طلبة مالي... فرار حثيث من تعصب قسري

 

شبكة النبأ: أرغمت الشريعة الإسلامية الصارمة، أو القوانين الدينية الإسلامية التي يفرضها المتمردون الإسلاميون الذين يسيطرون على مساحات شاسعة من شمال مالي، الآلاف من الطلاب على مغادرة المدارس، بعد فرض قيود على الملابس وإجبار الفتيان والفتيات على تلقي الدروس في أماكن منفصلة. كما تم حذف المواد التي اعتبرت مشجعة على "الكفر" من المناهج. ويقوم حالياً الآباء الغاضبون بنقل أبنائهم، بينما اختار بعض الطلاب التغيب عن الامتحانات بدلاً من التعلم في ظل هذه الظروف.

وقالت مريم توريه، التي تعيش في تمبكتو، وهي إحدى المدن الشمالية التي استولى عليها الإسلاميون وغيرهم من المسلحين: "إننا ببساطة أخرجنا ولدينا من المدرسة، وسنرسلهما إلى باماكو [عاصمة مالي، التي تقع في الجنوب] لمواصلة تعليمهما". وقال المصطفى سيسي: "قررت عدم خوض امتحانات الفصل الدراسي الثاني في ظل هذه الظروف، ووالداي يوافقاني الرأي. لقد نقلاني إلى سيكاسو [بلدة تقع إلى الجنوب الشرقي من باماكو]، حيث أتابع دراستي الآن".

ومن جانبه، أفاد بوبكر سيسوكو، المدرس في تمبكتو - وهي موقع تراث عالمي معتمد من قبل اليونسكو - أن الإسلاميين "يروعون الأطفال" بتلك القوانين الجديدة. وأضاف أنهم "أدخلوا برنامجهم الخاص وفرضوا مواضيع جديدة مثل التربية الإسلامية، أو الصلوات الجماعية التي يقودونها بأنفسهم". ومنذ وصول الإسلاميين إلى شمال البلاد في مارس والاضطرابات التي أعقبت ذلك، لم يبقَ سوى 107 طلاب من أصل 429 في تلك المدرسة. ووفقاً لتقديرات وزارة التعليم في مالي، فر حوالى 5,000 طالب إلى مدارس في باماكو وغيرها من البلدات الجنوبية منذ أن استولى على شمال مالي مقاتلون إسلاميون من حركة أنصار الدين، وهي جماعة إسلامية تريد تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع أنحاء مالي، والحركة من أجل الوحدة والجهاد في غرب إفريقيا، وهي جماعة إسلامية صغيرة، والحركة الوطنية لتحرير أزواد، التي تريد إقامة دولة مستقلة علمانية في الشمال، عندما أدى انقلاب عسكري في 22 مارس إلى إزاحة الرئيس أمادو أماني توريه في باماكو. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).

وقد أدى هذا المزيج من الصراع والجفاف القاسي وانعدام الأمن الغذائي، والآن فرض الشريعة الإسلامية، إلى نزوح 146,000 نسمة داخلياً، وفرار أكثر من 150,000 آخرين إلى دول موريتانيا وبوركينا فاسو والنيجر وغينيا المجاورة، وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين. وعلى الرغم من أن المدارس تحملت القدر الأكبر من وطأة القوانين الإسلامية الصارمة، لا يستطيع المقيمون مشاهدة التلفزيون بعد الآن، ويُحظر على الرجال حلق اللحية أو تدخين التبغ. كما عوقب رجل وامرأة مؤخراً بالجلد 100 مرة في تمبكتو بسبب إنجابهما طفلاً خارج إطار الزواج، الأمر الذي أدانه السكان الذين شعروا بالصدمة والغضب.

وقالت مارياما، وهي تلميذة "لقد صدمت حقاً عندما رأيت هذا الثنائي المسكين يخضع لمثل هذا العقاب لمجرد أنهما رزقا بطفل. جعلني هذا أبكي، لأن هذا عار". وقال الطاهر مايغا، وهو من سكان تمبكتو: "نحن نعيش في عالم آخر"، لافتاً إلى أن القرآن لم يحرم كرة القدم أو التبغ أو حلق اللحية.

ولكن الإسلاميين أيضاً يدافعون عن قوانينهم. فقال ساندا ولد بوماما، المتحدث باسم جماعة أنصار الدين في تمبكتو أنه "يجب تطبيق الشريعة سواء شاء الناس أم أبوا، ونحن سنقوم بتطبيقها. فنحن لا نطلب رأي أحد، ولسنا ديمقراطيين. نحن عباد الله الذين يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية". هذا ويتم إجبار الفتيات على ارتداء جلابية، أو ملابس تغطي كامل الجسم. كذلك، أفاد مدير التربية والتعليم في تمبكتو، أبو بكري سيسي، في لقاء مع شبكة الأنباء الإنسانية أنه "في 7 مايو، أعادت جماعة أنصار الدين، وحليفها تنظيم القاعدة في المغرب العربي، فتح المدارس في تمبكتو وغاو، وهي بلدة تقع إلى الشرق، ولكن الطلاب بدأوا اتباع نظام [تعليم] جديد غير معروف لهم قبل احتلال المنطقة." وأضاف "إنهم لم يفرضوا نظاماً تعليمياً جديداً يفصل بين البنين والبنات في الفصول الدراسية فقط، بل أيضاً قسموا الطلاب إلى مجموعات - يدرس الأولاد في الصباح، والفتيات في فترة ما بعد الظهر".

متمردو الطوارق

من جهته، ذكر بيدي كونيه، وهو صحفي في البلدة، ، أنه وفي الفصول الدراسية في غاو، "يجلس الأولاد في الأمام والفتيات في الخلف، كما هو الحال في المساجد." وأفادت أماهانا توريه، وهي مدرسة في غاو، أنه لم يتبق سوى 21 تلميذاً يدرسون اللغة الفرنسية في الصفين الثامن والتاسع، من بينهم ثلاث فتيات، بينما في السابق كان هناك 69 تلميذاً، من بينهم 19 فتاة. وأضافت قائلةً: "يتم تفتيشنا كل يوم قبل الذهاب إلى الفصول خوفاً من أن نقوم بتدريس مواد محظورة بموجب أحكام الشريعة الخاصة بهم. إنهم يمنعوننا من تدريس مواد معينة مثل الفلسفة وعلم الأحياء والتربية المدنية بحجة أنها تشجع على الكفر".

وقالت توريه "أنا أفهم محنة الآباء الذين فروا مع أطفالهم، ولكن كمدرسين، من واجبنا تعليم أولئك الذين ما زالوا في المدرسة حتى ولو كانت الظروف صعبة، وخصوصاً بسبب الشريعة الإسلامية التي فرضها أنصار الدين". وفي الأسابيع التي تلت الانقلاب العسكري، اكتسب متمردو الحركة الوطنية لتحرير أزواد المدججون بالسلاح والإسلاميون سيطرة لم يسبق لها مثيل على شمال مالي. وأعلنت الحركة الوطنية لتحرير أزواد استقلال المنطقة بعد ذلك بوقت قصير، ولكن تم رفض هذه الخطوة من قبل حلفائها الإسلاميين، فضلاً عن المجتمع الدولي، وتسبب ذلك في انقسامات بين الجماعات المسلحة في المنطقة.

وتحاول اللجنة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ايكواس) حل الأزمة، التي زادت أيضاً من معاناة الملايين من مواطني مالي المتضررين من الجفاف الشديد في منطقة الساحل. وتشير تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى أن أكثر من 3.5 مليون شخص يعانون من الجوع في مالي. وفي مواجهة تلك المنح، اضطرت وزارة التربية في مالي لتأجيل الامتحانات الوطنية المقرر إجراؤها في يونيو على مستوى المدارس الابتدائية والثانوية لمدة شهر. وأفاد ماهامانا بيبي، وهو مستشار في وزارة التربية أنه "تم إعداد دورات استثنائية وفصول تعويضية للطلاب النازحين من الشمال،" مضيفاً أن "هذا لمساعدتهم على التغلب على التوتر وعدم التخلف عن زملائهم".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/تموز/2012 - 25/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م