الإيغور... شعب يبحث عن خلاص

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تعاني الصين اليوم من تدهور كبير جدا في مجال حقوق الإنسان وذلك من خلال التراجع الواضح في ايديولوجية النظام الشيوعي خاصة في الاونة الاخيرة، فكما يبدو أنها تسير على خطى صربيا في إبادة المسلمين، فما يحدث حاليا من أعمال عنف في إقليم شينجيانغ أشبه بحملة تطهير عرقي جديدة ضد المسلمين، حيث يتعرض سكان الإيجور المسلمين في منطقة شينجيانج (جمهورية تركستان الشرقية) غرب الصين للقمع والتعذيب ومحاولة لطمس الهوية تحت غطاء ما يعرف بـ"الحرب على الإرهاب"، إذ ان الصين تشن حملة أمنية لا هوادة فيها لضمان بسط نفوذها الكامل وتأمين استغلال الغاز والنفط في تلك المنطقة الغنية بالموارد الطبيعي، وشينجيانغ منطقة تقطنها اكثرية اويغورية مسلمة وتشهد اعمال عنف متقطعة بين هذه الاقلية وبين اتنية هان الصينية التي تشكل اكثرية في البلاد، ويشكو الايغور من انتهاك حقوقهم اللغوية والثقافية واستغلال الهان التطور الاقتصادي لمنطقتهم، ويشكل اليوغور ما يزيد قليلا عن 40 بالمئة من سكان المنطقة وعددهم 21 مليون نسمة. لكنهم غالبية في كاشغار ومناطق اخرى في جنوب شينجيانغ وكثيرون منهم غاضبون من القيود الحكومية على ثقافتهم وديانتهم، ويناهض عدد كبير من اليوغور وهم مسلمون يتحدثون التركية الحكم الصيني والهيمنة على شؤون دينهم وثقافتهم ولغتهم وتشهد منطقتهم اضطرابات متفرقة تتسم بالقمع المتواصل والعنف الشديد.

حملة الصين ضد اليوغور

فقد قالت منظمة العفو الدولية إن الصين اعتقلت وارهبت العشرات من اليوغور في اقليم شينجيانغ بغرب البلاد لفضحهم انتهاكات لحقوق الانسان اعقبت اعمال شغب في المنطقة قبل ثلاث سنوات، وهزت اعمال عنف مدينة اورومتشي عاصمة الاقليم بين طائفة الهان الصينية التي تشكل غالبية السكان وأقلية اليوغور مما اسفر عن مقتل حوالي 200 شخص. ويشعر كثير من اليوغور -وهم مسلمون يتحدثون اللغة التركية ويصفون شينجيانغ بانه وطن لهم- بالاستياء من الحكم الصيني، وبحسب وسائل اعلام رسمية وجماعات حقوقية في الخارج فإن الصين اعدمت تسعة اشخاص اتهمتهم بالتحريض على اعمال الشغب واعتقلت وحاكمت مئات وزادت الانفاق على الاجراءات الامنية، وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير صدر إن لديها ادلة جديدة على ان بكين تواصل "ترهيب" عائلات تسعى للحصول على معلومات عن اقارب مفقودين كشفوا النقاب عن انتهاكات لحقوق الانسان اثناء وعقب الاحتجاجات التي وقعت في يوليو تموز 2009، وقالت كاثرين بابر مديرة قسم اسيا والمحيط الهادي بالعفو الدولية "الاتجاه العام حيال القمع الذي نراه في جميع انحاء الصين واضح بشكل خاص" في شينجيانغ، واضافت قائلة "يجب على السلطات الصينية أن تكشف عن مكان وجود هؤلاء الذين يتعرضون للاختفاء القسري وان تنهي اضطهاد اقاربهم الذين يسعون للحصول عن معلومات عن مصيرهم، وقالت المنظمة التي مقرها لندن إن العشرات من اسر اليوغور قدموا علنا حكايات عن اقارب لهم اختفوا منذ يوليو 2009 رغم ان جميعهم يخشون ان يتعرضوا للعقاب، واستشهدت المنظمة بما قالته باتيجول ايلي -وهي ام لأحد اليوغور الذين اختفوا بعد اعمال الشغب- انها تجمعت مع 30 على الاقل من اقارب اليوغور أمام مبان للشرطة والحكومة في اورومتشي في مسعى للحصول على معلومات من السلطات عن اقاربهم المفقودين. بحسب رويترز. 

ولاقليم شينجيانغ اهمية استراتيجية للصين التي لم تظهر اي علامة على فقدان السيطرة عليه، وتوجد في الاقليم -الذي يمثل سدس مساحة الصين- احتياطيات من النفط والغاز والفحم، ويتاخم الاقليم افغانستان وباكستان والهند ومنطقة اسيا الوسطى، وقال مؤتمر اليوغور العالمي ومقره المانيا انه سينظم احتجاجات مع جماعات اخرى مدافعة عن حقوق اليوغور أمام بعثات خارجية للصين في 14 دولة، ومنذ الاضطرابات حولت الصين اهتمامها الي تعزيز التنمية في شينجيانغ وإتاحة فرص أكبر للتوظيف -خصوصا لليوغور- لمحاولة معالجة بعض الاسباب الاساسية للعنف، لكن الحكومة قامت ايضا بوضع حوالي 40 ألف كاميرا للمراقبة في اورومتشي.

أحداث شغب في شينجيانغ

فيما قالت السلطات الصينية ان مهاجمين مسلحين بسكاكين قتلوا 13 شخصا في اقليم شينجيانغ قبل ان تقتل الشرطة بالرصاص سبعة منهم في أحدث أعمال عنف تضرب المنطقة التي تسودها انقسامات عرقية في شمال غرب البلاد، وقالت حكومة شينجيانغ ان أعمال القتل وقعت في شارع مزدحم للمشاة في مقاطعة يتشنغ قرب كاشغار وهي مدينة في جنوب شينجيانغ تمزقها التوترات بين اليوغور المسلمين والصينيين الهان، وقالت الحكومة في بيان نشر على موقعها الرسمي على الانترنت www.tianshannet.com "ظهر تسعة ارهابيين فجأة بين الحشد وقتلوا اشخاصا ابرياء طعنا بالسكاكين مما نتج عنه وفاة 13 من الابرياء واصابة كثيرين اخرين بجروح، وأضاف البيان "هرعت الشرطة الى مكان الحادث. وتعاملت مع الموقف بحسم وقتلت سبعة من الارهابيين واعتقلت اثنين، ولم تحدد حكومة الاقليم هوية أي من المهاجمين أو تذكر شيئا عن الطوائف التي ينتمون اليها. كما لم تذكر شيئا عن الطوائف التي ينتمي اليها الضحايا، ومقاطعة يتشنغ قريبة ايضا من منطقة كشمير المتنازع عليها التي تسيطر الهند على جزء منها وتسيطر باكستان على جزء اخر، بحسب رويترز. 

وألقت الحكومة الصينية بالمسؤولية في اعمال العنف التي وقعت في السابق على متشددين دينيين يريدون اقامة دولة مستقلة تحت اسم تركستان الشرقية. وأنحى بعض المسؤولين الصينيين ايضا باللائمة في الهجمات على متشددين مسلمين تدربوا في باكستان، لكن جماعات لليوغور في المنفى وناشطين حقوقيين يقولون ان الصين تهول التهديد الذي يشكله المتشددون الاسلاميون في شينجيانغ وهي منطقة غنية بموارد طبيعية مثل النفط والغاز والفحم.

احتجاجات اليوغور

في سياق متصل أحرق ناشطون من أقلية اليوغور المسلمة بالصين العلم الصيني في انقرة بينما بدأ نائب الرئيس الصيني تشي جينبينغ محادثات مع المسؤولين الاتراك بشأن قضايا اقليمية، واحتج نحو 60 من اليوغور من اقليم شينجيانغ بشمال غرب الصين خارج الفندق الذي يقيم فيه تشي بالعاصمة التركية اخر محطة في جولة قادته ايضا الى الولايات المتحدة وايرلندا، واشاد تشي الذي بات في حكم المؤكد تقريبا ان يخلف الرئيس الصيني هو جينتاو خلال ما يزيد قليلا على العام بدور تركيا المتنامي في محاولة حل قضايا مثل النزاع النووي الايراني وصراعات الشرق الاوسط، ولقي تشي استقبالا حافلا في الولايات المتحدة من جانب مسؤولين حريصين على زيادة الواردات الصينية من بلادهم لكن استقبله اليوغور بالمظاهرات في تركيا، واحرق المحتجون الذين كانوا يلوحون بأعلام تركستان الشرقية علما صينيا وصورة لتشي قبل ان تتدخل الشرطة لتفريقهم، وتتهم الجماعات الحقوقية الصين بارتكاب انتهاكات خلال حملة اعقبت اعمال شغب قام بها اليوغور في 2009 ووصف رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الاحداث وقتها بأنها "ابادة جماعية". ويوجد بتركيا الاف اليوغور الذين فروا من شينجيانغ منذ سيطر الشيوعيون الصينيون على الاقليم عام 1949، وقال تشي ان الصين قطعت اشواطا بعيدة في رفع مستوى المعيشة لجميع المجموعات العرقية في شينجيانغ. بحسب رويترز. 

وتقع تركيا والصين عند نهايتي محور سياسي واقتصادي يمتد بطول طريق الحرير القديم عبر اسيا الوسطى وايران وافغانستان. ولكليهما مصالح اقتصادية قوية واحيانا تنافسية في المنطقة، والتقى تشي بالرئيس عبد الله جول ووقع سبع اتفاقيات تعاون اقتصادي، وتوجه لاحقا الى اسطنبول للقاء اردوغان الذي يتعافى من جراحة في منزله هناك. ويحضر تشي منتدى للاعمال في اسطنبول حيث من المرجح ان يتعرض لهجوم من مصدرين حريصين على تقليص الفجوة الكبيرة في الميزان التجاري بين البلدين، وتحتل تركيا المرتبة الخامسة عشرة بين اكبر المصدرين للصين بسلع بلغت قيمتها 2.5 مليار دولار العام الماضي فيما يمثل زيادة نسبتها 8.7 في المئة. لكن تركيا استوردت سلعا صينية بقيمة 21.6 مليار دولار في 2011 بزيادة نسبتها 26 في المئة عن 2010.

هدم مسجد

من جهة أخرى قالت وسائل اعلام في هونج كونج وسكان ان مئات المسلمين في قرية بشمال غرب الصين اشتبكوا مع الشرطة بينما كانوا يحاولون منع هدم مسجدهم مما أسفر عن سقوط قتلى، وقالت صحيفة (ساوث تشاينا مورنينج بوست) ان الاشتباك اندلع بين الشرطة وأفراد من عرق الهوي ذي الاغلبية المسلمة في منطقة نينغشيا المجاورة لاقليم منغوليا الداخلي بعدما قالت السلطات ان مسجدهم غير قانوني، وأضافت الصحيفة أن المئات من سكان قرية تاوشان واجهوا الشرطة المسلحة بالغاز المسيل للدموع والهراوات والمدي، وقال ساكن في تاوشان انه لم يكن موجودا في وقت الاشتباك لكن أقاربه في البلدة يعتقدون أن خمسة أشخاص قتلوا، وأضاف الساكن جين هاي تاو ان القرويين يعتقدون أن من بين القتلى امرأتين مسنتين وشابا وشخصين من مناطق قريبة، وشكا سكان مناطق مجاورة من قطع اتصالات الهواتف مع تاوشان مما يجعل من المستحيل التأكد مما حدث. بحسب رويترز.  

وقال جين "كانوا يحاولون اقامة نشاط ديني فحسب لكن السلطات لم تسمح به. هدموا المسجد والان غطوا الارض لان الكثير من الدماء على الارض، وقال رجل رد على الهاتف في مركز الشرطة في بلدة هيشي المجاورة ان حادثا وقع مع محتجين من عرق الهوي لكنه لم يقدم تفاصيل. ولم يرد أحد على اتصالات هاتفية بمكتب الامن العام في منطقة تونغشين المجاورة، وقال صاحب متجر صغير في بلدة تونغشين التي تقع على بعد ثلاثة كيلومترات عن موقع المسجد ان القرية أغلقت، وأضاف "انه أمر سخيف. أنا مسلم والمسلمون بحاجة الى مسجد. انهم أناس عاديون يجتمعون لاغراض دينية وليس للاطاحة بحكم الحزب الشيوعي.

حملة ضد الحجاب واطلاق اللحى

على الصعيد نفسه قالت تقارير إعلامية أن مدينة في أقصى غرب الصين حيث يعيش عدد كبير من المسلمين بدأت حملة ضد الحجاب واطالة اللحى في مسعى لتخفيف الوعي الديني، ونشرت المذكرة التي أصدرتها الحكومة في مدينة ينينغ في العديد من المواقع الاخبارية كما نشرها تلفزيون فينكس ومقره هونج كونج وان سحب التقرير من الموقع الالكتروني لحكومة ينينغ، وجاء في المذكرة ان السلطات في حي دانمايلي من ينينغ قررت "تصعيد أنشطة الحزب لتخفيف الوعي الديني والدعوة الى اسلوب حياة صحية متحضرة، وقالت ان احد اهداف الحملة هو القضاء على "الظاهرة غير الطبيعية" لارتداء الاقلية المسلمة الحجاب او النقاب وارتداء الشبان الجلباب واطالة اللحى، وسيطلب من النساء اللاتي "تغيرن" التحدث عن تجربتهن وأيضا النساء اللاتي بدأن عملا ناجحا، ورفض المسؤولون في حكومة ينينغ التعليق. بحسب رويترز. 

متشددون باكستانيون

في حين أعلن فصيل من حركة طالبان الباكستانية مسؤوليته عن مقتل امرأة صينية قائلا ان قتلها جاء ردا على قتل الصين لمسلمين في اقليم شينجيانغ الشمالي الغربي المضطرب، ومن شأن اعلان هذا الفصيل مسؤوليته ان يزعج كلا من الحكومة الباكستانية والصين وهي حليف مقرب لباكستان ولديها استثمارات كبيرة هناك، وقتلت المرأة الصينية بالرصاص في سوق بمدينة بيشاور الشمالية الغربية وقتل معها رجل باكستاني. وقالت الشرطة حينها انها لا تعرف الدافع وراء القتل، وقال محمد افريدي وهو متحدث باسم فصيل ينتمي لجماعة طالبان الباكستانية في ديرا ادام خيل عبر الهاتف من مكان لم يعلن عنه رفاقنا شنوا الهجوم في بيشاور الذي ادى الى مقتل السائحة الصينية، "هذا انتقام لقتل الحكومة الصينية لاخواننا المسلمين في اقليم شينجيانغ الصيني. بحسب رويترز.

وقال مسؤولون باكستانيون وصينيون ان المتشددين الاسلاميين في غرب الصين لهم علاقات بطالبان الباكستانية وغيرها من الجماعات المتشددة في الاقاليم الشمالية الغربية لباكستان على طول الحدود مع افغانستان، وتتهم الصين حركة تركستان الشرقية الاسلامية بشن هجمات في الصين وتقول انها دمرت معسكرات تدريب لرجال يسعون لاستقلال اقليم شينجيانغ الذي تقطنه اغلبية مسلمة عن الصين.

التحريض على الانفصال

من جانب أخر حكم على تسعة من الاويغور بعقوبات سجن في منطقة شينجيانغ (شمال غرب) ذات الغالبية المسلمة بتهمة التحريض على الانفصال او الاخلال بالنظام العام، حسبما افادت المحكمة ومنظمة المنفيين الاويغور في المانيا، وبحسب مؤتمر الاويغور العالمي، حكم على الرجال التسعة الذين ينتمون الى هذه الاقلية الناطقة بالتركية، بعقوبات سجن تتراوح بين سبع وعشر سنوات بتهم مختلفة تشمل "الفكر الديني المتطرف" و "التجمع الديني غير القانوني"، واعتبر ديلتشات ريشيت المتحدث باسم مؤتمر الاويغور العالمي في بيان له ان "النطق بالأحكام تم دون ادنى احترام للاجراءات القانونية، كما ان هذه الأحكام هي نتيجة مطالب سياسية صينية"، وقال ان "الصين تلجأ الى أحكام قاسية لاضطهاد وحرمان المتهمين نهائيا من حقوقهم في الدفاع عن أنفسهم والاستئناف". بحسب فرانس برس.

واكد مسؤول في محكمة كاشغر لفرانس برس الأحكام التي تعود الى تاريخ 31 ايار/مايو، لكنه رفض الادلاء بمزيد من التفاصيل، وتم تعزيز الامن منذ اندلاع اعمال عنف في شينجيانغ بين الاويغور واتنية الهان في تموز/يوليو 2009 في عاصمة المنطقة اورومشي وخلفت حوالى 200 قتيل واكثر من 1600 جريح، وقتل 13 شخصا في شباط/ فبراير الماضي بالسكاكين، فيما قتلت الشرطة سبعة "ارهابيين" خلال اندلاع اعمال عنف في منطقة كارجيلينغ (يشنغ بالصينية) في جنوب شينجيانغ.

خطف طائرة في الصين

الى ذلك حاول ستة اشخاص من اقلية الايغور خطف طائرة اثناء رحلة بين مدينتين في اقليم شينجيانغ في شمال غرب الصين، كما اعلن متحدث باسم الحكومة المحلية، وتمكن افراد الطاقم وركاب من السيطرة على الخاطفين، بحسب الموقع الرسمي لحكومة شينجيانغ، وبدأت محاولة الخطف بعد عشر دقائق على اقلاع الطائرة التابعة لشركة تيانجين ايرلاينز من مطار هوتان الذي عادت اليه بعد ان كانت متجهة الى اورومتشي، بحسب الموقع، وصرحت المتحدثة باسم حكومة شينجيانغ هو هانمين ان "الخاطفين الستة من الايغور"، وتابعت "في الوقت الحالي لا نعلم دافع عمليتهم التي فتح تحقيق بشأنها"، وتابعت انه في اثناء عملية الخطف "اصيب 7 او 8 اشخاص بجروح من بينهم عناصر الطاقم وركاب"، واعلنت وكالة انباء الصين الجديدة عن توقيف الخاطفين. بحسب فرانس برس.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/تموز/2012 - 23/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م