النشاط التنموي المتكامل لمؤسسات التمويل الأصغر العربية نعم أم لا ؟

حسن ابراهيم

حسب الإحصاءات التي قدمتها الشبكة العربية للتمويل الأصغر– سنابل لعام 2010 فإنه يوجد في إحدى عشر دولة عربية 1950 مكتب/فرع تابع لمؤسسات صناعة تمويل الأصغر المنتشرة في تلك البلاد بقوة وظيفية 15 ألف موظف وحسب آخر تقديرات فإن الوطن العربي به 3 مليون عميل بمحفظة 1.59 مليار دولار، والدور الاساسي الذي تؤديه مؤسسات التمويل الأصغر في الوطن العربي هو تقديم الخدمات المالية وغير المالية لعملائها وهم في الغالب من الفئات المهمشة والتي لا تستطيع التعامل مع القطاع المصرفي مما يعمل على توفير فرص عمل لها لتكون قادرة على الكسب والحياة.

أما السؤال المطروح للمناقشة والبحث في تلك المقال هل يتعين على مؤسسات التمويل الأصغر العربية بالقيام بأدوار تنموية أخرى في مختلف مجالات التنمية (صحية، تعليميه، ثقافية......) ومن ثم إنشاء كيانات تنموية ملحقة بها تقوم هي بإدارتها؟ أم يجب عليها أن تحترم التخصص وتكون فقط متخصصة في تقديم خدمات التمويل الأصغر المعروفة ؟

دعونا أولاً نقوم بعرض بعض الإسهامات التي قامت بها مؤسسات التمويل الأصغر لخدمة مجتمعاتها وهذا بمختلف البلدان العربية. فعلى سبيل المثال في مصر قامت جمعية رجال الأعمال والمستثمرين بالدقهلية بالمساهمة في إنشاء دور كامل بتكلفة مليون وثمانمائة ألف جنيها في بناء مستشفى الحالات الحرجة والنقاهة التابع لمستشفيات المنصورة الجامعية.

وفي الأردن وقعت الشركة الأردنية لتمويل المشاريع الصغيرة " تمويلكم" والمعهد الوطني للموسيقى اتفاقية تعاون بحيث تقوم تمويلكم بتقديم دعم ومنح دراسية بقيمة 50000 الف دينار لطلبة المعهد الوطني للموسيقى المتفوقين والموهوبين المقبولين بالدراسة كما تخص البعض من ابناء عملائها الموهوبين بمنح للدراسة في المعهد وتهدف هذه الإتفاقية الى توفير فرص متكافئة ومنح دراسية للطلبة الموهوبين والمتميزين موسيقياً، كما تهدف الى زيادة وتعزيز دور مؤسسات التمويل الأصغر في مجال التعليم والشباب وتوزيع الفرص بشكل عادل على الطلبة المتفوقين والموهوبين بغض النظر عن مستواهم المعيشي.

وفي البحرين تم إبرام مذكرة تفاهم بين وزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية وبنك الأسرة البحريني بموجبها سيقوم بنك الأسرة حسب المذكرة بتولي تنفيذ مشروع (مصنع الأفكار) من خلال طرح أفكار المشروعات الصغيرة ودراسة الأفكار التي تقدم من الأفراد والأسر الراغبة في تأسيس مشروعاتها الصغيرة والتي لا تتمتع بالمهارة والخبرة الكافية والقدرة المالية لتنفيذ مشروعاتها بنفسها والتنسيق لطرح أفكار جديدة والتنسيق لتدريب الأفراد والأسر التي تم اختيارها لصقل مهاراتهم ليتمكنوا من البدء في تنفيذ المشروعات التي اعتمدت لهم وإدارتها.

وفي فلسطين انضمت المؤسسة الفلسطينية للإقراض والتنمية (فاتن) للعام 2012 إلى الموقعين على الميثاق العالمي للأمم المتحدة والمبادئ العالمية العشرة في مجالات حقوق الانسان والعمل والبيئة ومكافحة الفساد حيث تتناول الأنشطة الفعلية لمؤسسة فاتن مبادئ الميثاق العالمي من خلال تنفيذها للمبادئ العشرة والتي ساهمت في ايجاد قيمة مستدامة لها ودافعا قويا للنجاح وبناء الثقة على المستويين المحلي والعالمي.

إن الإسهامات التنموية السابقة لمؤسسات التمويل الأصغر العربية بالرغم من أهميتها ولكنها تظل إسهامات فردية تدور حول دفع مبلغ لإحدى الهيئات لتقوم هي بحمل الرسالة التنموية المجتمعية أي أنه يظل دور مؤسسة التمويل الأصغر هو دور تمويلي فقط ولم ترتقي الي الآن للمشاركات الفعالة التي يكون فيها مؤسسات التمويل الأصغر هي التي تنشئ وتدير المؤسسات التنموية وتكون مؤسسات لاحقة بها.

إن ما اتحدث عنه بإنشاء مؤسسات ملحقة بمؤسسات التمويل الأصغر هو التطور الطبيعي لتلك المؤسسات وهو أيضا ليس جديد على صناعه التمويل الأصغر فمخترع التمويل الأصغر في العالم والذي قام بإنشاء بنك جرامين قام بإنشاء عدة مؤسسات تنموية تابعة له ليستطيع تقديم خدمات متكاملة للفقراء ومن تلك المؤسسات مؤسسة جرامين كريشي وتهدف إلى تحسين نظام الري ومؤسسة جرامين أدوج التي تهتم بالمنسوجات اليدوية وأسس البنك بالتعاون مع اليونسكو في إطار مبادرة التعليم للجميع مؤسسة جرامين للتعليم وقام البنك أيضا بإنشاء مؤسسة جرامين كاليان وهي مؤسسة للرفاهية الريفية ومؤسسة جرامين شاموجرى التي تهتم بالمنتجات الريفية ومؤسسة جرامين تيليكوم المتخصصة في وسائل نقل المعلومات إلى الفقراء الريفيين.

وكذلك مؤسسة جرامين شاكتي التي تعمل في مجال توفير الطاقة المتجددة في القرى المحرومة من الكهرباء ومؤسسة جرامين ترست التي تعمل على تقديم الدعم المالي من خلال المانحين الي مؤسسات التمويل الأصغر في دول العالم الأخرى وايضا قام بتأسيس مؤسسة جرامين دانون للأغذية بهدف تقديم غذاء صحي يومي للفقراء ومؤسسة جرامين فيوليا المحدودة للمياه من أجل جعل المياه النظيفة والآمنة متاحة لسكان القرى ومؤسسة باسف جرامين وتهدف الي تحسين صحة الفقراء من خلال تحسين مستوى التغذية ومن خلال الحماية من الأمراض الناتجة عن الحشرات وقد بلغ عدد المؤسسات الملحقة بالبنك أكثر من 20 مؤسسة.

ولكن أيضا ولضرورة عرض الرأي الآخر فيرى بعض الخبراء أنه بالرغم من الاسباب المقنعة لحث مؤسسات التمويل الأصغر لتقديم الخدمات التنموية المختلفة إلا أنه ينبغي على مؤسسات التمويل الأصغر أن تتوخى الحذر وأن تتجنب القيام بأدوار جديدة تتطلب مهارات مختلفة تمامًا والتي قد تهدد نجاحها وقدرتها على توسيع نطاق هذا النجاح والارتقاء به.

وأن على هذه المؤسسات أن ترتكز على ما يمكن أن تقوم به على أكمل وجه وهو توفير الخدمات المالية للفقراء والعمل على زيادة عمق واتساع ونطاق انتشارها الذي يسهم قطعًا في برامج التنمية في بلدانها ولكن مع مزيد من ضمانات النجاح (يشير عمق الانتشار إلى مستوى فقر عملاء مؤسسة التمويل الأصغر. ويمثل اتساع الانتشار عدد العملاء الذين تخدمهم مؤسسة التمويل الأصغر – بينما يعكس نطاق الانتشار مدى تنوع الخدمات المالية التي تقدمها مؤسسة التمويل الأصغر).

ومع إختلاف الرأي بضرورة أن تدخل مؤسسات التمويل الأصغر في كافة المجالات التنموية لإحداث أكبر قدر ممكن من المنفعة التي تعود على الفقراء والرأي المتحفظ الذي يرى لزوم تخصص مؤسسات التمويل الأصغر في تقديم الخدمات التمويلية المعروفة فقط والعمل على الحصول على أكبر قدر ممكن من انتشار واتساع خدماتها للفئات المهمشة والذي يعمل بدوره على تنمية المجتمع يظل هذا الموضوع موضوع للمناقشة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/تموز/2012 - 17/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م