شبكة النبأ: لمدينة كربلاء المقدسة
خصوصيتها المعروفة، ونكهتها الدينية وقداستها التي ورثتها عن أطهر
الدماء وأزكاها، تلك هي دماء الثائر العظيم الامام الحسين بن علي (عليه
السلام) وذويه واصحابه الاطهار، ولهذا نلاحظ تدفق عشرات الملايين من
الزوار الكرام عليها سنويا، في مناسبات وزيارات دينية ثابتة، تعود في
ذكراها مرة كل سنة فتستقدم هؤلاء الزائرين من عموم العراق وجميع اصقاع
الارض، تبركا بالدم الطهور، وتشبثا بمبادئ الحق والخير التي تعمَّد بها
النهج الحسيني المبارك، ليبقى فنارا للعالم أجمع.
ما يحدث في هذه المدينة المقدسة من ترتيبات أمنية بسبب كثرة
الزائرين، وأهمية اتخاذ ما يلزم لحمايتهم، يفوق التصوّر احيانا، وفي
كثير من الاحيان يتحول الطوق الامني المضروب حول المدينة الى ما يشبه
الجدار الفاصل بين الناس والمدينة، لدرجة أن الهدف الامني ينعكس على
الجميع ويجعلهم في حالة متواصلة من المعاناة، بسبب القطوعات الكثيرة
لمعظم الطرق الرئيسة والفرعية، وكثرة سيطرات التفتيش، وكثرة انتشار
افراد الاجهزة الامنية بمظهرهم العسكري، ولا ننسى أن هناك بعض الاساليب
تؤدي الى تذمر الزائرين، فالزائر الذي يقطع مئات الكيلومترات مشيا على
الاقدام من مدينة في جنوب او وسط او شمال العراق، يحتاج الى خدمات خاصة
ورعاية خاصة ايضا، وهناك مئات الآلاف من كبار السن نساء ورجالا،
لايمكنهم تحمل عبء المسافات الطويلة بسبب الحواجز والاطواق الامنية
الكثيرة، لدرجة أن بعض الزوار يتذمرون ويطلقون كلمات واضحة تأتي بالضد
مما يبذله الجهات الامنية، والسبب هو عدم مراعاة الناس عموما بخصوص طول
المسافات، وكبار الاعمار خصوصا.
إن الهدف من السيطرات وكثرة الاطواق الامنية لاشك يأتي من اجل حماية
الناس والزائرين، هذا الامر لا يختلف عليه احد، ولكن احيانا تأتي كثرة
الحذر بنتائج مضادة، وتذكرنا بالمثل القائل (كل شيء يزيد عن حده ينقلب
ضده)، وهكذا تنقلب الاجراءات الامنية المشددة من كونها عنصر حماية الى
نقمة على الجميع، لذا المطلوب التعامل مع كربلاء المقدسة بطريقة خاصة،
وحمايتها باسلوب معاصر لا يعتمد كثرة اعداد العناصر الامنية والسيارات
والاليات وما شابه، ولا كثرة القطوعات والحواجز والسيطرات، وانما هناك
اسلوب امني معاصر، يعتمد الحمايات الحديثة التي تأخذ طبعا تكنولوجيا
الكترونيا، من خلال نشر الكامرات واقامة الطوق الامني البعيد عن مركز
المدينة او احيائها التي تقع في الاطراف.
ولابد أن يفهم عناصر الامن عموما الاسلوب المتحضّر للتعامل مع
الزوار وجميع الناس، وأن يتم ادخالهم في دورات مهنية انسانية بهذا
الشأن، ولا يصح اطلاقا التفوّه بكلمات لا تتناسب مع كرامة الزائر
والانسان عموما، ومع ذلك لا يتوقف الامر عند اسلوب التعامل مع الآخرين
من لدن عناصر الامن، بل يتركز على صنع المعاناة لهم بلا مبرر، أو
امكانية معالجة القضايا المتعلقة بالحماية بطرق اكثر تحضرا، حتى لا
تعود بأضرارها الجسدية والنفسية على الزائرين.
وهناك خلل آخر واضح يتعلق بقضية نقل الزوار (كبار السن خصوصا)، من
اطراف المدينة الى حيث المرقدين الشريفين، للامام الحسين واخيه العباس
(عليهما السلام)، حيث يتم استخدام العربات الخشبية الصغيرة التي يتم
دفعها باليد من قبل مراهقين أو أطفال صغار لا يتناسب هذا الجهد مع
اعمارهم وابدانهم، ناهيك عن بطء العربة، وانتسابها الى وسائل متخلفة لا
تليق قط بالوجه الحضاري للمدينة المقدسة.
وهناك ظاهرة اخرى بدأت ترافق الزيارات بسبب الحواجز الامنية، وهي
اختفاء الاسواق لعدة ايام وغياب الخضراوات منها تماما، الامر الذي
يتسبب بغيابها عن البيوت والعوائل التي تعاني الامرين، اضافة الى قطع
ارزاق مئات العوائل، ومضاعفة الاسعار، لذلك لابد من ايجاد طريقة بديلة
لنقل الخضراوات بأية طريقة لعموم احياء المدينة واسواقها، وعدم وضع
الامن وحفظه كحجة لمعاناة الناس.
وثمة ضعف آخر، يتعلق بالخدمات المقدمة للزائرين، مع الجهد الكبير
الذي يقدمه اهالي كربلاء والمواكب الحسينية الطوعية التي تنتشر في عموم
المدينة والطرق المؤدية اليها، ناهيك عن الجهود الاخرى في هذا المجال،
ولكن حديثنا ينصبّ هنا على العوائق الكثيرة التي يتسبب بها الامن ( غير
المعاصر)، ونعني به الامن القائم على وسائل حماية واساليب لم تعد
تتناسب مع العصر، فالامن لا يتحقق الآن بكثرة اعداد العناصر الامنية،
ولا بكثرة السيطرات والقطوعات، وانما ينبغي استخدام الامن المعاصر
(التكنولوجي الالكتروني)، الذي يتناسب مع طبيعة مدينتنا المقدسة أولا،
ويسهل الامور التي تتعلق بالزيارة لجميع الزائرين، وهذه هي مهمة
الحكومات المركزية والمحلية والمعنيين من الاهالي والجهات الرسمية
والمدنية المعنية. |