جنوب السودان... وفارة نفط لا تحد من تفاقم الفقر!

شبكة النبأ: برغم من استقلالها المعلن عن الوطن الام لاتزال جنوب السودان تعاني الكثير من المشاكل والازمات ولايزال الفقر هو السمة الاساسية لهذه الدولة الفتية التي تمتلك حوالي ثلاثة ارباع النفط الخام السوداني والتي كانت احد اهم الاسباب الرئيسة في تجدد الخلاف بين الشمال والجنوب الامر الذي اسهم بتعطيل تصدير النفط وتسبب بحدوث خسائر كبيرة ربما كانت ستسهم ببناء هذه الدولة، وبرغم من كل تلك المشاكل والعقبات فقد احتفل جنوب السودان الذي يحيي ذكرى مرور عام على اعلان الدولة بحريته السياسية التي اقتنصها بصعوبة لكن قد يتساءل كثيرون متى يستمتعون بالفوائد المادية التي وعدت بها حكومة المتمردين السابقين الشعب. قام عمال النظافة بكنس شوارع العاصمة جوبا المتربة بينما كان الباعة الجائلون يبيعون العلم الوطني بألوانه الاحمر والاخضر والاسود وقام موظفو الحكومة بتعليق الاعلام على أعمدة الانارة للتحضير لمراسم الاحتفالات بعيد الاستقلال.

وكتب على لوحة اعلانات طولها 20 قدما بالقرب من المطار تحمل صورة الرئيس سلفا كير وهو يخطو الى جوار نائبه ريك مشار "معا نسير في أرض الحرية". وانفصل جنوب السودان عن السودان بعد حرب أهلية قتل فيها نحو مليوني شخص على مدى عقدين ليصبح أحدث دولة في العالم. لكن البهجة العارمة التي سادت العاصمة في العام الماضي تراجعت. وتكافح الحكومة لبناء المؤسسات ولبسط سيطرتها على اراضي الدولة الشاسعة التي تنتشر فيها الاسلحة النارية.

وترتفع الاسعار خاصة منذ ان أوقفت البلاد انتاج النفط في نزاع مع الخرطوم منذ يناير كانون الثاني الماضي مما خصم 98 في المئة من ايرادات الدولة ومصدرها الرئيسي للعملة الصعبة. وإضطر كثيرون من مواطني جنوب السودان الى ربط الاحزمة بينما زاد انتشار الفساد الرسمي دون رادع. وقالت موظفة حكومية وهي تجلس في سيارتها اثناء اختناق مروري وهي تلعن السيارات الفارهة المتوقفة في الشوارع الممهدة حديثا "الان نكافح من اجل الحصول على الاحتياجات الاساسية". وأضافت "منحنا الحكومة قدرا كبيرا من المسؤولية وسمحنا لها باتخاذ قرارات نيابة عنا لكن اعضاءها لا يجرون أي مشاورات. أغلقوا النفط دون ان يبلغونا بأي شيء بل انهم لم يكن لديهم خطة بديلة."

وصوت سكان جنوب السودان بأغلبية كاسحة لصالح الانفصال في استفتاء اجرى في العام الماضي بموجب اتفاق سلام أبرم عام 2005 أنهى الحرب الاهلية التي دارت حول العقيدة والدين والعرق والنفط. ووسط احتفالات كبيرة وتلويح بالاعلام سيطرت الحركة الشعبية لتحرير السودان على البلاد في التاسع من يوليو تموز 2011 .

كما أخذ جنوب السودان نحو ثلاثة ارباع انتاج النفط السوداني مما جلب مليارات الدولارات التي كان يأمل كثير من المواطنين تكريسها لتطوير البلاد التي تبلغ نسبة الذين يلمون بالقراءة والكتابة فيها ربع عدد السكان بينما يقل فيها متوسط الاعمار المتوقع عن 50 عاما. وبدلا من ذلك يحاول المسؤولون الان ايجاد أموال بديلة من اجل استمرار توفير الاحتياجات الاساسية.

وقال رجل الاعمال تونج البينو اكوت ان اهتمام الحكومة الجديد بجمع الضرائب هو خطوة ايجابية لكن نشاطه في الزراعة والاستيراد بدأ يشعر بالاثار. وقال اكوت "حاولت الحكومة شرح عدم وجود الاموال. بل انهم يتشددون في ضريبة الدخل. انهم مثل اسد جريح يفتح فمه. يمكن للمرء ان يشعر بذلك." واضاف "لا توجد دولارات. لا يوجد نفط ولذلك فان الحكومة لا تسدد للمقاولين المبالغ المستحقة لهم في الموعد وأحيانا لا تسدد على الاطلاق."

كما ان الاستقلال فشل في إنهاء العنف داخل البلاد وعلى الحدود مع السودان. واحتل جيش جنوب السودان في ابريل نيسان منطقة منتجة للنفط يزعم السودان ايضا السيادة عليها مما دفع البلدين الى شفا حرب اهلية. وقبل بضعة اشهر فشلت القوات المسلحة في منع هجمات على الماشية بين الجماعات العرقية المتناحرة والتي أدت الى مقتل مئات الاشخاص. وتقول منظمات حقوق الانسان ان ضعف سيادة القانون يسمح لقوات الامن بانتهاك حقوق المدنيين بقدر من الحصانة.

لكن هذه التحديات لم تبدد تفاؤل الجميع. فقد جلس الطالب بيتر اتشويل على مقعد من البلاستيك يحتسي كوبا من الحليب في استرخاء في مبنى لم يكتمل بعد قرب مطار جوبا وقد لاحت في الافق من خلفه أعمدة الاسمنت المسلح وأخذ يعدد محاسن الاستقلال. "وقال انتظرنا حتى تتفتح زهرة الاستقلال. الاختلاف الذي تشعر به في جنوب السودان هو ان الحكومة لا تستطيع ان تضايقك (الان)." بحسب رويترز.

وما هي الا لحظات وجاءت الشرطة وقد حمل افرادها بنادق كلاشنيكوف وداهموا المقهى وصادروا النرجيلة ومستلزماتها وحملوا المقاعد في شاحنة. وقف اتشويل مع صديقه مذهولين. ورفض الضابط الرد على سؤال عما اذا كانت المداهمة جزءا من حملة لتنظيف جوبا قبل احتفالات الاستقلال ورد بفظاظة قائلا "هذا ليس من شأنك."

محاربة الفقر والفساد

من جانب اخر عمل رئيس جنوب السودان سلفا كير الذي كان قائدا للمتمردين في واحدة من أطول الحروب الأهلية في افريقيا على محاربة العدوين اللدودين للتنمية في دولته الوليدة وهما الفقر والفساد في عامه الأول في رئاسة أحدث دولة تنضم للأسرة الدولية. كما يواجه القائد المتمرد السابق المولع بارتداء قبعات رعاة البقر خصومة مع السودان الذي انفصلت بلاده عنه في العام الماضي . وقال كير امام برلمان جنوب السودان مقترحا تحكيما دوليا للنزاع الحدودي "الأسوار الجيدة تصنع جيرانا طيبين." وأصر على أن بلاده التي لا تطل على أي سواحل لن تسمح بعد الآن بأن يهيمن عليها الشمال. وقال "أعترض على قول إن أفضل الطرق لبلوغ السلام مع السودان هو الاعتماد على السودان. لا يمكن لأي أمة أن تنعم بالرخاء من خلال ترك زمام اقتصادها لأمة أخرى."

واتهمت الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة في جنوب السودان الخرطوم بسرقة نفط الجنوب الذي يتدفق عبر خطوط الأنابيب الشمالية وأوقف إنتاج الجنوب. لكن كير الكاثوليكي المعروف بشخصيته غير التصادمية يعلم أن العلاقة الطيبة مع السودان هي أفضل ضمان لتمكين بلاده من تحقيق مستقبل آمن ينعم بالرخاء والاكتفاء الذاتي لسكان البلاد البالغ عددهم 8.26 مليون نسمة كما أن الدول الغربية المانحة لا تمل من تذكيره بذلك.

وقال في كلمة ألقاها في البرلمان "حان وقت السلام. لن نقبل بأي شئ أقل من سلام دائم بين بلدينا." وفي حين يتفاخر أعضاء آخرون في نخبة الجنوب بالحصول على شهادات أكاديمية من الغرب تمكن كير من رفع أسهمه عبر ساحة المعركة. فقد انضم إلى أولى موجات تمرد الجنوب (1955-1972) في سن 17 عاما وأصبح لاحقا ضابطا برتبة رائد في جهاز المخابرات السوداني.

ودائما ما يقوم بتذكير وزرائه وشعب جنوب السودان بتحديات التنمية الهائلة أمام دولتهم الوليدة التي لا تتمتع سوى بنحو مئة كيلومتر من الطرق الممهدة كما أن مستويات الصحة والتعليم بها من أدنى المستويات في العالم. وهو يقول "إن بناء أمة سيأخذ منا عمرنا" مضيفا أن جنوب السودان يجب أيضا أن يدفن الخصومات القبلية التي ما زالت تتحول إلى عنف وإراقة دماء كان أحدثها قبل أشهر قليلة.

كما أظهر كير إدراكا لخطر الفساد وعدم تكافؤ الفرص حيث التناقض صارخ بين المنازل الفاخرة وسيارات الدفع الرباعي التي تمتلكها أقلية ثرية والمنازل الطينية والكفاح اليومي لكسب القوت وهو حال أغلب سكان الجنوب. وفي خطاب أرسله في مايو ايار إلى 75 مسؤولا حاليا وسابقا قال كير إن أربعة مليارات دولار "سرقت" من خزائن الدولة وحث المستولين عليها على إعادتها. وكتب يقول "حاربنا من أجل الحرية والعدالة والمساواة." وأضاف "الكثيرون في جنوب السودان يعانون لكن بعض مسؤولي الحكومة لا يهتمون سوى بأنفسهم. مصداقية حكومتنا على المحك." وعلى الرغم من تحذيرات خبراء من أن وقف إنتاج النفط يمكن أن يسبب انهيارا اقتصاديا يطلب كير من أبناء شعبه التقشف والحد من توقعاتهم في الوقت الذي تطبق فيه حكومة الحركة الشعبية لتحرير السودان إجراءات التقشف.

ويعتمد جنوب السودان على القروض الخارجية والمساعدات الاجنبية من دول صديقة للمضي قدما إلى حين بناء خطوط أنابيب بديلة مزمعة خلال عامين أو ثلاثة لنقل النفط السوداني الخام إلى كينيا او اثيوبيا بدلا من أن يكون ذلك عبر السودان. لكن الرئيس يقول إنه يريد أن يجعل شعبه يستغني عن الإعانات الخارجية التي حالت دون تضور الملايين من سكان جنوب السودان جوعا خلال عقود الحرب الأهلية. وهو يقول "من الأجدر لنا ألا ندمن ما يقدم بالمجان... تعلم الناس كيف يجري إطعامهم لا كيف يطعمون أنفسهم."

كان كير من مؤسسي الحركة الشعبية لتحرير السودان وتولى قيادتها بعد مقتل جون قرنق عام 2005 في حادث طائرة هليكوبتر. وقال كير إنه لا يريد العودة إلى الحرب مع السودان. ومن الواضح أن الصراع الذي امتد سنوات طويلة بين الشمال والجنوب خلف ندوبا عميقة. وقال كير لحظة الاستقلال في التاسع من يوليو تموز العام الماضي "تحملنا القصف والعاهات المستديمة والاستعباد وعوملنا أسوأ من اللاجئين في بلدنا لكن علينا أن نسامح وإن كنا لن ننسى." بحسب رويترز.

ولقي الآلاف حتفهم داخل جنوب السودان في السنوات القليلة الماضية في اشتباكات قبلية. ويقول الجنوب إن ميليشيات مدعومة من الشمال هي التي أثارت العنف في حين تنفي الخرطوم هذا. وينتمي كير إلى قبيلة الدنكا أكبر قبائل جنوب السودان والتي تسيطر بصورة كبيرة على الجيش والحكومة مما يثير استياء القبائل الأصغر.

صراعا انتحاريا

في الشسياق ذاته قال برينستون ليمان المبعوث الأمريكي الخاص لجنوب وشمال السودان في الذكرى الأول لانفصال الجنوب إن البلدين يلعبان لعبة مميتة تهدد نجاحهما. وقال ليمان إن العلاقات المتأزمة بين السودان وجنوب السودان ستؤدي إلى إبطاء نمو مطلوب بشدة ما لم يتفاوض البلدان لتسوية قضية الحدود والنفط التي لا تزال بدون حل رغم مرور عام على الانفصال.

وقال ليمان "يعتقد كل طرف أن الآخر أكثر ضعفا.. لكن هذا الأسلوب خطير للغاية. إنه شكل من أشكال النهج الانتحاري الاقتصادي." وجاء تقييم ليمان القاتم بعد ضغط مارسته الولايات المتحدة على الطرفين لحل خلافاتهما التي تهدد بإلقاء ظلال على صورة جنوب السودان بصفته أحدث دولة مستقلة في قارة افريقيا. ووعدت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بمساعدة جنوب السودان اقتصاديا وعرضت على السودان الذي تدرج الولايات المتحدة اسمه ضمن الدول التي ترعى الارهاب وتخضع لحظر تجاري أمريكي منذ عام 1997 إقامة علاقات أفضل معه إذا هدأت النزاعات العالقة مع الجنوب. بحسب رويترز.

وقال "من التحديات الأكثر إلحاحا لجنوب السودان إتباع نهج عملي وصعب وشجاع لأزمته الاقتصادية الحالية.. وبدون عائدات النفط سيتم تأخير الكثير من مشروعات التنمية الموجودة في الكتب حاليا." وقال دهانوياك اوبونجو القائم بأعمال سفارة جنوب السودان في واشنطن إن بلاده تبحث عن بدائل لخط الأنابيب الذي يمر بالسودان وتخطط لبناء أنبوب عبر جيبوتي خلال الثلاثين شهرا المقبلة. وقال ليمان إن هذا الجدول الزمني "متفاءل بشكل مفرط."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/تموز/2012 - 23/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م