نفط العراق... مكمن سعادة أم شقاء

 

شبكة النبأ: لا يزال ملف الخلاف السياسي بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان يلقي بضلالة على المشهد العراقي العام الذي تأثر كثيرا بتلك النزاعات، ويرى بعض المراقبين أن الخلاف القائم بين الحكومتين هو خلاف شخصي بين القادة تطور واتسع واخذ منحنى أخر قد اضر بمصالح العراق وهذا ما تثبته مجريات الإحداث المتواصلة ومن أهمها الخلاف المتسمر بخصوص عقود النفط وصلاحيات حكومة الإقليم في إبرام تلك الصفقات التي تعتبرها الحكومة المركزية خرق دستوريا وتجاوزا على الصلاحيات وفي هذا الشأن قال مساعد لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إن المالكي طلب من الرئيس الأمريكي باراك أوباما التدخل لمنع شركة النفط العملاقة اكسون موبيل من المضي قدما في صفقة مع منطقة كردستان شبه المستقلة محذرا من تداعيات وخيمة على استقرار العراق. وأثارت إكسون غضب بغداد العام الماضي بتوقيع إتفاق للتنقيب مع حكومة كردستان العراق في شمال البلاد ووصفت الحكومة المركزية الإتفاق بأنه غير قانوني.

وقال علي الموسوي المستشار الإعلامي للمالكي "أوضح رئيس الوزراء نوري المالكي للرئيس أوباما التداعيات الوخيمة لصفقة إكسون وتأثيرها السلبي على استقرار العراق." كان وزير النفط العراقي قال في ابريل نيسان إن إكسون كتبت إلى بغداد تبلغها بأنها أوقفت العمل في المنطقة الكردية. وقال الموسوي "رغم خطاب إكسون بوقف العمل في المنطقة مازلنا نتلقى معلومات عن أعمال جارية تبعث على الارتياب تتعلق بأنشطتهم للتنقيب."

وأعلنت حكومة كردستان العراق في نوفمبر تشرين الثاني عن توقيع إتفاق يتضمن ستة إمتيازات للتنقيب مع إكسون وهي أول شركة نفط عالمية كبرى تتعامل مباشرة مع الأكراد في شمال العراق. وإكسون إحدى شركات النفط الكبرى المشاركة في مشروعات ضخمة تهدف لجعل العراق أكبر مصدر في العالم لإمدادات النفط الجديدة على مدى السنوات القليلة القادمة لكن قرار الشركة الأمريكية بالتعامل مع حكومة كردستان أثار غضب بغداد. بحسب رويترز.

ومنعت الحكومة المركزية إكسون من التنافس في جولة ترسية العقود الرابعة في العراق بسبب الصفقة التي وقعتها مع كردستان للتنقيب في المنطققة وفي بعض المناطق المتنازع عليها. وقال الموسوي "مغزى الرسالة واضح. يجب أن تتدخل الإدارة الأمريكية." وأضاف أن المالكي التقى مع مسؤولين من إكسون خلال زيارته للولايات المتحدة في ديسمبر وأوضح للشركة أن صفقتها مع السلطات الكردية تعد إنتهاكا للقانون ويمكن أن تؤدي إلى مشكلات خطيرة.

على صعيد متصل يشكك عدد من الخبراء بإمكانية الاعتماد على النفط العراقي في دعم الإمدادات العالمية في ظل الأزمات الراهنة التي تعصف في المنطقة وخصوصا داخل العراق. ومع وجود عدد من شركات تنقيب واستخراج النفط العاملة داخل العراق، إلا أن المخاطر والصراعات الطائفية المحيطة بالحقول النفطية تؤثر سلبا على العملية الإنتاجية بالإضافة إلى الاستهلاك المتزايد للخام الأسود من قبل الأسواق النامية المتعطشة والمستمرة في النمو. وقال وزير النفط العراقي، عبد الكريم اللعيبي "نحن ندرس حاليا الأهداف والقدرات الإنتاجية في كل الحقول، بالإضافة إلى وجود شركة ستساعدنا على معرفة كميات الإنتاج الممكنة خلال السنوات القليلة القادمة." بحسب CNN.

وأكد نائب رئيس شركة لوك أويل الروسية للنفط، سيرغي نيكيفروف إن حقلها المتواجد في العراق يعتبر أهم الحقول النفطية بالنسبة للشركة خارج روسيا، حيث أن هذا المشروع طويل الأمد ومن المتوقع أن يتم شراء النفط من لوك أويل ب 1.15 دولار للبرميل فقط، إلا أن الشركة تتطلع إلى أن يصل إنتاجها إلى 1.8 مليون برميل يوميا بحلول العام 2017 وعلى مدى 13 عاما. وبالرغم من هذه الشكوك فإن الحكومة العراقية تعمل مع عدد من الشركات العالمية المتخصصة باستخراج النفط على رفع القدرة الإنتاجية للنفط من ثلاث ملايين برميل يوميا إلى نحو 12 مليون برميل في غضون السنوات الخمس المقبلة.

تصدير نفط دون موافقة

 في السياق ذاته بدأت حكومة اقليم كردستان العراق تصدير النفط الخام الذي تستخرجه من محافظاتها الثلاث الى تركيا من دون الحصول على موافقة الحكومة المركزية في بغداد، كما افاد مسؤول رفيع في حكومة الاقليم. وقال سيروان ابو بكر المستشار في وزارة الثروات الطبيعية لحكومة اقليم كردستان "بدأنا فعلا بتصدير النفط الخام الى تركيا قبل ايام وبكميات محدودة بهدف الحصول على مشتقات النفط واذا اقتضت الحاجة سنصدر النفط الى ايران".

واضاف ان "كمية النفط الخام المصدرة (تكفي) لتغطية حاجة محافظات الاقليم الثلاثة من المشتقات النفطية". واكد ابو بكر "سنستمر بتصدير النفط حتى قيام الحكومة المركزية بتزويد الاقليم بالمشتقات النفطية". واشار الى ان "الحكومة المركزية هي التي دفعتنا الى ذلك". وينتج اقليم كردستان 175 الف برميل نفط يوميا، لكنه يرفض تسليمها الى المركز منذ عدة اشهر. وكانت السلطات الاتحادية في بغداد اتهمت الاقليم بتهريب النفط المستخرج من اراضيه الى ايران وتركيا، الامر الذي نفته سلطات الاقليم حينها. بحسب فرنس برس.

 الى جانب ذلك قال اشتي هورامي وزير الموارد الطبيعية في منطقة كردستان إن كردستان تتوقع أن تتبع شركات نفطية كبرى خطى إكسون موبيل الأمريكية في الاشهر القليلة القادمة وتبرم إتفاقات مع المنطقة حيث سيستأنف تصدير النفط رغم النزاع مع بغداد. وأصبحت إكسون أول شركة نفطية كبرى تدخل المنطقة الكردية في منتصف أكتوبر كانون الأول حينما وقعت إتفاقا مع حكومة كردستان. وقال هورامي في مؤتمر للطاقة في لندن "السوق مزدهرة للغاية في كردستان. لدينا كثير من الشركات الكبرى التي تتطلع إلى عقود مشاركة في الإنتاج وبالتأكيد اندماجات واستحواذات.

"لذا فإننا نتوقع في الأشهر القليلة القادمة أن نرى شركتين أو ثلاث شركات كبرى تأتي وتعمل في كردستان." وقالت مصادر نفطية إن توتال النفطية الفرنسية تتطلع إلى امتيازات للتنقيب في كردستان كما تسعى شتات أويل النرويجية إلى إبرام عقود تنقيب في المنطقة. وأغضبت صفقة إكسون التي تتضمن ستة امتيازات الحكومة المركزية في بغداد التي قالت إن أي عقود نفطية توقع مع حكومة كردستان تعد غير قانونية. بحسب رويترز.

وأوقفت كردستان صادرات النفط في ابريل نيسان نظرا لخلاف بشأن المدفوعات مع بغداد. وقال هورامي إنه قبل ذلك قام المتعاقدون في كردستان بإنتاج وتصدير 200 ألف برميل يوميا من النفط مشددا على أن الشحنات ستستأنف قريبا. وقال "سيجري استئناف تدفق النفط ... بصرف النظر عن وجود إتفاق وأفضل شخصيا أن يوجد اتفاق." وأضاف "نتوقع مزيدا من الاكتشافات هذا العام مما سيساهم في تحقيق هدفنا الجديد لإنتاج مليوني برميل يوميا بحلول عام 2019."

بيع الغاز الطبيعي

في السياق ذاته قال وزير الطاقة باقليم كردستان العراق شبه المستقل إن الاقليم قد يبدأ بيع الغاز الطبيعي مباشرة لتركيا في غضون عامين وهي خطوة من المرجح أن تغضب الحكومة المركزية. وتختلف حكومة كردستان وبغداد منذ سنوات بشأن قضايا بينها مدفوعات متأخرة للنفط الخام وقانونية عقود النفط التي أبرمتها حكومة الاقليم إلى جانب خلافات على أراض.

وتتهم بغداد الأكراد بتهريب نفط منطقتهم للخارج لاسيما لإيران وبالإضرار بميزانية الحكومة المركزية من خلال حرمانها من ايرادات. وقال اشتي هورامي وزير الموارد الطبيعية في الاقليم خلال منتدى غاز بحر قزوين في اسطنبول "حتى إذا لم يتم التوصل الى توافق مع بغداد سنمضي في بيع الغاز الطبيعي والنفط لتركيا. بحسب رويترز.

"نخطط لبيع عشرة مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي لتركيا ولأوروبا لاحقا في الأجل البعيد." واضاف أن من المتوقع بدء عمليات البيع خلال ما بين 18 شهرا وعامين. وقال هورامي إن كردستان ملزمة بجذب استثمارات من الخارج "وإذا تركنا كل شيء لبغداد فلن يجدي هذا." وتعتمد كردستان إلى حد كبير حاليا على أخذ 17 في المئة من الميزانية الوطنية لكن حكومة الاقليم تقول إن التقديرات تشير إلى وجود نحو 45 مليار برميل من احتياطيات النفط في الشمال أغلبها لم يستغل بعد. ولا توجد تقديرات رسمية لاحتياطيات الغاز في كردستان إلا أن العراق بأكمله يملك عاشر اكبر احتياطيات من الغاز في العالم تقدر بنحو 112 تريليون قدم مكعبة وفقا لبيانات وزارة الطاقة الأمريكية.

بغداد تجدد تحذيرها

من جهة اخرى جدد نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني تحذيره الشركات الفرنسية من توقيع عقود نفطية مع اقليم كردستان او سلطات محلية اخرى. وذكر بيان صادر عن مكتب الشهرستاني ان نائب رئيس الوزراء "حذر الشركات الفرنسية العاملة في قطاع النفط في العراق من التعاقد مع غير الحكومة العراقية"، وذلك خلال استقباله السفير الفرنسي دوني غويرفي بغداد. واضاف البيان ان الشهرستاني بحث مع غوير "آخر مستجدات الوضع السياسي والتطورات الحاصلة في الانتاج والتصدير في القطاع النفطي العراقي"، مشيرا الى "رغبة العراق في بناء علاقات متطورة مع فرنسا خصوصا في مجال الطاقة والصناعات الاستراتيجية الكبرى".

وقال فيصل عبدالله المتحدث باسم الشهرستاني ان نائب رئيس الوزراء العراقي "حمل السفير الفرنسي رسالة شفوية الى الحكومة الفرنسية". واوضح ان الرسالة تفيد "بان الشركات الفرنسية الموجودة (في العراق) وخوصا توتال في حال اقامت عقدا مع اقيلم كردستان او مع حكومة محلية بدون موافقة الحكومة المركزية فسيعني هذا نهاية عقدها في العراق".

وكان الشهرستاني قال ان "وزير النفط والوزارة ابلغا مسؤولي توتال وبعبارات واضحة انه سيجري التعامل معهم بنفس الطريقة التي تعاملنا بها مع الشركات الاخرى". واوضح "اذا وقعوا عقدا لتطوير حقل في العراق، في اي مكان من البلاد ومن دون موافقة الحكومة العراقية، فسنعتبر انهم خرقوا القانون العراقي وسيجري التعامل معهم وفقا لذلك". وجاءت تصريحات الشهرستاني حينها بعد نحو اسبوعين من اعلان رئيس شركة توتال كريستوف دو مارجوري ان شركته تجري محادثات حول صفقات محتملة مع اقليم كردستان العراق.

وتعتبر بغداد اي عقود موقعة من قبل اقليم كردستان وغير مصادق عليها من قبل وزارة النفط في الحكومة المركزية، غير قانونية. وتملك توتال 25 في المئة من حصة كونسورسيوم قادته شركة النفط الوطنية الصينية (سي ان بي سي) (50 في المئة) وفاز في 2009 بترخيص تطوير حقل حلفاية (جنوب العراق) الذي يبلغ احتياطه 4,09 مليارات برميل. يذكر ان الحكومة العراقية منعت شركة اكسون موبيل الاميركية من المشاركة في جولة التراخيص الرابعة للنفط والغاز في ايار/مايو على خلفية توقيعها في تشرين الاول/اكتوبر الماضي عقدا مع حكومة اقليم كردستان.

من جانب اخر اكدت وزارة النفط العراقية انها لم تقطع او تقلل من حصة اقليم كردستان من المشتقات النفطية رغم استمرار حكومة الاقليم الشمالي في رفض تسليم نفطها الى السلطات المركزية منذ نيسان/ابريل. وجاء في بيان للوزارة "تنفي وزارة النفط التصريحات التي تحدثت عن قطع او تقليل حصة الاقليم من المشتقات النفطية وتعدها مجافية للحقيقة تماما". واضاف البيان ان "المسؤولين هناك يطالبون بتخصيص ما نسبته 17% من النفط المكرر في مصافي الوسط والجنوب الى جانب احتفاظهم بالكميات المنتجة من مصافي الاقليم".

وذكرت وزارة النفط بان "الاقليم توقف عن تسليم كمية 175 الف برميل في اليوم من النفط المستخرج من حقوله الى شركة تسويق النفط +سومو+ منذ نيسان الماضي، ما سبب حرمان الموازنة من ايرادات مالية كبيرة". كما جددت اتهام اقليم كردستان ببيع النفط الخام دون موافقة الحكومة المركزية "بأسعار زهيدة جدا".

وجاء البيان ردا على تصريحات رئيس حكومة اقليم كردستان نيجيرفان بارزاني والتي اتهم فيها الحكومة المركزية ب"خفض حصة الاقليم من المحروقات بشكل ملحوظ بداية العام الحالي والشهر الماضي". وكانت حكومة كردستان العراق اعلنت في الاول من نيسان/ابريل الماضي ايقافها تصدير النفط "حتى اشعار آخر" بسبب عدم حصولها على اموال تطالب بها الحكومة المركزية منذ نحو عام. بحسب فرنس برس.

واعلنت سلطات الاقليم الكردي الذي يتمتع بحكم ذاتي في ايار/مايو 2011 ان بغداد دفعت اموالا للمقاولين العاملين في الاقليم، وكانت هذه المرة الاخيرة التي يعلن فيها عن تحصيل عائدات. ووقع الاقليم نحو 40 عقدا مع شركات عالمية من دون السعي للحصول على موافقة وزارة النفط في الحكومة المركزية التي ترفض توقيع عقود مع شركات وافقت على التعامل مع اقليم كردستان من دون استشارتها. وينتج العراق اكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا من النفط، يصدر منها اكثر من مليونين، ويشكل النفط 94 بالمئة من عائدات البلاد. ويملك العراق ثالث احتياطي من النفط في العالم يقدر بنحو 115 مليار برميل بعد السعودية وايران.

هذا وقد أظهرت بيانات ملاحية أن صادرات النفط من موانئ العراق الجنوبية ارتفعت 90 الف برميل يوميا منذ بداية يونيو حزيران مقارنة مع الشهر الماضي وهو ما يشير إلى أن الشحنات في طريقها لتكرار المعدل القياسي المسجل في ابريل نيسان. وبحسب البيانات فقد بلغ متوسط الصادرات 2.11 مليون برميل يوميا في أول 20 يوما من يونيو ارتفاعا من 2.02 مليون في مايو ايار. وقال العراق إنه صدر 2.11 مليون برميل يوميا من الجنوب في ابريل نيسان وهو أعلى مستوى منذ الحرب.

وترتفع الامدادات بفضل زيادة في طاقة التصدير العراقية في 2012 في الوقت الذي تتراجع فيه الشحنات من إيران بفعل عقوبات. ويقول محللون إن هذا يساعد على الحد من ارتفاع أسعار النفط البالغة حاليا نحو 95 دولارا للبرميل انخفاضا من حوالي 130 دولارا في مارس اذار. وقال مسؤول عراقي إن الصادرات العراقية من موانئ الجنوب تراجعت في مايو بعد ارتفاعها في ابريل بسبب أعمال صيانة عاجلة في احد الحقول الجنوبية. بحسب رويترز.

وإذا استمرت الصادرات من الجنوب عند 2.1 مليون برميل يوميا في الفترة المتبقية من يونيو فإن اجمالي صادرات العراق سيبلغ المستوى القياسي منذ الغزو الامريكي للعراق والذي سجله في ابريل عند 2.5 مليون برميل يوميا بما في ذلك نحو 400 ألف برميل يوميا تصدر عبر تركيا من حقل كركوك الشمالي. ومن المتوقع أن يقدم العراق أكبر زيادة في الطاقة التصديرية للنفط في العالم في 2012 بفضل افتتاح مرساتين عائمتين احاديتين في الخليج في وقت سابق من العام. وظلت الشحنات من الجنوب معظم العام الماضي عند نحو 1.7 مليون برميل يوميا وكان منفذا التصدير المتاحان في ذلك الوقت وهما مرفأ البصرة وخور العماية يعملان بطاقتهما القصوى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 17/تموز/2012 - 26/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م