قراءة في كتاب: لغة واعلام الغزو الامريكي للعراق 2003

 

 

 

 

 

 

الكتاب: جيوش اللغة والاعلام

الكاتب: د. علي ناصر كنانة

الناشر: دار الجمل / بغداد – بيروت

الطبعة الاولى: 2012

عدد الصفحات: 608 صفحة من القطع الكبير

قراءة: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا زالت الحرب الامريكية على العراق في العام 2003 تتصدر الكثير من الاهتمامات والاخبار، ولا زال السجال حول اسبابها يتفاعل مع كل كتاب لمذكرات سياسي شارك في قرارات الحرب، بدءا من بوش الابن مرورا بتوني بلير، والوثائق البريطانية الاخيرة وغيرها من مذكرات الساسة او تقارير وزارات الدفاع والخارجية في عدد من بلدان العالم.

كتاب الدكتور علي ناصر كنانة يأتي ضمن هذا السياق من الاهتمام، ولكن عبر زاوية اخرى مغايرة لما سبق ذكره، انه محاولة لرصد مجريات الحرب عبر اللغة التي استعملتها وسائل الاعلام حينها لتصنع حربا، وتؤشر لانتصارات هي اقل ما يقال عنها حرب وانتصارات لغوية، والكتاب هو اطروحة الدكتوراة التي تقدم بها الباحث الى جامعة الروح القدس الكسليك في لبنان سعى فيها الباحث الى اثبات ان العراق تم غزوه لغويا في المقام الاول.

ان اي دراسة للغة الاعلام ينبغي ان تنطلق من محورين:

1 – تاريخية اللغة: وتعني اللغة التي يوظفها الاعلام للتعبير عن الرسالة الكامنة في النص المنشور، خبرا كان ام قصة اخبارية، ولان اللغة قيد الاستعمال لا تنزع من تاريخها، يراد لهذا التاريخ في هذه الحالة ان يحضر بقوة حتى تستطيع النفاذ الى الوعي الجماعي. واذا ما استخدمت الكلمات مجردة من تاريخها

واذا ما استخدمت الكلمات مجردة من تاريخها ستصطدم بالرفض او سوء الاستقبال في ميدان التلقي، لان الجمهور لا يتفاعل مع لغز لا تحله حتى لو كانت بلسانه، وبكلمات اخرى ان اللغة بتاريخها الامريكي هي غير اللغة بتاريخها الفرنسي او العربي. وبالتالي فان ما ينجح هناك يخفق هنا والعكس صحيح.

2 – بيئة اللغة: وتعني الظروف الزمانية والمكانية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي تستخدم في ظلها اللغة. ويمكن القول انها مجموعة السياقات غير الالسنية التي تتماهى فيها اللغة قيد الاستعمال. ولنقل على سبيل المثال، ان اللغة التي استخدمت خلال حملة ادارة بوش لتسويق غزو العراق وصلت الى مبتغاها في بيئتها الامريكية، ولكنها اخفقت توصيليا في بيئات اخرى في مناطق اخرى من العالم.

خصص الكاتب القسم الاول لدراسة ثيمة يعتقد انها جوهرية لبنية اطروحته، وهي انتاج واعادة انتاج الوعي من خلال جملة من العناصر التي تمكن منظمي الادراك من تسويق الرسالة اللغوية في السياق الاعلامي. وهو بهذا القسم يريد ان يوضح ويسلط الضوء على الكيفيات المستخدمة في الولايات المتحدة للتأثير في الوعي وصوغه، وبالتالي كشف البيئات الاعلامية واللغوية والثقافية التي خصّب بها تسويق قرار الغزو الامريكي للعراق.

وبعد ان افرد الكاتب قسما خاصا لثقافة الصورة، انطلاقا من حقيقة اننا نعيش في عصر ثقافة الصورة حيث تعتمد التعبيرات الاعلامية الجديدة، وحيث تواجه اللغة، المكتوبة والمنطوقة، تحديا جديا لاسيما ان الصورة ادت دورا مؤثرا، من حيث كونها لغة بصرية، في الحرب وموضوع البحث، وجد الكاتب طلبا للايجاز والتكثيف، ان يدمج الحديث عن ثقافة الصورة بقسم انتاج واعادة انتاج الوعي، وهو لاشك دمج غير تعسفي نظرا الى ما في القسمين من تداخل.

وادراكا لكون اللغة هي العالم، هي القوة والسياسة والحرب، كان من غير المقنع بالنسبة للكاتب ان يقفز على بعض موجبات العمل بالانتقال الى دراسة وظيفة اللغة في الاعلام في تلك اللحظة من التاريخ من دون ان يتم التطرق الى خلفيات هذه الوظيفة والياتها وطبيعة هذه اللغة، وسبر اغوار العالم الغامض والمعقد للاعلام، فكان ان خصص الكاتب القسم الثاني لدراسة اللغة بنفسها، وفي علاقاتها الجدلية بالثقافة والهوية، بالاعلام والمتلقي، بالفكر والايديولوجيا والسياسة، ومن المسلم به ان هذه العلائقيات تمثل في مجموعها الفضاء الحيوي الذي تشتغل فيه اللغة.

ولان الكتاب هو بحث في لغة واعلام حدث جلل تتواشج اسبابه ونتائجه مع التاريخ الحديث، البعيد نسبيا والقريب جدا، كان من المهم استحضار هذا التاريخ الذي تابعه الاعلام وحاكمته اللغة، من خلال استعراض مفردات القوة والصراع في العلاقات العراقية – الكويتية – الامريكية، مقدمات ونتائج، في القسم الثالث، لنجد لغة كثيرا ما صاغت او ساهمت في صوغ احداث وحروب واحتلالات، اخرها احتلال العراق، وقد خصص الكاتب فصلا لدراسة العلاقة بين الحرب والاعلام واللغة، من خلال حرب الخليج 1991 انموذجا، حيث مثلت هذه الحرب نقطة تحول في طبيعة هذه العلاقة من جهة، وفي التعبير عنها من جهة اخرى.

ثم انتقل الكاتب الى فصل تناول فيه كيف استبقي نظام العقوبات من خلال الادامة اللغوية لمبرراته التي اخضعها للتحليل في الفصل الرابع الخاص بمظاهر الاستهداف المبكر للعراق.

وفي الفصل الخامس بحث الكاتب في الغرس اللغوي لخطاب الحرب الذي خصصه لملامح المناخ اللغوي لتوجيه الراي العام... ولان فرضية البحث تستند زمنيا بالدرجة الاولى الى الفترة التي سبقت الغزو حيث لعبت اللغة سياسيا وبالتالي اعلاميا، الدور الابرز في صناعة الغزو، افرد الكاتب القسم الرابع الموسوم (خطاب الحرب) الذي يدرس وظيفة اللغة في الاعلام قبل غزو العراق، وتحديدا خلال الفترة التي تتراوح بين عام ونصف الى عامين حتى مارس 2003، ليكون بمنزلة النموذج التطبيقي لاثبات فرضية البحث القائمة على ان اللغة هي التي سوقت الحرب اعلاميا الى الراي العام الامريكي، وقد اشتمل هذا القسم على اربعة فصول: التسويق اللغوي لغزو العراق، طبول اللغة. طبول الحرب، المنظومة اللغوية لتذنيب وتبرير الغزو، واخيرا الكونغرس يجيز ومجلس الامن يرفض. وقد حفل القسم الرابع بتفرعات كثيرة لفصوله تساعد على مزيد من التدقيق والتأطير وتامين الموضوعية.

اما القسم الخامس فقد كان المساحة التي انشئت عليها العلاقة بموضوع البحث، بالتكامل مع القسم الرابع، ولكن لدراسة وظيفة اللغة في الاعلام ابان غزو العراق 2003 وقد اشتمل على الفصول التالية: الاعلام والحرب. الجبهة الرابعة، اللغة والحرب. كلمات ملطخة بالدماء، التغطية الاعلامية لغزو العراق 2003.

وقد افرد الكاتب القسم السادس لتحليل العينات من مختلف وسائل الاعلام: امريكية واوربية وعربية، قسمها على ثلاثة فصول:

الاول: فوكس نيوز، سي ان ان، نيويورك تايمز، واشنطن بوست.

الثاني: بي بي سي، الغارديان، داغيس نيهيتر.

الثالث: الجزيرة، الشرق الاوسط، القدس العربي. وقد كرس الكاتب الفصل الرابع لمقارنات نموذجية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/تموز/2012 - 17/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م