العقل والتعقل... والمواقف السياسية

د. يوسف السعيدي

لم يتميز الانسان عن سائر المخلوقات فقط لان الله سبحانه قد خلقه بقامة منتصبة لتحرير يديه وقد وضع الابهام مقابل الاصابع ليستطيع الامساك بالأشياء واعطاه القدرة على تحوير الهواء الى الفاظ بواسطة الحبال الصوتية واللهاة واللسان والاسنان والشفتين... ثم انه لا يعتمد على الغريزة وحدها التي اسماها ادلر ذاكرة النوع او هي المعلومات المتوارثة في كروموسومات الخلايا (software biology) بل ان الخالق سبحانه قد منحه الدماغ الذي يرتفع به على سائر المخلوقات ومهما تكن قدرات الانسان ومعارفه فانه لم يستخدم الا جزء يسير من هذه الهبة والبعض لا يستخدمها بالمرة...

ومن وظائف العقل الرئيسة هي الاستنباط من خزين المعارف وقدرته على تصور النتائج لكل قول ولكل عمل... ومتابعة الظواهر في تصيرها الدائم ليعرف ايان المنتهى وما هو المآل... نعم ان الكثير من تصرفات الانسان هي ردود افعال للمؤثرات الخارجية تنبع من الغريزة او الخبرة... لكن البعض الاخر ولا سيما في الامور ذات الاهمية مصدرها الاحتكام للعقل... ولقد طالب ديكارت بالشك لكي نصل الى اليقين ومعنى ذلك اننا نحتاج الى البراهين قبل ان نحكم ونصدق وعليه فان (الكوجبيو) الديكارتي (افكر فانا موجود) انما يعني ان الوجود الفاعل للانسان وليس الوجود المادي (اشغال حيز من الفراغ) ان هذا الوجود يعتمد على قدرة الانسان على التفكير..

والمفروض ان الفكر هو الذي يصنع الكلمات ليعبر عما فيه لا ان يعيش ما اسماه فرنسيس بيكون (اوهام السوق) حيث تتحكم الكلمات بالفكر..

 لذلك نقول انه في الوسط السياسي العراقي نرى البعض يردد الكلمات والمصطلحات التي كانت سائدة في النصف الثاني من القرن العشرين، وعندما تتاح للمرء فرصة الغوص معه فيما يطرح ويقول ومدى انطباقه على اوضاع البلاد الراهنة فانه لا يجد الا فقاعات كرغوة الصابون...

وقد ادى عدم استخدام العقل في حدوده الدنيا الى تصور بعض الاحزاب والحركات السياسية وقادة بان لها الحق ان يكون العراق لطائفة واحدة دون سواها او لمحافظة او مجموعة من المحافظات دون غيرها او لقومية او قوميتين ليس الا، اما ماذا سوف يفعل بالملايين من المواطنين الاخرين فذاك سؤال لم يطرح في غياب العقل بل ان البعض ذهب الى اليقين الى التصفيات الجسدية والتهجير هما الوسيلة لإفراغ العراق من الملايين التي لا يرغب بوجودها....

ايضا فان بعض الاحزاب وزعماءها يريدون حركة الدولة في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية تسير وفق هواها ووفق ما تعتقد انه صحيح ذلك لان عدم استخدام العقل يقودها الى الافتراض بانها وحدها على حق وعلى صواب وان الاخرين دائما مخطئون...

وعندما يعجز عن ممارسة ذلك لوحده فانه ينزلق الى تحالفات مع حركات اخرى كان يكيل لها شتى التهم ويغادر حركات كانت قبل ايام موضع مديحه وثنائه... وهكذا نجد ان تحالفات تتفكك وتحالفات تقوم ليس على اساس اللقاء المبدئي او الخلاف في العقيدة والمنهج انما على اساس البحث عن اقصر الطرق للوصول الى السلطة وتوظيفها لمصلحة القيمين على الحزب أو الحركة...

يحدث هذا والشعب في حيرة من امره وهو يسمع من الفضائيات ان هذا تخلى عن ذاك وتحالف مع غيره وهذا يرفض ثم يقبل وذاك يقبل ثم يرفض دون توضيح او تبرير...

ان العراقيين يريدون التحرر من النفوذ الاجنبي العسكري والسياسي.

وان العراقيين يريدون السلام والاستقرار في بيوتهم وحاراتهم وبلداتهم ومدنهم وقراهم..

وان العراقيين يريدون ان تظل بلادهم موحدة ارضاً وشعباً وان تبقى دولة العراق هي ذاتها منذ ان نالت استقلالها دون تفريط بشبر منها ودون انفلات أي جزء عن الكل..

وان العراقيين يريدون الرفاهية ورفع المظالم والتمتع بالحد الادنى من العيش الكريم...

وان العراقيين يريدون دولة ديمقراطية تتنافس فيها الاحزاب من اجل الافضل وليس من اجل تمزيق الصفوف.

الى هذا يؤدي استخدام العقل فمن ادرك عقليا ان هذه الاماني يجب ان تتحول الى حقائق على ارض الواقع ليتقدم الصفوف ولا يهمنا اسمه ولا تاريخ ميلاده ولا محل الولادة ومن اجل هذه المبادئ ليتحالف المتحالفون..........

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/تموز/2012 - 17/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م