورنوغرافيا (باللاتينية: Pornographia)، تختصر الكلمة بـ porn أو porno. وهى المواد المطبوعة أو المرئية - كالصور والقصص والفيديوهات والألعاب - التي تحتوي على وصف صريح لعرض الأعضاء الجنسية أو النشاط الجنسي، وتهدف إلى تحفيز المشاعر المثيرة جنسياً بدلاً من المشاعر الجمالية أو العاطفية.

 ورغم ان الاثنان يستدعيان عمل الحواس الخمس، الا ان الايروتيكية تقف عند الحدود الدنيا من هذه الحواس ولا تذهب بها بعيدا وخاصة ما يتعلق منها بحاسة التذوق.

وتحيل الكثير من الاعلانات التلفزيونية خاصة التي تستخدم المرأة فيها الى استخدام الايحاء والرمز الايروتيكي عبر بعض الحركات والنظرات والايماءات لأجزاء الجسد، وقد نهجت الكثير من مطربات هذا العصر منهجا ايروتيكيا فيما تقدمه من اغاني الفيديو كليب.

الاعلام بمساحاته الصفراء من صحف ومجلات وبرامج تلفزيون الواقع يعيد البورنوغرافيا الى حد الايروتيكا عبر مغامرات النجوم في الفن والرياضة والسياسة.. وهنا يدخل دور الكلام او الحكي، مثل اعتراف كيم كاردشيان النجمة التلفزيونية الامريكية الشهيرة بانها فقدت عذريتها في الخامسة عشرة من عمرها.. او مغامرات من كان مرشحا لادارة السفارة الامريكية في العراق وسحب ترشيحه بسبب مغامراته الجنسية على سطح السفارة.

يكاد يكون كل سلوك له تمظهراته في الكثير من اوجه النشاط البشري، الايروتيكا والبورنوغرافيا يمكن ايضا ان تتمظهرا عبر الكثير من الفعاليات الاجتماعية والثقافية وحتى السياسية من خلال سلوكيات او اقوال تستعير الكثير من ادوات واليات الايحاء والتصريح، ولعل السياسة هي اوسع مجال لمثل هذين السلوكين... والامثلة كثيرة.

كما في حالة بيل كيلنتون حين كان رئيسا لأمريكا والمتدربة مونيكا لوينسكي التي جمعت علاقتهما بين الايروتيكية والبورنوغرافية من خلال الحد الفاصل بينهما وكان السيكار الكوبي الذي الهب خيالات المتابعين لجلسات الاستجواب.

عندما تتحدث إلى (زيتونة) يخيل إليك أنك تستمع لامرأة ورعة وازنة، تتكلم بأدب ورزانة في مسائل ساقطة يندى لها الجبين، و(زيتونة) هذه، إحدى المغربيات اللواتي اشتهرن بمدينة مارسيليا، حسب تصريحها، بين ممثلات أفلام (البورنو)، تقول إنها (متخصصة) في مشاهد تبين المرأة فريسة لفحول أوروبا من مختلف الجنسيات.

وهي تقول ايضا: (أنا لست عاهرة وإنما ممثلة بورنو، والأعمال التي أقوم بها تدخل الفرحة على الكثير من الرجال، كما أن البورنو يساهم بشكل كبير في تمكين الناس من التعاطي مع الجنس كفعل عاد جدا دون الخجل منه).

 قال مقرّبون من منجبة التوائم الثمانية الأميركية ناديا سليمان، إنها وقّعت مع ملهى ليلي عقداً لتقدم عروضاً كراقصة تعرّي، ونقل موقع (تي أمي زي) الأميركي عن مصادر مقربة من سليمان غير المتزوجة، التي اشتهرت بعد إنجاب 8 توائم من التلقيح الاصطناعي، أنها وقّعت عقداً مع ملهى (تيز لونج) في وست بالم بيتش في فلوريدا كراقصة تعرّي.

وقالت المصادر إن سليمان شعرت أنها (متحررة منذ صوّرت فيديو إباحي) ورأت أن التعرّي سيكون طريقة جيدة للترويج للفيديو.

في السياسة العراقية، التي كان فارسها المجلى القائد الضرورة صدام حسين، والذي كان فعله السياسي فعل بورنوغرافي بامتياز، يشاهده الجميع باستمتاع مصحوب بالخوف.. ومن خلفه قافلة من الشعراء والمطربين وانصاف المثقفين الذين يمارسون فعل البورنو بامتياز صارخ، كما كان يغني احدهم (بعزم الله وعزم القائد منتصرين) او كما قال احد الشعراء مخاطبا قائده الضرورة (رايت الله في عينيك) لتحرقه تلك الرؤية بنيران فعلها البورنوغرافي، ولعل الامثلة كثيرة في هذا المقام، منها ام المعارك والنصر المبين على الحلف الثلاثيني، ومنها ايضا ما نشرته جريدة بابل حول فقدان البطاقة التموينية لعدي صدام حسين، وعلى من يعثر عليها تسليمها الى اقرب مركز شرطة وله الاجر والثواب.

بعد العام 2003 ترافقت الايروتيكية والبورنوغرافية مع كل نشاط سياسي يقوم به الساسة العراقيون في تعاطيهم مع الشأن العام. وتمظهرت تلك الثنائية في حجم الاكاذيب والاوهام والاساطير والخزعبلات التي اخذ ينسجها هؤلاء الساسة دون حياء او خجل.. ومادام الحال كذلك، وهو كذلك، لم لا ينسج المجاهدون والقاسطون والمارقون والخارجون على ذلك النهج من الاكاذيب، فمسرح الاحداث مستباح، وكل بامكانه اظهار عورته، بشتى الاحجام والالوان، وعلى ذلك، تفجير سيارة مفخخة في سوق شعبي هو مقاومة عراقية وطنية شريفة، وتقطيع اوصال المخالفين مذهبيا جهاد في سبيل الله، وتفجير حزام ناسف في مطعم قدوري الذي يقدم تشريب الباقلاء بالدهن الحر هو تسابق لحضور مأدبة غداء يعدها الرسول الاكرم (ص) في جنة الخلد.

حتى مع استقرار الاوضاع الامنية، وان ليس بالكامل، تصاعد الفعل السياسي ومعه الفعل البورنوغرافي من خلال كل تلك الكمية من التصريحات والظهورات الاعلامية لسادة السياسة العراقية وفحولها، وكل ظهور اعلامي يستدعي تكثيفا في فعل الحكي، وكل فعل للحكي يستدعي مزيدا من اللغو والحشو والهرطقات، وكل واحد منها يستدعي تكثيفا للاكاذيب وقتل الحقائق.

تشكل صناعة الاكاذيب وترويجها نسقا متكاملا في العمل السياسي العراقي، لا ينفصل عن جملة انساق حكمت هذا العمل منذ تشكيل الدولة العراقية وحتى يومنا هذا، الا ان العقود السابقة وتحديدا قبل العام 1958 كان هذا النسق يميل الى الايروتيكية اكثر منه الى البورنوغرافية بحكم شروط ومتطلبات كانت ناجزة في تلك العقود.

الزمن الحالي للسياسة العراقية، ورث الفعل السياسي واخلاقياته عن اخر اربعة عقود مر بها العراق، رغم التعارض بين تسميتين هما (الديمقراطية – الديكتاتوزرية) وهو تفارق فرض نفسه على العديد من التسميات الاخرى (البعثيون – الصداميون – العراق الديمقراطي – العراق الفيدرالي – اجتثاث البعث – المساءلة والعدالة – التوافقية – الشراكة الوطنية) وغيرها من تسميات تصنف ضمن قوالب جاهزة.

ولا تقف بورنوغرافيات السياسة العراقية على حافة التسميات والتوصيفات بل تتعداها الى كل تصريح يقوله السياسي العراقي، حتى بتنا نشهد عرضا مستمرا لهذه الفئة من الافلام على مدار اليوم.

وهناك الكثير من الامثلة على ذلك، لايمكن ايرادها خوفا من قانون جرائم المعلوماتية الذي يريد البرلمان العراقي اقراره.. لكن لابأس من هذا المثل الذي يختص بمن يقتدي بالساسة العراقيين: تظاهر العشرات من الحراس الإصلاحيين العاملين في سجن العمارة المركزي أمام مجلس محافظة ميسان لمطالبة الحكومة المحلية بمخاطبة وزارة العدل بعدم اعتماد وثائق التخرج في تعيينهم على ملاك الوزارة. المتظاهرين رفعوا لافتات تطالب الحكومة المحلية بميسان بالضغط على وزارة العدل بعدم التعامل مع ما قدموه من وثائق دراسية سابقة. وبحسب المتظاهرين فان اغلب تلك الوثائق التي قدموها سابقاً كانت مزورةً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 18/تموز/2012 - 27/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م