
شبكة النبأ: صفحة جديدة في تاريخ
ليبيا التي شهدت قبل أيام أول ثمار ثورة التغير بعد أن انتهى مواطنوها
من الإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات حرة، ويرى بعض المراقبين المرحلة
القادمة ستكون مرحلة صعبة مؤكدين على أن التنافس السياسي بين بعض
الإطراف والقوى الليبية ربما سيؤثر سلبا على مسيرة التغير التي يتطلع
لها الشعب وفيما يخص هذا الحدث الديمقراطي المهم فقد وأشاد الليبيون -الذين
أدلى كثير منهم بأصواتهم ودموع الفرح تملأ عيونهم- بالانتخابات باعتبار
أنها تضع نهاية لدكتاتورية حكم القذافي وترسم مستقبلا أفضل لبلادهم.
ورغم الأنباء التي أفادت بمقتل اثنين مع سعي المحتجين المعارضين
للانتخابات لإفسادها طغت مشاعر البهجة على الليبيين وأطلق المحتفلون
ألعابا نارية في سماء العاصمة طرابلس بينما أطلق سكان بنغازي في شرق
البلاد القذائف الصاروخية.
وحتى في سرت مسقط رأس القذافي التي شهدت بعضا من اعنف المعارك في
الانتفاضة التي اندلعت العام الماضي لإنهاء حكم القذافي الذي استمر 42
عاما عمت مشاعر الارتياح بين السكان بانتهاء التصويت بهدوء. وصاحت
امرأة لدى احتفالها مع أسرتها قائلة "الله أكبر..هذا عصر الحرية. سرت
حرة للمرة الاولى." وأشادت الحكومة الليبية المؤقتة والداعمين الغربيين
للانتفاضة بالانتخابات باعتبارها انتصارا للديمقراطية. وقال الرئيس
الأمريكي باراك أوباما في بيان "الولايات المتحدة فخورة بالدور الذي
قمنا به لدعم الثورة الليبية وحماية الشعب الليبي ونتطلع إلى العمل
بشكل وثيق مع ليبيا الجديدة."
وما زالت هناك تساؤلات عن كيفية أداء المؤتمر الوطني المؤلف من 200
مقعد ومدى قوة التكتلات الإسلامية داخله وكيف سيجري التعامل مع المطالب
المتزايدة لمزيد من الحكم الذاتي في شرق البلاد. وأعلن تحالف من 65
حزبا ليبراليا بزعامة محمود جبريل وهو رئيس وزراء المعارضة خلال
الانتفاضة تقدمه في الانتخابات لكن المفوضية العليا للانتخابات قالت ان
هذا سابق لاوانه بالنظر إلى النتائج المحدودة من مراكز الاقتراع.
وقال رئيس المفوضية نوري العبار في مؤتمر صحفي في طرابلس ان
المفوضية ليس لديها ما يشير إلى تقدم اي حزب ضد الاخر وانه عندما يتم
التحدث عن تقدم اي حزب فإن هذه مجرد تكهنات. وقال محمد صوان رئيس حزب
العدالة والبناء الجناح السياسي للاخوان المسلمين في ليبيا ان اي
تسريبات بشان النتائج هي ببساطة مجرد دعاية.
وأدلى 1.7 مليون ناخب من اصل نحو 2.8 مليون ناخب مسجل بأصواتهم في
الانتخابات وهي نسبة تبلغ نحو 60 في المئة. وفي حين ان الانتخابات
ذاتها مضت بسلاسة اكثر مما كان يتوقع كثيرون الا إن الطريق في المستقبل
ربما يكون شاقا. فقد أبرز اقتحام محتجين لأربعة مراكز اقتراع في بنغازي
مهد الانتفاضة الليبية أن مطالب الشرق التي تتراوح ما بين تمثيل سياسي
أكبر للمنطقة ونظام اتحادي كامل لن تختفي.
واستعرض مسلحون محليون سطوتهم على مرافئ نفطية في الشرق تتدفق من
خلالها أغلبية كميات النفط الليبي من خلال منع تدفق النفط من ثلاثة
موانيء قبل يوم من الانتخابات. وأكدت المؤسسة الوطنية للنفط عودة العمل
في هذه المرافيء إلى طبيعته بعد توقف دام 48 ساعة.
وقال ايان مارتن مبعوث الأمم المتحدة متحدثا عن شعور المواطنين بأن
سلطات طرابلس بعد خلع القذافي لم تلب الاحتياجات الاقتصادية "أعتقد انه
يجب أن نفرق بين الرغبة في إفساد العملية وبين الشعور الأوسع نطاقا في
الشرق بأن الشرق يتعرض للتهميش." ويشعر الكثير من أبناء الشرق بالغضب
من تخصيص 60 مقعدا فقط للشرق في المؤتمر الوطني مقابل 102 مقعد للغرب
الذي يشمل طرابلس. وفي محاولة في اللحظة الأخيرة لاسترضاء مواطني شرق
البلاد جردت الحكومة الانتقالية المؤتمر الوطني من مهمة تعيين اللجنة
التي ستتولى صياغة الدستور الجديد لليبيا وقالت إن الليبيين بأنفسهم
سيختارون اللجنة في انتخابات أخرى. بحسب رويترز.
لكن سكان الشرق إما تجاهلوا هذه الخطوة أو وصفوها بأنها خدعة
ويعتقدون أنه يجري خداعهم خلال الفترة التي تسبق الانتخابات البرلمانية
الكاملة في 2013. وقالت المحامية المدافعة عن حقوق الانسان هنا الغلال
في بنغازي إن كل الفرص تذهب لسكان طرابلس وكل المنح الدراسية بالخارج
وكل الاجتماعات تعقد في طرابلس. وأضافت أنهم يعرفون كيف يصنعون الحكام
المستبدين هناك. وذكرت كلوديا جازيني من المجموعة الدولية لمعالجة
الأزمات أن من الضروري التعامل مع شكاوى الشرق حتى وإن كان من غير
المرجح الاتجاه نحو نظام اتحادي كامل. وأضافت "تدرك الحكومة أن هناك
استياء عاما في الشرق وهي مستعدة لمعالجة تلك المسألة. ربما يكون من
الأفضل تسميتها لا مركزية."
ائتلاف حكومي واسع
في السياق ذاته دعا محمود جبريل رئيس وزراء المجلس الوطني الانتقالي
الليبي وقت الانتفاضة نحو 150 حزبا سياسيا في البلاد الى دعم تشكيل
حكومة ائتلافية واسعة. وقال جبريل انه يقدم دعوة صادقة لاجراء حوار
وطني لتشكيل ائتلاف واحد تحت شعار واحد. واضاف ان هذه دعوة صادقة
ومخلصة لكل الاحزاب السياسية العاملة اليوم في ليبيا.
واردف قائلا خلال مؤتمر صحفي انه لا يوجد خاسر أو فائز في
الانتخابات وانه مهما كان الطرف الفائز فان ليبيا هي الفائز الحقيقي.
وكان جبريل الذي يتحدث الانجليزية بطلاقة المتحدث الرئيسي للمجلس
الوطني الانتقالي الليبي مع الداعمين الغربيين بما في ذلك فرنسا
وبريطانيا والولايات المتحدة.
ورفض جبريل وصف تحالف القوى الوطنية الذي يتزعمه بانه تحالف علماني
وليبرالي قائلا ان الالتزام بمباديء الشريعة الاسلامية احد مبادئه
الرئيسية وهو تصريح يمكن ان يسهل جهود اقامة علاقات مع الاحزاب
الاسلامية. وقال علي رومة السباعي رئيس جماعة الاصالة الاسلامية
السلفية ان الباب مفتوح للحوار الان بين كل الليبيين لكن اي اتفاق
سيكون غير ممكن بدون معرفة ما هو مطروح على الطاولة وصرح بأن الجماعة
لا تساوم على مبادئها. بينما قالت جماعة الوطن الاسلامية التي يتزعمها
القائد السابق لمقاتلي المعارضة عبد الحكيم بلحاج انها تدرس الدعوة.
واذا شكل ائتلاف كبير على هذا النحو فانه سيهيمن بشكل حتمي على المؤتمر
الوطني الجديد المؤلف من 200 عضو والذي صوت الليبيون لاختيار اعضائه
ومن بين مهامه تعيين رئيس وزراء ومجلس وزراء للعمل قبل الانتخابات
البرلمانية الكاملة المقرر ان تجرى في 2013 . بحسب رويترز.
وقال جبريل انه لابد من اجراء حوار جاد مع الشرق واضاف انه يعتقد
انه مع وجود رغبة صادقة لدى الجانبين فيمكن التوصل لحل وسط. ويقول
محللون ان من الاولويات الليبية التعامل مع شكاوى المنطقة الشرقية في
صياغة الدستور الجديد وان كان من المستبعد الذهاب الى مدى الفيدرالية
الكاملة. وقالت كلوديا جازيني من المجموعة الدولية للازمات "تدرك
الحكومة ان هناك استياء عاما في الشرق وهم مهتمون بمعالجة هذه القضية.
على الارجح سيتم تعريفها أكثر على انها لامركزية."
الليبراليون و الفوز المفاجئ
على صعيد متصل اعلن ائتلاف القوى الليبرالية في ليبيا الاحد انه
يتصدر في معظم الدوائر الانتخابية في البلاد نتائج الانتخابات
التشريعية التاريخية التي جرت السبت واشاد بها المجتمع الدولي. من
جانبه اقر محمد صوان زعيم حزب العدالة والبناء الاسلامي المنبثق من
تيار الاخوان المسلمين، ب"تقدم واضح" في طرابلس وبنغازي لتحالف القوى
الوطنية الذي يضم اربعين حزبا صغيرا.
وصرح فيصل الكريكشي الامين العام لتحالف القوى الوطنية "ان التقارير
الاولية (للائتلاف) تشير الى تقدم الائتلاف في معظم الدوائر الانتخابية".
وتستند استنتاجات القوتين المتنافستين، الليبرالية والاسلامية، الى "تقارير
اولية" من مندوبيهم الذين يراقبون عمليات فرز الاصوات في اول انتخابات
حرة تشهدها البلاد وسينبثق عنها "مؤتمر وطني عام".
واذا تأكدت هذه النتائج فان ليبيا ستختلف عن جارتيها تونس ومصر
اللتين مرت عليهما رياح الربيع العربي وفاز فيهما الاسلاميون بالحكم في
اول انتخابات تلت انهيار نظامي الحكم فيهما. وتشمل هذه التقديرات
الاولى نتائج المقاعد المخصصة للاحزاب السياسية المتنافسة وعددها 80
مقعدا من اصل 200 مقعد.وبالنسبة للمقاعد المئة والعشرين المخصصة
للمرشحين فرديا، يتوقع ان تنحو النتائج نفس المنحى حيث ان معظم
المرشحين مدعومين من احزاب سياسية. و تحدث العديد من مراقبي الانتخابات
في طرابلس وبنغازي عن فوز "ساحق" لليبراليين في عدة دوائر ومراكز
اقتراع بنسب تتجاوز احيانا 90% مثل ما جرى في حي ابو سليم الشعبي
بالعاصمة.
الى جانب ذلك اشاد المجتمع الدولي بحسن سير الاقتراع. ونوه الاتحاد
الاوروبي بانتخابات "تاريخية حقا" في ليبيا لا سيما وانها جرت في
"اجواء من الحرية" بينما تحدثت لندن عن "مرحلة هامة" ولحظة "تاريخية"
لهذا البلد في طريقه الى الحرية. ووصفت ايطاليا، القوة الاستعمارية
السابقة، الانتخابات الليبية بانها "منعطف حاسم"، مؤكدة ان الامر يتعلق
بمرحلة مصيرية في هذا البلد نحو إرساء الديموقراطية. بحسب فرنس برس.
بدوره عرض الرئيس التونسي منصف المرزوقي على مصطفى عبد الجليل رئيس
المجلس الانتقالي الليبي المساعدة في "اعادة بناء المؤسسات الدستورية
في هذا البلد، بحسب ما اعلنت الرئاسة التونسية. وقالت الرئاسة في بيان
أن المرزوقي عبر خلال اتصال هاتفي مع عبد الجليل الاحد "عن استعداد
تونس المطلق لمد يد المساعدة، انطلاقا من تجربتها التأسيسية، لاشقائها
في ليبيا من أجل طي المراحل المتبقية لإعادة بناء المؤسسات الدستورية
بالسرعة والنجاح المطلوبين". |