الوطن... مفهوم افتراضي!

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ما هو الوطن، مفهوم افتراضي.. ماهي تجلياته؟ الرقعة الجغرافية المحددة بمساحة معينة... للسياسة رأي اخر.

في العام 1997 غادرت العراق، وطني المجازي، وتركت دارتنا، وطني المادي.. بعد سنة واحدة التحق بي بقية الاهل في سوريا (ابواي واخي الاصغر).. ولان معظم العراقيين (بعثيون وان لم ينتموا) بدأت عمليات المزايدة الوطنية في كتابة التقارير.. (معارضة – سفر غير شرعي – ابن فار) تعددت الاسماء والمصيبة القادمة لها عنوان واحد.

نحن في العام 2000 والاخبار تعبر الحدود.. تمت مصادرة دارتنا، واكتملت دائرة الفقد، وطن افتراضي ووطن حقيقي... تفرقت بنا سبل الحياة، اخ وابوان في امريكا، الاخ الاصغر لم يحتمل كل عمليات الفقد المستمرة (ماتت اول طفلة له بعد الولادة) ليلحق بها بعد فترى قصيرة ويؤسس وطنا جديدا له تحت تراب مقبرة الغرباء في ريف دمشق بجوار السيدة زينب (ع).

واخ (وهو كاتب السطور) يعود الى العراق، ذلك الوطن الافتراضي والمجازي... يذهب الى مدينته حيث دارته المصادرة، ينظر اليها من قرب، لكنه لا يستطيع ان يدنو، او ان يطرق الباب، فهم ليسوا باهله، ولا يعرف منهم احدا.

في العام 2005 يعود والده من امريكا ويتقدم بدعوى لاسترداد الدار.. حجم الدعاوى لا يمكن البت فيه او حسمه بايام او شهور او سنوات قليلة.. يسقط دعواه من دائرة نزاعات الملكية،، ويبدأ بدعوى جديدة في محكمة اخرى.. ثلاث سنوات ويكسب الدعوى لصالحه.. لكن المسالة لم تنته حتى الان... الساكن في الدار، وعلى اعتبار انه كردي، لا يقبل بالمآلات الجديدة، ليستمر الوضع على ما هو عليه.

فقط حين وصله تبليغ من دائرة الشرطة بدأت مواقفه تلين، واصبح يتوسل المساومة، ويبحث عن مخرج... وكان هذا المخرج خمسة ملايين دينار عراقي، استلمها بعد ان اخرج اثاث بيته الى مكان اخر.

وهو قد اقترح اننا اذا بعنا دارتنا، حبذا لو اعطيناه مبلغا معينا لانه يشعر بالظلم الذي وقع عليه... وانا افتح الباب الخارجي لدارتنا تلك، والتي مضى على تركي لها خمسة عشر عاما، لم اتمالك نفسي من البكاء.. عمر كامل من الذكريات، والحيوات، والامال، والطموحات، انهالت علي وكأنها تذكرني بأزمان الفجيعة التي مر بها العراق طيلة عقود طويلة.

لقد اصبح لدي وطن، انا الذي تنقلت من مكان الى اخر للسكن فيه، عموديا وافقيا، وكنت اعتبر المنزل المستأجر، كعلاقة رجل متزوج بامرأة اخرى، علاقة غير شرعية، علاقة زنا لا يمكن البناء او التأسيس عليها.. فلا علاقات جيرة ولا علاقات صداقة، كل شيء لقيط، لا يعول عليه.

اصبح لدي وطن، وهو وطن يجنبني مستقبلا، علاقات القوة والاستلاب المتبادلة بين من يملك ومن لا يملك.

وهي ايضا علاقة قوة استباحت رفض الغاصب وجعلته يرضخ لمفاعيلها.

وهي ايضا وجه من وجوه النزاع العديدة التي لازالت مستمرة في العراق بين من ظلم ومن وقع عليه الظلم.

وهي ايضا ثقافة مجتمع يسير الى الانحطاط السريع، بقبوله لجميع عمليات الاستلاب والمصادرة اذا كانت لصالحه.. دون روادع اخلاقية او دينية او انسانية.

ماذا ايضا؟

اصبح لدي وطن في كركوك، وهي تلك المدينة العراقية التي توصف بانها مركز النزاع المستقبلي في العراق... كل زيارة لها هي بمثابة اكتشاف جديد، او اعادة اكتشاف.

الاكراد يتمددون في جسد المدينة واطرافها، عبر تجاوزات منظمة على الاراضي العامة.. فهي لاتشبه التجاوزات الحاصلة في بقية مدن العراق، بل وراءها خطة محكمة التخطيط والتنفيذ عبر انشاء تلك الدور بتخطيط هندسي منظم وليس عشوائي برعاية الحزبين. كل مواطن كردي متجاوز يحمل صكا بعدم التعرض له من قبل السلطات، والسلطات تلك موزعة بين مكونات المدينة (العرب – التركمان – الاكراد) لكن صوت المتجاوزين هو الاعلى مع خفوت اصوات المتجاورين.

على المستوى الاخر، هناك تخطيط لجعل المدينة تشابه مدن الشمال الاخرى (اربيل– السليمانية – دهوك) من حيث البناء والاعمار والخدمات، وهو ايضا تخطيط منظم يستشرف المستقبل، في حالة لو تم الاستفتاء الشعبي على هوية المدينة.

الزيادة العددية تحققت بفعل التجاوزات والاسكان الممنهج، واستمالة الاخرين المتجاورين (العرب– التركمان) عبر الخدمات مستمرة... لمن ستصوت؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12/تموز/2012 - 21/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م