شبكة النبأ: ليس هناك الكثير من
المؤشرات التي تدل على أن الدبلوماسية يمكن أن تنهي الصراع الآخذ في
التفاقم في سوريا مما يزيد الضغط على الزعماء الغربيين وأيضا حلفائهم
العرب والاتراك ليتجهوا أكثر نحو تأييد فكرة الإطاحة بالرئيس السوري
بشار الأسد بالقوة، وفي جنيف حاولت القوى العالمية أن تظهر وحدة الصف
من خلال الالتزام بدعم حكومة انتقالية. لكن دبلوماسيين بقيادة كوفي
عنان المبعوث الدولي لم يتمكنوا من سد الفجوة بين الغرب وروسيا التي
تدعمها الصين حول ما إذا كان ذلك يتطلب رحيل الرئيس السوري ام لا، وعلى
أي حال لم تظهر حكومة الأسد ولا معارضوه الكثيرون اهتماما كبيرا بمثل
هذا الاتفاق. بل يتأهب الطرفان فيما يبدو لصراع طويل مع تصعيد العنف
واللجوء إلى داعمين من الخارج في مواجهة من الممكن أن تستمر شهورا أو
سنوات، ومن المرجح أن تتعرض الولايات المتحدة للضغط في اجتماع يعقد في
باريس لتجمع يطلق عليه اسم "أصدقاء سوريا" من جانب تركيا على وجه
الخصوص وحلفاء المعارضة السورية من الدول العربية خاصة المملكة العربية
السعودية وقطر لزيادة المساعدة لمقاتلي المعارضة، ومنذ زمن طويل يساور
واشنطن قلق بشأن مساندة المعارضة السورية التي ترى أنها تفتقر للتنظيم
ومتشرذمة وقريبة بشكل متزايد من متشددين لهم صلة بتنظيم القاعدة. وقصرت
الولايات المتحدة مساعداتها على معدات غير القتالية مثل أجهزة
اللاسلكي، وفي العام الذي تشهد فيه الولايات المتحدة انتخابات الرئاسة
يرغب البيت الأبيض في تجنب أي شئ يبدو مثل تدخل عسكري مفتوح كالحرب في
أفغانستان.
لكن واشنطن تقر أيضا بأن بعض حلفائها قرروا الانخراط أكثر في دعم
مقاتلي المعارضة بهمة، وقالت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية
الأمريكية "نحن قلقون من تدفق المزيد من الأسلحة في وضع يغلب عليه
الطابع العسكري بالفعل.... لقد اتخذنا قرارنا... دول أخرى تتخذ قرارات
أخرى. هدفنا هو محاولة استمرار التنسيق"، ورغم انه من النادر معرفة
تفاصيل معلنة عن المساعدات التي تصل الى مقاتلي المعارضة يقول مسؤولون
أمريكيون ان السلاح الذي تموله السعودية وقطر يصل إلى سوريا وغالبا ما
يكون ذلك عبر لبنان ليستخدم ضد الأسد، ويخشى البعض من أن يؤدي تدخل قوى
خارجية إلى زيادة الوضع تدهورا، وقال اري راتنر وهو مستشار سابق لشؤون
الشرق الأوسط في وزارة الخارجية بإدارة الرئيس الامريكي باراك أوباما
والآن زميل في مشروع ترومان للأمن القومي "الحقيقة المؤسفة هي أنه وضع
صعب للغاية ومن الصعب أن نعلم إلى أين نتجه بناء عليه...تم استدراج دول
أخرى إلى حرب بالإنابة... والتي ربما تساعد في حد ذاتها في إذكاء العنف"،
وما زالت القوى الغربية ملتزمة علنا باللجوء إلى أدوات أخرى لإضعاف
قبضة الأسد على السلطة خاصة فرض عقوبات مالية، ويقول مسؤولون امريكيون
إنهم يأملون أن تصدق المعارضة السورية على خطة جنيف لتقاسم السلطة مع
الموالين للأسد عندما تجتمع في باريس رغم أن متحدثا باسم المعارضة طلب
سلاحا بدلا من ذلك، وترفض واشنطن ذلك تماما لكنها تقول إنها لا يمكنها
منع دول أخرى من تقديم السلاح، وما زال الجيش السوري الحر المعارض
يعاني من نقص شديد في المعدات وغير قادر على شئ سوى هجمات الكر والفر
على عكس قوات الأسد التي أصبحت تستخدم بشكل متزايد الدبابات والعربات
المدرعة والمدفعية وطائرات الهليكوبتر الهجومية، وفي حين أن الجيش
السوري الحر يقاتل منذ شهور في جيوب مثل حمص حيث يستفيد المقاتلون من
تهريب السلاح عبر الحدود مع لبنان فلا يمكنه بالكاد الاحتفاظ بأي مكاسب
يحققها. كما لا توجد لديه الكثير من الخيارات العسكرية عندما تنسحب
القوات الحكومية من مناطق المعارضة لتقصفها بالمدفعية التي تقدمها إما
روسيا او إيران، ولكن على الرغم من كل مشاعر القلق من المساهمة في
تصعيد العنف فإن بعض من يريدون رحيل الأسد يعتبرون تسليح قوات المعارضة
خيارا أفضل من مجرد الانتظار أو من أي شكل من أشكال التدخل العسكري
المباشر على غرار ما حدث في ليبيا، وربما يكون ما قامت به تركيا بعد
إسقاط الدفاع الجوي السوري طائرة حربية تركية أوضح مثال حتى الآن على
ما تقوم به اطراف خارجية لإعادة تشكيل المعركة لصالح مقاتلي المعارضة،
وقد نقلت تركيا مدفعية ثقيلة وصواريخ مضادة للطائرات إلى حدودها مع
سوريا وحذرت دمشق صراحة من أن اي قوات تقترب من الأراضي التركية ربما
تتعرض للهجوم، وقامت حكومة الأسد فيما يبدو بمحاولات من حين لآخر
لاختبار عزيمة تركيا لكن مع اقلاع مقاتلات تركية أكثر من مرة بعد
اقتراب طائرات هليكوبتر سورية من المجال الجوي التركي بدأت الحكومة
السورية في سحب قواتها، وعلى الحدود إن القوات البرية السورية انسحبت
فيما يبدو 30 كيلومترا داخل اراضيها لكنها تقصف مواقع على بعد ثمانية
كيلومترات فقط من الحدود التركية، ويشكو بعض نشطاء المعارضة من أن ما
قامت به تركيا زاد من الوضع تدهورا لأن المناطق التي كانت تتحصن فيها
القوات السورية أصبحت تتعرض للقصف، لكن على الرغم من ذلك فإنه ساعد على
إقامة منطقة عازلة بشكل غير رسمي وزاد من مجال المناورة لدى مقاتلي
المعارضة الذين ينطلقون بالفعل من تركيا. ويقول بعض المحللين إنه من
المرجح أن تحاول الطائرات السورية تجنب إثارة النيران التركية وان ذلك
قد يفرض منطقة حظر طيران فعلية فوق المنطقة، وبعد أن وفرت انقرة المأوى
لزعماء الجيش السوري الحر وسمحت لهم بالعمل من أراضيها لشهور تشير الآن
فيما يبدو إلى القيام بدعم أكثر وضوحا للمعارضة، وقال وزير الخارجية
التركي أحمد داود أوغلو لشخصيات من المعارضة السورية اجتمعت في القاهرة
"ما نراه اليوم هو نظام ابتعد كثيرا جدا عن أي شعور أساسي بالعقلانية"،
وأضاف "أصبحت جهة التعامل الوحيدة بالنسبة لتركيا في سوريا الآن الشعب
السوري... أي المعارضة السورية.. أنتم"، وهذا من المرجح أن يعني أن
أنقرة ستتيح لدول الخليج زيادة شحنات المعدات العسكرية إلى قوات الجيش
السوري الحر المتمركزة في تركيا. وتحتاج المعارضة مثل هذه الإمدادات
بشدة، ويعتقد أن أجهزة مخابرات وقوات خاصة غربية تنشط بالفعل على الأرض
التركية وربما تتعرض لضغوط لتقديم دعم اكثر. وحتى الآن فإن المسؤولين
في واشنطن على وجه الخصوص يقولون إن مهمتهم الأساسية لا تتعلق بمساعدة
مقاتلي المعارضة بقدر ما هي التمكن من معرفة من هم وما إذا كان التعاون
معهم بدرجة أكبر سيكون آمنا، ويواكب الارتباك في التحرك يقينا متزايدا
في أن الدبلوماسية لا تحرز الكثير من التقدم، وقالت حياة علوي المحاضرة
في مجال دراسات الشرق الأوسط بكلية الحرب البحرية الأمريكية "من الواضح
أن العجلات تدور في دوائر دون التحرك للأمام... الدليل هو ان نظام
الأسد يستمر في ممارسات العنف ضد الشعب السوري حتى على الرغم من دوران
عجلة الدبلوماسية"، وأضافت "من المرجح أن يكون هذا السيناريو لشهور
مقبلة"، كما بدأ مسئولون غربيون يتخلون فيما يبدو عن إقناع فلاديمير
بوتين رئيس روسيا بالتخلي عن الأسد. وبعد أن أحرجوا انفسهم مرارا
بقولهم إن هناك تغييرا كبيرا وشيكا في الموقف الروسي يبدو ان هناك
قبولا متزايدا لاحتمال ألا يحدث هذا في الوقت الراهن على الأقل، فبعد
الموافقة على عدم استخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرار مجلس الأمن التابع
للأمم المتحدة والذي أدى إلى الإطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي بدعم
من الغرب العام الماضي لا تبدي روسيا والصين أي مؤشر على السماح بتكرار
الأمر ذاته في سوريا خاصة في وقت يتهم فيه البلدان الغرب بتشجيع
المعارضين الروس والصينيين في الداخل، وقال انتوني سكينر رئيس شؤون
الشرق الأوسط وشمال افريقيا في مؤسسة (ميبلكروفت) للاستشارات في مجال
المخاطر السياسية "هناك حقيقة صارخة وهي أن روسيا والقوى الغربية
والعربية ما زالت غير متفقة ولا يمكنها الاتفاق على تفاصيل اتفاق
لتقاسم السلطة مما يقلل من الضغط في دمشق"، وأضاف "هذه المساعي
الدبلوماسية...مثل محاولة نسج سترة من خيوط متهتكة"، وعلى المدى القصير
هذا التفكك يمكن ان يستمر، إذ قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف
يوم السبت إنه إذا كانت قوى العالم الأخرى ملتزمة حقا تجاه مجموعة
أصدقاء سوريا الموالية للمعارضة "حينئذ سنكون في وضع لا يمكننا فيه
الاتفاق على أي شئ"، لكن على المدى الطويل يعتقد دبلوماسيون على نطاق
واسع أن الأسد لا يمكنه مجابهة احتشاد القوى ضده خاصة أبناء شعبه،
وتخشى الأغلبية من السنة التي تقوم بالاحتجاجات من أن يظل الأسد باقيا
في السلطة وفي هذه الحالة سيكون التنكيل شديدا للغاية، وفي الوقت ذاته
فإن الأقلية العلوية التي ينتمي لها الأسد تخشى الهزيمة. لكن ربما
يقررون في نهاية الأمر أن أفضل فرصة لهم في النجاة هي التخلي عن زعيمهم،
وعندما يتحقق هذا فإن القنوات الدبلوماسية قد يعاد فتحها. وفي هذه
الأثناء فإن القوى الغربية تتساءل عما إذا كان اجتماعها في جنيف يستحق
العناء أصلا، وقال راتنر من مؤسسة ترومان "من الصعب قول إن هذا (اجتماع
جنيف) سيحدث في النهاية أي اختلاف"، وأضاف "هناك ميزة في مواصلة
التفاهم مع الروس والصينيين لجعل الخيار الدبلوماسي مفتوحا. لكني الآن
لا أعتقد أن هناك أملا يذكر في التوصل إلى اتفاق دولي يحل الوضع."
في سياق ذاته أفادت صحيفة كومرسانت الروسية ان الغربيين يحاولون
اقناع روسيا بمنح اللجوء السياسي للرئيس السوري بشار الاسد بعدما تم
التوصل الى اتفاق دولي في جنيف حول مبادىء الانتقال السياسي في سوريا،
لكن موسكو لم تتجاوب حتى الان مع الفكرة رغم ان مصادر في الكرملين ترى
ان فرص الاسد في الاستمرارية سياسيا تبلغ "عشرة بالمئة" كما قالت
الصحيفة، وكتبت الصحيفة نقلا عن مصدر دبلوماسي روسي ان "الدول الغربية
وفي مقدمتها الولايات المتحدة تبذل جهودا حثيثة لاقناع موسكو بمنح
اللجوء السياسي للرئيس السوري"، واضاف المصدر "لكن ليس لدينا مشاريع
لاستضافة الاسد كما لم يكن لدينا" مثل هذه الخطة، من جهته لم يؤكد مصدر
دبلوماسي غربي ولم ينف في حديث لصحيفة كومرسانت المعلومات حول "هذا
الاقتراح الملح" الذي يحتمل ان يكون قدم الى موسكو، وكانت الدول الخمس
الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي (الولايات المتحدة والصين وروسيا
وفرنسا وبريطانيا) وكذلك تركيا ودول تمثل الجامعة العربية اتفقت على
مبادىء انتقال سياسي في سوريا حيث تحولت الانتفاضة ضد نظام الاسد الى
نزاع مسلح. بحسب فرانس برس.
وعلى الرغم من ان اسم الرئيس السوري لم يرد في هذا الاتفاق، الا ان
الوثيقة تنص على انه يعود للسوريين تحديد مستقبلهم. ونقلت الصحيفة عن
المتحدثة باسم الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند القول ان "ليس هناك
اي فرصة لان يسمحوا له بالاستمرار" بالبقاء في السلطة، وقد اعتبرت عدة
دول غربية ان الاتفاق يعني بوضوح انه لا يوجد مستقبل للاسد ما اثار
تحفظ روسيا. فقد اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الغرب بالسعي
الى "تحريف" الاتفاق، وقالت الصحيفة الروسية ان الولايات المتحدة فسرت
اعتماد هذا النص على انه "موافقة غير مباشرة من موسكو على رحيل الاسد"،
لكن الرئيس السوري قال في مقابلة مع صحيفة جمهورييت التركية نشرت انه
"اذا كان ذهاب الرئيس يحقق مصلحة البلد فمن الطبيعي أن يذهب الرئيس..
هذا بديهي.. لا يجوز أن تبقى يوما واحدا اذا كان الشعب لا يريدك..
والانتخابات هي التي تظهر إن كان يريدك أم لا"، ورات كومرسانت ان الاسد
المح في هذا التصريح "بوضوح الى انه مستعد للتنحي اذا كان ذلك يؤدي الى
تسوية النزاع"، واضافت الصحيفة الروسية "بالتالي فان انتقال بشار الاسد
الى دولة اخرى، بما يشمل روسيا، لا يبدو امرا غير مرجح تماما"، وفي
المقابل قالت الصحيفة ان روسيا لا تقوم بحماية الرئيس الاسد شخصيا وان
مواقف موسكو والغرب ليست متباعدة كما توحي التصريحات العلنية، ونقلت
الصحيفة عن مصدر في الكرملين قوله "نحن لا ندافع عن الاسد"، واضاف
المصدر ان "الرئيس السوري اهدر الوقت. وفرص بقائه في السلطة ليست قوية
وتقدر ب10%. ونحن لسنا ضد المعارضة السورية، لكننا نعارض التدخل المسلح
الخارجي في سوريا"، وتتعرض روسيا لضغوط قوية من الغرب لكي تدعو علنا
الاسد للتنحي وسط تزايد اعمال العنف في البلاد لكن موسكو ترفض اي حل
يفرض من الخارج. |